طاقة نوويةتقارير الطاقة النوويةرئيسية

الطاقة النووية تعود للأضواء.. 3 تحديات وحلول مقترحة

أسماء السعداوي

ببطء، لكن بثبات، تتسلل الطاقة النووية إلى المشهد العالمي، أملًا في تعويض شح إمدادات الوقود الذي خلّفته أزمة الحرب الروسية الأوكرانية في مطلع العام الماضي (2022).

ولعقود انطفأ نجم الطاقة النووية في أعقاب مخاوف من تكرار الحوادث النووية بجزيرة الـ3 أميال بالولايات المتحدة في عام 1979، ثم التسرب النووي القاتل والمدمر في محطة تشيرنوبل الأوكرانية في عام 1986.

وبعدها، كارثة فوكوشيما النووية في اليابان في عام 2011، وهو ما جعل ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي، تقرر في أبريل/نيسان من هذا العام إغلاق آخر 3 مفاعلات نووية على أراضيها، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

في المقابل، يقول مدافعون عن هذا النوع من الطاقة المحفوفة بالمخاطر، إنه يحمل إمكانًا هائلًا للحدّ من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الوقود الأحفوري التقليدي، كما أنه يقدّم إمدادات كهرباء نظيفة وموثوقة ومستمرة، على العكس من الطاقة المتجددة، بحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز".

وفي هذا الصدد، سلّط تقرير الضوء على عودة الطاقة النووية للأضواء، وخاصة في دول أميركا وأوروبا، موضحًا 3 تحديات رئيسة بحاجة لحلّ قاطع، قبل أن تستحوذ مجددًا على ثقة المواطنين والحكومات.

تدافع غربي نحو الطاقة النووية

تتميز الطاقة النووية بموثوقية أعلى من نظيرتها المتجددة مثل طاقة الرياح والشمس؛ إذ يمكنها توليد الكهرباء الخالية من الكربون على مدار 24 ساعة يوميًا، بغضّ النظر عن الطقس.

ودفعت أزمة شح إمدادات الطاقة واضطراب سلاسل الإمداد في العام الماضي (2022) دولَ العالم إلى البحث عن بدائل متاحة وموثوقة تكون بديلة للنفط والغاز، وذات أسعار معقولة، ولا ينتج عنها تلويث للبيئة.

الطاقة النووية

تجلّى ذلك في محاولات حثيثة، من بينها مطالبة لجنة برلمانية بالمملكة المتحدة للحكومة لوضع إستراتيجية لمضاعفة قدرات توليد الكهرباء من الطاقة النووية إلى 3 أضعاف بحلول عام 2050.

وفي أستراليا، أعلن زعيم الحزب الوطني ديفيد ليتلبرود دعمه لإقامة محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية في دائرته الانتخابية بمقاطعة كوينزلاند.

يأتي ذلك في ضوء خطة التحالف الحاكم لاستبدال الطاقة النووية بمحطات الفحم التي تهيمن بنسبة 50% على مزيج الكهرباء في البلاد.

وفي فنلندا، بدأ، في أبريل نيسان المنصرم، المفاعل "إي بي أر" (EPR) بتلبية 15% من احتياجات السكان من الكهرباء.

وفي الولايات المتحدة، بدأت الوحدة الثالثة من محطة فوغتل النووية إمداداتها لشبكة الكهرباء في ولاية جورجيا.

ما يميز الوحدة -يمكنها تشغيل ما يُقدَّر بنحو 500 ألف منزل وشركة- عن غيرها، هو أنها المفاعل النووي الأول الذي تقيمه أميركا من العدم في غضون أكثر من 3 عقود.

وبرغم الإمدادات الحاسمة التي تقدّمها الوحدة الـثالثة والرابعة التي مازالت قيد الإنشاء، من المحتمل أن تكون الوحدتان من بين آخر مفاعلات نووية تعمل على الأراضي الأميركية.

يُشار هنا إلى أن استعمال الطاقة النووية في توليد الكهرباء يرجع إلى عام 1954، وبلغ عدد محطات الطاقة النووية في العالم قرابة 438 محطة حتى عام 2022 المنصرم، وفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرّية.

وتأتي أميركا في مقدمة أكبر 17 دولة تستعمل الطاقة النووية في توليد الكهرباء؛ إذ تمتلك وحدها 100 مفاعل، تليها فرنسا بـ57 مفاعلًا، ثم الصين بـ55 مفاعلًا.

توضح الخريطة أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- مفاعلات الطاقة النووية قيد التشغيل حتى مطلع عام 2021:

الطاقة النووية

تحديات الانتشار

ربما تبدو خطط التوسع في إنشاء المفاعلات النووية ممكنة في ضوء سد الفجوة التي سيتركها الوقود الأحفوري ضمن أهداف الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي، وعدم كفاية قدرات الطاقة المتجددة ذات الإمدادات المتقطعة.

إلّا أن هناك 3 تحديات تبحث عن حلول لتمهيد الطريق أمام الطاقة النووية لتقديم إسهامات نظيفة وموثوقة يُعوَّل عليها في السنوات المقبلة.

1- التكلفة العالية

أبرز التحديات التي تواجه انتشار الطاقة النووية هي مسألة ارتفاع التكلفة لكل من رأس المال والأخرى ذات الصلة، فإنشاء المفاعلات النووية يحتاج إلى ثروة طائلة أكبر من تكلفة الطاقة المتجددة التي تراجعت تكاليفها بصورة حادّة مؤخرًا.

2- مشكلة التخزين الآمن للنفايات النووية

3- التأخر في تنفيذ المشروعات

كما حدث في محطة فوغتل بأميركا، إذ كان من المقرر أن تدخل الوحدة الثالثة حيز التشغيل في عام 2016، وتأجَّل بدء العمليات مرة أخرى في يونيو/حزيران 2023.

4- تجاوز التكاليف المقررة

قُدِّرت تكلفة المفاعلين الثالث والرابع من محطة فوغتل بـ 14 مليار دولار، ثم تضاعفت لتتجاوز 30 مليار دولار.

كما ارتفعت تكلفة تشغيل محطة "هينكلي بوينت سي" أول محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية في بريطانيا منذ 30 عامًا، وتحدَّد موعد بدء مفاعل الوحدة الأولى في يونيو/حزيران (2027)، بتكلفة تصل إلى 30 مليار دولار، بزيادة عن الرقم السابق البالغ 14 مليار دولار.

وتأخَّر تشغيل مفاعل فلامانفيل 3 التابع لشركة "إي دي إف إنرجي" الفرنسية لعشر سنوات عن الموعد المقرر.

يوضح الإنفوغرافيك أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة -أكبر 10 دول حسب سعة الطاقة النووية:

الطاقة النووية

على عكس الغرب، تسير اليابان والصين وكوريا الجنوبية على طريق ممهّد، وتحمل اليابان بالذات سجلًا أفضل، إلّا أنها لا تبني مفاعلات نووية خارج حدودها.

وفي كوريا الجنوبية، نجحت شركة كوريا للطاقة الكهربائية (كيبكو) ببناء أول محطة نووية في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة (محطة براكة النووية).

إلّا أن هناك دعوى قضائية تواجه المشروع بسبب حقوق ملكية استعمال التصميم نفسه لشركة ويستنغهاوس الأميركية، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وفي السياق نفسه، أكملت الصين وروسيا إنشاء مفاعلات عديدة في الموعد المحدد، إلّا أن دول الغرب لا ترغب بالشراء منهما لخلافات سياسية.

يوضح الرسم البياني التالي -أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- ارتفاع إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية في العالم:

 الطاقة النووية

حلول متاحة

يطرح التقرير حلول عملية مقترحة لإفساح المجال لتقدم الطاقة النووية ما لديها من إمكانات لحلّ أزمة تحول الطاقة، وتقديم إمدادات نظيفة وموثوقة في الوقت نفسه، لتحلّ المعادلة المستحيلة بين الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة.

وفي هذا الصدد، يمكن أن تقوم المفاعلات المعيارية الصغيرة بدور أكبر؛ إذ تتميز بكونها أرخص ثمنًا وأسرع بناءً، لكنها مازالت في طور البناء.

ولفت الجيل الجديد من المفاعلات النووية الأنظار، بسبب صغر حجمها، إذ من الممكن إنتاجها بالمصانع وتجميعها في مواقع العمل،

إلّا أن الطريق ما زال طويلًا أمام ربط المفاعلات النووية الأصغر حجمًا بشبكة الكهرباء، ومن غير المحتمل أن تدخل نطاق الخدمة قبل نهاية العقد الجاري.

يقول مراقبون من داخل الصناعة، إن بناء المفاعلات النووية الكبيرة يمثّل تحديًا لا يتعلق بالتكنولوجيا، وإنما بهندسة المشروع وإدارته.

ولذلك، يدعو مهندسون بالمجال إلى إجراء عمليات تخطيط واتصالات وتطبيق أفضل الممارسات.

وعلى العكس من ذلك، يقول آخرون، إن تلك المتطلبات صعبة التنفيذ على أرض الواقع، وإذا رغب الغرب فعلًا في تحقيق تحول الطاقة، فعليه إنشاء مفاعلات نووية ضخمة بسعة غيغاواط، لكن بناء على أفضل ممارسات التخطيط والتنفيذ معًا.

وفي ضوء تحديات التخطيط والتنفيذ، يقول التقرير، إنه لكي تقوم المفاعلات النووية بدورها المأمول في مزيج الكهرباء، فالصناعة بحاجة إلى زيادة موارد التمويل وتحسين عمليات البناء وسلاسل التوريد، وإثبات قدرتها على بناء مفاعلات نووية كبيرة داخل حدود الوقت والموارد المالية المخصصة.

كما سلّط التقرير الضوء على الحاجة الماسّة لتوفير عاملين يحملون مهارات وخبرات وتجارب مثل تلك التي تمتلكها الدول الغربية.

ومن أجل خفض التكلفة، فمن الممكن اتباع نموذج قاعدة الأصول التنظيمية الذي تتبناه المملكة المتحدة، وفيه يدفع المستهلكون من خلال فواتير الطاقة لبناء أيّ محطة جديدة، لكن ذلك قد يؤدي لرفع الرسوم على كاهل المواطنين.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق