استيراد النفط في باكستان على وشك التوقف
واتهام البنوك المحلية بعرقلة الإجراءات
محمد عبد السند
يواجه استيراد النفط في باكستان مشكلة نابعة من أزمات عديدة متداخلة يقبع فيها البلد الواقع جنوب آسيا، التي قد تقوده في النهاية إلى الفشل الذريع في توفير إمدادات الطاقة لسكانه، البالغ عددهم نحو 230 مليون نسمة.
وتواجه باكستان نقصًا حادًا محتملًا بإمدادات الوقود في المستقبل القريب، في حين تجد العديد من الشركات المستوردة للنفط نفسها أمام عراقيل في تأمين العملة الصعبة اللازمة لإبرام اتفاقيات الاستيراد، حسبما أوردت منصة "إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس" (S&P Global Commodity Insights).
ويأتي هذا في الوقت الذي يتآكل فيه الاحتياطي النقدي لإسلام آباد، ليصل إلى قاع نحو 9 سنوات.
وخاطب المجلس الاستشاري لشركات النفط، ومصافي التكرير وشركات تسويق النفط، وزارة المالية الباكستانية برسالة، موضحين فيها ماهية التحديات التي تواجهها شركات استيراد النفط في البلاد، في فتح خطابات الاعتماد التي لا غنى عنها لاستيراد المنتجات النفطية من الخارج.
الاستيراد في خطر
قد يستغرق الأمر مدة تتراوح من 6 إلى 7 أسابيع لإعادة عمليات استيراد النفط في باكستان إلى وضعها الطبيعي، وفق ما أشارت إليه المصادر المذكورة.
وقال محلل الاقتصادات القائمة على أنشطة تكرير النفط لدى منصة "إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس"، سوميت ريتوليا: "ما لم تُفتح خطابات الاعتماد المطلوبة في الوقت المناسب، ستتضرر الواردات المهمة من المنتجات النفطية؛ ما قد يتمخض عنه شُح الوقود في البلاد، وسيفاقم بدوره التدهور في الطلب".
وأضاف: "نقص عقود الواردات وخطابات الاعتماد لمدة مطولة يرسل مؤشرات سلبية إلى مزودي النفط العالميين، ما سيقود بالتالي إلى رفع أسعار الواردات، بل قد يؤدي -أيضًا- إلى إلغاء شحنات الصادرات النفطية بصفة إلزامية".
وتستورد باكستان، التي تعاني عجزًا حادًا في الطاقة، زهاء 430 ألف طن متري من البنزين، و200 ألف طن متري من الديزل، و650 ألف طن متري من النفط الخام، بكلفة إجمالية قيمتها 1.3 مليار دولار شهريًا، وفق ما ورد في الخطاب المُرسَل من صناعة النفط في باكستان إلى وزارة المالية.
تزايد العراقيل
ما زاد الطين بلة -بحسب الشركات- العراقيل المصرفية التي تتسبّب بدورها في تأخيرات في جدول وصول شحنات الصادرات النفطية، بالتوازي مع إلغاء القليل من الشحنات، ما فاقم الوضع بشدة خلال شهر يناير/كانون الثاني (2023)، حسبما تضمن الخطاب.
واشتكت "أتوك بتروليوم ليمتد"، ثاني أكبر شركة لتجزئة منتجات النفط في باكستان، ومعها مواطنتاها "باكستان ريفاينري"، و"هاسكول بتروليوم"، العاملة في مجال تسويق النفط، في رسالة إلى كل من المجلس الاستشاري لشركات النفط، والبنك المركزي الباكستاني، رفض بعض البنوك منحها الوثائق اللازمة لاستيراد النفط.
وجاء في الرسالة: "مما زاد الأمور سوءًا أن البنوك المحلية قد اعتذرت عن عدم تقديم خطابات الاعتماد الخاصة باستيراد النفط، بناء على تعليمات بنك باكستان المركزي بضرورة تقنين تلك البنوك عمليات إصدار خطابات الاعتماد من جانبها، بما يتوافق مع وضع احتياطياتها الأجنبية".
تناقص الاحتياطيات الأجنبية
هبطت الاحتياطيات الأجنبية لدى بنك باكستان المركزي إلى ما إجمالي قيمته 4.3 مليار دولار، بحسب بيان صادر عن البنك.
ولامست تلك الاحتياطيات الأجنبية أدنى مستوى لها في نحو 8 سنوات و11 شهرًا، ولم تعد تكفي سوى لتغطية الاستيراد لمدة 3 أسابيع ونصف الأسبوع فقط.
وبلغ سعر الدولار الأميركي ذروته أمام الروبية الباكستانية، مسجلًا 240.1 روبية في 29 يوليو/تموز (2022)، في حين بلغ سعر الصرف 228.2 في 16 يناير/كانون الثاني (2023)، بحسب أحدث البيانات المُفرَج عنها من قبل البنك المركزي الباكستاني.
وذكر محلل -رفض الكشف عن هويته في تصريحات لمنصة "إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس"-: "الاحتياطي النقدي آخذ في الهبوط، نظرًا إلى المدفوعات الأساسية المستمرة وكذا مدفوعات الدين ذات الصلة بالقروض الأجنبية، ناهيك بنفاد التدفقات الخارجية للمساعدات".
الاستنجاد بالبنك المركزي
كانت وزارة الطاقة والهيئة التنظيمية للنفط والغاز في باكستان قد ذكرت في خطاب منفصل بعثت به إلى البنك المركزي، أن الحديث ينصب الآن وبصورة متزايدة على عدم كفاية مصادر الائتمان، وامتناع البنوك المحلية عن فتح خطابات اعتماد لاستيراد المنتجات النفطية نتيجة مخاوف شتى.
وناشدت وزارة الطاقة والهيئة التنظيمية للنفط والغاز البنك المركزي سرعة التدخل، ومطالبة البنوك بالمساعدة على فتح خطابات اعتماد لاستيراد الوقود، من بينها زيوت التشحيم، بغية درء أي مخاطر تتعلق بنقص الوقود في البلاد، بحسب نص الخطاب الذي تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعيد أزمة نقص إمدادات الوقود المحلية المحتملة في البلد الذي أنهكته الصراعات، إلى الأذهان كفاح بلدان جنوب شرق آسيا لشراء إمدادات كافية من نواتج التقطير المتوسطة، إبان النصف الثاني من العام المنصرم (2022).
وقفز سعر الدولار الأميركي بقوة مقابل العديد من العملات في جنوب شرق آسيا، من بينها الدونغ الفيتنامي، والروبيه الإندونيسية، في الربع الرابع من 2022.
وكافحت العديد من شركات التجارة الصغيرة في المنطقة المذكورة في سبيل الحصول على تمويلات دولارية من البنوك المحلية، لدفع فواتير استيراد النفط في باكستان، والاضطلاع بأعمال التوزيع، وفق ما ذكرته منصة "إس أند بي كوموديتي إنسايتس".
تباطؤ المبيعات
خلال ديسمبر/كانون الأول (2022)، شهدت باكستان انخفاضًا في مبيعات البنزين، على أساس سنوي، إلى 620 ألف طن متري، في حين انخفض استهلاك الديزل بنسبة 15% إلى 520 ألف طن متري، كما هبط استهلاك وقود النفط في باكستان إلى 120 ألف طن متري، بحسب ما أظهرته أحدث التقديرات الصادرة عن المجلس الاستشاري لشركات النفط.
وإبان الشهور الـ6 المنتهية في 31 ديسمبر/كانون الأول (2022)، انخفضت مبيعات البنزين بنسبة 15% على أساس سنوي، إلى 3.83 مليون طن متري، مقارنة بـ4.51 مليون طن متري خلال المدة ذاتها من العام السابق (2021).
كما نزلت مبيعات الديزل بنسبة 23%، إلى 3.36 مليون طن متري، وانخفضت مبيعات وقود النفط في باكستان إلى 1.45 مليون طن متري، وفق البيانات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
من جهته، قال رئيس قسم الأبحاث في شركة "عارف حبيب" الباكستانية المتخصصة في أعمال الوساطة طاهر عباس، إن باكستان تشهد تباطؤًا في النشاط الاقتصادي، وسط ضعف الإنتاج الصناعي، ما نتج عنه هبوط في الاستهلاك بصفة عامة.
وأوضح عباس أن أسعار المنتجات النفطية، والانخفاض في مبيعات السيارات وتراجع الطلب من محطات الطاقة التي تعمل بالنفط، كلها عوامل أسهمت مجتمعة في ضغط مبيعات المنتجات النفطية.
موضوعات متعلقة..
- صفقة باكستان لاستيراد النفط الروسي تواجه رياحًا معاكسة
- خطط باكستان لاستيراد النفط الروسي قد تصطدم بضوابط سقف الأسعار (تقرير)
- محاولات استيراد النفط الروسي في باكستان تفشل.. وهذه هي الأسباب
اقرأ أيضًا..
- تجارة الكربون قد تخفّض تكلفة خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030 (تقرير)
- تراجع سعر برميل النفط عالميًا.. وخام برنت قرب 84 دولارًا
- إثيوبيا تعلن وجود احتياطيات ضخمة من النفط في إقليم أمهرا