نجح الغاز الجزائري بتعويض جزء من إمدادات أوروبا من روسيا، إثر الحرب في أوكرانيا وما تلاها من عقوبات على واردات الطاقة من موسكو.
فقد طُلِب من الجزائر -في ذلك الوقت- بشدة زيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا، التي قررت تحرير نفسها من اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي.
الوضع الجديد لم يسمح للجزائر بزيادة صادراتها من الغاز إلى إيطاليا وفرنسا على وجه الخصوص فحسب، بل كان أيضًا فرصة لمراجعة الأسعار المنصوص عليها في العقود طويلة الأجل مع العملاء الأساسيين، أي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا .
وأصبح الغاز الجزائري مجددًا موضع اهتمام القارة العجوز، بعد العملية العسكرية التي شنّتها أذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ ذي الأغلبية الأرمينية، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وقد تدفع التوترات مع أذربيجان دول الاتحاد الأوروبي إلى التطلع للجنوب لتأمين إمداداتها من الغاز والطاقة عمومًا.
صادرات الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا
يدعم الغرب -وخاصةً الاتحاد الأوروبي- أرمينيا في هذا الصراع المستمر منذ تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، على الرغم من أن أذربيجان تُعدّ المصدر الرئيس للغاز إلى أوروبا، بحسب ما نقلته منصة "تي إس إيه" (TSA) الناطقة باللغة الفرنسية.
وأذربيجان هي إحدى دول الغاز التي اتصلت بها القارة العجوز لزيادة إمداداتها، وفي عام 2022 وُقِّعَت اتفاقية بين حكومة البلاد ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.
وينص الاتفاق على مضاعفة إمدادات الغاز الأذربيجاني بحلول عام 2027، وقد زادت التسليمات بنسبة 30%، لتصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا.
ويقع الغاز الأذربيجاني في منطقة شاه دنيز جنوب العاصمة باكو؛ إذ يحتوي الحقل على احتياطيات كبيرة من الغاز.
ويُنقل إلى أوروبا عبر 3 خطوط أنابيب للغاز بُنيت على التوالي منذ الستينيات، ولكنها تصبح خطًا واحدًا بعد ربطها، الأول يذهب إلى حدود تركيا، والثاني يعبر أذربيجان، والثالث -الذي اكتمل في عام 2022- يذهب إلى إيطاليا.
وتُقدَّر التكلفة الإجمالية لخطّ أنابيب الغاز بـ40 مليار يورو (42.2 مليار دولار) مقدَّمة من أذربيجان، ودول أجنبية من بينها اليونان وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا.
مستقبل الغاز في أذربيجان
أكدت المتخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة، فيلينا تشاكاروفا، أن مستقبل قطاع الغاز في أذربيجان يبدو أكثر إشراقًا بكثير من نظيره النفطي، إذ بدأ الإنتاج في حقل غاز شاه دنيز ضمن إطار مبادرة المرحلة الثانية في عام 2018.
وفي عامي 2019-2020، أُطلِقَ خطّا أنابيب رئيسان مرتبطان بهذا المشروع: خط أنابيب الغاز العابر للأناضول (تاناب) وخط أنابيب الغاز العابر للبحر الأدرياتيكي (تاب).
وتسهّل خطوط الأنابيب هذه نقل الغاز إلى تركيا وأوروبا على التوالي؛ ما دفع إلى زيادة إنتاج أذربيجان من الغاز بنسبة 90% بين عامي 2017 و2022، ليصل إلى 34 مليار متر مكعب، مع توقعات بأن يرتفع هذا الحجم بنسبة 7% أخرى بحلول عام 2026، بحسب ما أكدته تشاكاروفا في مقال نشرته منصة الطاقة المتخصصة.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إنتاج وصادرات الغاز في أذربيجان:
وتُعدّ دول الاتحاد الأوروبي المشتري الرئيس للنفط والغاز من أذربيجان، وإيطاليا مسؤولة عن نحو 45% من إجمالي صادرات النفط الأذربيجانية، في حين تسهم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بنسبة 25% إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ إيطاليا المشتري الأول للغاز الأذربيجاني، إذ تمثّل نحو 50% من إجمالي صادرات البلاد من الغاز، وفق تشاكاروفا.
وبالنسبة لعام 2023، تتوقع الحكومة الأذربيجانية أن يبلغ إنتاج النفط نحو 31 مليونًا و222.3 ألف طن، وأن يبلغ إنتاج الغاز نحو 46 مليارًا و761.6 مليون متر مكعب.
الغاز الجزائري أفضل بديل
مع اتهامات "التطهير العرقي" التي تستهدف أذربيجان في ناغورنو كاراباخ، ترتفع أصوات في أوروبا تطالب بالابتعاد عن الغاز الأذربيجاني، كما حدث لموسكو.
ووفقًا للعديد من المتخصصين، يُمكن لأوروبا أن تتخذ مثل هذه الخطوة بسهولة، لأن الشحنات من أذربيجان لا تمثّل سوى 5% من استهلاكها من الغاز.
ويستلزم الأمر قرارًا سياسيًا من دول الاتحاد الأوروبي، كما تعتقد أستاذة الاقتصاد في جامعة باريس دوفين، المحللة آنا كريتي.
لا يوجد شيء ملموس في الوقت الحالي يسمح لنا بتوقع مثل هذا الاحتمال؛ ولكن إذا اتخذت أوروبا القرار، فستجد الجزائر نفسها في طليعة الدول التي ستتمكن من استعادة حصص السوق التي ستغادرها أذربيجان، بحسب ما نقلته منصة "تي إس إيه".
منذ عام 2022، وقّعت الجزائر العديد من العقود مع شركات دولية كبيرة لتطوير قدراتها على إنتاج الغاز، بما في ذلك عقد بقيمة 4 مليارات دولار أُبرم في يوليو/تموز 2022 مع شركات إيني وتوتال إنرجي وأوكسيدنتال، في حين أعلن الرئيس عبدالمجيد تبون، في فبراير/شباط من العام نفسه، استثمار ما يقارب 40 مليار دولار في قطاع الطاقة على مدى 4 سنوات.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، أُعيد إطلاق مشروع مدّ خط أنابيب الغاز الثاني إلى إيطاليا (غالسي).
وكان الرئيس تبون قد أعرب في ديسمبر/كانون الأول 2022 عن رغبته بمضاعفة إنتاج الغاز الجزائري، الذي يبلغ حاليًا نحو 100 مليار متر مكعب، وطرح نصفه للتصدير.
صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا
نشر خبير الصناعات الغازية لدى منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول "أوابك"، المهندس وائل حامد عبدالمعطي، خريطة تدفقات الغاز -في 13 أغسطس/آب 2023- عبر خطوط الأنابيب إلى دول الاتحاد الأوروبي، حسب طلبات الشراء.
ولفت خبير أوابك حينها إلى أن الصادرات المعنية هي المتجهة إلى دول أوروبا عبر خطوط الأنابيب فقط، ولا تشمل شحنات الغاز المسال؛ إذ جاء الغاز الجزائري متقدمًا على 3 دول أخرى، هي روسيا وأذربيجان وليبيا.
وكشفت قائمة الـ5 الكبار -حسب أحدث البيانات المتاحة- أن إجمالي صادرات الغاز المتدفقة إلى دول الاتحاد الأوروبي، تبلغ 453 مليون متر مكعب/يوميًا، حسب منشور بصفحته في موقع "إكس" (تويتر سابقًا)، اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وجاءت النرويج في المركز الأول بين الدول المصدّرة للغاز إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب، بمعدل 252.9 مليون متر مكعب يوميًا، وهو المعدل الأقصى للضخ، وفق ما ذكره خبير أوابك.
وفي المركز الثاني، حلّ الغاز الجزائري، مسجلًا معدل ضخ 92 مليون مليون متر مكعب يوميًا، في حين حلّت روسيا في المركز الثالث، بمعدل 82 مليون متر مكعب يوميًا.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا ضمن قائمة الـ5 الكبار:
وجاء الغاز الأذربيجاني في المركز الرابع، بمعدل ضخ 21 مليون متر مكعب يوميًا، وهو أقلّ من المستويات المعتادة، بحسب ما رصدته منصة الطاقة.
وفي المركز الخامس والأخير في قائمة الـ5 الكبار، جاءت ليبيا، التي سجل معدل ضخ الغاز منها إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب نحو 5.3 مليون متر مكعب يوميًا.
موضوعات متعلقة..
- واردات فرنسا من الغاز الجزائري تقفز 92% في 6 أشهر
- تركيا قد تتحول لبوابة عبور الغاز الجزائري إلى أوروبا الشرقية
- الغاز الجزائري إلى المغرب.. 6 خبراء لـ"الطاقة": استئناف التدفق مستحيل حاليًا
اقرأ أيضًا..
- أوبك تتوقع وصول الطلب على النفط إلى 116 مليون برميل يوميًا بحلول 2045
- قيمة واردات مصر من الغاز الإسرائيلي ترتفع 53%.. وتل أبيب تفاجئ القاهرة
- الهيدروجين الأبيض.. رقم جديد في معادلة الحياد الكربوني
- مواقف السيارات غير مؤهلة لاستقبال المركبات الكهربائية.. أضرار كارثية تنتظرها