أستراليا تشهد جدلًا سياسيًا بشأن رفع حظر الطاقة النووية محليًا (تقرير)
نوار صبح
- • شبكة الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري كانت ركيزة لاقتصاد أستراليا لعقود من الزمن
- • محطات الطاقة النووية تعمل على توفير الكهرباء في العديد من البلدان حول العالم
- • إنشاء صناعة نووية سيستغرق وقتًا طويلًا وسيكون بناؤها مكلفًا للغاية مقارنة بالبنية التحتية البديلة
- • أستراليا تخطط لخفض غازات الدفيئة بنسبة 43% بحلول عام 2030 للوصول إلى الحياد الكربوني
- • المفاعلات النووية تعمل على مدار الساعة يوميًا لتوليد كهرباء الحمل الأساسي
- • معارضة حزبي العمال والخضر العنيدة للطاقة النووية "تكاد تكون غير عقلانية"
شهدت أستراليا، خلال الأشهر الأخيرة، جدلًا سياسيًا حادًا بشأن مستقبل إمدادات الطاقة في البلاد، ومن بينها الطاقة النووية، إذ طالب زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون، حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز، برفع الحظر المفروض منذ مدة طويلة محليًا، ونشر ما يرى أنها طاقة نووية نظيفة وموثوقة وزهيدة التكلفة.
وتُعدّ الحكومة الأسترالية، برئاسة أنتوني ألبانيز، مقيّدة بالتزاماتها في مجال الطاقة النظيفة، ولا يمكنها تحمل التأخير في تحقيق طموحاتها النووية، وفق التقارير التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
من ناحيته، سَخِر وزير التغير المناخي والطاقة الأسترالي كريس بوين، من مطالبة داتون وما يسميه خططه غير المعقولة والمكلفة والخطيرة، متسائلًا عن قابلية تحقيقها وتكلفتها وجدواها، حسبما نشرته صحيفة ذا سيدني مورنينغ هيرالد الأسترالية (The Sydney Morning Herald).
رغم ذلك، تشهد أستراليا ثورة غير مسبوقة في مجال الطاقة، إذ تتحول من شبكة الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري، التي كانت ركيزة لاقتصاد البلاد لعقود من الزمن إلى الطاقة النظيفة، من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وانتشار مزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية في جميع أنحاء البلاد.
ويأتي هذا التحول مدفوعًا بالتزام أستراليا بالمساعدة في معالجة تغير المناخ عن طريق خفض انبعاثات غازات الدفيئة الضارة.
سبب حظر الطاقة النووية في أستراليا
تعمل محطات الطاقة النووية على توفير الكهرباء في العديد من البلدان حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة، منذ عقود. وقد أعلنت الهند خططًا لتطويرها.
وتشير إمدادات أستراليا الوفيرة من الفحم والغاز، والطلب القليل نسبيًا على الكهرباء بسبب قلة عدد سكانها، إلى أن البلاد أسست شبكتها الكهربائية اعتمادًا على الوقود الأحفوري.
في أستراليا، فرضت حكومة رئيس الوزراء السابق جون هوارد حظرًا وطنيًا على الطاقة النووية في عام 1999، بعد مساومة مع الديمقراطيين الأستراليين بشأن سياسة الإصلاح الأخضر، وقانون حماية البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي، الذي نص على أن الوزير المعني يمكنه رفض إنشاء محطة للطاقة النووية.
وبعد 7 سنوات، طلبت حكومة هوارد من الرئيس التنفيذي لشركة تيلسترا عالم الفيزياء النووية، زيغي سويتكوفسكي، إعداد تقرير بشأن مزايا الطاقة النووية في أستراليا.
ووجّه هذا التقرير ضربة قاصمة إلى الصناعة، إذ وجد سويتكوفسكي أن الطاقة النووية لا يمكن أن تتنافس اقتصاديًا مع كهرباء الفحم إلا إذا جرى فرض ضريبة الكربون المثيرة للجدل سياسيًا.
في عام 2019، قال سويتكوفسكي أمام لجنة برلمانية، إن هناك احتمالًا ضئيلًا لأن تطور أستراليا صناعة الطاقة النووية، لأن "نافذة استعمال قدرات كبيرة في مولدات الطاقة النووية قد أغلقت الآن أمام البلاد".
وأضاف أن إنشاء صناعة نووية سيستغرق وقتًا طويلًا، وسيكون بناؤها مكلفًا للغاية مقارنة بالبنية التحتية البديلة، مشيرًا إلى أنه "من غير المرجح أن تتمكن الصناعة من توفير دعم كافٍ للحصول على ترخيص اجتماعي للعمل".
وأوضح أنه "بالنظر إلى أن الاستثمار في محطات توليد الكهرباء، خصوصًا الكبيرة منها، سيبدأ بمبلغ 10 مليارات دولار أميركي ويرتفع فوق ذلك، وسيستغرق الأمر نحو 15 عامًا حتى ينجح، فلا يمكنك التقدم دون دعم مجتمعي قوي ومشاركة من الحزبيْن".
لذلك يدعو الائتلاف الفيدرالي المعارض الآن إلى إلغاء حظر الطاقة النووية.
هدف الوصول إلى الحياد الكربوني
بموجب التزامها باتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، تخطط أستراليا لخفض غازات الدفيئة بنسبة 43% بحلول عام 2030، للوصول إلى الحياد الكربوني. وبموجب الاتفاقية، من المتوقع أن تحدد البلاد أهدافًا طموحة قابلة للتحديث بحلول عام 2035.
ويولّد الفحم نحو ثلثي الكهرباء في أستراليا. وتُعدّ شبكة الكهرباء مصدرًا رئيسًا للانبعاثات، إذ تهدف حكومة أنتوني ألبانيز إلى الحدّ منها. ويتمثل هدفها في توليد 82% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وقد تراجعت الجدوى الاقتصادية لصناعة الفحم بسبب مصادر الطاقة المتجددة الأرخص ثمنًا، وسط تزايد الحاجة إلى الطاقة البديلة، إذ من المقرر إغلاق 5 من أصل 15 محطة في غضون عقد من الزمن، حسبما نشرته صحيفة ذا سيدني مورنينغ هيرالد الأسترالية (The Sydney Morning Herald).
كما هو الحال مع محطات الفحم، تعمل المفاعلات النووية على مدار الساعة لتوليد ما يُعرف باسم كهرباء الحمل الأساسي. وتمثّل هذه واحدة من الفوائد الرئيسة المذكورة في الحجج المؤيدة للطاقة النووية، لتحل محل الفحم بصفتها ركيزة الشبكة المحايدة كربونيًا.
ويرى المحللون أن أي ذروة في الطلب، على سبيل المثال بسبب موجة حارة أو موجة برد عندما تشغّل العديد من الأسر مكيفات الهواء أو السخانات فجأة، من الممكن تلبيتها من محطات الغاز أو البطاريات، وهذا يعني أنها قادرة على توفير الكهرباء للشبكة في وقت قصير.
ويشير المدافعون عن الطاقة المتجددة إلى أن المستثمرين يتدفقون على مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية واسعة النطاق، التي تضخ كهرباء أرخص ثمنًا إلى الشبكة وتتفوّق على الفحم.
وترى هيئة تشغيل سوق الطاقة الأسترالية (إيه إي إم أوه)، التي تدير شبكة الكهرباء، إن الشبكة القائمة على مصادر الطاقة المتجددة ستكون موثوقة تمامًا مثل النظام الذي يركز على كهرباء الحمل الأساسي.
الوقت اللازم لإنشاء صناعة الطاقة النووية
بالنظر إلى أن مصادر الطاقة المتجددة متاحة الآن وبتكلفة زهيدة، فمن المرجح أن يستغرق إنشاء صناعة الطاقة النووية في أستراليا عقودًا من الزمن.
في أغسطس/آب، قال كبير العلماء الأستراليين السابق آلان فينكل، إنه من غير المرجح أن تتمكن أستراليا من افتتاح محطة للطاقة النووية قبل أوائل الأربعينيات من القرن الحالي، مشيرًا إلى أن الإمارات العربية المتحدة استغرقت أكثر من 15 عامًا لإكمال أول محطة نووية لها باستعمال التكنولوجيا الراسخة.
من جهتها، قالت الشريكة في مجال تغير المناخ والاستدامة إيما هيرد: "إذا كان الأمر يتعلق بالحاجة إلى النشر السريع لتكنولوجيا الطاقة منخفضة الانبعاثات لتحل محل الفحم، فإن الطاقة النووية تستغرق وقتًا طويلًا للحصول على الموافقة، ناهيك بالبناء والتشغيل".
هل تحل الطاقة النووية "مشكلة" خطوط الكهرباء؟
تتمثل إحدى النقاط الشائكة الرئيسة في انتقادات المعارضة للطاقة المتجددة في سعي حكومة أنتوني ألبانيز لبناء نحو 10 آلاف كيلومتر من خطوط الكهرباء، لربط عدد كبير من مشروعات الطاقة المتجددة التي تظهر في جميع أنحاء البلاد بالمدن الكبرى.
وتتوقع هيئة تشغيل سوق الطاقة الأسترالية (إيه إي إم أوه)، أن تكلفتها قد تبلغ نحو 13 مليار دولار بحلول عام 2030.
ويقول المدافعون عن الطاقة النووية، إنه يمكن تجنّب هذه التكاليف من خلال بناء محطات نووية في مواقع محطات الفحم الحالية، إذ تتلاقى خطوط النقل القائمة.
ويشعر خبراء الطاقة بالقلق بصورة متزايدة من أن الوقت ينفد، ما يهدد قدرة أستراليا على التعويض عن الإغلاق الوشيك لمحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم.
ويعود أحد العوامل الرئيسة في التأخير إلى رد الفعل المجتمعي ضد خطوط النقل، إذ يمنع المزارعون الشركات الخاصة من الوصول إلى الأراضي.
وقال كبير العلماء الأستراليين السابق آلان فينكل، إن التكنولوجيا النووية، من منظور "هندسي بحت"، جذابة، مع عدم وجود انبعاثات وإمدادات مستمرة من الكهرباء الأساسية وبصمة تعدين صغيرة للوقود.
وأوضح أن المفاعلات المعيارية الصغيرة ليست تكنولوجيا قابلة للتطبيق في الوقت الحالي، مضيفًا: "لا يوجد مفاعل معياري صغير قيد التشغيل في كندا أو أميركا أو المملكة المتحدة أو أي دولة في أوروبا".
وأشار فينكل إلى أن شركة نيوسكيل الخاصة تهدف إلى تشغيل 12 مفاعلًا معياريًا صغيرًا بدءًا من عام 2029، وألمح إلى أن الأمر سيستغرق عقدًا على الأقل لتحذو أستراليا حذوها.
هل الطاقة النووية أرخص ثمنًا؟
أجرت منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية (سي إس آي آر أوه) وهيئة تشغيل سوق الطاقة الأسترالية (إيه إي إم أوه)، دراسة مشتركة حول حساب التكلفة المستقبلية لتوليد الكهرباء لمجموعة من التقنيات.
ووجدت أن توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيكلف ما بين 60 و100 دولار لكل ميغاواط/ساعة بحلول عام 2030، بما في ذلك الطاقة الاحتياطية من البطاريات أو محطات الضخ الكهرومائية أو الغاز.
وتوقعت الدراسة أن تكلفة ميغاواط /ساعة واحدة من الكهرباء من مفاعل معياري صغير في عام 2030 ستتراوح بين 200 و350 دولارًا لكل ميغاواط/ساعة.
كما أجرت شركة استشارية أخرى في مجال الطاقة -وهي شركة لازارد من الولايات المتحدة- حساب التكلفة المستوية للطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة، أو متوسط التكلفة الحالية الصافية لتوليد الكهرباء للمولد طوال مدة تشغيله.
ووجدت الشركة أن ميغاواط/ساعة واحدة من الطاقة الشمسية، بما في ذلك التخزين الاحتياطي، تتكلف ما بين 72 و160 دولارًا لكل ميغاواط/ساعة، في حين أن تكلفة المحطة النووية التقليدية تتراوح بين 220 و347 دولارًا.
وتوقعت هيئة تشغيل سوق الطاقة الأسترالية (إيه إي إم أوه)، أن تكلفة بناء شبكة كهرباء نظيفة تعمل بالطاقة المتجددة وتشغيلها تصل إلى 320 مليار دولار حتى عام 2050.
لا يوجد سبب وجيه لاستمرار الحظر
يقول رجل الأعمال والناشط المناخي الأسترالي سايمون هولمز آكورت، إنه لا يوجد سبب وجيه لحظر الطاقة النووي المستمر في أستراليا، ووصف معارضة حزبيْ العمال والخضر العنيدة للطاقة النووية بأنها "تكاد تكون غير عقلانية".
وأضاف أنه لا توجد حتى الآن حالة مقنعة لرفع الحظر، لأن المفاعلات المعيارية الصغيرة -وهو نوع جديد من المفاعلات التي يدعمها التحالف- ما تزال "على بُعد عقدين من أداء دور ذي معنى" في أستراليا، حسبما نشرته صحيفة ذا سيدني مورنينغ هيرالد الأسترالية (The Sydney Morning Herald).
وأوضح هولمز آ كورت، أن الطاقة النووية يمكن أن تؤدي دورًا في أستراليا في أربعينيات القرن الـ21، على الرغم من أنه وصف سياسة الطاقة التي ينتهجها التحالف بأنها خيالية، لأنها تعتمد على التكنولوجيا "الموجودة" على الورق فقط.
وصرّح هولمز آكورت: "لا أعتقد أن هناك سببًا مقنعًا لحظر أستراليا النووي"، مضيفًا أن الأحزاب التقدمية اتخذت موقفًا غير عقلاني تقريبًا بشأن إمكانات الطاقة النووية.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة النووية في أستراليا خارج المنافسة.. التكلفة ووفرة الموارد المتجددة أبرز الأسباب
- الطاقة النووية تعود للأضواء.. 3 تحديات وحلول مقترحة
- إيرادات الكهرباء المولدة بالطاقة النووية تلامس 271 مليار دولار بحلول 2027
اقرأ أيضًا..
- هل تتأثر أسعار النفط بالصراع بين حماس وإسرائيل طويلًا؟ حالة واحدة محتملة (تقرير)
- فشل مضاعفة صادرات الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا في 2027.. ما السبب؟
- قيمة واردات مصر من الغاز الإسرائيلي ترتفع 53%.. وتل أبيب تفاجئ القاهرة