الصناعة الكيماوية الخليجية بين بوادر الانتعاش إقليميًا وعدم الاستقرار عالميًا (مقال)
بقلم الدكتور عبدالوهاب السعدون
مع استمرار توقّع الخبراء الاقتصاديين بحدوث تباطؤ وكساد في بعض مناطق العالم، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعدّ واحدة من المناطق القليلة على مستوى العالم التي يُتوقع لها أن تشهد نموًا يتراوح بين المتوسط والقوي.
وهذه التوقعات من شأنها أن تعزز ثقة المستثمرين الإقليميين، وتوفر أساسًا قويًا لصناعة الكيماويات والبتروكيماويات في المنطقة لزيادة الإنتاج ومواصلة الاستثمار في المشروعات والابتكارات الجديدة.
كما يمكن لقادة الصناعة الإقليميين اغتنام هذه الفرصة لاتخاذ قرارات حاسمة وجريئة للمضي قدمًا في برنامج النمو والاستدامة خلال عام 2023 وما بعده.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي
حققت دول مجلس التعاون الخليجي أداءً قويًا على عدّة جبهات خلال العامين الماضيين.
فوفقًا لصندوق النقد الدولي، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 2.5% و5.4% في عامي 2021 و2022 على التوالي.
وكان هذا الانتعاش القوي مدفوعًا إلى حدّ كبير بتخفيف القيود الوبائية، مما أدى إلى نمو إنتاج النفط في جميع أنحاء المنطقة، والتطورات الإيجابية التي شهدتها أسواق المحروقات.
إلى جانب ذلك، كان أداء القطاعات غير النفطية جيدًا أيضًا، بفضل زيادة الإنفاق العام ونمو الائتمان وتعافي قطاعات السفر والسياحة على المستوى العالمي مدعومة بالأحداث العالمية الضخمة التي استضافتها المنطقة، مثل معرض إكسبو 2020 في الإمارات العربية المتحدة وبطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر.
علاوة على ذلك، الأحداث الجيوسياسية التي يشهدها العالم، وتأثيرها في أسواق السلع، والعقوبات الاقتصادية المرتبطة بها، كان لها أيضًا تأثير مفيد في اقتصاد دول الخليج؛ لأنها أتاحت فرصة زيادة إمدادات النفط والغاز إلى السوق الأوروبية.
يتوقع البنك الدولي أن تنمو اقتصادات الخليج بمعدل 3.7% و2.4% في عامي 2023 و2024 على التوالي.
وعلى المقلب الآخر، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 6% في عام 2021 و3.2% في عام 2022، إلى 2.7% في عام 2023.
يعدّ التأثير الاقتصادي لقطاع الكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي كبيرًا جدًا، مما يجعله صناعة رئيسة في اقتصاد المنطقة، إذ أسهم بنسبة 5.6% من إجمالي الناتج المحلي، و51% في الناتج المحلي الإجمالي للتصنيع في عام 2021.
كما تتجلى القيمة الاقتصادية للصناعة الكيماوية من خلال توفير أكثر من 210 ألف وظيفة، يشغل منها 64% المواطنون الخليجيون.
ناتج الصناعة الكيماوية
نما إجمالي إنتاج المواد الكيماوية في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 2.7% في عام 2021، مسجلًا بذلك حجم إنتاج بلغ 154.1 مليون طن، مدفوعة بانتعاش الطلب العالمي على السلع، وفي مقدمتها المواد الكيماوية غير العضوية والبوليمرات والمطاط ذات الأداء العالي، والتي حققت معدل نمو سنوي مركب على مدار 9 سنوات، بلغ 45.1% و 17.8% على التوالي.
ومن المتوقع أن يتراجع زخم نمو الطاقة الإنتاجية بشكل طفيف إلى 2.5% خلال العام 2023.
تحتلّ الصناعة الإقليمية مكانة عالمية مهمة، وهي تنمو باطّراد، إذ تضاعفت طاقتها الإنتاجية خلال العقدين الماضيين، مع حصة سوقية تبلغ 6.7% من إجمالي صناعة البتروكيماويات العالمية.
التجارة العالمية
بالرغم من أن صناعة الكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي موجّهة نحو التصدير، إذ صدّرت 68.8 مليون طن في عام 2021، فإن المنطقة استوردت 20 مليون طن، وهذا يعني ميزانًا تجاريًا إيجابيًا قدره 48.6 مليون طن، بزيادة قدرها 12% على أساس سنوي.
وما تزال الصين والهند الوجهة الرئيسة لصادرات المواد الكيماوية الخليجية، إذ تمثّلان 26% و14% على التوالي من إجمالي الصادرات الكيماوية.
تشكّل المنافسة العالمية والتعاون أهمية كبيرة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي لقيادة القطاع وتعزيز علاقاتها التجارية، لاسيما مع بلوغ المنافسة العالمية بين البلدان مستويات غير مسبوقة وعلاقات تعاون متميزة.
تؤدي اتفاقيات التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي الحالية، وكذلك المفاوضات قيد الدراسة مع المملكة المتحدة والهند وكوريا الجنوبية وأستراليا والصين والأسواق الرئيسة الأخرى، دورًا مهمًا لتحقيق هذا الهدف الحيوي.
الإيرادات والاستثمارات
تجاوزت الصناعة الكيماوية الإقليمية أرقام مبيعات ما قبل الجائحة، وسجلت أعلى قيمة مبيعات بلغت 95.9 مليار دولار أميركي منذ عام 2013، بزيادة قدرها 77.2% على المبيعات في عام 2020، ويرجع ذلك إلى زيادة الطلب وأسعار المنتجات الكيماوية على مستوى العالم.
وفي المقابل، ارتفعت حصة دول مجلس التعاون الخليجي ضمن عائدات الكيماويات العالمية إلى 2.4% في عام 2021، لتصل تقريبًا إلى المتوسط التاريخي.
وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في الاستثمارات العالمية، فإن هناك نحو 61 مليار دولار من الاستثمارات المخطط لها في منطقة الخليج بين عامي 2021-2025.
وقد واصل منتجو الكيماويات في دول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار في مشروعات مسؤولة بيئيًا؛ كونها جزءًا من برنامج الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ولا سيما في كفاءة الطاقة وتلوث الهواء في عام 2021.
توصيات
بالنظر الى التوقعات الإيجابية نسبيًا للمنطقة، يتعين على الصناعة الكيماوية الإقليمية اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة لمواجهة التحديات التي تعتري السوق العالمية.
فمنذ العام 2020، أظهرت الصناعة الكيماوية الخليجية مرونة كبيرة وقدرة فائقة على مواجهة الصعوبات، مهما بلغت شدّتها.
ومع دخول الاقتصاد إلى العام 2023 بأسس أكثر ثباتًا، يجب على كبار قادة الصناعة في دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من التحديات وتحويلها إلى فرص لبناء أعمال أكثر مرونة وتطورًا، بحيث تكون قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.
وستحتاج الشركات الكيماوية، خلال العام القادم، إلى التركيز على فرص النمو الجديدة واستنباط المزيد من القيمة من أصولها الحالية.
بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي الانتقال إلى الاقتصادات منخفضة الكربون والاستثمار في فرص النمو الأخضر إلى تمكين الصناعة من تلبية الطلب العالمي المتزايد وتعزيز الاستدامة عبر مشروعات الحدّ من الكربون واعتماد تقنيات إعادة التدوير المتقدمة.
الدكتور عبدالوهاب السعدون، الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات "جيبكا"
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- أمين عام جيبكا يتحدث عن تاريخ صناعة الكيماويات والبتروكيماويات في الخليج (تقرير)
- أمين عام جيبكا: البتروكيماويات في الخليج تستفيد من التغيرات الجيوسياسية (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- صادرات الغاز المسال في 2022 تسجل أعلى مستوى خلال 50 عامًا (4 رسوم بيانية)
- أوابك تكشف عن خطط 5 دول عربية لغزو سوق الهيدروجين عالميًا
- كارول نخلة رئيسة كريستول إنرجي: عام مرعب لأسواق الطاقة.. وهذه توقعاتي لأسعار النفط (حوار)