حقل آزادكان.. عملاق نفطي إيراني يوشك على النهوض (مقال)
أومود شوكري* – ترجمة: نوار صبح
- إيران مصممة على الاستفادة من الموارد المحلية والتغلب على القيود التي تفرضها العقوبات
- حقل آزادكان يحتوي على ما يُقدَّر بنحو 32 مليار برميل من احتياطيات النفط
- الجدول الزمني الطويل للتطوير يعوق الحقل عن تحقيق إمكاناته الإنتاجية الكاملة
- شركة النفط الوطنية الإيرانية تسعى إلى تقليل اعتمادها على شركات التأمين والمؤسسات المالية الأجنبية
- صناعة الطاقة الإيرانية تواصل استكشاف الفرص والعقبات في سعيها لتحقيق النمو والاكتفاء الذاتي
يشتهر حقل آزادكان النفطي، الواقع في مقاطعة خوزستان جنوب غربي إيران بالقرب من الحدود العراقية، باحتياطياته النفطية الكبيرة، ويؤدي دورًا محوريًا في صناعة النفط الإيرانية.
وواجه التطوير المتكامل لهذا المخزون النفطي الكبير تحدّيات عديدة، ترتبط أساسًا بالعقوبات الاقتصادية والتعقيدات الجيوسياسية.
وقد أدى التقدم الأخير إلى إحياء التفاؤل بشأن التطوير الشامل حقل آزادكان، ما يبشّر بمرحلة تحويلية محتملة لقطاع الطاقة الإيراني، إذ يوفر الحقل ما يُقدَّر بنحو 32 مليار برميل من النفط مع إمكانات اقتصادية كبيرة.
اعترضت العقوبات الاقتصادية، التي قيّدت الوصول إلى الاستثمارات الدولية والتقنيات المتقدمة، سبيل التطوير المنسّق لهذا المورد الحيوي.
نتطرق في هذا المقال إلى تأثير العقوبات بتطوير حقل آزادكان، ونشرح بالتفصيل الإستراتيجيات التي تستعملها شركة النفط الوطنية الإيرانية للتغلب على هذه التحديات.
ومن الأمور الأساسية في هذا الانتعاش هو التوقيع الوشيك لعقد التطوير المتكامل لحقل آزادكان النفطي، إذ يضع هذا الاتفاق إيران في مكانة تمكّنها من تحقيق خطوات كبيرة في تسخير ثروتها النفطية الهائلة، ما قد يعيد تشكيل مشهد الطاقة في البلاد وآفاقها الاقتصادية.
ويرى بعضهم أن ذلك يؤكد تصميم إيران على الاستفادة من الموارد المحلية، والتغلب على القيود التي تفرضها العقوبات، ووضع حقل آزادكان بصفته لاعبًا مهمًا على مسرح الطاقة العالمية.
ويستكشف هذا التحليل التداعيات الأوسع نطاقًا على صناعة الطاقة الإيرانية ومكانتها العالمية في مجال الطاقة، ويسلّط الضوء على آخر التطورات المحيطة بعقد التطوير المتكامل لحقل آزادكان.
استثمارات تطوير الحقل العملاق
من المقرر أن يتلقى مشروع تطوير حقل آزادكان استثمارًا كبيرًا بقيمة 7 مليارات دولار، كما أعلن وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، في يوليو/تموز 2022، إذ من المتوقع أن يأتي جزء كبير من هذا التمويل الكبير من صندوق التنمية الوطنية الإيراني (إن دي إف آي) والمصارف الإيرانية.
وشدّد أوجي على أن جزءًا كبيرًا من مبلغ الـ 7 مليارات دولار سيُوَفَّر من البنوك المحلية ومؤسسات التنمية وصندوق التنمية الوطنية لدعم جهود تطوير حقل آزادكان.
بالإضافة إلى ذلك، أكد أوجي الحاجة الملحّة لاستثمار إجمالي قدره 160 مليار دولار في قطاعي الاستكشاف والإنتاج والتكرير والتصدير في صناعة النفط الإيرانية على مدى السنوات الـ8 المقبلة.
من ناحيته، كشف مدير الاستثمار وتطوير الأعمال في شركة النفط الوطنية الإيرانية، فريدون كورد زنغنه، خلال اجتماع مع شركة النفط الوطنية الإيرانية وممثلي شركة التأمين، أنه سيُوَقَّع عقد شامل لتطوير حقل آزادكان النفطي في الشهر المقبل.
ويمثّل العقد خطوة مهمة إلى الأمام، ويعكس النهج الاستباقي الذي تتبعه إيران في مواجهة العقوبات، التي قلّصت الاستثمار الأجنبي في مشروعاتها.
ويؤكد سعي شركة النفط الوطنية الإيرانية إلى تنفيذ المشروع من خلال الاستفادة من الموارد المحلية والنظام المالي في البلاد، التزامها بتطوير حقل آزادكان، ويمتد حقل آزادكان النفطي على مساحة 1500 كيلومتر مربع، ويحتوي على ما يُقدَّر بنحو 32 مليار برميل من احتياطيات النفط.
تأثير العقوبات
ألقت العقوبات الاقتصادية بظلال ثقيلة على قطاع الطاقة الإيراني، ما أثّر بشكل كبير بخطط توسعة حقل أزادكان النفطي، وقد شكّلت هذه العقوبات تحديًا متعدد الأوجه لإيران.
أولًا: أدت تلك العقوبات إلى تقليص تدفق الاستثمار الأجنبي للبلاد، وهو شريان حياة مهم لتطوير حقل أزادكان، الأمر الذي يتطلب استثمارًا كبيرًا بقيمة 7 مليارات دولار.
وقد تعرضت قدرة إيران على الوصول إلى التمويل الخارجي لقيود شديدة بسبب هذه العقوبات، ما جعلها تتصارع مع المتطلبات المالية لمثل هذا المشروع الضخم.
ومنعت المخاوف الناجمة عن العقوبات والضبابية المتأصلة بالمناخ الاقتصادي والسياسي في إيران، المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية من المشاركة في مشروعات داخل البلاد.
ثانيًا: عاقت العقوبات قدرة إيران على الوصول إلى أحدث الأدوات والتكنولوجيات الضرورية للتطوير الفعال لحقل نفط بحجم آزادكان.
وتشكّل تكنولوجيا الحفر المعاصرة، وأنظمة إدارة الخزانات، والضوابط البيئية، أمورًا جوهرية في مشروعات الطاقة الضخمة مثل آزادكان.
وفي غياب هذه التقنيات، تواجه إيران عدم الكفاءة التشغيلية، وزيادة التكاليف، والمخاطر البيئية المتزايدة، ومن ثم، فإن الجدول الزمني الطويل للتطوير يعوق الحقل عن تحقيق إمكاناته الإنتاجية الكاملة.
ولم تقتصر العقوبات على موارد إيران المالية فحسب، بل حرمَتها من الخبرة التكنولوجية الحيوية للوصول إلى الإمكانات الهائلة لحقل آزادكان النفطي.
ويتعين على إيران أن تتبنى إستراتيجيات جديدة، وأن تعمل على تعزيز التعاون الدولي، من أجل التغلب على هذه العقبات الناجمة عن العقوبات، والاستفادة الكاملة من إمكانات هذا الحقل.
المبادرات الإستراتيجية
استجابة للتحديات الكبيرة التي تفرضها العقوبات الاقتصادية، نفّذت شركة النفط الوطنية الإيرانية العديد من المبادرات الإستراتيجية لتعزيز تطوير حقل أزادكان النفطي.
أولًا، دافعت شركة النفط الوطنية الإيرانية عن استعمال الموارد والقدرات المحلية، وإدراكًا لتداعيات القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي ونقل التكنولوجيا، أعطت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط الأولوية لنشر الخبرات والمعدّات المحلية.
ومن خلال التعاون مع شركات التنقيب والإنتاج الإيرانية، تهدف شركة النفط الوطنية الإيرانية إلى ضمان الإنتاج المحلي لمكونات مشروع التطوير المهمة، بما في ذلك مرافق رؤوس الآبار وخطوط التدفق.
وتتماشى هذه الإستراتيجية مع أهداف الاكتفاء الذاتي الوطني، وتقلل من الاعتماد على الموردين الأجانب، الذين قد يخضعون لقيود مرتبطة بالعقوبات.
على صعيد آخر، ومن أجل التحايل على العقوبات والتعجيل بتطوير حقل آزادكان النفطي، اعتمدت شركة النفط الوطنية الإيرانية إجراءات استباقية.
ويتجسد هذا النهج من خلال إنشاء شركة دشت آزادكان أروند، بدعم من شركتين إيرانيتين للاستكشاف والإنتاج و8 بنوك باستثمارات كبيرة بقيمة 7 مليارات دولار مخصصة لتنفيذ المشروعات.
وتتوافق هذه الإستراتيجية مع الأهداف الاقتصادية لإيران، من خلال تأكيد أهمية الإدارة الفعالة للمشروع والاستعمال الحكيم للموارد.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح تعاون الشركة الإيرانية مع قطاع التأمين المحلي التزامها بالحلول المبتكرة في مواجهة العقوبات.
ومن خلال استكشاف إمكانات قدرات التأمين المحلية للتمويل وإدارة المخاطر، تسعى شركة النفط الوطنية الإيرانية إلى تقليل اعتمادها على شركات التأمين والمؤسسات المالية الأجنبية، التي غالبًا ما تكون حذرة بسبب المخاوف المتعلقة بالعقوبات.
إحراز التقدم
على الرغم من الإعلان الطموح عن الاستثمار بقيمة 7 مليارات دولار في حقل آزادكان النفطي قبل عام واحد، فإن إحراز تقدّم كبير كان بعيد المنال.
ويمكن أن يُعزى ذلك إلى حدّ كبير للتحديات التي تفرضها العقوبات الاقتصادية واعتماد إيران على مواردها المالية الداخلية.
وشدد وزير النفط جواد أوجي على الحاجة الملحّة لاستثمارات كبيرة في قطاع النفط والغاز الإيراني، وخصوصًا لمعالجة القضايا المتعلقة بالقدرة الإنتاجية والتكرير والمنتجات البتروكيماوية، التي تأثّرت جميعها سلبًا بالعقوبات في السنوات الأخيرة.
وتتمحور خطة إيران الإستراتيجية لمواجهة هذه التحديات حول تأمين جزء كبير من الاستثمارات المطلوبة البالغة 7 مليارات دولار من البنوك الإيرانية وشركات التطوير وصندوق التنمية الوطنية الإيراني.
ونظرًا للقيود التي تفرضها العقوبات، فإن إيران ملتزمة بزيادة مواردها المالية المحلية، مع تقليل اعتمادها على رأس المال الأجنبي.
وعلى الرغم من هذه الجهود، ظل إحراز تقدّم ملموس في تطوير حقل آزادكان بعيد المنال، ما يسلّط الضوء على التعقيدات والعوائق المستمرة التي تواجهها إيران في تطوير مشروع الطاقة المهم هذا.
وتُعدّ رحلة تطوير حقل آزادكان النفطي بمثابة دراسة حالة مؤثّرة للتحديات المعقدة التي تواجهها إيران في سعيها لتحقيق نمو قطاع الطاقة.
ويُظهر التقاء العقوبات الاقتصادية والتحول الإستراتيجي نحو الاعتماد على الذات تصميم الحكومة الإيرانية على المضي قدمًا في مبادراتها بمجال الطاقة، على الرغم من العقبات الهائلة.
وعلى الرغم من أن تأكيد تعبئة الموارد المالية المحلية يُعدّ خطوة محورية في تقليل الاعتماد على التمويل الأجنبي، فإن التقدم في حقل آزادكان لم يتحقق بعد بشكل ملحوظ.
من ناحية ثانية، فإن تعقيدات جذب الاستثمارات الأجنبية والوصول إلى المؤسسات المالية العالمية تبدو جلية من خلال السياق الأوسع لتفاعلات إيران مع المنظمات الدولية، مثل فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (إف إيه تي إف).
وما يزال تطوير آزادكان عملًا قيد التقدم، وهو عرضة للعوامل الجيوسياسية المتطورة، ويتوقف بشكل كبير على قدرة إيران في التغلب على هذه التحديات.
وسوف تستمر صناعة الطاقة الإيرانية باستكشاف الفرص والعقبات في سعيها لتحقيق النمو والاكتفاء الذاتي، وهي رحلة يحددها المشهد المتغير للعقوبات والعلاقات العالمية.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- صناعة الكيماويات والبتروكيماويات الخليجية.. كم تسهم في الناتج المحلي؟ (تقرير)
- هل تتأثر قناة السويس بالطريق البديل لعبور السفن؟.. حل قديم قد ينقذ مصر
- كيف سيؤثر توسع مجموعة بريكس في مشهد الطاقة العالمي؟.. دور مهم للسعودية