الطاقة الكهرومائية في كوسوفو تسقط من حسابات الحكومة.. ما السبب؟
محمد عبد السند
في أعقاب أعوام من الجدل المثار حول الطاقة الكهرومائية في كوسوفو، كشفت الحكومة في البلد الواقع في شبه جزيرة البلقان صراحةً عن موقفها المناهض لتطوير هذا القطاع؛ نظرًا إلى تداعياته البيئية الخطيرة.
وما زال يتعين على السلطات في كوسوفو التعامل جديًا مع عدد من القضايا الملحّة، في مقدمتها محطتا الكهرباء العاملتان بالفحم، المتقادمتان، وتطوير قطاع الطاقة المتجددة، حال كانت ترغب في المضي قدمًا في مسار تحول الطاقة.
وفي هذا السياق، أقر برلمان كوسوفو إستراتيجية الطاقة الجديدة في أوائل مارس/آذار (2023)، والتي من المقرر أن تسري حتى عام 2031، فيما يُعد خُطوة حاسمة في مسار خُطط الطاقة في البلد الكائن جنوب شرق أوروبا، حسبما نشر موقع "بلقان ووتش نيتورك" Balkanwatch Network.
إستراتيجية الطاقة الجديدة
تنص إستراتيجية الطاقة الجديدة على توليد سعة جديدة من الكهرباء المتجددة قدرها 1320 ميغاواط، حتى عام 2031، لتُضاف إلى السعة الحالية البالغة 297 ميغاواط.
وتنص إستراتيجية الطاقة الجديدة على أن تُسهم طاقة الرياح بنحو 600 ميغاواط في إجمالي السعة الجديدة، ومثلها من الطاقة الشمسية، و20 ميغاواط من الكتلة الحيوية، بجانب ما لا يقل عن 100 ميغاواط من سعة المستهلك.
لكن إستراتيجية الطاقة الجديدة التي أقرها البرلمان لم توضح نوع الكتلة الحيوية، غير أنه ينبغي على بريشتينا أن تتوخى الحذر بالنسبة للكهرباء المولّدة من الكتلة الحيوية؛ فالبلاد قد فقدت بالفعل 7600 هكتار من الغابات في الأعوام الـ20 الماضية.
استبعاد الطاقة الكهرومائية
في أعقاب سنوات من الصراعات على الطاقة الكهرومائية في كوسوفو، كما حدث على سبيل المثال في مدينتي ديكان وستربس، جاءت إستراتيجية الطاقة الجديدة لتلزم الحكومة بعدم الترويج لبناء محطات الطاقة الكهرومائية؛ لأسباب بيئية.
وهذا يجعل كوسوفو أول دولة في منطقة البلقان تتوقف عن الترويج لمحطات الطاقة الكهرومائية الجديدة؛ ما يمهّد الطريق أمام الحكومة للتركيز على تسريع وتيرة تطوير طاقتي الشمس والرياح، وتكثيف جهودها الرامية لتوفير الكهرباء.
وتمثل هذه نقطة مهمة بالنظر إلى أن الحكومات السابقة قد أمضت ما يزيد على عقدين -دون جدوى- في الترويج لمحطات الطاقة الكهرومائية في كوسوفو، والتي كانت مقترنة بآثار تدميرية، علاوة على كونها غير واقعية إلى حد كبير، بالنظر إلى محدودية موارد المياه في البلاد.
وفي عام 2009، بلغت سعة الكهرباء المولّدة من الطاقة الكهرومائية المركّبة في كوسوفو 45.8 ميغاواط، لكن في عام 2013، خططت حكومة كوسوفو آنذاك لإضافة سعة كهرباء مولّدة من الطاقة الكهرومائية قدرها 240 ميغاواط، ما عُدَّ آنذاك هدفًا غير واقعي.
ورغم الدعم القوي من خطة تعريفة التغذية التي كانت تفضل الطاقة الكهرومائية على كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ فقد بلغت سعة الكهرباء المولّدة من الطاقة الكهرومائية في كوسوفو 132 ميغاواط بحلول نهاية عام 2021.
وتُنتج محطات الطاقة الكهرومائية في كوسوفو أقل من 5% من سعة الكهرباء المُخصصة لها، وذلك خلال عام جيد تتوافر فيه مقومات الطاقة الكهرومائية نسبيًا.
وعلاوة على ذلك تسبّبت محطات الطاقة الكهرومائية في كوسوفو –أيضًا- في تدمير واسع النطاق، تجلّى في جفاف مجاري الأنهار، وتلوث مياه الشرب، من بين مظاهر أخرى عديدة.
تفاقم أزمة الكهرباء
تتسم خطط حكومة كوسوفو في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بكونها طموحة مقارنة بالتقدم البطيء الذي أحرزته البلاد في السابق في هذا الخصوص، رغم أنه ما زال يتعين على بريشتينا أن تفعل المزيد في هذا الصدد.
وتوصي إستراتيجية الطاقة الجديدة بالوصول إلى أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، لكنها تحدد التاريخ ذاته –أيضًا- للتخلص من الفحم.
لكن في الواقع، يجب أن تُغلَق محطات الكهرباء العاملة بالفحم في وقت مبكر عن ذلك بكثير؛ نظرًا إلى عمرها المتقادم.
وفي أواخر العام قبل الماضي (2021)، وجدت كوسوفو نفسها وجهًا لوجه أمام أزمة طاقة مستفحلة نتجت عن الصعود الصاروخي في أسعار الطاقة، وتعطل وحدة إنتاج في محطة الكهرباء الرئيسة العاملة بالفحم.
وفي مساعيها الرامية للتحوط من الأزمة، سارعت الحكومة إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات في أواخر ديسمبر/كانون الأول (2021)؛ لتخفيف حدة أزمة الكهرباء التي تعانيها البلاد طيلة أكثر من عقد كامل؛ ما يضطرها إلى استيراد الكهرباء من الخارج بأسعار باهظة.
وتعوّل كوسوفو على استيراد قرابة 40% من احتياجاتها من الكهرباء.
وسبق أن واجهت محطتا توليد الكهرباء العاملتان بالفحم الوحيدتان في البلاد -كوسوفو إيه وكوسوفو بي- سلسلة من الأعطال في أواخر عام 2021؛ حيث لجأت الحكومة حينها إلى قطع التيار الكهربائي؛ لتخفيف الأحمال.
وتوفر المحطتان أكثر من 90% من الاستهلاك المحلي، وكان من المقرر تجديد وحدتين في كل محطة، بحسب معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
اعتماد على الغاز.. ولكن
تتضمن إستراتيجية الطاقة الجديدة خيار شراء حصص في مشروعات غاز في البلدان المجاورة؛ بُغية تجنب ارتفاع التكلفة والتأخير في وقت بناء خط أنابيب لتزويد كوسوفو بالغاز.
وتنص الإستراتيجية على بناء محطتين للغاز الطبيعي؛ إذ تشارك كوسوفو بـ100 مليون يورو لكل منهما.
وبحسب الإستراتيجية، ستشتري كوسوفو الغاز عبر اتفاقيات شراء الكهرباء طويلة الأجل.
وفيما تبدو تلك الخطط متواضعة مقارنة بالمقترحات التي خلصت إليها دراسة إعادة التغويز التي أجرتها كوسوفو بتمويل من الاتحاد الأوروبي؛ فإنها ما زالت تُلهي البلاد بمشروعات الوقود الأحفوري مرتفعة التكلفة، بدلًا من التركيز على إزالة الكربون وتوفير الطاقة.
ويسلّط الغزو الروسي لأوكرانيا الضوء –مجددًا- على حقيقة مفادها أن الاعتماد المتزايد على واردات الوقود الأحفوري -ولا سيما من أنظمة سلطوية- قد أثبت أنه عديم الجدوى.
غير أن بناء محطات بالاشتراك مع بلدان مجاورة، يعزز تبعية كوسوفو لدول بعينها؛ حيث تصبح بريشتينا معتمدة على كفاءة هذه الدولة أو تلك في منح تراخيص المحطات وتمويلها وبنائها وتشغيلها، وهو ما لا يمكن التسليم بحدوثه طوال الوقت.
موضوعات متعلقة..
- إجراءات جديدة لضمان استقرار الكهرباء في كوسوفو
- كوسوفو.. رابع دولة تحظر تعدين العملات المشفرة لمواجهة أزمة الكهرباء
- أزمة كهرباء كوسوفو تهدد إمدادات أوروبا.. ومواطنون يلجؤون لحلول شعبية
اقرأ أيضًا..
- بطاريات الهيدروجين المعدنية.. عمر طويل وسعر منخفض
- نقل الهيدروجين في خطوط الغاز.. هل تتبخر خطط الجزائر والمغرب؟
- تونس تحسم الجدل حول اكتشاف احتياطيات ضخمة للنفط والغاز قبالة سواحل البلاد
- شيرون إنرجي تتحرك للاستفادة من 300 مليون برميل نفط في حقل مصري