أوروبا تعيد النظر في تسعير الطاقة المتجددة وسط خلافات مع المتربحين من الأزمة (تقرير)
السياسيون يستكثرون أرباح المنتجين
عمرو عز الدين
تتجه قارة أوروبا المأزومة إلى إعادة النظر في قواعد تسعير الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة، وسط خلافات مع المنتجين المستفيدين من الوضع الحالي، في ظل اشتعال أسعار الغاز العالمية.
في هذا السياق، أعلنت المفوضية الأوروبية خططًا لتعديل قواعد تسعير سوق الكهرباء على مستوى الاتحاد في إطار دعم المستهلكين المتضررين من أزمة الطاقة العالمية، وفقًا لموقع فاينانشيال تايمز.
وقالت مفوّضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كاردي سيمسون، إن هذه الخطط تستهدف إعادة النظر في تسعير الطاقة المتجددة بما يمكن المستهلكين من الحصول عليها بتكاليف أقلّ.
ويحذر المنتجون والمختصون بصناعة الطاقة المتجددة في أوروبا من التداعيات السلبية لهذه الخطط واحتمالات خنقها للاستثمار في مزارع الرياح ومشروعات الطاقة الشمسية على مستوى الاتحاد، ما يهدد بعزوف المنتجين عن طرح مشروعات جديدة.
ضغوط سياسية عالية
تشتكي سيمسون من تعرُّض المفوضية الأوروبية لضغوط سياسية عالية لإعادة النظر في قواعد السوق بهدف خفض فواتير المستهلكين في وقت شديد الحساسية للقارة التي تكافح أسوأ أزمة طاقة مرّت عليها منذ عقود.
وتقول مفوضة الطاقة: "نحن نعمل في ظل ظروف استثنائية صعبة تستلزم تنفيذ الإصلاحات بصورة أسرع من المعتاد.. نبحث كيفية تحقيق فوائد أكبر للمستهلكين من إعادة النظر في تسعير الطاقة المتجددة".
وتقترح مسودة الخطط التي طرحتها المفوضية للنقاش، التعامل مع الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة وفق تكاليف إنتاجها الحقيقية.
المعيار تكلفة الإنتاج الحقيقة
تهدف هذه الخطة إلى فك ارتباط اتفاقيات تسعير الطاقة المتجددة عن أسعار الكهرباء المولدة من مصادر أخرى مرتبطة بصراعات وأزمات خارجية، مثل الغاز الذي اشتعلت أسعاره أضعافًا مضاعفة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير/شباط 2022.
كما تشمل الخطط مدّ ضريبة الأرباح الاستثنائية المفاجئة على شركات الطاقة المتجددة المقرر انتهاؤها في عام 2023، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وغالبًا ما يُنظر إلى مشروعات الطاقة المتجددة بوصفها تعتمد على مصادر مجانية في توليد الكهرباء مثل الشمس، والرياح، والمياه.
ويعني هذا أنه بمجرد تشييد البنية التحتية يبدأ الإنتاج المجاني، دون الحاجة إلى مدخلات إنتاج ضخمة الحجم، مثل الغاز والفحم والمعادن التي تعتمد المحطات التقليدية على تحويلها إلى كهرباء بصور فنية مختلفة.
فرنسا وإسبانيا قادة الهجوم
تأتي مقترحات تعديل سوق الكهرباء في أوروبا بعد أشهر من ضغوط سياسية عالية مارستها عدّة دول نافذة، لا سيما فرنسا وإسبانيا اللتين تطالبان بإنهاء نظام الربط بين أسعار الغاز-المشتعل حاليًا- وجميع مصادر التوليد الأخرى.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي نموذج "نظام الجدارة" المشهور، والذي يعطي الأولوية للطاقة المتجددة والنووية في توليد الكهرباء، يليه الغاز، ثم الفحم في المرتبة الأخيرة.
لكن نظام التسعير يعتمد على منتج الكهرباء النهائي المولد لتلبية الطلب؛ ما يعني ارتباط تسعير الطاقة المتجددة غالبًا بتكاليف الوقود الأحفوري الأكثر حساسية لتقلّبات الأوضاع السياسة والعسكرية في العالم.
وتشهد أوروبا نموًا متسارعًا في مشروعات الطاقة المتجددة ضمن إطار محاولة المنتجين لتعزيز الاستفادة من تفاقم أزمة الغاز العالمية وتوقعاتها المتشائمة خلال السنوات المقبلة.
ويُنظر إلى هذا النمو المتسارع بوصفه إيجابيًا في إطار خطط التحول المناخي طويلة الأمد، إلّا أن له وجهًا سلبيًا يتمثل في حصول المستهلكين على الكهرباء النظيفة بأسعار باهظة نتيجة ربط التسعير بالغاز، رغم انخفاض التكاليف الحقيقية للمشروعات المتجددة.
ويحتجّ السياسيون والتنفيذيون في الاتحاد الأوروبي على معدلات الربحية العالية التي يحققها منتجو الطاقة المتجددة على حساب المستهلكين، لمجرد ارتباط تسعير القطاع بأسعار الغاز التي سجلت مستويات قياسية خلال العام الماضي.
ويستكثر السياسيون على شركات الطاقة النظيفة الاستفادة من عوامل عالمية لا تقع ضمن حسابات تكاليف الإنتاج الحقيقية، ويرون في هذا الوضع خللًا يحتاج إلى تدخّل حرج لإصلاحه على المدى الطويل، وليس القصير فحسب.
وحذّرت وكالة الطاقة الدولية من ارتفاع عجز الطاقة في أوروبا إلى 30 مليار متر مكعبة من الغاز الطبيعي خلال عام 2023، بسبب انقطاع إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد بصورة شبه كاملة منذ سبتمبر/أيلول 2022.
وتمثّل هذه النسبة ما يعادل 7% من إجمالي حجم استهلاك الطاقة في أوروبا خلال 2021؛ ما قد يزيد الضغوط الملقاة على عاتق السياسيين في توفير البدائل بصورة ناجزة.
الطاقة المتجددة تسهم بـ20%
تسهم مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 20% من إجمالي إنتاج الكهرباء في أوروبا، بينما تستحوذ مصادر الوقود الأحفوري على 36%، أمّا الطاقة النووية فتسهم بنسبة 25%، وفقًا لبيانات المفوضية الأوروبية عن عام 2020.
وتعدّ فرنسا وإسبانيا من أشد الدول المتصدرة لحملة فصل الغاز عن أسعار الطاقة المتجددة على مستوى الاتحاد، لأسباب تتعلق بكونهما من أكبر الدول المتضررة من الربط بسبب اعتمادهما بصورة كبيرة على المصادر المتجددة في توليد الكهرباء.
وتعدّ فرنسا أكبر منتج للطاقة النووية على مستوى الاتحاد، كما تعتمد إسبانيا على المصادر المتجددة بنسبة 50% من إجمالي إنتاجها للكهرباء.
العقود الطويلة مهددة
يحتجّ مسؤولو بعض شركات الطاقة المتجددة في أوروبا على المقترحات المقدّمة من المفوضية الأوروبية، ويرون فيها تهديدًا لعوائدهم المستقبلية من العقود طويلة الأجل.
ويقول رئيس قطاع التنظيم بشركة أورستد الدنماركية أولريك ستريدبيك، إن الحديث عن إعادة صياغة قواعد سوق الكهرباء في أوروبا يستبطن تصورات خاطئة حول هوامش الأرباح في لحظة حرجة للغاية بالنسبة للقارة.
كما أبدى رئيس قطاع التنظيم في ميتيلنيوس للتعدين اليونانية نيك كيراميداس، القلقَ نفسه بالنسبة للعقود الطويلة التي تتجاوز قيمتها ملايين اليوروهات.
يقول كيراميداس: "لا يمكن الدخول في استثمارات من هذا النوع إلّا بعد التأكد من أساسيات وقواعد السوق، فالأمر يتعلق بملايين الدولارات في عقود طويلة تصل إلى 10 و15 عامًا".
وحثّت رئيسة هيئة تنظيم الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كريستسان زينغليرسن، المفاوضين على ضرورة مراعاة الاتفاقيات طويلة الأجل خلال صياغة التعديلات الجديدة بما لا يضر بخطط الاتحاد الطموحة للانتقال السريع إلى الطاقة النظيفة.
تصور كامل للمقترحات في مارس
تقول المفوضية الأوروبية، إنها ستطلق المشاورات بشأن هذه الإصلاحات المحتملة بين الدول الأعضاء، متوقعةً الوصول إلى تصور شامل بنهاية مارس/آذار 2023.
ورغم ذلك، اعترفت مفوضة الطاقة الأوروبية كاردي سيمسون بأن فكرة تعديل تشريعات سوق الكهرباء في خضم أزمة ليست جيدة، قبل أن تعود وتؤكد أهمية هذه التعديلات لشبكات الكهرباء على مدار عقود مقبلة.
وفرض الاتحاد الأوروبي العام الماضي ضريبة مفاجئة على شركات الطاقة ضمن حزمة إجراءات لتخفيف حدّة أزمة اشتعال أزمة الغاز بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
كما اعتمد الاتحاد خطة لخفض استهلاك الغاز بنسبة 15%، وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، وقّع وزراء الدول الأعضاء قرارَ وضع حدّ أقصى لسعر الغاز في تعاملات الجملة لمنع ارتفاعه مرة أخرى إلى مستويات أغسطس/آب 2022 القياسية، إذ سجل 300 يورو لكل ميغاواط/ساعة.
النرويج تعترض على أسعار الجملة
اعترضت النرويج -التي حلّت محلّ روسيا بصفة أكبر مصدّر للغاز إلى الاتحاد- على سقف أسعار الغاز بالجملة لضعف استهدافه حلّ مشكلة نقص الطاقة الأساسية في السوق الأوروبية.
بينما دافعت مفوضة الطاقة الأوروبية كاردي سيمسون عن سقف الأسعار وأهميته في تجنيب المستهلكين الأوروبيين ويلات الأسعار المشتعلة للغاز.
وقلّلت المفوضة الأوروبية من التداعيات السلبية لفضيحة الفساد المتعلقة بمزاعم رشوة بين مسؤولين من قطر وأعضاء في البرلمان الأوروبي.
وقالت سيسمون، إن هذه القضية لن تؤثّر في عقود الطاقة مع قطر، متوقعةً تشغيل محطة إسالة الغاز المشتركة في ألمانيا بحلول عام 2025.
موضوعات متعلقة..
- إعفاء أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية من الضرائب في ألمانيا
- الطاقة المتجددة في ألمانيا تسهم بنحو نصف الكهرباء المستهلكة
- نمو الطاقة الشمسية في أوروبا يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا في 2022 (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- 10 خبراء يتحدثون لـ"الطاقة" عن أسواق النفط في 2023.. أوبك+ ومخاوف الركود
- إيرادات صادرات النفط العراقي تتراجع 625 مليون دولار في ديسمبر
- الحرب تعوض شركات النفط والغاز الأميركية العملاقة عن عام الوباء (تقرير)