الغاز النرويجي يغزو أوروبا في 2023 رغم ثبات الإنتاج.. هل تواصل الجزائر المنافسة؟
هبة مصطفى
حظيت صادرات الغاز النرويجي إلى الدول الأوروبية بمساحة أكبر خلال العام الماضي (2022)، في ظل تراجع تدفقات الغاز من روسيا متأثرة بالعقوبات التي أعقبت اندلاع الحرب الأوكرانية قبل ما يزيد على 10 أشهر.
ومع مطلع العام الجاري (2023) بدأت أوسلو الكشف عن خططها الإنتاجية؛ إذ أكد مسؤولون أن إنتاج العام الجديد لن يشهد أي زيادات، لكن في الوقت ذاته ما زال الاتجاه لتعزيز الصادرات إلى أوروبا يسيطر على القطاع في الدولة الواقعة شمال القارة، بحسب تقرير لموقع (Offshore Energy).
وتتزامن مساعي زيادة صادرات الغاز النرويجي مع قفزة قوية أحرزتها صادرات الغاز من الجزائر إلى أوروبا؛ إذ تفوقت على الصادرات الروسية واحتلت المرتبة الثانية ضمن أكبر المصدرين للقارة، وفق بيانات صادرة عن خبير في أوابك، تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويوجه ذلك الأنظار إلى قدرة الجزائر على الحفاظ على موقعها الحالي بصفتها ثاني أكبر مصدّري الغاز إلى أوروبا، وهل تتطلع الدولة العربية الأفريقية إلى إزاحة النرويج من قائمة المُصدرين وتصدر القائمة بمشروعات وخطط إنتاجية أكبر؟!
احتياج أوروبي.. وتعاون نرويجي
كشفت الحكومة النرويجية عن خطتها الرامية لزيادة إنتاج الحقول؛ لتلبية الطلب المحلي وزيادة الصادرات، منتصف العام في يوليو/تموز.
وجاء اتفاق الدولة الواقعة شمال أوروبا مع الاتحاد الأوروبي، في نهاية يونيو/حزيران 2022، بزيادة التعاون في مجالات الطاقة بمثابة ضوء أخضر لزيادة صادرات الغاز النرويجي، وهو ما أيّدته هيئة النفط بالبلاد بإعلانها، في أغسطس/آب، أن صادرات الغاز تدعم أهداف تحول الطاقة لدى دول الاتحاد.
واستندت النرويج إلى مشروعاتها واسعة النطاق، خاصة في الجرف القاري وبحر الشمال، وعزز ذلك من توقعاتها المتفائلة حول الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية لمدة 4 أو 5 سنوات مقبلة، رغم حالة عدم اليقين حيال زيادة الإنتاج.
ومع تصاعد وتيرة فصل الشتاء تسعى الدول الأوروبية على قدم وساق لتلبية الطلب المحلي بالمزيد من إمدادات الغاز، أكدت حكومة أوسلو لوزير الاقتصاد والطاقة الألماني، روبرت هابيك، أن صادرات الغاز النرويجي ستتواصل على مدار العام بتدفقات قوية ومستقرة.
مشروعات وخطط إنتاجية
دخل عدد من مشروعات الغاز النرويجي موضع التشغيل، خلال 2022، واختُتم العام بإعلان تشغيل المرحلة الثانية لمشروع "سوهان سفيردروب" في بحر الشمال التابع لشركة إكوينور الرائدة في قطاع الطاقة، منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول.
وتزود إكوينور الدول الأوروبية بغالبية إنتاج الحقل من النفط والغاز، في مواصلة لاتجاه "تعزيز أمن الطاقة" الذي سرّعت من وتيرته عقب اضطراب صادرات الطاقة الروسية.
وبخلاف مشروع إكوينور، أعلنت شركة فار إنرجي، نهاية ديسمبر/كانون الأول، اكتشافًا في حقل "غوليت" ببحر بارنتس وصفته بأنه "الاكتشاف الأكبر في عام 2022".
وتُخطط الدولة الأوروبية لتعزيز الاستثمارات الداعمة للاكتشافات الجديدة للحفاظ على مستويات الموارد الحالية ولمنع انخفاض الإنتاج؛ إذ تسعى أوسلو -عبر صادرات الغاز النرويجي- لمواصلة موقعها طويل الأمد بصفتها مُوردًا رئيسًا للقارة العجوز.
ورغم ذلك؛ فقد أكد وزير النفط والطاقة النرويجي، تيرجي آسلاند، أن إنتاج الغاز النرويجي بلغ ذروته، ولا يمكن تلبية الزيادة المقترحة للعام الجاري (2023) بنسبة 8%؛ إذ زادت وتيرة الإنتاج بالنسبة ذاتها العام الماضي (2022) لتغذية مرافق التخزين الأوروبية.
خطط التصدير في 2023
يبدو أن الغاز النرويجي عرف طريقه للدول الأوروبية، وسيواصل صادراته خلال العام الجاري (2023)، ووعد وزير النفط والطاقة النرويجي، تيرجي آسلاند، القارة العجوز بإمدادات قوية ومستقرة، خلال العام، بحسب ما نقله عنه موقع آبستريم أون لاين (Upstream Online).
وأضاف آسلاند أن بلاده زادت من إنتاج حقول الغاز بالفعل، العام الماضي (2022)، لكنها تهدف في المرحلة المقبلة إلى الحفاظ على وتيرة الإمدادات المرتفعة حتى نهاية العقد (2030).
وأدى إنتاج الحقول النرويجية إلى زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا، بينما تنوي أوسلو مواصلة وتيرة صادرات الغاز النرويجي المرتفعة ذاتها، خلال العام الجاري (2023)، ولا سيما مع أداء المشروعات والاستثمارات الرامي لضمان ثبات مستويات الإنتاج.
وسجل إنتاج الغاز النرويجي من الجرف القاري زيادة قدرها 8%، خلال العامين الماضيين (2021 و2022) بما يعادل 9 مليارات متر مكعب (100 تيراواط/ساعة من الكهرباء).
وتقدر النرويج أن تحافظ مبيعات الغاز، خلال العام الجاري (2023)، على مستويات العام الماضي المرتفعة المقدرة بنحو 122 مليار متر مكعب (وتعادل 1355 تيراواط/ساعة من الكهرباء).
الطلب الأوروبي
رغم أن أوسلو دولة غير عضوة في الاتحاد الأوروبي؛ فإن الغاز النرويجي كان بمثابة "حصان أسود"؛ إذ تصدر قائمة مصدري الغاز للقارة العجوز بالكامل.
واستعانت القارة العجوز بحصص كبيرة من تدفقات الغاز المسال النرويجي لملء مرافقها وتخزين إمدادات تساعدها في تلبية ذروة الطلب خلال فصل الشتاء مع غياب الغاز الروسي، وغذت أوسلو تلك المرافق بنحو 122.73 مليون طن العام الماضي (2022) مقارنة بنحو 78.70 مليون طن العام السابق له (2021).
ولم يقتصر الأمر على صادرات الغاز المسال؛ إذ أسهمت التدفقات النرويجية -عبر خطوط الأنابيب- بما يزيد على 300 مليون متر مكعب يوميًا لدول الاتحاد وما يزيد على 10 مليارات قدم مكعبة يوميًا للدول الأوروبية بالكامل، بحسب بيانات ناتشورال غاز إنتليغينس (Natural Gas Intelligence).
ورغم حالة الاستقرار التي تسيطر على مشهد تزويد الغاز النرويجي لأوروبا بالتدفقات اللازمة؛ فإن أسعار الغاز التي واجهت ارتفاعات متعددة على مدار العام بأسواق الطاقة في القارة قد توجه الأنظار بعيدًا عن العقود الفورية وسيطرة شركة إكوينور على 70% من مبيعات الغاز نحو منافذ أخرى؛ من بينها الجزائر.
ويوضح الرسم البياني أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- حجم الاستهلاك الأوروبي للغاز الطبيعي منذ عام 1965 حتى نهاية العام الماضي (2022)، وفق بيانات شركة النفط البريطانية بي بي ووكالة الطاقة الدولية:
الجزائر.. ثاني المُصدّرين
تراجع موقع روسيا في دائرة سباق أكبر مصدري الغاز إلى أوروبا، ويبدو أن الحرب الأوكرانية كانت مفتاحًا لتغيير خريطة الشراء؛ إذ حلّت تدفقات الغاز من الجزائر في المرتبة الثانية عقب الغاز النرويجي لتحل محل تدفقات موسكو.
وشرعت دول أوروبية -من ضمنها إيطاليا وإسبانيا وسلوفينيا وألمانيا- في توقيع صفقات تضمن إمدادات الغاز من الجزائر، وربط خبير صناعة الغاز في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك"، المهندس وائل حامد عبدالمعطي، بين تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا وتقلد الجزائر موقعها بصفتها ثاني أكبر الموردين عبر خطوط الأنابيب.
ويتراوح معدل تدفقات الغاز الجزائري إلى دول أوروبا بين 75 مليونًا و95 مليون متر مكعب يوميًا، بينما تصدّرت تدفقات الغاز من النرويج بنحو 253 مليون متر مكعب.
وأوضح، في سلسلة تغريدات له على "تويتر"، قبل أيام، أن الجزائر تقدّمت للمرة الأولى نحو المرتبة الثانية لأكبر مصدري الغاز إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب، في يوليو/تموز الماضي، مشيرًا إلى أن أوروبا بحثت عن منافذ بديلة عقب اضطراب تدفقات خط نورد ستريم 1 قبل توقفها تمامًا.
جهود زيادة التصدير
لتلبية مستويات الطلب الأوروبية الآخذة في الارتفاع، تسعى الجزائر بكل ما أوتيت من قوة إلى رفع طاقة تشغيل خط الأنابيب "ميدغاز" الذي يربطها بإسبانيا وكذا خط "ترانسميد" الذي يربطها بإيطاليا عبر تونس إلى الحد الأقصى.
وزادت تدفقات الغاز الجزائري عبر خط "ميد غاز" من 8 مليارات إلى 10.5 مليار متر مكعب سنويًا، بينما تسعى الجزائر لزيادة التدفقات عبر "ترانسميد" أيضًا بعدما تلقت دعمًا من صفقتها الموقّعة مع شركة إيني الإيطالية العام الماضي (2022) لتعزيز صادرات الغاز بنحو 9 مليارات متر مكعب إضافية سنويًا بدءًا من العام الجاري (2023).
ويكشف الرسم البياني أدناه -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- عن حجم احتياطيات الغاز الطبيعي في الجزائر منذ عام 1980 حتى عام 2021، بحسب بيانات شركة النفط البريطانية بي بي:
وتبلغ قدرة النقل لخط ترانسميد 32 مليار متر مكعب سنويًا، لكنه يُستخدم حتى الآن لتصدير 22 مليار متر مكعب سنويًا فقط؛ ما يشير إلى إمكان زيادة الصادرات بنحو 10 مليارات متر مكعب أخرى.
وتُخطط الجزائر لزيادة صادراتها إلى 100 مليار متر مكعب؛ ما يتطلب زيادة الإنتاج المحلي وتسريع وتيرة الاكتشافات، ويتوافق ذلك مع توجه وزارة الطاقة والمناجم نحو زيادة عائدات الطاقة للبلاد.
منافذ أوروبية جديدة
يومًا بعد يوم، تشتعل المنافسة بين الغاز النرويجي والجزائري، وبعدما تصدرا قائمة أكبر مصدري الغاز لأوروبا في المرتبتين الأولى والثانية على الترتيب يبدو أن الجزائر تطل برأسها لتصبح منافسًا قويًا.
واختتمت دولة سلوفينيا الواقعة في أوروبا الوسطى العام الماضي (2022)، بإعلان ملامح توجه جديد لزيادة صادرات الغاز الجزائري إلى المجر عبر تطوير خط أنابيب يمر بسلوفينيا.
وعلى الصعيد المحلي، كشف الخبير الاقتصادي الجزائري، الدكتور مراد كواشي، عن أن بلاده تخطط لطفرة كبيرة في إنتاج الغاز الطبيعي والمسال، ويتوافق ذلك مع التوجهات الرئاسية لشركة سوناطراك بزيادة الإنتاج.
وأضاف أن مقترح إنشاء أنبوب نقل ثالث يربط الجزائر بإيطاليا بصورة مباشرة لزيادة صادرات الغاز وفق الاتفاقات الموقعة بين البلدين، مشيرًا، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، نُشرت في 8 يناير/كانون الثاني، إلى أن العام الماضي (2022) شهد اكتشافات مؤكدة ضخمة للغاز الطبيعي.
وقال: "مع زيادة احتياطيات الغاز الجزائري والاتجاه لتطبيق إستراتيجية ترشيد استهلاك محلي؛ باتت خطط زيادة الصادرات ممكنة"، داعيًا لاستفادة الحكومة من أسعار الطاقة المرتفعة بالأسواق الدولية.
وأوضح أن السوق الأوروبية تكتسب أولوية كبرى بالحديث عن زيادة صادرات الغاز الجزائري، ولا سيما في ظل توافر المرافق اللازمة للنقل في صورة خطي الأنابيب إلى كل من إسبانيا وإيطاليا.
وخصصت شركة سوناطراك الجزائرية ما يقرب من 30 مليار دولار لصالح استكشافات النفط والغاز الطبيعي، وفق مخطط تطوير ممتد حتى عام 2027 بحسب تصريحات لرئيسها مديرها العام توفيق حكار.
اقرأ أيضًا..
- إنتاج الهيدروجين في السعودية يستعد للريادة الإقليمية (مقال)
- أولى محاولات إعادة ملء مخزون النفط الإستراتيجي الأميركي تفشل.. وهذا هو السبب
- الغاز الجزائري يتدفق إلى أسواق جديدة في 2023.. وأوروبا أولوية (خاص)
- ما سعر النفط المناسب للسعودية وأوبك+؟.. 6 خبراء يجيبون للطاقة