التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيرئيسية

أسعار تصاريح الكربون في أوروبا مرشحة للارتفاع خلال 3 سنوات (تقرير)

سعر الطن قد يصل إلى 88.8 دولارًا

عمرو عز الدين

تتجه أسعار تصاريح الكربون في أوروبا نحو الارتفاع خلال السنوات الـ3 المقبلة، وسط توقعات بخروج الاقتصادات الأوروبية من الأوضاع الحرجة التي عاشتها خلال العام الماضي بسبب أزمة الطاقة.

ويتوقع المحللون هدوء أسعار الطاقة خلال عام (2023)، ما قد ينعش القطاعات الصناعية في دول الاتحاد الأوروبي، ويعزّز الطلب على تصاريح الكربون، وفقًا لمسح أجرته وكالة رويترز.

وسجلت أسعار الطاقة معدلات قياسية خلال العام الماضي، لا سيما الغاز الذي تضاعفت أسعاره 3 مرات وأكثر، بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ فبراير/شباط (2022)، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتُظهر نتائج المسح توقعات بارتفاع متوسط أسعار تصاريح الكربون في أوروبا إلى 81.4 يورو للطن (88.8 دولارًا أميركيًا) خلال عام 2023، بمعدل زيادة 4.2% عن التوقعات الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول (2022).

الطن قد يسجل 103.5 دولارًا

تصاريح الكربون في أوروبا
محطة توليد كهرباء من الفحم في ألمانيا - الصورة من رويترز

يُتوقع -أيضًا- ارتفاع متوسط تصاريح الكربون إلى 94.14 يورو للطن (103.5 دولارًا) خلال العام المقبل 2024، بمعدل زيادة قدرها 1.9% عن توقعات أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وتمتد توقعات المحللين إلى عام 2025، بزيادة متوسط أسعار تصاريح الكربون في أوروبا إلى 102.24 يورو للطن (111.5 دولارًا)، بنسبة نمو طفيفة عن التوقعات السابقة (0.6%)، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

(اليورو = 1.09 دولارًا أميركيًا)

وهدأت أسعار الغاز والكهرباء في أوروبا خلال يناير/كانون الثاني 2023، مقارنة بمستوياتها القياسية المسجلة في ذروة الحرب الروسية على أوكرانيا خلال العام الماضي.

ويرجع هدوء الأسعار إلى نجاح أغلب الدول الأوروبية في تكوين احتياطيات ضخمة من الغاز خلال الأشهر الماضية؛ تحسبًا للشتاء، ما أدى إلى هدوء الطلب تزامنًا مع دخول الطقس المعتدل إلى بعض البلدان الأوروبية، بعد مرور أشهر الشتاء الأساسية.

انخفاض الغاز يعزّز التوقعات

انخفضت أسعار الغاز في أوروبا بنسبة 22% خلال النصف الأول من يناير/كانون الثاني 2023، وهو أدنى مستوى لها منذ 16 شهرًا، وفقًا لوكالة بلومبرغ.

وتراجعت أسعار العقود الآجلة للغاز على مؤشر "تي تي إف" الهولندي -المعتمد أوروبيًا- بنسبة 8.2%، لتسجل 59.5 يورو (64.35 دولارًا أميركيًا) لكل ميغاواط/ساعة، في 16 يناير/كانون الثاني 2023، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر/أيلول 2021.

ويمثّل هذا التراجع امتدادًا لانخفاض العقود الآجلة بنسبة 50% خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2022، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويرجع هذا الانخفاض إلى أسباب متعددة، أبرزها عودة التفاؤل بشأن إمدادات الغاز العالمية بعد نجاح الصين في ملء مخزوناتها، ما دفع ناقلات الغاز إلى التحول غربًا إلى القارة الأوروبية.

ويتوقع محللون تحسّن الاقتصادات في جميع أنحاء أوروبا مع استمرار انخفاض أسعار الغاز، المدخل الرئيس لأغلب الأنشطة الصناعية، والمتحكم في جانب ضخم من توليد الكهرباء في أوروبا، بالإضافة إلى استهلاك قطاع المنازل في الطهي والتدفئة.

وتقول محللة أسواق الكربون في مؤسسة "ريفينتيف" البريطانية المتخصصة يان تشين، إن الانتعاش المحتمل في الأنشطة الصناعية سيؤدي إلى زيادة الطلب على تراخيص الكربون خلال السنوات المقبلة.

تصاريح كربون بـ21.8 مليار دولار

تصاريح الكربون في أوروبا
صورة لاجتماع أعضاء البرلمان الأوروبي - الصورة من الموقع الإلكتروني

على الناحية الأخرى، تخشى المحللة في مؤسسة كلير بلو ماركتس يوروب غودا أغلينسكايت، هبوط أسعار التداول في سوق الكربون الأوروبية، بسبب خطة الاتحاد الأوروبي لإطلاق تصاريح أكبر تغطي سنوات مقبلة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي في 14 ديسمبر/كانون الأول 2022 خطة أولية لبيع عدد كبير من تصاريح الكربون عبر مزادات حكومية خلال السنوات المقبلة.

وتستهدف هذه الخطة جمع 20 مليار يورو (21.8 مليار دولار)، ستُستعمل في تمويل خطط انتقال دول الاتحاد الأوروبي بعيًدا عن مصادر الوقود الأحفوري الروسي، لا سيما الغاز الذي أدخلته موسكو في لعبة الحرب الأوكرانية، وأربكت بسببه الأوروبيين خلال العام الماضي.

وما زالت هذه الخطة بحاجة إلى تصويت رسمي من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، قبل إطلاق أي مزادات حكومية متصلة.

وتتوقع المحللة في مؤسسة كلير بلو ماركتس يوروب، بدء هذه المزادات في وقت ما من هذا العام، ما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الكربون في سوق التداول الأوروبية بسبب زيادة المعروض من التصاريح، وربما يمتد هذا الانخفاض إلى عام 2024.

أوروبا صاحبة الفكرة منذ 18 عامًا

تستند فكرة أسواق الكربون -المبتكرة في أوروبا منذ 18 عامًا- إلى إلزام الشركات المصنعة بحد أقصى للانبعاثات المسموح بخروجها من أنشطتها الملوثة للمناخ.

كما تستند هذه الفكرة إلى تحديث هيئات البيئة الوطنية الحد الأقصى سنويًا باتجاه تشديده، ما قد يرفع تكلفة التلويث على الشركات بمرور الزمن.

وتحصل الشركات -بموجب هذه الأطروحة- على تصاريح تسمح بإطلاق الانبعاثات إلى حد معين، وفي حالة تجاوزها لهذا الحد يمكنها اللجوء إلى سوق تداول -تشبه أسواق الأسهم- تُباع فيها تصاريح شركات أخرى بأسعار تخضع للعرض والطلب.

وتمكّن هذه الفكرة الشركات الأقل تلويثًا من بيع تصاريحها غير المستغلة في الوقت المناسب بأسواق التداول، ما يُسهم في توفير فوائض مالية تمكّنها من التوسع في أنشطتها.

بينما ستُجبر الشركات الأكثر تلويثًا على زيادة بنود الإنفاق على شراء التصاريح بمرور الزمن، ما قد يجعلها تعيد التفكير في الطاقة المتجددة من منطلق الفرصة البديلة للاستثمار على المدى الطويل.

ولم تسلم هذه الفكرة من النقد منذ إطلاقها في أوروبا عام 2005، إذ يفضّل البعض فرض ضرائب متصاعدة على أنشطة الشركات الملوثة، بدلًا من إصدار تصاريح تفيد بأحقية كل شركة في نسبة من التلوث البيئي.

ولا يستسيغ المعارضون فكرة وجود سوق تتداول فيها تصاريح الكربون بين شركات كبرى تتمتع بقدرات مالية ضخمة، قد تمكنها من اختراق هذه النوعية من الأسواق، والتلاعب بها مع الزمن، كما يحصل في أسواق تداول الأسهم.

حجم السوق عالميًا

ارتفعت قيمة تصاريح الكربون المتداولة في أسواق الكربون العالمية بنسبة 164% لتسجل مستوى قياسيًا بلغ 760 مليار يورو (851 مليار دولار وقتها) خلال عام 2021، وفقًا لمؤسسة ريفينتيف البريطانية المتخصصة في تحليل أسواق الكربون.

واستحوذت السوق الأوروبية على 90% من هذه القيم (683 مليار يورو)، تلتها سوق تداول أميركا الشمالية (49 مليار يورو)، ثم السوق البريطانية (23 مليار يورو)، في حين لم تستحوذ الصين على قيم تُذكر بسبب حداثة نشأة سوق الكربون فيها.

ولجأت الصين إلى محاكاة الفكرة الأوروبية، منذ عام ونصف العام (16 يوليو/تموز 2021)، عبر إطلاق سوق وطنية لتداول الكربون في إطار خطط خفض انبعاثات الاحتباس الحراري، إلا أن سوقها ما زالت ضعيفة وذات نطاق ضيق، مقارنة بالسوق الأوروبية الأقدم والأكثر نشاطًا، وإن كانت أقل في الحجم نظريًا.

ولا تغطي سوق تداول الكربون الصينية الوليدة حتى الآن سوى قطاع الكهرباء فقط، الذي يضم 2225 شركة منتجة للكهرباء بالفحم، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وينبعث من هذا القطاع وحده قرابة 40% من الانبعاثات في الصين، بما يعادل 4 مليارات طن متري من الكربون سنويًا، ما يعني أن السوق الصينية الوليدة هي أكبر سوق للكربون في العالم من حيث حجم الانبعاثات المتداولة.

وتخطّط الصين لإدراج القطاعات الصناعية -الأشد تلويثًا للبيئة- في سوق الكربون الوطنية تدريجيًا، لا سيما صناعة الحديد والصلب والألومنيوم والأسمنت والبتروكيماويات، بالإضافة إلى قطاع الطيران الجوي.

وتستهدف الحكومة الصينية إلزام الشركات الملوثة على الدفع مقابل الحصول على تصاريح، ما قد يضطرها إلى تعزيز الاستثمار في الطاقة النظيفة، بدلًا من الاستمرار في دفع مبالغ مهدرة في الحصول على تصاريح أكبر، نظير التوسع في النشاط.

سوق تداول الصين.. محلك سر

تصاريح الكربون في أوروبا
بورصة شنغهاي للطاقة والبيئة - الصورة من موقع china dialogue

رغم مرور عام ونصف العام تقريبًا على إطلاق سوق الكربون الصينية فإنها ما زالت سوقًا ضيقة تعاني ضعف أحجام التداول وتدني الأسعار، إذ بلغ متوسط سعر الطن المتري قرابة 8 دولارات خلال عام 2022، وفقًا لحسابات منصة إس آند بي غلوبال المتخصصة.

وبدأ أول تداول للكربون في سوق شنغهاي للبيئة والطاقة، الجمعة 16 يوليو/تموز 2021، على سعر ضعيف جدًا، تراوح بين 48 و52 يوانًا للطن المتري، ما يعادل 7.5 إلى 8 دولارات أميركية وقتها، في حين كان السعر المتداول في السوق الأوروبية المناظرة قرابة 69.22 دولارًا للطن.

وأظهر رصد حديث لأسعار تداول الكربون في بورصة شنغهاي للبيئة والطاقة بلوغه 51.2 يوان للطن المتري (7.35 دولارًا أميركيًا)، وفقًا لما نشرته منصة إس آند بي غلوبال في 12 يناير/كانون الثاني 2023.

ويعني السعر المرصود في 12 يناير/كانون الثاني 2023، أن سوق تداول الكربون الصينية الوليدة لم تتحرك خطوة واحدة عن نقطة الانطلاق التي مر عليها قرابة 18 شهرًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

الأسعار المنخفضة ضد المناخ

تعني الأسعار المرتفعة لتداول الكربون مزيدًا من الخسائر المالية لشركات الوقود الأحفوري، في حين تشجع الأسعار المنخفضة على التجاهل والاعتياد والتراخي.

ويشجع بعض الخبراء الاقتصاديين الدول على ضرورة الاتفاق على رفع أسعار الكربون تدريجيًا، لتصل إلى 100 دولار للطن المتري في كل العالم بحلول عام 2030، في إطار تنسيق دولي لخفض الانبعاثات على الكوكب.

ويتبنى هذا الاتجاه البروفيسور جوزف ستيغليتز، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، كما يشترك معه صندوق النقد الدولي الذي يحث قادة العالم على التوصل لاتفاق دولي بشأن وضع حد أدنى لأسعار الكربون لا يقل عن 70 دولارًا للطن بحلول 2030.

وتخشى المنظمات الدولية ترك أسعار الكربون بلا حد أدنى، كما يحدث في الصين التي يراهن أغلب العالم على جهودها لخفض الانبعاثات بوصفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة من حيث عدد السكان.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق