الألواح الشمسية الفضائية.. مشروع قد ينير الأرض بالكهرباء النظيفة (فيديو وصور)
محمد عبد السند
قد تصير الألواح الشمسية الفضائية باكورة إنتاج الكهرباء النظيفة خارج حدود كوكب الأرض؛ ما يفتح الباب على مصراعيه أمام إقامة المزيد من مشروعات الطاقة المتجددة في الفضاء الخارجي.
فمنذ 100 عام، والناس يحلمون بإرسال حزم ضخمة من الألواح الشمسية إلى الفضاء، وإعادة إرسال الكهرباء المولّدة منها إلى الأرض.
وبخلاف مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة المتعارف عليها على كوكب الأرض، ستستفيد تلك الألواح الشمسية الفضائية من السطوع الشمسي الدائم؛ ما يُعاظم فرصتها في إتاحة إمدادات كهرباء نظيفة ومستدامة، وفق ما أورده موقع مجلة نيتشر العلمية البريطانية (Nature).
والآن يبدو أن ما كان حُلمًا بالماضي، سيصير واقعًا ملموسًا، بفضل رُخص ثمن المكونات الصلبة للخلايا الشمسية، وتراجع تكلفة عمليات الإطلاق الفضائي.
وفي ضوء تلك الخطط، تتعاون فرق بحثية حول العالم في مشروع تطوير أجزاء رئيسة من الخلايا الشمسية الفضائية.
نواة المشروع الأولى
بنى الباحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا نموذجًا أوليًا من تلك الخلايا الشمسية الفضائية التي ينبغي بدء التجارب عليها في فبراير/شباط الجاري.
وقال كبير الباحثين المشارك في مبادرة سولاريس (دراسة جدوى نفذتها وكالة الفضاء الأوروبية التي قد تقود إلى تطوير التكنولوجيا المذكورة بدءًا من عام 2025) جيمس كاربنتر: "لا يوجد شيء غريب في أن تلك الخطط تتطلب علومًا طبيعية جديدة".
وأضاف كاربنتر، الذي يعمل في مركز البحوث الفضائية والتكنولوجيا الأوروبية التابع لوكالة الفضاء الأوروبية: "من منظور اقتصادي، يمكن مقارنة المشروع، على سبيل المثال، بالطاقة النووية".
وستكون الطاقة الشمسية الفضائية قابلة للتطبيق عمليًا فقط إذا نُفذت على نطاق ضخم، ويتوقع العلماء بناء مصفوفات شمسية تمتد لآلاف الكيلومترات وتدور حول الأرض على مسافة قدرها نحو 36 ألف كيلومتر.
وستحول الطاقة المولدة عبر تلك الألواح الشمسية الفضائية، إلى موجات ميكروويف –أحد أنواع الإشعاع الكهرومغناطيسي- ثم نقلها إلى أجهزة استقبال مُخصصة لهذا الغرض، لتُرسل إلى الأرض في صورة كهرباء.
خُطة تجريبية
أزاحت الصين الستار عن خطط لوضع وحدة تجريبية بمقياس ميغاواط في مدار أرضي منخفض بحلول عام 2028، قبل نشر نظام آخر في مدار جغرافي متزامن أبعد بنهاية العقد الجاري (2030).
وأوضح كاربنتر أن محطة الطاقة الشمسية الأولى التي قد تصل سعتها إلى عدة ميغاواط، قد تدخل حيز التشغيل بحلول عام 2040، حال توافر التمويل الكافي لها.
ورغم ما تنطوي عليه الفكرة غير المسبوقة من إثارة منقطعة النظير؛ فإنه تبقى هناك العديد من التحديات التقنية الضخمة، التي تتعين مواجهتها كي يرى هذا المشروع "الثوري" النور.
ولكي يتبلور مشروع الخلايا الشمسية الفضائية، يتعين على العلماء الإجابة عن الأسئلة الـ5 التالية:
كيف تُبنى خلية شمسية في الفضاء؟
لتوليد غيغاواط من الكهرباء في محطة شمسية بالفضاء -تضاهي تلك المولدة من محطة كهرباء تقليدية- يتعين أن تكون المصفوفات المدارية أكبر في الحجم من مساحة كيلومتر مربع، وهذا يزيد على حجم محطة الفضاء الدولية، التي استغرق بناؤها عقدًا كاملًا، بأكثر من 100 مرة.
وستُجمع المصفوفة في الفضاء من وحدات يمكن إنتاجها بكميات كبيرة، وإطلاقها بصورة منفصلة.
وستشتمل تجربة معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا فتح هيكل مطوي بإحكام في منصة الخلية الشمسية، بحجم مائدة الطعام، إلا أن طول الوحدات في المصفوفة كاملة الحجم يمكن أن يصل إلى 60 مترًا.
وقالت خبيرة الاقتصاد الفضائي في مؤسسة "أيروسبيس كوربوريشن" ومقرها أرلينغتون بولاية فيرجينيا، كارين جونز، إن التصميم الهندسي لتلك الخلايا الشمسية بالغ التعقيد.
وهنا يأمل معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في التغلب على تلك المعضلة عبر تحريك الألواح الشمسية المرنة في تشكيلات حُرة دون ربطها سويًا، واستخدام اللوغاريتمات في تصحيح أي اختلالات في الوضع؛ لدرء أي تأثير في عملية نقل الكهرباء.
وذكرت المهندسة الكيميائية في جامعة بورتسموث بالمملكة المتحدة الأميركية جوفانا رادولوفيتش، أنه أيًا كان التصميم المستخدم، يتعين إطلاق المكونات إلى الفضاء أسبوعيًا، وهو معدل سيكون غير مسبوق بالمرة.
ما نوع الخلايا الشمسية المستخدم؟
يجب أن تتسم الخلايا الشمسية الفضائية بخفة الوزن، والكفاءة العالية؛ بما يقلل من تكاليف إطلاقها إلى الفضاء الخارجي.
فينبغي أن يُنتج كل كيلوغرام من الألواح الشمسية ما بين 1 و2 كيلوواط من الكهرباء، وفق ما قاله عالم الفيزياء الذي يقود العمل الفني في مبادرة الطاقة الفضائية البريطانية ديفيد هومفري.
ويزيد معدل الكهرباء إلى الوزن هذا بواقع نحو 50 مرة عن خلايا السيليكون التقليدية على كوكب الأرض.
وتهدف معظم التصميمات لزيادة درجة تعرض الخلايا الشمسية للسطوع، باستخدام المكثفات والمرايا والهياكل المبتكرة الأخرى.
كما يتعين أن تتسم الخلايا بقدرتها على مقاومة الإشعاع في الفضاء، ومع ذلك فإن المواد المصنعة منها الخلايا الشمسية والمستخدمة في تجارب فضائية عدة تكلف أموالًا باهظة لنشرها بأعداد ضخمة.
وبناءً عليه حري بالعلماء استكشاف بدائل رخيصة التكلفة، وذات كفاءة عالية، حسبما أوصت المهندسة الكيميائية في جامعة بورتسموث بالمملكة المتحدة الأميركية جوفانا رادولوفيتش.
وفي هذا الإطار، سيختبر النموذج الأولي للخلايا الشمسية الفضائية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، 32 خلية شمسية خفيفة الوزن، من بينها خلايا البيروفسكايت منخفضة التكلفة.
كيف تصل الطاقة الشمسية إلى الأرض؟
هذا بالطبع التحدي الأكبر الذي يواجه مشروع الألواح الشمسية الفضائية.
فعلى الرغم من أن أشعة الليزر تنقل الطاقة بكفاءة عالية، قد تعترضها السحب، ولتجنب تلك المعضلة، فإن الباحثين يأملون في تحويل الكهرباء المولدة من الأشعة الشمسية إلى موجات الميكروويف، والتي تمر عبر الغلاف الجوي دون فقدان كميات كبيرة من الطاقة.
ومع ذلك فإن موجات الميكروويف تتناثر خلال تحركها في الفضاء، ومن ثم سيحتاج المهندسون إلى مزامنة الكيفية التي تُطلق بها الموجات بمحطات الاستقبال التي يبلغ طولها كيلومترات، بغية جمع تلك الموجات بسلام.
هل الألواح الشمسية الفضائية ذات جدوى؟
تعتقد وكالات ومحطات الفضاء أن الطاقة الشمسية الفضائية قد تُسهِم في تحقيق هدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وقالت خبيرة الاقتصاد الفضائي في مؤسسة "أيروسبيس كوربوريشن" كارين جونز: "يتعين علينا أن نبرهن أن هذا المشروع سيحقق مكاسب لكوكب الأرض".
فالخلايا الشمسية الفضائية ستكون بالتأكيد أكثر كلفة من نظيرتها التقليدية المستخدمة على الأرض.
ومع ذلك؛ فإن تلك الخلايا قد تنافس تكاليف مصادر أخرى من الكهرباء منخفضة الكربون، مثل الطاقة النووية أو الغاز، مع وجود تقنية احتجاز الكربون، حسبما ذكر كبير الباحثين المشارك في مبادرة "سولاريس" جيمس كاربنتر.
في المقابل، رأى الباحثون في جامعة ستراثكلايد بالمملكة المتحدة أن المحطة الشمسية في الفضاء قد تستغرق أقل من 6 سنوات لتعويض غازات الدفيئة المنبعثة من عمليات تطوير المشروع وبنائه وتركيبه.
هل الألواح الشمسية الفضائية آمنة؟
تتمتع عملية نقل الطاقة عبر موجات الميكروويف من الفضاء إلى الأرض بقدر عالٍ من الأمان، وستُختَار الأشعة بعناية فائقة، حتى لا ينتج عنه تشويش لأجهزة الاتصالات في الطائرات.
ونظرًا إلى أن طاقة تلك الموجات ستتناثر في مثل تلك المنطقة الواسعة؛ سيصل متوسط كثافة الطاقة التي تستقبلها المحطات الأرضية، إلى نحو 50 واط لكل متر مربع ما يعادل المستوى الآمن لموجات الميكروويف التي قد تتسرب من فرن الميكروويف، وفق ما أوضحه كبير الباحثين المشارك في مبادرة "سولاريس" جيمس كاربنتر.
لكن ما زال يتعين على العلماء أن يبرهنوا انعدام الآثار السلبية لهذا المشروع في صحة الإنسان والحيوان أو حتى البيئة.
موضوعات متعلقة..
- تقنيات تصنيع رقائق الألواح الشمسية الصينية قد تخضع لضوابط التصدير (تقرير)
- الصين تفكك مشروعًا عملاقًا للطاقة الشمسية
- أسعار ألواح الطاقة الشمسية تتزايد.. والصين تتصدى بإجراءات صارمة
اقرأ أيضًا..
- ما هو غسل النفط؟ وما علاقته بوصول الخام الروسي إلى جميع دول العالم؟ (تقرير)
- استيراد الهيدروجين الأخضر من المغرب أقل تكلفة من إنتاجه في أوروبا (دراسة)
- إيران تفشل في استكشاف 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز في حقل واحد