هل يؤثر إنتاج الهيدروجين الأخضر في استهلاك المياه؟ بحث جديد يجيب
دينا قدري
يواجه إنتاج الهيدروجين الأخضر عدّة عقبات تحول دون انتشاره على نطاق واسع، ما يدفع المزيد من مراكز الأبحاث إلى التحقق من جدوى اعتماد هذا النوع من الوقود وصحة الادّعاءات المثارة حوله.
وتُعدّ أزمة استهلاك المياه بكثافة إحدى المشكلات المستقبلية المحتملة في مسار إنتاج الهيدروجين، وهو ما نفاه معهد "روكي ماونتن" الأميركي (Rocky Mountain Institute) في بحثه الأخير.
وأوضح المركز أن الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري وتطوير الهيدروجين المتجدد سيكون له تأثير ضئيل جدًا في استعمال المياه عالميًا، وفق ما جاء في البحث الذي نشره "روكي ماونتن"، وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وأضاف المركز البحثي أنه يتعيّن تجنّب إضافة ضغط على أنظمة المياه، من خلال المزيد من الدراسة المتأنية لمواقع محطات الهيدروجين الأخضر، داعيًا إلى السماح بعمليات لتقييم توافر المياه محليًا، والاستعمالات، والحقوق المتنافسة.
واقترح أن تحلّ محطات الهيدروجين الأخضر محلّ محطات الفحم المتقاعدة أو غيرها من الصناعات كثيفة الاستعمال للمياه، "ما يوفر استمرار تخصيص المياه على المستوى المحلي".
استهلاك المياه لإنتاج الهيدروجين
يحتاج جهاز التحليل الكهربائي إلى 9 لترات من المياه على الأقلّ لإنتاج كيلوغرام واحد من الهيدروجين، إلّا أن معهد "روكي ماونتن" يحسب أن أوجه القصور في تنقية المياه وتبريد العمليات تعني أن التحليل الكهربائي يتطلب في الواقع 20-30 لترًا من المياه لكل كيلوغرام.
وتحتاج الطريقة الرئيسة الملوثة للغاية لإنتاج الهيدروجين الرمادي، التي تتمثل في إعادة تشكيل الميثان بالبخار، نظريًا إلى 4.5 لتر من المياه فقط لإنتاج كيلوغرام واحد من الهيدروجين، إلّا أن أوجه القصور المماثلة في العمليات تعني أن الاستعمال الفعلي للمياه للهيدروجين الرمادي أقرب إلى 21-27 لترًا لكل كيلوغرام، بحسب مركز الأبحاث.
وأضاف "روكي ماونتن" -في البحث الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- أن تغويز الفحم، وهو المسار الأكثر كثافة في الانبعاثات لإنتاج الهيدروجين، يستعمل نحو 25-26 لترًا من المياه لكل كيلوغرام من الهيدروجين.
ويُقدَّر الهيدروجين الأزرق المنتج عبر إعادة تشكيل الميثان بالبخار مع احتجاز الكربون وتخزينه، بأن له بصمة مائية نحو 32-39 لترًا لكل كيلوغرام من الهيدروجين، بسبب المياه الإضافية التي يتطلبها احتجاز الكربون وتخزينه.
ومن ثم، توصَّل مركز الأبحاث الأميركي إلى أن الهيدروجين الأخضر لن يكون له تأثير كبير في الاستهلاك الكلّي للمياه، إذا حلّ محل المصادر القائمة على الوقود الأحفوري.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أنواع الهيدروجين حسب طريقة الإنتاج:
عوامل مؤثرة في استهلاك المياه
أشار معهد "روكي ماونتن" إلى أن الاستهلاك الكلي للمياه من أجل جهاز التحليل الكهربائي سيعتمد على المكان الذي يستمد منه الكهرباء، نظرًا لأن محطات الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري تستعمل مياهًا أكثر من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية.
وأضاف مركز الأبحاث أنه نظرًا لكون الهيدروجين ينتج بخار المياه عند الاحتراق، يُمكن تصميم بعض الاستعمالات النهائية -مثل صناعة الصلب- لالتقاط هذه المياه وإعادتها مرة أخرى إلى جهاز تحليل كهربائي موجود في المكان، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وحتى إذا زاد إنتاج الهيدروجين الأخضر بشكل كبير بحلول منتصف القرن، نظرًا لتوسّعه في قطاعات أخرى، فإن معهد "روكي ماونتن" توقَّع أن هذا سيظل له تأثير ضئيل في استهلاك المياه.
وقال مركز الأبحاث: "على الصعيد العالمي، تختلف تقديرات الطلب المستقبلي على الهيدروجين على نطاق واسع، ولكن استعمال 660 مليون طن من الطلب الذي توقّعه مجلس الهيدروجين في عام 2050 سيتطلب 13.2 مليار متر مكعب من المياه، أو 0.33% من المياه العذبة العالمية الحالية".
وأضاف المركز، في بحثه الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، أن هذا لا يأخذ في الحسبان الوفورات الإضافية المحتملة إذا حلّ الهيدروجين محلّ العمليات الصناعية كثيفة الاستعمال للمياه، والتي تعتمد على الوقود الأحفوري.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- الطلب على الهيدروجين حسب القطاع:
أزمة ندرة المياه.. ما السبب؟
مع ذلك، في حين من المتوقع ألّا يشكّل الهيدروجين الأخضر ضغطًا على إمدادات المياه العالمية، فإن ندرة المياه غالبًا ما تكون مشكلة محلية أكثر، لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يزيد من شدة الجفاف.
وأشار معهد "روكي ماونتن" إلى أن ذلك قد يجعل إنشاء المشروعات في المناطق ذات توافر المياه العذبة المنخفضة للمواطنين، مصدرًا محتملًا للصراع.
وجاء في البحث -الذي طالعته منصة الطاقة-: "على الرغم من أن الهيدروجين الأخضر لن يضيف بشكل كبير إلى الاستهلاك العالمي للمياه، فإن تنويع مصادر المياه، والدراسة الدقيقة لمواقع المشروع، ومراجعة مخططات تسعير المياه، سيساعد في الحدّ من الضغط على الوصول إلى المياه العذبة المحلية".
وقدّر مركز الأبحاث أن تحلية المياه ومعالجة المياه المرتبطة بها -المطلوبة عادةً لمشروعات الهيدروجين الأخضر في المناطق القاحلة- تضيف فقط نحو 0.10 دولارًا لتكلفة إنتاج كيلوغرام من الهيدروجين، مع استعمال 1% من الكهرباء اللازمة لتشغيل التحليل الكهربائي.
وأضاف معهد "روكي ماونتن" أنه يُمكن زيادة حجم محطات تحلية المياه في المناطق الساحلية لزيادة وصول المياه العذبة إلى المجتمع الأوسع.
ومع ذلك، فإن تحلية المياه مثيرة للجدل من منظور بيئي، إذ يمكن أن تكون نفايات المحلول الملحي التي تُضخ مرة أخرى في البحر ضارة بالنظم البيئية البحرية.
عندما يتعلق الأمر بالتسعير، يوصي مركز الأبحاث بالابتعاد عن نظم التسعير "المتناقصة" الحالية التي توفر خصومات على استهلاك المياه بكميات كبيرة، وتحفيز تصميم محطات الهيدروجين الأخضر التي تعطي الأولوية للكفاءة والاستعمال من المواد الأولية غير المياه العذبة للحدّ من استهلاك المياه العذبة.
موضوعات متعلقة..
- اكتشاف مادة جديدة قد تُحدث ثورة في إنتاج الهيدروجين الأخضر
- مشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا تصطدم بسياسات غير ناجعة
- إستراتيجية الهيدروجين الأخضر في أميركا تواجه الفشل.. والسبب "تحدّي المياه"
اقرأ أيضًا..
- تسرب في خط أنابيب دروجبا يوقف إمدادات النفط إلى أوروبا
- انخفاض الطلب على السفن العاملة بالغاز المسال في 2023
- وقف مشروعات طاقة الرياح في اليابان.. تفاصيل 24 ساعة من الأحداث الساخنة
- السيارات الكهربائية الصينية تثير قلق البريطانيين.. تجسس أم هيمنة؟ (تقرير)