نشطاء المناخ يعترضون على استعمال مصطلح "الغاز الطبيعي" في الولايات المتحدة
المصطلح متداوَل منذ عام 1820
رجب عز الدين
ما زال نشطاء المناخ يمارسون ضغوطهم على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا، للتوقف عن دعم مشروعات الوقود الأحفوري الملوثة للبيئة والتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة بأسرع وقت ممكن.
ويستعد المدافعون عن البيئة والمناخ لشن حملة جديدة على المصطلحات المستعملة في قطاع الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، رافضين استعمال وصف الغاز بـ"الطبيعي"، وفقًا لموقع فري بيكون المحلي (free beacon).
ويحتجّ نشطاء المناخ في "حملة مكافحة تسرّب الغاز" بأن استعمال وصف "الطبيعي" يُضفي شرعية بيئية على الغاز، ويوحي بأنه مصدر أخضر للطاقة بصورة مفرطة في المبالغة.
وأطلقت عدة منظمات ومجموعة بيئية حملة لمكافحة تسرب الغاز في الولايات المتحدة، مستندة إلى دراسة علمية -نُشرت مؤخرًا- حول علاقة مواقد الغاز في المنازل بأمراض الربو لدى الأطفال، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
لجنة التجارة الفيدرالية
تمارس الحملة المذكورة ضغوطًا في الوقت الحالي على لجنة التجارة الفيدرالية التابعة للرئيس الأميركي جو بايدن، لدفعها إلى اتخاذ قرار بتغيير وصف الغاز الطبيعي إلى مسميات أخرى ذات دلالات بيئية واضحة أو ذات دلالات فنية محايدة.
ويقترح مدير الحملة كاليب هيرينغا، استعمال مصطلحات أخرى مثل "الغاز الأحفوري" أو "غاز الميثان"، بدلًا من مصطلح "الغاز الطبيعي" المتداول منذ عقود الذي يراه مضللاً.
وتعتقد مجموعات البيئة أن تغيير المصطلحات المستعملة في وصف الغاز الطبيعي يمكن أن تساعد في تنبيه الوعي الجمعي بمخاطر التلوث الناجمة عنه بمرور الزمن.
وينتهج نشطاء المناخ وسائل متنوعة للضغط على الحكومات والشركات، للتوقف عن الاستثمار في مشروعات الوقود الأحفوري، والانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة في أسرع وقت ممكن، تحسبًا لأخطر كوارث مناخية محتملة يحذر منها علماء البيئة والمناخ.
الوقفات الاحتجاجية
يعتمد النشطاء في الولايات المتحدة على وسيلة الوقفات الاحتجاجية في المناسبات الدولية المهمة على المستوى السياسي أو الاقتصادي وفي أثناء المؤتمرات الدولية التي تشهد حضورًا مكثفًا لرؤساء وممثلي الحكومات والمنظمات الدولية.
وتهدف هذه الاحتجاجات إلى لفت الانتباه العالمي، بالإضافة إلى إحراج الفاعلين الحكوميين وشركات الوقود الأحفوري أمام الجمهور المتابع للحدث الدولي أو الإقليمي.
كما يمارس نشطاء المناخ أساليب الضغوط البرلمانية في أوروبا وأميركا عبر أحزاب الخضر أو النواب المؤيدين لقضايا المناخ في برلمانات العالم، بهدف طرح تشريعات جديدة لمحاصرة مشروعات الوقود الأحفوري وتخفيض أجل الاعتماد عليه، مع عرقلة التشريعات المضادة التي تصب في صالحه.
إرهاب البنوك والتأمين
تمتد أساليب المتحمسين للبيئة إلى تخويف الشركات الفاعلة والبنوك وشركات التأمين المؤيدة لمشروعات الوقود الأحفوري، عبر رفع دعاوى قضائية ضدها في المحاكم المحلية والإقليمية والدولية.
واضطرت شركات تأمين وبنوك متعددة في أوروبا وأميركا إلى إعلان انسحابها من مشروعات نفط وغاز مختلفة في أوروبا وأفريقيا خلال السنوات الماضية، تجنبًا لاستمرار حملات الطعن في السمعة التي يشنها أنصار البيئة والمناخ.
وترتبط بهذه الوسيلة محاولة اختراق هياكل ملكية شركات النفط والغاز، عبر شراء بعض أسهمها المتداولة في أسواق المال والبورصات المحلية والإقليمية والعالمية، كما حصل في شركة شل الأنغلوهولندية.
وتهدف هذه الوسيلة إلى استعمال الحق التصويتي للأسهم في الاعتراض على قرارات مجالس إدارة شركات النفط والغاز في الجمعيات العمومية الدورية التي تُعقد للمساهمين، لأخذ موافقتهم على القرارات الاستثمارية وخلافه، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
فيلم سينمائي محرض
يجيد النشطاء -كذلك- استعمال الحملات الإعلامية المدعومة ببعض بيانات التلوث مع ربطها بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والبراكين وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى ربطها من ناحية أخرى بسلسلة من الأمراض المنتشرة ذات التفسيرات الطبية المحتملة.
وتهدف هذه الحملات إلى تهيئة الرأي العام -في البلاد الغربية على الأقل- لمناهضة صناعة الوقود الأحفوري والتذمر من صناع القرار والمشرعين المؤيدين لها، ما يزيد الضغوط على دوائر القرار التنفيذي في الغرب.
وتتنوع أساليب الحملات الإعلامية التي يشنها نشطاء المناخ، بداية من استغلال الكوارث الطبيعية، لإلقاء المسؤولية على صناعة الوقود الأحفوري وداعميها، وصولًا إلى دعم إنتاج الأفلام الوثائقية المناهضة، وانتهاءً بتبني إنتاج أفلام سينمائية عامة للجمهور مثل فيلم "كيف تفجر خط أنابيب؟" الذي يُعرض في دور السينما الأميركية والعالمية منذ أسابيع.
واستوحى المخرج السينمائي دانيال جولد هابر فكرة الفيلم من كتاب يحمل العنوان الصادم نفسه لعالم البيئة البشرية في جامعة لوند في السويد، أندرياس مالم في عام 2021، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
ويُعد أندرياس مالم من أشد المناهضين للوقود الأحفوري في الأوساط الأكاديمية الغربية، إلى درجة تحريضه نشطاء المناخ على ترك النهج السلمي للاعتراض والتحول إلى الأساليب العنيفة والإجرامية بما في ذلك تفجير خطوط الأنابيب.
ويعتقد مالم، أن اقتحام منشآت الوقود الأحفوري وتفجير خطوط الأنابيب، ستصيب الرأسماليين بخسائر فادحة تردعهم عن الاستمرار في احتضان مشروعات النفط والغاز ودعمها بالاستثمارات المالية الضخمة.
معركة المصطلحات
ينشط أنصار البيئة والمناخ في دوائر البحث العلمي بصورة ملحوظة عبر إنشاء المنظمات والمراكز البحثية المتخصصة في المتابعة الدورية لبيانات صناعة الوقود الأحفوري وتحليل تداعياتها المناخية بصورة دورية منتظمة.
وتقع قضية المصطلحات المستعملة في وصف مصادر الوقود الأحفوري والطاقة النووية في دائرة اهتمام نشطاء المناخ منذ سنوات في إطار حملات موازية تستهدف محاصرة الصناعة من محاورها كافّة.
وتأثر بعض صناع القرار في الدول الأوروبية بهذه الحملات، مثل ألمانيا التي ترفض إدراج الطاقة النووية والهيدروجين الأصفر ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي لمصادر الطاقة المتجددة، خلافًا لفرنسا وإسبانيا المؤيدتين لوصفهما بـ"الاستدامة والنظافة"، وفقًا لوكالة رويترز.
الغاز طبيعي بحكم النشأة
يحتج المعارضون لحملات النشطاء بأن الغاز موجود بصورة طبيعية تحت سطح الأرض، ولم يتدخل الإنسان في تكوينه عبر آلاف وملايين السنين، ما يجعل محاولات نزع صفة "الطبيعي" عنه عبثًا لا طائل من ورائه.
وتشير الحقائق العلمية المستقرة منذ عقود إلى أن الغاز الطبيعي عديم اللون والرائحة، وتكوّن عبر ضغوط حرارية هائلة تعرّضت لها مكونات نباتية وحيوانية متحللة تحت سطح الأرض لآلاف وملايين السنين.
ويرجع استعمال مصطلح "الغاز الطبيعي" في الدوائر العملية إلى عشرينيات القرن الـ19 (عام 1820)، تمييزًا له عن الغاز المستخلص بوسائل غير طبيعية عبر حرق الفحم أو النفط، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
غاز ليكس تحتج
تحتج حملة مكافحة تسرب الغاز في المقابل بأن استخراج الغاز الطبيعي بطريقة التكسير المائي "الهيدروليكي" ذو مخاطر بيئية واضحة يحذّر منها العلماء منذ سنوات طويلة.
كما تحتج بالآثار البيئية السلبية لخطوط الأنابيب الممتدة عبر آلاف الأميال، بالإضافة إلى نسب التلوث المرتبطة بالهواء في المنازل نتيجة استعمال مواقد الغاز الطبيعي في الطهي، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وأرسلت الحملة اعتراضها إلى لجنة التجارة الفيدرالية التابعة للرئيس بايدن، على أمل نجاحها في اقتناص قرار جديد بتغيير المصطلحات المستعملة في وصف الغاز الطبيعي بصورة أو بأخرى.
وتختص لجنة التجارة الفيدرالية -إحدى الوكالات المستقلة التابعة لحكومة الولايات المتحدة- بمهام إنفاذ قانون مكافحة الاحتكار وحماية المستهلك الأميركي من عمليات الغش والتدليس والخداع التي تمارسها بعض الشركات في الأسواق، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تسرّب الغاز في المنازل
تنظر اللجنة في الوقت الحالي قضية تسرب الغاز في مواقد الطهي في المنازل الأميركية، لكنها لم تبدِ موقفًا نهائيًا بشأنها وسط ضغوط يقودها النشطاء لحظر استعمال مواقد الغاز مستقبلًا.
وتنتمي أغلب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الحزب الديمقراطي المتبني للأفكار الليبرالية حول حماية البيئة والمناخ أكثر من الحزب الجمهوري الذي يشكك بعض أعضائه في بيانات التلوث وحقائق المناخ بصور متعددة.
وهدد أحد أعضاء لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية ريتشارد ترومكا، في يناير/كانون الثاني 2023، بحظر مواقد الغاز بعد نشر نتائج دراسة علمية أثبتت تسببها في 13% من حالات مرض الربو عند الأطفال في الولايات المتحدة.
وتعرّضت هذه الدراسة لانتقادات علمية مضادة على الجانب الآخر، ما دفع السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير إلى التصريح بأن إدارة بايدن لن تدعم مطالب حظر مواقد الغاز.
ورغم ذلك شرعت وزارة الطاقة الأميركية في إعداد لوائح جديدة من شأنها أن تؤدي إلى حظر فعلي لما لا يقل عن 50% من مواقد الغاز المطروحة في الأسواق للبيع، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
حظر المصطلح في التسويق
يضغط نشطاء المناخ على لجنة التجارة الفيدرالية في الوقت الحالي، لحظر استعمال مصطلح "الغاز الطبيعي" في الإعلانات والمواد التسويقية ولافتات الطرق وإعلانات التلفزيون، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولم تصدر اللجنة موقفًا معلنًا تجاه هذه القضية حتى الآن، وسط توقعات باندلاع حملات مضادة حال اتخاذها قرارات من هذا النوع، لا سيما من رابطة الغاز الأميركية التي تقف للنشطاء بالمرصاد منذ سنوات، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتحتج الرابطة -التي تمثّل شركات الغاز في الولايات المتحدة- بقدم استعمال مصطلح الغاز الطبيعي واستقرار تداوله في اللغة العامية الواسعة منذ عقود، بالإضافة إلى استقرار استعماله في الأعمال العلمية المرجعية والمجلات الأكاديمية وحتى التشريعات القانونية واللوائح المتصلة.
وتقول الرابطة إن هذه المحاولات للشغب على مصطلح الغاز الطبيعي لن تغيّر من حقيقة كونه مصدرًا حيويًا للطاقة لعشرات الملايين من الأميركيين، وفقًا للمستشار العام للرابطة مايكل موراي.
موضوعات متعلقة..
- كيف يبني بعض نشطاء البيئة مواقفهم على معلومات خاطئة؟.. زيون لايتس نموذجًا
- هكذا تُشكّل مواقد الغاز خطرًا على أفراد المنزل.. رغم إغلاقها (دراسة)
اقرأ أيضًا...
- خبراء يتحدثون لـ"الطاقة" عن سبب انخفاض أسعار النفط وهل فشلت خطة أوبك+؟
- تركيا تدخل نادي الدول النووية وتستقبل أول حزمة وقود لمفاعل أكويو
- توقف صادرات نفط كردستان إلى تركيا رغم مرور أكثر من شهر.. ما السبب؟