تمويل الوقود الأحفوري في المملكة المتحدة خلال 7 سنوات يكشف حقائق صادمة
تفوّق على تمويلات الطاقة المتجددة بـ24 مليار دولار
رجب عز الدين
كشفت بيانات مجمعة حول تمويل الوقود الأحفوري في المملكة المتحدة عن حقائق صادمة لنشطاء المناخ والمنظمات البيئية المعنية بقضايا الاحتباس الحراري وخفض الانبعاثات والحياد الكربوني.
وأظهرت البيانات، التي رصدها حزب الديمقراطيين الأحرار، استحواذ مشروعات الوقود الأحفوري على نصيب الأسد من تمويلات الحكومة البريطانية خلال السنوات الـ7 الماضية، وفقًا لصحيفة الغارديان البريطانية.
وتفوّق تمويل الوقود الأحفوري في المملكة المتحدة على تمويلات الطاقة المتجددة بما يزيد على 20 مليار جنيه إسترليني (23.9 مليار دولار) خلال السنوات الـ7 الممتدة من 2015 إلى 2022، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
108 مليارات دولار
بلغ حجم الاستثمارات الحكومية في مشروعات الطاقة المتجددة قرابة 60 مليار جنيه إسترليني (70 مليار دولار) خلال المدة المشار إليها، في حين بلغ تمويل الوقود الأحفوري من الحكومة قرابة 90 مليار جنيه إسترليني (108 مليارات دولار).
(جنيه إسترليني= 1.2 دولارًا أميركيًا)
ويُعد عام 2020 الوحيد، خلال هذه المدة، الذي رجحت فيه التمويلات الحكومية كافّة لمشروعات الطاقة المتجددة على مشروعات الوقود الأحفوري.
في المقابل، حظي الوقود الأحفوري بدعم إضافي أكبر بقيمة مليار جنيه إسترليني خلال عام 2021، بزيادة قدرها 10.7% عن عام 2020، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ولم يزد التمويل الإضافي لمشروعات الطاقة المتجددة خلال عام 2021 على مليون جنيه إسترليني بنسبة نمو 0.01% عن عام 2020.
مشروعات تنقيب جديدة
أظهر تحليل بيانات أجرته مكتبة مجلس العموم البريطانية، أن خُمس الأموال الممنوحة مباشرة لصناعة الوقود الأحفوري كانت موجهة إلى دعم عمليات الاستخراج والتعدين الجديدة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ففي عام 2021، ارتفع الدعم الحكومي المقدم إلى مشروعات استخراج الوقود الأحفوري الجديدة بنسبة 20% إلى ما يقرب من ملياري جنيه إسترليني.
وتطالب فئة كبيرة من النخبة السياسية في بريطانيا ومنظمات البيئة ونشطاء المناخ بوضع قضايا الحياد الكربوني على أولوية السياسات العامة للحكومة، بدلًا من تمويل الوقود الأحفوري.
أحزاب الخضر قلقة
تشعر أحزاب الخضر في بريطانيا -وفي القلب منها حزب الديمقراطيين الأحرار- بقلق بالغ من الدعم السخي المقدم من حكومة المحافظين إلى صناعة الوقود الأحفوري.
وتقول المتحدثة باسم الحزب ويرا هوبهاوس، إن المسألة تجاوزت فشل المحافظين في فرض الضرائب على الأرباح القياسية لعمالقة النفط والغاز من الحرب الأوكرانية، إلى ما هو أخطر عبر الإغداق عليهم بأموال دافعي الضرائب في بريطانيا.
وألقت هوبهاوس باللوم على الحكومة البريطانية في تفويت فرص حماية الشعب وإهدارها من تقلبات أسعار الطاقة المشتعلة منذ الحرب الأوكرانية.
واشتكى أغلب البريطانيين من أصعب فصول الشتاء المسجلة في تاريخ البلاد، بسبب ارتفاع فواتير الطاقة بصورة قياسية لم يألفوها منذ عقود.
معضلة الحلول السريعة
تراهن المنظمات البيئية ونشطاء المناخ على مشروعات الطاقة المتجددة بصورة شاملة، لضمان أمن الطاقة في بريطانيا وخفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني.
على العكس من ذلك، تفكّر الحكومة البريطانية -المرتبكة مثل نظيراتها الأوروبية- في الحلول السريعة لتجنب حدوث أزمة في إمدادات الطاقة على المدى القصير وربما المتوسط، ما جعلها تفتح خزائنها لتمويل الوقود الأحفوري مجددًا.
ويتبنى حزب الديمقراطيين الليبراليين -أحد مكونات الحكومة الائتلافية في بريطانيا- مضاعفة التمويلات الحكومية لمشروعات الطاقة المتجددة 3 أضعاف الأرقام الحالية.
كما يتبنى الحزب في برنامجه المعلن المطالبة العلنية لشركات الوقود الأحفوري المدرجة في بورصة لندن، بخطط إلزامية واضحة لكيفية انتقالهم إلى الحياد الكربوني.
تراجع شل وبي بي
تتعرّض شركات الوقود الأحفوري في بريطانيا لانتقادات حادة وحملات ممنهجة منذ سنوات، لضعف استثمارها في مصادر الطاقة المتجددة على الرغم من حصولها على إعفاءات ضريبية سخية وجانب من التمويل الحكومي.
وحققت شركة شل الأنغلو-هولندية صافي أرباح قياسية بلغت 32 مليار جنيه إسترليني خلال عام 2022، في حين حققت شركة النفط البريطانية بي بي المنافسة صافي أرباح تجاوزت 23 مليار جنيه إسترليني خلال العام الذي شهد ارتفاع فواتير الطاقة على المواطنين بمعدلات تاريخية.
واستثمرت شركة شل 10 مليارات جنيه إسترليني في مشروعات النفط والغاز على مدار العام الماضي، مقارنة بـ3 مليارات دولار جنيه إسترليني في مشروعات الطاقة المتجددة.
كما أعلنت شركة النفط البريطانية بي بي تقييد طموحها المناخي في خفض الانبعاثات إلى ما يتراوح بين 20 و30% بحلول عام 2030، مقارنة بتعهدات سابقة تتراوح بين 35 و40%.
استدلالات مضللة
انتقد متحدث الحكومة البريطانية طريقة تحليل البيانات المجمعة من حزب الديمقراطيين الأحرار عن تمويلات الحكومة مشروعات النفط والغاز والطاقة المتجددة خلال السنوات الـ5 الممتدة من 2015 إلى 2022.
كما شكك المتحدث في الدلالات التي تروجها المنظمات البيئية وأحزاب الخضر من هذه البيانات، واصفًا إياها بالاستدلالات المضللة تمامًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتقول لجنة تغير المناخ البريطانية المستقلة، إن الوقود الأحفوري سيظل مهمًا في إطار التحركات الانتقالية نحو الحياد الكربوني في المملكة المتحدة، ما يدفع باتجاه الاستثمار في مسارات موازية لا يستغني بعضها عن بعض.
المسارات الموازية للاستثمار
تختص لجنة تغير المناخ بتقديم المشورة إلى الحكومة والبرلمان في بريطانيا بشأن سياسات البيئة والمناخ، وهي لجنة مستقلة مشكلة عام 2008، ولا تخضغ للإدارات الحكومية في المملكة المتحدة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتؤدي صناعة النفط والغاز المحلية في بحر الشمال دورًا حيويًا لضمان أمن الطاقة في المملكة المتحدة، إلى جانب الاستثمار في الطاقة المتجددة دون تعارض، وفقًا لإستراتيجية لجنة تغير المناخ المعلنة على موقعها الإلكتروني.
واستنادًا إلى هذا الموقف، قدم متحدث الحكومة البريطانية رصدًا مختلفًا لبيانات قطاعات الوقود الأحفوري ومشروعات الطاقة المتجددة غفل عنها أو تجاهلها نشطاء البيئة وأحزاب الخضر.
تضاعفت 500%
يقول المتحدث، إن مشروعات الطاقة المتجددة المتصلة بالشبكة في المملكة المتحدة شهدت زيادة قياسية في الاستثمارات الموجهة إليها بنسبة 500%، خلال 12 عامًا ممتدة من 2010 إلى 2022.
واستشهد المتحدث بريادة المملكة المتحدة لأوروبا والعالم في مجال طاقة الرياح البحرية، عبر امتلاكها أكبر سعة في أوروبا ومنافستها للصين الأضخم اقتصادًا وسكانًا.
ويقدم قطاع مزارع الرياح البحرية دورًا كبيرًا في تحقيق خطط الحياد الكربوني الطموحة لعام 2050، كما أسهم في خلق آلاف الوظائف في أرجاء المملكة، وهو ما يغفله نشطاء المناخ أو يرونه غير كافٍ ويطمحون بالمزيد.
تريليون دولار في 2021
تطالب وكالة الطاقة الدولية منذ سنوات بضرورة وقف الاستثمار العالمي في مشروعات النفط والغاز والفحم الجديدة، لضمان نجاح خطط الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، لكن الواقع ما زال بعيدًا عن المأمول.
وبلغ حجم تمويل الوقود الأحفوري (الحكومي والخاص) قرابة تريليون دولار خلال عام 2021، في حين حصلت مشروعات الطاقة المتجددة على 842 مليار دولار فقط، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة فير فاينانس إنترناشيونال.
ويتبع نشطاء المناخ وسائل متعددة للضغط على صناعة الوقود الأحفوري، تبدأ بمهاجمة الشركات الفاعلة والحكومات الداعمة وصولًا إلى ممارسة ضغوط برلمانية لتشديد التشريعات المنظمة.
كما يحاول نشطاء المناخ الهجوم على البنوك والمؤسسات المانحة وشركات التأمين، بوصفها داعمة مباشرة للصناعة، بالإضافة إلى تنظيم الوقفات الاحتجاجية والحملات الإعلامية والدعاوى القضائية المحلية والدولية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
موضوعات متعلقة..
- شل تصدم نشطاء المناخ وتتراجع عن خطط خفض إنتاج النفط حتى 2030
- طاقة الرياح تسجل رقمًا قياسيًا لتوليد الكهرباء في بريطانيا
- 45 مشروعًا لإنتاج الهيدروجين في المملكة المتحدة تترقب موقف الحكومة (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- إيران تعلن اكتشاف غاز ضخمًا في بحر عمان قد يتجاوز 200 تريليون قدم مكعبة
- ليبيا تستعد لطرح جولة تراخيص جديدة للنفط والغاز بعد توقف 16 عامًا
- أكبر منتجي الليثيوم في أميركا اللاتينية يقترحون منظمة على غرار أوبك