الطلب على منصات الحفر البحرية مرشح للانتعاش بعد عقد من الركود (تقرير)
معدل الإيجار اليومي للحفارات قد يتجاوز 500 ألف دولار في 2023
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- منصات الحفر البحرية تكبّدت خسائر كبيرة خلال العقد الماضي
- الحرب الأوكرانية أنعشت الطلب على الحفارات مع توسّع الاستكشافات
- توقعات باستمرار الطلب على منصات الحفر مرتفعًا حتى 2025
- ذروة الطلب على النفط والغاز قد تتأخر سنوات طويلة عن سيناريو الحياد الكربوني
يشهد الطلب على منصات الحفر البحرية نموًا ملحوظًا منذ العام الماضي (2022)، الذي أربك حسابات أغلب دول العالم بسبب أزمة الطاقة المشتعلة إثر الحرب الروسية الأوكرانية، ما دفع الحكومات والشركات إلى زيادة الإنفاق على عمليات الاستكشافات والإنتاج الجديدة للنفط والغاز حول العالم في محاولة لسدّ الفجوة المتوقعة في العرض، مع استمرار الاضطرابات السياسية والعسكرية العالمية.
وعانت سوق الحفارات البحرية من ركود طويل خلال العقد الماضي، مع زيادة المعروض العالمي وانخفاض أسعار النفط والغاز وتراجع الاستثمار في المنبع -الاستكشاف والإنتاج-، وفقًا لتقرير حديث صادر عن شركة الأبحاث وود ماكنزي.
وعاد الطلب على منصات الحفر البحرية للانتعاش مجددًا منذ عام 2022، مدفوعًا بنمو الطلب على الحفر في المناطق الأكثر نشاطًا بالمياه العميقة حول العالم، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ودعت اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 إلى تحول مستقبل الطاقة إلى المصادر منخفضة الكربون، ما عزّز تصورًا بأن حفر الآبار وأعمال التنقيب والتطوير البحري ربما يدخل في حالة تدهور لا رجعة منها.
خسائر منصات الحفر البحرية
تكبّد أصحاب منصات الحفر البحرية خسائر متراكمة خلال العقد الماضي، ما دفع بعضهم إلى وضع مئات الحفارات في المخازن أو إحالتها إلى ما يُعرف بـ" التكديس البارد"، وهي خطوة تلجأ إليها الشركات في حالة ضعف العائد على الاستثمار بصورة كبيرة.
ويعني إحالة تحويل منصات الحفر البحرية إلى التكديس البارد، التخلّي عن العمال وإغلاق المنصة، ثم نقلها إلى مرفأ أو حوض بناء السفن أو بعض المناطق المخصصة بعيدًا عن الشاطئ، ما يعني أنها ستكون خارج الخدمة لمدة طويلة من الزمن، وفقًا لموقع مونيتور سيستمز إنجنيرنغ المتخصص (monitor-systems-engineering).
وانتعشت سوق منصات الحفر البحرية مجددًا مع زيادة الطلب على الحفارات في المياه العميقة، وفقًا لكبيرة المحللين في وود ماكنزي، ليزلي كووك، التي عارضت التوقعات السائدة في عام 2019، ورجّحت انتعاشًا قويًا في سوق الحفارات العالمية.
واستندت كووك في ترجيحها إلى توقعات المدى المتوسط لأسعار النفط والغاز الطبيعي المسال عالميًا، وهي تقديرات أكثر تفاؤلًا تدفع باتجاه انتعاش صناعة الاستكشاف والإنتاج ذات التدفقات النقدية الضخمة.
كما أكدت الحرب الأوكرانية مدى اعتماد الاقتصاد العالمي على النفط والغاز وضعف قدرته على خفض الطلب عليهما بصورة كبيرة على الأقلّ حتى نهاية العقد الحالي (2030)، ما يرجّح أهمية الاكتشافات الجديدة في تعويض التدهور وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة عالميًا.
ورغم اتجاه الإنفاق على أعمال الاستكشاف والإنتاج للصعود مجددًا، بعد أن سجل أدنى مستوى في عام جائحة كورونا (2020)، فإن صناعة المنبع ما زالت محكومة بضوابط رأس المال الصارمة التي تركّز على القيمة المالية المتوقعة أكثر من حجم الإنتاج.
مناطق المياه العميقة في العالم
يغلب على شركات النفط والغاز والخدمات النفطية في الوقت الحالي الانتقائية في اختيار المشروعات الجديدة على حسب انخفاض التكلفة وكثافة الكربون، بسبب الضغوط المتزايدة على الشركات لخفض انبعاثاتها والتحول إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون بحلول 2050.
وفق هذه المعايير، تتجه الأنظار إلى المياه العميقة والمثلث الذهبي في أميركا اللاتينية بين البرازيل وغايانا وسورينام وأميركا الشمالية حيث خليج المكسيك الأميركي والمكسيك، فضلًا عن أفريقيا (المناطق الواقعة في المحيط الأطلسي وغاز شرق أفريقيا).
وتمثّل المناطق الـ3 سالفة الذكر إضافة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط قرابة 75% من الطلب العالمي على منصات الحفر البحرية في المياه العميقة، وفقًا لتقديرات وود ماكنزي.
وأنعشت الاكتشافات العملاقة في ناميبيا عام 2022 الطلب على منصات الحفر البحرية في غرب أفريقيا، إذ توجد مواردها الهيدروكربونية على أعماق مائية تتراوح بين 2000 و3 آلاف متر.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه الاكتشافات، ليس فقط إلى إعادة الاهتمام بغرب أفريقيا، بل إلى قيادة المستكشفين لعمليات أبعد في أعماق المياه، التي لا يصلح معها إلّا عدد قليل من الحفارات ذات التقنيات العالية.
وأبدت شركة إكسون موبيل الأميركية اهتمامها -مؤخرًا- بالحصول على 4 مربعات استكشافية تقع في المياه العميقة لدولة ليبيريا، ما يعدّ مؤشرًا للتنافس الصاعد على حقول المياه العميقة غرب أفريقيا.
سوق الحفارات العائمة
تشهد سوق منصات الحفر البحرية في المياه العميقة انتعاشًا ملحوظًا على صعيد نمو معدل تشغيل الحفارات العائمة من مستوى في عام 2018 (65%)، إلى مستوى أعلى بلغ 85% عام 2023.
كما عاد عدد الحفارات في المياه الأكثر عمقًا -الحفر على عمق يتجاوز 2000 متر- إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، إلى جانب تضاعف معدلات الإيجار اليومية للحفارات العائمة (الأعلى فئة) خلال عامين.
وارتفعت معدلات الإيجار اليومية للحفارات العائمة بنسبة 40% خلال العام الماضي، كما بلغت معدلات الاستعمال لأعلى فئة عاملة من الحفارات في المياه العميقة 90% خلال الأشهر الماضية، مع معدلات إيجار يومية بلغت 470 ألف دولار، وكلتاهما أقلّ من ذروة عام 2014 بمعدل هامشي.
وأسهم نمو الطلب على منصات الحفر البحرية في عودة الأرباح إلى المشتغلين بالصناعة مرة أخرى، وسط توقعات بوصول معدلات الإيجار اليومية للحفارات إلى 500 ألف دولار خلال 2023، وفقًا لما نقله موقع أويل ناو (oilnow) عن شركة أبحاث الطاقة ويستوود إنرجي.
حفارات الجيل الثامن أقل انبعاثًا
ترجّح وود ماكنزي ارتفاع معدلات أسعار الإيجار اليومية للحفارات إلى مستوى أعلى حتى عام 2025، وسط توقعات باستمرار ارتفاع الطلب على منصات الحفر البحرية خلال السنوات الـ3 المقبلة.
وترى وود ماكنزي أن استعمال أحدث الحفارات من الجيل الثامن في أعمال الاستكشافات الجديدة للنفط والغاز من شأنه أن يعزز كفاءة وموثوقية الحفر، إلى جانب قدرتها على المساعدة في تحقيق هدف الصناعة المتمثل بخفض كثافة الانبعاثات.
ورغم توقُّع زيادة الطلب على منصات الحفر البحرية خلال المدة المقبلة، فإنه سيصطدم من ناحية أخرى بارتفاع تكاليف الحفر، ما قد يدفع المشغّلين لتأخير الاستثمار والتركيز على المشروعات الجديدة ذات الجدوى الاقتصادية الأكبر والتكلفة الأقلّ، كما سيدفع شركات الحفر إلى التخوف من المشاركة دون توقيع عقود طويلة الأجل.
وفق هذه المخاوف، سيستمر العديد من مالكي الحفارات في إدارة وتعزيز هوامش أرباحهم بالنسبة لأسطولهم الحالي من المنصات، مع اتخاذ الخيار الأقلّ خطورة في إعادة تنشيط الحفارات المكدسة الأكثر قدرة وفاعلية بموجب عقود ثابتة.
كما يُخشى من تضاؤل شهية صناعة الحفر بسبب عدم اليقين بشأن الطلب المستقبلي، خاصة أن آبار التنقيب التي حُفرت بالمياه العميقة عام 2023 لا يُتوقع أن تبدأ في ضخ ّالإمدادات النفطية قبل عام 2030 أو 2035 على أحسن الأحوال.
ومن المرجح أن يبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته في أوائل عام 2030، في حين تُتوقَّع ذروة الطلب على الغاز بعد عقد من الزمن، وفقًا لتقديرات الحالة الأساسية لوود ماكنزي، والتي تختلف بصورة كبيرة عن الحالة الأساسية في سيناريو الحياد الكربوني، إذ يُتوقع أن تأتي ذروة الطلب على النفط والغاز قبل ذلك بكثير.
لهذا السبب، تعتقد وود ماكنزي أن انتعاش سوق منصات الحفر البحرية في الوقت الحالي مؤشر خطير على أن مسار انتقال الطاقة يسير بمعدل أبطأ من المطلوب للحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقلّ من 1.5 درجة مئوية.
موضوعات متعلقة..
- منصات الحفر البحرية في أفريقيا تتأهب لأعلى مستويات التنقيب خلال 10 سنوات
- أرامكو السعودية تطلق أول مصنع لأجهزة الحفر في الشرق الأوسط
- سايبم الإيطالية تستكمل بيع منصاتها البرية في الكويت
اقرأ أيضًا..
- كيف منعَ الخفض السعودي الطوعي أسعار النفط من التراجع؟ أنس الحجي
- خلافات تهدد خطة الطاقة المتجددة في أوروبا بالفشل.. ونداء عاجل
- بريطانيا تشترط تراجع أسعار النفط إلى 71 دولارًا لوقف العمل بالضريبة الاستثنائية