الطاقة المتجددة قد تحل أزمة الجفاف ونقص المياه في الشرق الأوسط (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة-رجب عز الدين
- الشرق الأوسط ضمن أكبر المناطق المعرضة لتغير المناخ
- ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه والجفاف أبرز التحديات
- محطات التوليد التقليدية تواجه معضلة نقص المياه العذبة للتبريد
- الطاقة المتجددة تحلّ أزمة المياه والانبعاثات معًا
- المغرب يستهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 40% بحلول 2030
- مصر تعتمد على مياه البحر وأنظمة تبريد الهواء
- سلطنة عمان تواجه ارتفاعًا في الطلب على الكهرباء
تزداد أهمية الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إطار معالجة أزمات التلوث وخفض الانبعاثات والحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية فوق مستوى 1.5 درجة مئوية.
وتعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر أقاليم العالم تضررًا من تغير المناخ، ما يفرض تحديات على أنظمة الطاقة التي تعاني من ضغوط كبيرة لتلبية احتياجات النمو الاقتصادي وأمن الطاقة والرفاهية الاجتماعية.
وتعاني المنطقة من تفاقم أزمات الجفاف ونقص المياه بصورة ملحوظة خلال السنوات الماضية، ما يهدد محطات الطاقة الكهربائية المعتمدة على مصادر الوقود الأحفوري، وفقًا لخبراء وكالة الطاقة الدولية المراهنين على دور كبير لمصادر الطاقة المتجددة لحلّ هذه الأزمة.
وتحتاج محطات التوليد بالفحم أو الغاز أو المشتقات النفطية كميات كبيرة من المياه العذبة لاستعمالها في أغراض التبريد، خلافًا لمحطات الطاقة المتجددة المعتمدة على الشمس أو الرياح، ولا تحتاج إلى مصادر مياه للتبريد، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
درجات الحرارة وجفاف المغرب وتونس
زادت درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمقدار 0.46 درجة مئوية لكل عقد خلال المدة من 1980 إلى 2022، وهو متوسط أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.18 درجة مئوية لكل عقد خلال المدة نفسها.
كما تغيرت أنماط هطول الأمطار بصورة كبيرة، ما أدى إلى تفاقم مشكلة ندرة المياه الحالية في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تعرّض المغرب لموجة جفاف عام 2022، بينما تتعرض تونس لموجة مماثلة في عام 2023.
كما شهدت دول أخرى فيضانات شديدة في عام 2022، مثل الإمارات وإيران والسعودية وقطر وعمان واليمن، ما يمثّل تهديدًا لاقتصادات المنطقة وأنظمة الطاقة، إلى جانب تضرّر الحياة اليومية للمواطنين.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في المغرب -على سبيل المثال- إلى زيادة الطلب على الكهرباء في أغراض التبريد، ما أدى إلى إجهاد نظام الطاقة المنهك في البلاد.
واضطرت الحكومة المغربية لزيادة واردات الكهرباء من إسبانيا إلى مستويات قياسية في مايو/أيار 2022، لمواجهة ذروة الطلب المحلي وسدّ فجوة التوليد في البلاد.
تقييم التغير المناخي في مصر والمغرب وعمان
أجرت وكالة الطاقة الدولية أول تقييم لمخاطر التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالتعاون مع شركاء إقليميين، أبرزهم مصر والمغرب وسلطنة عمان.
واستعانت الوكالة بأحدث النماذج المناخية وأنظمة التحليل المستندة إلى رسومات المعلومات المعروفة باسم (GIS)، والمستعملة في استشراف احتمالات التعرض المستقبلي للمخاطر المناخية في العالم.
ويأتي انخفاض هطول الأمطار وزيادة موجات الجفاف على رأس اهتمامات قطاع الطاقة في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما منطقة جنوب وشرق البحر المتوسط، إذ انخفض متوسط هطول الأمطار في المنطقة بنسبة 8.3% لكل عقد خلال المدة من 1980 إلى 2022.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض المتوسط السنوي لهطول الأمطار في هذه البلدان خلال السنوات المقبلة، بينما سيزداد في شبه الجزيرة العربية، ما يعني اختلاف التأثيرات المناخية التي تتعرض لها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما تتوقع الوكالة تضرُّر محطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالوقود الأحفوري من أزمة نقص المياه الناتجة عن انخفاض معدل هطول الأمطار في بلدان جنوب وشرق البحر المتوسط.
وتعتمد دول هذه المنطقة على محطات الطاقة التقليدية في توليد 91% من احتياجات الكهرباء، إلّا أن هذه المحطات تحتاج إلى استعمال كميات كبيرة من المياه العذبة لتبريد المولدات، ما يرجّح تضررها من أزمات نقص المياه والجفاف المتزايد على مرّ السنين.
محطات الكهرباء ومعضلة مياه التبريد
تتوقع جميع سيناريوهات المناخ تعرُّض أكثر من 90% من محطات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري لمناخ أكثر جفافًا خلال العقد المقبل، لا سيما في منطقة جنوب وشرق البحر المتوسط، مع اختلاف درجة التأثر بين المحطات من سيناريو لآخر.
ومن المرجح أن تواجه 32% من محطات التوليد بالفحم مناخًا أكثر جفافًا، ستكون له تأثيرات أكبر في مستوى إمدادات المياه العذبة للتبريد خلال السنوات المقبلة، إذا لم تنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، واستمرت هذه المحطات في العمل بالوقود الأحفوري.
كما ستتعرض 15% من محطات التوليد بالغاز و9% من محطات التوليد بالمشتقات النفطية، مثل زيت الوقود والديزل، إلى مصير مشابه، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة من تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
وتختص هذه التقديرات بدول جنوب وشرق المتوسط التي تشهد متوسطات أعلى من المتوسط العالمي، بينما ستواجه الدول المجاورة في شبه الجزيرة العربية مناخًا أكثر رطوبة قليلًا.
تجارب مصر والغرب في حل معضلة مياه التبريد
بذلت بعض دول البحر المتوسط جهودًا متنوعة خلال السنوات الماضية للبحث عن مصادر مياه بديلة لخفض استعمال المياه العذبة في أغراض تبريد محطات توليد الكهرباء.
وبدأ المغرب في استبدال محطات الغاز الطبيعي ذات الدورة المركبة وذات الاستهلاك المنخفض للمياه بمحطات التوليد العاملة بالفحم ذات الاستهلاك الأعلى للمياه.
كما تبنّت مصر خيارات أكثر كفاءة في استعمال المياه لتبريد محطات التوليد العاملة بالغاز الطبيعي، عبر نظام تبريد الهواء بمحطة توليد الكهرباء بالعاصمة الجديدة التي تبلغ طاقتها 4.8 غيغاواط.
يوضح الرسم التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، تطور نمو الطاقة المتجددة في مصر عام 2022:
كما قللت مصر من اعتمادها على المياه العذبة في تبريد بعض المحطات عبر الاعتماد على تحلية مياه البحر بتزويد محطة كهرباء البرلس بقدرة 4.8 غيغاواط، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ورغم أن هذه الخيارات يمكن أن تسهم في خفض الإجهاد المائي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنها ما زالت تمثّل حلولًا جزئية قصيرة الأجل، ولا تتناغم مع التوجه العالمي لخفض الانبعاثات وهجر الوقود الأحفوري وجميع استعمالاته، لاسيما في توليد الكهرباء.
الطاقة المتجددة هي الحل الأمثل
تتجه أغلب الاقتراحات الأخرى إلى الطاقة المتجددة بوصفها الحل الأمثل والدائم والوحيد الملائم لمسارات انتقال الطاقة العالمية، ليس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.
تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن التراخي في تخفيف انبعاثات محطات التوليد العاملة بالوقود الأحفوري سيؤدي إلى استمرار تفاقم ظاهرة تغير المناخ المؤثرة بالتبعية في أزمات الجفاف وندرة المياه، ما سيعرّض أنظمة الطاقة الإقليمية لمزيد من التحديات المستقبلية.
وتشدد الوكالة -من هذا المنظور- على أهمية نشر تقنيات الطاقة المتجددة في البلاد ذات المناخات الجافة، لا سيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي لا تحتاج إلى المياه في التشغيل أو التبريد.
يوضح الرسم التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، خريطة تطور الطاقة المتجددة في المغرب خلال عام 2020:
ويمكن لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تجني فوائد مركبة من الطاقة المتجددة، لا سيما في مجال توفير المياه العذبة لاستعمالات أخرى في الشرب والري وغيرها، إلى جانب مساهمتها في خفض الانبعاثات والحدّ من التحولات في أنماط هطول الأمطار مستقبلًا.
ووضعت دول جنوب وشرق البحر المتوسط أهدافًا طموحة لتوسيع قدرات الطاقة المتجددة، خاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ودعم الجهود العالمية في الحدّ من غازات الاحتباس الحراري.
ويستهدف المغرب زيادة حصة الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء من 1% عام 2020 إلى 20% بحلول 2030، بينما تستهدف زيادة حصة طاقة الرياح من 12.2% إلى 20% بحلول العام نفسه.
ومن المتوقع أن تعزز هذه الطفرة الطموحة من مرونة نظام الطاقة المحلي في المغرب عبر تعويض النقص في قدرة الطاقة الكهرومائية، وكذلك توفير المياه العذبة المستعملة في التبريد مع التخلص التدريجي من محطات الفحم المستهلكة للمياه.
ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 6.4 درجة مئوية
تثير توقعات ارتفاع درجات الحرارة مخاوف إضافية بشأن مرونة أنظمة الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسرعة استجابتها لتوسعة مصادر الطاقة المتجددة واستبدال أنظمة الطاقة التقليدية.
ويشير سيناريو الانبعاثات المنخفضة لوكالة الطاقة الدولية إلى ارتفاع درجة الحرارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمقدار 2.5 درجة مئوية بحلول 2081-2100.
بينما يشير سيناريو الانبعاثات العالية إلى ارتفاعها بمقدار 6.4 درجة مئوية بحلول التاريخ نفسه، مع الإشارة إلى أن كلا السيناريوهين أعلى من المتوسطات العالمية، ما يرجّح زيادة مخاطر التغيرات المناخية التي قد تتعرض لها المنطقة لو لم تتحرك باتجاه الطاقة المتجددة وخفض الانبعاثات.
وتؤثّر زيادة الحرارة الشديدة والمتكررة في زيادة التحديات المزدوجة، سواء من ناحية الطلب على الكهرباء لأغراض تبريد الهواء، أو من ناحية خفض كفاءة محطات التوليد.
وارتفعت درجة التبريد اليومي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 0.6% سنويًا خلال العقود الأربعة الماضية (1980-2022)، وسط توقعات بزيادة هذا الاتجاه مع زيادة درجات الحرارة بالمنطقة، خاصة خلال فصل الصيف.
ففي سلطنة عمان، ارتفعت ذروة الطلب على الكهرباء من 6 آلاف و60 ميغاواط عام 2015، إلى 7 آلاف و81 ميغاواط في عام 2021، بمتوسط نمو سنوي 3%، يُتوقع أن يرتفع إلى 4% بحلول 2027، بسبب زيادة تشغيل أجهزة تكييف الهواء.
خفض كفاءة التوليد بسبب الحرارة
تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى خفض كفاءة التوليد والشبكات، ما يضيف مزيدًا من الضغوط على إمدادات الكهرباء، مما يهدد محطات الكهرباء العامة بالغاز في دول المنطقة، والتي تسهم في توليد 74% من الكهرباء.
وتتضرر محطات الغاز الطبيعي من كتلة الهواء الدافئ الداخل إلى ضواغط التوربينات الغازية المستعملة في توليد الكهرباء، ما يعرّضها لأعطال كثيرة، أو يقلل من قدرتها وكفاءتها في التوليد، لا سيما خلال فصل الصيف.
كما تؤثّر زيادة درجات الحرارة الشديدة في أداء تقنيات الطاقة المتجددة نفسها، ما قد يهدد مستوياتها تشغيلها وكفاءتها في توليد الكهرباء النظيفة، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
فالغالب على تصميم أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أن تعمل بصورة جيدة في ظروف حرارة عند 25 درجة مئوية، بينما تقلّ كفاءتها خلال موجات الحرار المرتفعة.
كما تؤثّر الحرارة المرتفعة سلبًا في زيادة حرارة خطوط نقل الكهرباء وتمددها أو ارتخائها، وهي ظاهرة معروفة في أوساط صناعة الكهرباء، وتؤدي إلى خفض قدرة النقل الكهربائي وزيادة خسائر هدر الطاقة، خاصة على مستوى خطوط النقل الطويلة.
الشرق الأوسط يحتاج إلى تصميمات مرنة للطاقة المتجددة
يشير هذا التحدي إلى أهمية اعتماد مورّدي الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط على تصميمات أكثر مرونة لمحطات طاقة الرياح واعتماد تقنيات التبريد المبتكرة للطاقة الشمسية لمواجهة تداعيات ارتفاع درجات الحرارة.
كما تحتاج الحكومات، وكذلك المستهلكون، إلى تحسين كفاءة الطاقة في أجهزة التبريد لخفض الطلب المتزايد على الكهرباء، بالتوازي مع التوسع في نشر تقنيات الطاقة المتجددة وابتكاراتها.
ومن المتوقع أن تصدر وكالة الطاقة الدولية سلسلة من التقارير الدورية المتخصصة في رصد مخاطر المناخ على أنظمة الطاقة في مصر والمغرب وسلطنة عمان خلال الأسابيع المقبلة.
كما ستنظّم الوكالة حدثًا مشتركًا في يوليو/تموز 2023، لمشاركة نتائج هذه التقارير مع الجمهور الأوسع، بالتعاون مع حكومات مصر والمغرب وسلطنة عمان، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: وكالة الطاقة الدولية تدعم المصادر المتجددة على حساب غيرها (صوت)
- آيرينا تطرح 100 ابتكار أمام الحكومات لدعم كهربة جميع القطاعات
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع طفرة كبيرة في صناعة تقنيات الطاقة المتجددة بحلول 2030
اقرأ أيضًا..
- مصادر: أسعار الوقود في مصر قد تشهد مفاجأة للمواطنين
- روسيا تعلن خفض صادرات النفط لأول مرة.. ما معنى ذلك وأين تتجه الأسعار؟
- الخلاف على حقل الدرة البحري يشتد.. والكويت توجه رسالة حاسمة لإيران