هل تحل الألواح الشمسية على الأسطح بمفردها مشكلة تغير المناخ؟ (تقرير)
نوار صبح
- ألواح أسطح المنازل الأميركية يمكن أن تولد 1432 تيراواط/ساعة من الكهرباء سنويًا
- من شبه المؤكد أنه لن تُرَكَّب الألواح الشمسية في جميع الأماكن المناسبة
- لاس فيغاس مليئة بمنازل الأسرة الواحدة والمرافق التي لم تمسّها الطاقة الشمسية
- يمكن لمولدات الكهرباء أن تعرّض النباتات النادرة والسلاحف بطيئة السير للخطر
- أعداد السلاحف انخفضت بأكثر من الثلث بين عامي 2004 و2014
يطرح المحللون سؤالًا بشأن قدرة الألواح الشمسية على الأسطح، بمفردها، على حل مشكلة تغير المناخ أو الحدّ من تداعياتها، في ظل ما تشهده مناطق عديدة في العالم من الآثار المدمِّرة لهذه الظاهرة.
وشهدت السنوات ازديادًا في استعمال الطاقة الشمسية؛ إذ بدأ الناس يدركون قدرتها على توليد الكهرباء دون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ونمَت القدرة العالمية المركبة للطاقة الشمسية نموًا ملحوظًا على مرّ السنين، وجاءت الصين والولايات المتحدة والهند في الصدارة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
في عام 2020 وحده، ركّبت الولايات المتحدة أكثر من 19 غيغاواط من سعة الطاقة الشمسية؛ ما قلّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 22 مليون طن متري، حسبما نشره موقع إنرجي 5 (energy5).
في هذا السياق، أجرى فريق من صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية (latimes) استطلاعًا لواقع الطاقة المتجددة في صحراء موهافي الممتدة بين ولايتَي كاليفورنيا ونيفادا، إذ تريد الشركات بناء عشرات المزارع الشمسية، وإنشاء أكبر بؤرة لمشروعات الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة.
في هذه الحالة، تبرز أسئلة بشأن الضرر الذي ستُلحقه هذه المشروعات بالنظم البيئية والحياة البرية على الأراضي العامة في أميركا؛ ومدى الحاجة الفعلية إليها عندما يكون هناك الكثير من المنازل والمستودعات ومواقف السيارات التي يمكن أن تستضيف الألواح الشمسية في لاس فيغاس ومدن أخرى.
تعذُّر الاستغناء عن الوقود الأحفوري
يرى المحللون أنه لا توجد سعة كافية للطاقة الشمسية على أسطح المنازل لاستبدال جميع أنواع الوقود الأحفوري التي تحرقها أميركا حاليًا لتوليد الكهرباء.
وقدّر المختبر الوطني للطاقة المتجددة أن ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل الأميركية يمكن أن تولّد 1432 تيراواط/ساعة من الكهرباء سنويًا.
وهذا يمثّل ما يقرب من 39% من الكهرباء التي استعملها الأميركيون قبل عقد من الزمن، ولكن 13% فقط مما سيحتاجونه بحلول عام 2050، إذ يقود المزيد من الناس السيارات الكهربائية ويدفئون منازلهم بالكهرباء، وفقًا لأبحاث جامعة برينستون.
وإذا أُضيفت ساحات الانتظار ومناطق أخرى داخل المدن، فمن غير المرجح أن توفر أنظمة الطاقة الشمسية الحضرية أكثر من ربع -أو ربما ثلث- الكهرباء الأميركية، حسبما يرى العديد من الخبراء، حتى لو رُكِّبَت الألواح الشمسية في جميع الأماكن المناسبة.
جدير بالذكر أنه من شبه المؤكد عدم تركيب الألواح الشمسية في جميع الأماكن المناسبة؛ لأن بعض المدن لا تقبلها، وبعض أصحاب المنازل لا يريدونها، ولن تتمكن بعض العائلات من تحمّل نفقاتها، حتى مع وجود حوافز مالية سخية.
وقال أحد الباحثين الذين قادوا الدراسة الفيدرالية لإمكانات الألواح الشمسية على الأسطح، روبرت مارغوليس: "إن الأنظمة الشمسية الموزّعة على نطاق صغير لن تكون كافية لمعالجة أزمة المناخ".
وأضاف أن "الطريقة الوحيدة تتمثل في مزيج من الطاقة الشمسية الموزعة والمرافق العامة"، وفقًا لما نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية (latimes) في يونيو/حزيران 2023.
مدى الحاجة إلى الأراضي العامة
لا تحتاج جميع مشروعات الطاقة الشمسية إلى أن تُبنى على أراضٍ عامة بِكْر.
وهناك إمكان لتطوير الطاقة الشمسية في "الحقول البنية" مثل المناجم المهجورة والمواقع الملوثة السامة، التي تتطلب استجابة طويلة الأجل لتنظيف ملوثات المواد الخطرة، بالإضافة إلى الخزانات ومدافن النفايات وممرات الطرق السريعة وقنوات الري والمناطق الزراعية.
في مايو/أيار 2023، أُعلِن مشروع قانون من الحزبين يهدف إلى تعزيز تطوير الطاقة الشمسية في الأراضي الزراعية إلى مجلس الشيوخ الأميركي.
ويُعدّ هذا النوع من التطوير منخفض الأثر غالبًا بسبب تكاليفه وتحدياته، وقد يكون وضع الطاقة الشمسية في الأراضي غير المستقرة -أو فوق البنية التحتية الأخرى- أكثر تكلفة بكثير من البناء في المساحات المفتوحة، خصوصًا إذا لم تكن تلك الأراضي قريبة من خطوط النقل لمسافات طويلة، ويمكن أن ينطوي بناء محطة كهرباء في موقع ملوث على تحمّل الالتزامات المالية، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وقال المحامي المقيم في سان فرانسيسكو، ويمثّل شركات الطاقة الشمسية، بيتر وينر: "لا يمكننا أن نفعل ذلك في الحقول أو أسطح المنازل فقط، فهي ليست كبيرة بما يكفي للقيام بذلك على نطاق واسع"، مشيرًا إلى أنها باهظة الثمن للغاية"، "والناس ليسوا متحمسين لارتفاع تكاليف الطاقة".
وقدّرت دراسة شارك في إعدادها أستاذ الدراسات البيئية في جامعة ولاية سان خوسيه، داستن مولفاني، أن الولايات المتحدة لديها أكثر من 300 ألف ميل مربع (776 ألفًا و699 كيلومترًا مربعًا) من الأراضي الزراعية المهجورة وغيرها من المواقع المضطربة، حيث يمكن أن تكون مشروعات الطاقة الشمسية "أكثر من كافية" لتزويد البلاد بالكهرباء.
من ناحيتها، تحاول منظمة الحفاظ على الطبيعة نيشتر كونسرفنسي غير الربحية -يقع مقرّها الرئيس في مقاطعة أرلينغتون بولاية فيرجينيا الأميركية- إثبات مفهوم الحقول الشمسية في مواقع المناجم السابقة.
في ريف ولاية نيفادا الشرقي، تعمل المجموعة مع المسؤولين المحليين والفدراليين وعلى مستوى الولاية لمحاولة بناء مزرعة شمسية صغيرة في منجم كيسلتون المهجور منذ مدة طويلة، حيث استُخرِجَت الفضة والرصاص والزنك سابقًا.
ويشير المراقبون أن هذه المزرعة ستكون واحدة من عدد قليل من مشروعات الطاقة الشمسية في البلاد.
وستزوّد كهرباء المزرعة الشمسية مقاطعة لينكولن، التي اعتمدت منذ مدة طويلة على الطاقة الكهرومائية من سد هوفر، واضطرت في السنوات الأخيرة إلى دفع أسعار باهظة للكهرباء الإضافية في السوق الفورية، بسبب انخفاض مستويات المياه في بحيرة ميد.
وتشمل العقبات التي تعترض بناء المزرعة، الحاجة إلى دراسة وتنظيف تلوث المناجم حتى لا يؤدي تطوير الطاقة الشمسية إلى إيجاد مخاطر جديدة على الصحة أو السلامة، وهي عملية طويلة ما تزال بعيدة عن الإنجاز.
وقالت مديرة الشؤون الخارجية في فرع نيشتر كونسرفنسي في نيفادا، جيانا مون: "نحن مدفوعون للاعتقاد بأننا بحاجة إلى بناء جميع منشآت الطاقة الشمسية هذه على نطاق واسع"، وأضافت أن الحلول الصغيرة مجدية، ربما يمكن تطويرها وبناؤها بسرعة أكبر."
الطاقة الشمسية في صحراء موهافي
يعدّ مركز ماندالاي باي للمؤتمرات في مدينة لاس فيغاس موطنًا لواحدة من أكبر مصفوفات الطاقة الشمسية الموجودة على الأسطح في الولايات المتحدة.
في أعالي قطاع لاس فيغاس، غطت الألواح الشمسية سقف مركز ماندالاي باي للمؤتمرات، حيث ينتشر 26 ألف لوح منها عبر مساحة أكبر من 20 ملعب كرة قدم.
وفقًا لأحد التحليلات، تمتلك مدينة لاس فيغاس-حاليًا- عددًا من الألواح الشمسية لكل شخص أكثر من أيّ تجمّع سكاني أميركي كبير خارج هاواي. وتزخر المدينة بمنازل الأسرة الواحدة والمستودعات ومواقف السيارات التي لم تمسّها الطاقة الشمسية.
وتوجد فرصة هائلة لخفض فواتير المرافق السكنية وتقليل التلوث المناخي، دون الإضرار بموائل الحياة البرية أو إفساد المناظر الطبيعية الثمينة.
لكن هذا لم يمنع الشركات من وضع خطط لتزيين الصحراء المحيطة بمدينة لاس فيغاس بعشرات الحقول الشمسية العملاقة، وبعضها مصمم لتزويد كاليفورنيا بالكهرباء.
وقد عززت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هذا النمو، واتخذت خطوات لتشجيع تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عبر مساحات شاسعة من الأراضي العامة في نيفادا والولايات الغربية الأخرى.
في المقابل، يمكن لمولدات الكهرباء هذه أن تعرّض النباتات النادرة والسلاحف بطيئة السير للخطر، بسبب ارتفاع درجات الحرارة. ويمكنها أن تقلل من الوفيات والمعاناة من تفاقم موجات الحرارة والحرائق والجفاف والعواصف الناتجة عن أزمة المناخ.
واكتشف الباحثون أنه لا توجد مساحة كافية تقريبًا على أسطح المنازل لتوفير جميع الكهرباء في الولايات المتحدة، خصوصًا أن المزيد من الأشخاص يقودون السيارات الكهربائية.
ووجد تحليل مموّل من مؤيدي ومركّبي الطاقة الشمسية على الأسطح أن الطريقة الأكثر فاعلية من حيث التكلفة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري يتطلب كهرباء أكبر بـ6 أضعاف من الطاقة الشمسية ومزارع الرياح الكبيرة من أنظمة الطاقة الشمسية المحلية الأصغر سعة.
ويمتلك الملياردير الأميركي الشهير وارن بافيت "المسمّى أوراكل أوف أوماها" شركة إن في إنرجي، المرفق الاحتكاري الذي يوفر الكهرباء لمعظم سكان نيفادا.
ويمكن لشركة إن في إنرجي وأخواتها في المرافق المملوكة للمستثمرين في جميع أنحاء البلاد كسب مبالغ ضخمة من رصف الأراضي العامة بمزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وبناء خطوط نقل لمسافات طويلة إلى المدن.
وبحسب تصميمها التنظيمي، فإن هذه الشركات لا تربح من الطاقة الشمسية على الأسطح.
وفي كثير من الحالات، ناضلت للحدّ من استعمال الطاقة الشمسية على الأسطح، مما يقلل الحاجة إلى بنية تحتية واسعة النطاق ويؤدي إلى عوائد أقلّ للمستثمرين، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويتذكر الموظف السابق لدى شركة سولار سيتي، مايك ترونكوسو، التاريخ الدقيق لحساب توقيت الطاقة الشمسية على أسطح المنازل في نيفادا، وكان ذلك في 23 ديسمبر/كانون الأول 2015.
وقال مايك ترونكوسو، إنه توقّف فجأة عن العمل في الولاية الفضية بعد أن ساعدت إن في إنرجي في إقناع المسؤولين بخفض برنامج يدفع لعملاء الطاقة الشمسية مقابل الكهرباء التي يرسلونها إلى الشبكة.
بعد احتجاج عام، غيّر المشرّعون في نيفادا جزئيًا التخفيضات في حوافز الألواح الشمسية على الأسطح، ومنذ ذلك الحين، حافظت شركة إن في إنرجي وصناعة الطاقة الشمسية على الأسطح على هدنة سياسية غير مستقرة.
وتتجاوز عمليات التركيب، حاليًا، مستويات ما قبل عام 2015. ويعمل ترونكوسو، اليوم، مديرًا لفرع نيفادا لشركة سنرن، أكبر شركة تركيب للطاقة الشمسية على الأسطح في البلاد.
ويرى المحللون أنه حتى إذا استمرت أعمال شركة سنرن في النمو، فلن تلغي الحاجة إلى إنشاء مزارع شمسية كبيرة في الصحراء.
التعامل مع السلاحف الصحراوية
اكتشفت عالمة الأحياء مديرة الخدمات البيئية لدى شركة بريمرجي سولار، بري مويل، -بسهولة- العلم الأصفر الصغير الملصق على شجيرة "روح القطران" كريوزوت هشة، وهي واحدة من العديد من النباتات القوية التي تنبت في تربة كلسية، وتحيط بها صفوف من دعامات الصلب اللامعة التي سترفع قريبًا الألواح الشمسية باتجاه الأعلى.
عندما انحنت بري مويل لإلقاء نظرة فاحصة، وسحبت الأغصان برفق، وجدت ثقبًا بحجم كرة القدم في الأرض.
وكان ذلك المدخل إلى جُحر السلحفاة الصحراوية، وهو واحد من آلاف الجحور المصنّف لدى شركة بريمرجي سولار، خلال بناء واحدة من أكبر مزارع الطاقة الشمسية في البلاد على الأراضي العامة خارج لاس فيغاس.
وبدلًا من إزالة جميع نباتات الصبار والنباتات الأخرى وتسوية الأرض، تركت شركة بريمرجي سولار معظم النباتات الأصلية في مكانها، وركّبت دعامات من ارتفاعات مختلفة لتتناسب مع معالم الأرض الطبيعية.
ونقلت الشركة مؤقتًا أكثر من 1600 نبتة إلى مشتل في الموقع، مع خطط لإعادتها لاحقًا، وفقًا لما نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية (latimes) في يونيو/حزيران.
وبذلت الشركة جهودًا كبيرة لحماية السلاحف الصحراوية، وهي من الزواحف الشهيرة المحمية بموجب قانون حماية الأنواع المهددة بالانقراض الفيدرالي، وأكبر عائق بيئي لبناء الطاقة الشمسية في صحراء موهافي.
تجدر الإشارة إلى أن السلاحف الصحراوية تُعدّ حساسة للاحترار العالمي والزحف السكني وغير ذلك من التعديات البشرية على موطنها.
وقدّرت خدمة الأسماك والحياة البرية الأميركية أن أعداد السلاحف انخفضت بأكثر من الثلث بين عامي 2004 و 2014.
ويرى العلماء الكثير من مَواطن السلحفاة عالية الجودة في موقع شركة بريمرجي سولار، وتمتد تلك المَواطن على ممر اتصال يمكن أن يساعد الزواحف في البحث عن ملاذ أكثر أمانًا، لأن الطقس الأكثر سخونة وموجات الجفاف الشديدة تجعل منازلها الحالية غير صالحة للعيش.
وقبل أن تبدأ شركة بريمرجي سولار في البناء، جابت الشركة الموقع، وأبعدت 167 سلحفاة، مع خطط للسماح لها بالعودة والعيش بين الألواح الشمسية بمجرد انتهاء رفع الأحمال الثقيلة، وسيُعاد إسكان ثلثي موقع المشروع بالسلاحف.
وأبعدَ العمال مزيدًا من السلاحف خلال البناء، وبدءًا من يناير/كانون الثاني 2023، علمت الشركة بنفوق سلحفاتين فقط، إحداهما يُشتبه بأن سيارة صدمتها، والأخرى ربما تكون قد دُفنت في جحرها خلال أعمال الطُّرق، ثم أكَلها ثعلب.
اقرأ أيضًا..
- تأكيدًا لـ"الطاقة".. السعودية تمدد خفض إنتاج النفط مليون برميل يوميًا
- أكثر الدول العربية توليدًا للكهرباء من الطاقة الشمسية (إنفوغرافيك)
- اكتشاف أكبر مخزون لصخور الفوسفات في العالم .. كيف يُفيد أوروبا؟