الطاقة في المنطقة العربية.. 3 أزمات تضرب القطاع خلال 2022
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد عمار
واجه قطاع الطاقة في المنطقة العربية، بالتوازي مع الوضع الساخن عالميًا، العديد من الأزمات لتتفاقم في لبنان وتصل إلى ظلام دامس، مع استمرار تداعيات الأزمة المغربية الجزائرية، ومعاناة الدول المستوردة للنفط من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية.
ولم يلبث العالم الخروج من سلبيات جائحة فيروس كورونا عام 2020، حتى بدأت أزمة جديدة بالغزو الروسي الأوكراني في 2022 تسببت في المزيد من اشتعال أسعار السلع، وفي مقدمتها النفط والغاز؛ ما أدى إلى تعميق جراح الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت قد بدأت تتعافى من آثار فيروس كورونا.
وتستعرض وحدة أبحاث الطاقة، بشكل ملخص، أبرز أزمات قطاع الطاقة العربي، وسط محاولات العمل على مواجهتها والعوائق التي حالت دون السيطرة عليها خلال عام 2022، مع الوصول إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
استمرار تداعيات أزمة المغرب والجزائر
من بين أزمات قطاع الطاقة العربي خلال 2022، استمرار تداعيات الأزمة الدبلوماسية وانقطاع العلاقات بين المغرب والجزائر، منذ اندلاعها في 2021، والتي أدت إلى وقف العمل بأنبوب "المغرب العربي وأوروبا" بعد انتهاء مدة التعاقد بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وخط أنابيب المغرب العربي، الذي يخدم إسبانيا بعد مروره بالمغرب، ضمن اتفاق وقّعته الجزائر مع المغرب في يوليو/تموز عام 2011، لكن مع تدهور العلاقات بين البلدين رفضت الأولى تجديد الاتفاق في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس/آب من العام نفسه.
وتجسّدت أبرز تداعيات الأزمة بين الجانبين في إرسال الجزائر تهديدًا إلى إسبانيا بقطع إمدادات الغاز عنها حال إعادة مدريد تصدير الغاز الجزائري إلى المغرب، وهو التهديد الذي صدر بعد إعلان إسبانيا قرارها بعكس تدفق الغاز عبر خط أنابيب المغرب العربي.
وكان خط الغاز المغرب العربي، الذي يمر بالأراضي المغربية، يستخدم في تصدير الغاز الجزائري إلى دول أوروبا وتحصل المملكة المغربية أيضًا على أغلب احتياجاتها من الغاز من خلاله، وبعد توقفه سعى المغرب إلى استخدامه في الحصول على الغاز من خلال إسبانيا.
ونقلت وسائل إعلام دولية، عن مصادر وقتها، أن الجزائر وجّهت تحذيرًا شديد اللهجة إلى إسبانيا مفاده أن توجيه جزء واحد من الغاز الجزائري إلى المغرب يُعَد "خطًا أحمر".
في المقابل، أكدت إسبانيا، في ردها على التصريحات الجزائرية، أنها لن تبيع الغاز الجزائري إلى المغرب وأنه من مصادر أخرى، واستجابتها لطلب الدعم من المغرب تأتي في إطار ضمان أمن الطاقة، على أساس العلاقات التجارية بين البلدين.
وتشير تقارير إلى أن واردات إسبانيا من الغاز الجزائري شهدت بعض الانخفاضات خلال (2022)، منذ التقارب السياسي بين مدريد والمغرب، وإعلان الحكومة الإسبانية، في مارس/آذار (2022)، دعمها موقف المغرب في قضية الصحراء الغربية.
وفي ردها على قرار إسبانيا بشأن الصحراء الغربية، قررت الجزائر تعليق معاهدة الصداقة التي أبرمتها منذ 20 عامًا مع مدريد.
وفي 29 يونيو/حزيران، بدأت إسبانيا ضخّ الغاز الطبيعي في اتجاه المغرب بشكل عكسي عبر أنبوب "المغرب العربي وأوروبا"، الذي كان يضخّ الغاز الجزائري نحو مدريد.
وفي خضم الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيتها على قطاع الطاقة العالمي، كانت هناك محاولات أميركية لإعادة تشغيل خط أنابيب غاز المغرب العربي وأوروبا لزيادة إمدادات الجزائر للقارة العجوز في إطار تعويض نقص الغاز الروسي، ولكنها محاولات لم يُعلَن نجاحها حتى الآن رغم أنها تعود إلى مارس/آذار 2022.
تفاقم أزمة لبنان
شهد عام (2022) تفاقم أزمة قطاع الطاقة في لبنان، مع تعرض البلاد، أكثر من مرة، إلى ظلام دامس نتيجة النقص الحاد في الوقود، في ظل ضبابية المشهد السياسي والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها.
وبسبب أزمة الوقود الحادة وعدم توافر الموارد المالية اللازمة أصبح مشهد انقطاع التيار الكهربائي، خلال العام الجاري، متكررًا ليصل في بعض الأحيان إلى تعرض معظم الأراضي اللبنانية لظلام دامس، وسط صدور بيانات تحذيرية متكررة عن مؤسسة الكهرباء اللبنانية بشأن انقطاع التيار نتيجة نفاد الوقود.
وكان من بين تلك الانقطاعات، تعرُّض غالبية أرجاء الأراضي اللبنانية لظلام دامس في يوليو/تموز (2022)، بعد توقف محطات الإنتاج الرئيسة عن العمل؛ لعدم تقاضي مشغل معملي الزهراني ودير عمار مستحقاته بالعملة الصعبة.
وفي 25 أغسطس/آب 2022، عانت البلاد أيضًا توقف إنتاج الكهرباء ودخول أرجاء الدولة في ظلام تام، نتيجة نفاد مخزونها من مادة الغاز أويل (زيت الغاز).
ولم تتوقف أزمة قطاع الطاقة في لبنان على انقطاع التيار، لكنها انتقلت إلى نقص وقود السيارات ومعاناة البلاد من أزمة خانقة في توفير البنزين للسيارات، وسط اشتعال سعره ومعاناة المواطنين في الاصطفاف طوابير طويلة.
وقام لبنان، أكثر من مرة، خلال 2022، برفع أسعار الوقود لتسجل مستويات قياسية، مع تعرض البلاد لاحتجاجات شعبية وقطع الطرق من قِبل المواطنين اعتراضًا على ارتفاع أسعار المحروقات وسط تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين.
ورغم سعي لبنان إلى إعادة استيراد الغاز المصري عبر خط الغاز العربي بوصفها أحد حلول مواجهة أزمة قطاع الطاقة والتوصل إلى اتفاق في 2021؛ فإن الإجراءات التنفيذية لم تصل إلى نهايتها ولم يستقبل قطاع الطاقة اللبناني أي شحنة غاز قادمة من القاهرة حتى الآن.
ويشار إلى أن خط الغاز العربي كان ينقل الغاز المصري إلى لبنان منذ عام 2009، والذي يمر بالأراضي الأردنية والسورية، ولكنه توقف خلال عام 2011.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، وقعت كل من مصر والأردن ولبنان وسوريا اتفاقية نقل الغاز إلى الأراضي اللبنانية، وفي يوليو/حزيران 2022 وُقِّعَت اتفاقية شراء الغاز الطبيعي من مصر واتفاقية نقل الغاز ومبادلته مع مصر وسوريا.
ويستهدف لبنان الحصول على ما بين 60 و65 مليون قدم مكعبة يوميًا (1.7 و1.8 مليون متر مكعب يوميًا) من الغاز المصري، ولكن ما زال هناك بعض المعوقات التي تحول دون وصول الإجراءات إلى نهايتها؛ ومنها صعوبة الحصول على التمويل.
وفي بداية الأمر، سعى لبنان للحصول على موافقة الإدارة الأميركية، بأن الاتفاق لا يتعارض مع قانون قيصر الأميركي الموجه ضد الحكومة السورية، ويتضمن عقوبات ضد الكيانات التي تتعامل مع حكومة دمشق ووكالاتها العسكرية والاستخبارية.
وفي يناير/كانون الثاني 2022، نقلت السفارة الأميركية في بيروت، إلى الحكومة اللبنانية كتابًا رسميًا من وزارة الخزانة الأميركية، أجابت خلاله عن بعض الهواجس حول اتفاقيات قطاع الطاقة التي ساعدت في تسهيلها وتشجيعها بين لبنان والأردن ومصر، مؤكدة أنه لن تكون هناك أي مخاوف من قانون العقوبات الأميركية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، أكدت مصر جاهزيتها لضخ الغاز الطبيعي فورًا الى لبنان بعد استكمال الإجراءات المرتبطة بذلك.
وبالتوازي مع ذلك، وقّع لبنان، في يناير/كانون الثاني (2022)، اتفاقًا لتوريد الكهرباء والعبور مع الأردن وسوريا، وبموجبه يزوّد الأردن لبنان بـ150 ميغاواط من الكهرباء من منتصف الليل حتى السادسة صباحًا، و250 ميغاواط من الساعة السادسة صباحًا حتى منتصف الليل، وكان مقررًا دخول المشروع حيز النفاذ في مارس/آذار الماضي.
ومع ذلك ما زالت مشكلة التمويل تمثل عائقًا رئيسًا أمام نقل الغاز المصري وتطبيق الربط الكهربائي؛ إذ رفض البنك الدولي، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تمويل صفقات استقدام الغاز المصري، والكهرباء الأردنية إلى لبنان، قبل قيام بيروت بالإصلاحات اللازمة في قطاع الطاقة.
وجدير بالذكر أن هناك ربطًا كهربائيًا بين كل من الأردن وسوريا من خلال خط نقل على جهد 400 كيلو فولت منذ عام 2001، ولكن أصبح الخط خارج الخدمة منذ منتصف عام 2012؛ لأسباب فنية، كما يربط سوريا ولبنان عدّة خطوط ربط على الجهد 400 و230 كيلو فولت.
وفي السياق نفسه، شهد العام الجاري إجراء العديد من المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بوساطة أميركية، بهدف ترسيم الحدود البحرية؛ ما يسمح للبنان باستخراج الغاز من حقولها البحرية ويقلل من حدة الأزمة.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلن لبنان موافقته بشكل رسمي على الصيغة النهائية لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، التي أعدها الوسيط الأميركي، مؤكدًا أن الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع مطالب لبنان وتحفظ حقوقه كاملة.
ومن شأن الاتفاق أن يفتح الباب أمام التنقيب في حقول النفط اللبنانية والعمل على اكتشاف حقول جديدة، وجذب شركات أجنبية للاستثمار في القطاع.
وكان خبير الصناعات الغازية لدى منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول "أوابك"، وائل حامد عبدالمعطي، قد أكّد، في تعليقات سابقة، أن احتياطيات الغاز في لبنان كافية لسدّ احتياجاته من الطاقة وتصدير الفائض مستقبلًا.
وأوضح أنه، بحسب المعطيات الأولية، يوجد نحو 25 تريليون قدم مكعبة (0.71 تريليون متر مكعب) من الغاز في الركن الجنوبي الغربي للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
وبالفعل ساعد الاتفاق على بدء اتخاذ الشركات الأجنبية خطوات نحو التنقيب في الأراضي اللبنانية؛ فقد وقّعت كل من شركة توتال إنرجي الفرنسية وشركة "إيني" الإيطالية، في نوفمبر/تشرين الثاني (2022)، اتفاقية إطارية مع إسرائيل، لتنفيذ اتفاق ترسيم الحدود البحرية التي جرى التوصل لها مع لبنان.
وتضمّن الاتفاق استكشاف الكتلة البحرية 9 اللبنانية؛ إذ تمتلك توتال إنرجي حصة 60% من تلك المنطقة، بينما تستحوذ شريكتها إيني الإيطالية على حصة تبلغ 40%.
ويقدر وائل حامد عبدالمعطي أن استخراج الغاز تجاريًا من لبنان سيحتاج إلى مدة لا تقل عن 4 إلى 5 سنوات في أفضل التقديرات، منوهًا بأن قطاع الطاقة اللبناني سيظل بحاجة ملحة للغاية إلى هذا الوقود الأزرق خلال تلك المدة.
وبحسب الحكومة اللبنانية، أعربت قطر عن رغبتها في الدخول إلى التحالف للتنقيب عن النفط في البلوكين 4 و9، لتصبح الشريك الثالث لشركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية في هذين الحقلين.
الحرب الروسية الأوكرانية
طالت التداعيات السلبية للغزو الروسي الأوكراني واستخدام سلاح الطاقة من جميع الأطراف المتعلقة بالحرب، جميع القطاعات عالميًا؛ ومنها قطاع الطاقة العربي.
وكانت الدول العربية المستوردة للطاقة، الأكثر تأثرًا سلبًا من تداعيات الحرب، والتي ألقت بمزيد من الاشتعال في أسعار النفط ومشتقاته؛ الأمر الذي ضاعف تحديات قطاع الطاقة للدول العربية المستوردة للوقود الأحفوري وأثقل موازنتها.
وتدخل أسعار الطاقة في العديد من القطاعات الأخرى بخلاف قطاع الطاقة وتحديد أسعار البنزين؛ أي أنها تلقي بمزيد من الضغوط على أسعار السلع الأخرى، في الاتجاه الصعودي حال ارتفاعها، باعتبار أنها أحد مدخلات وعناصر تحديد الأسعار.
واتجه العديد من الدول العربية إلى رفع أسعار البنزين أكثر من مرة خلال 2022؛ ما تسبب في مزيد من الأعباء، ومن بين هذه الدول تأتي مصر والمغرب وفلسطين ولبنان والأردن والسودان وتونس.
وعلى سبيل المثال، اتجهت مصر إلى رفع أسعار البنزين خلال عام (2022) بنحو 3 مرات، ليقفز سعر اللتر بقيمة بلغت 100 قرش (0.041 دولارًا) طوال عام 2022.
وكانت الحكومة المصرية قد قررت رفع سعر لتر البنزين بنحو 25 قرشًا في شهر فبراير/شباط 2022، ثم رفعه في شهر أبريل/نيسان 2022 بقيمة 25 قرشًا، ورفعه في شهر يوليو/تموز الماضي بقيمة 50 قرشًا، ثم قررت تثبيت السعر في شهر أكتوبر/تشرين الثاني.
ويتداول سعر لتر بنزين 80 في مصر بسعر 8 جنيهات للّتر (0.32 دولارًا)، ويبلغ سعر لتر "بنزين 92" نحو 9.25 جنيهًا (0.38 دولارًا)، بينما لتر "بنزين 95" يباع بسعر 10.75 جنيهًا (0.44 دولارًا)، ويبلغ سعر السولار 7.25 جنيهًا للتر (0.29 دولارًا).
بينما شهد المغرب، في شهر مارس/آذار 2022، إضراب العاملين بقطاع النقل البري للركاب والبضائع، احتجاجًا على رفع المملكة المغربية سعر الوقود، وسط اتباع البلاد سياسة توعية تهدف إلى تقليل استهلاك الوقود المشتعل سعره نتيجة الظروف العالمية.
أما تونس فرفعت أسعار البنزين 5 مرات وسط معاناة قطاع الطاقة من نقص وشح في توفير الوقود بالمحطات نتيجة أزمة اقتصادية طاحنة تعانيها البلاد؛ إذ أجرت البلاد تعديلًا على أسعار الوقود مرتين، في فبراير/شباط (2022)، قبل أن تقر زيادة ثالثة في أبريل/نيسان، وأخرى في سبتمبر/أيلول، أعقبتها زيادة في نوفمبر/تشرين الثاني.
وألقى ارتفاع سعر برميل النفط في السوق العالمية، بمزيد من الضغوط المالية على تونس التي تعاني في الأساس مشكلات اقتصادية؛ إذ أرجعت وزارة الطاقة التونسية ارتفاع أسعار الوقود إلى ما يشهده قطاع الطاقة عالميًا من اضطرابات تتعلق بشح الإمدادات وارتفاع أسعار النفط منذ بداية العام.
وأكدت أن زيادة أسعار الوقود في تونس جاءت في محاولة لتغطية مختلف احتياجات قطاع الطاقة محليًا من المشتقات النفطية بصفة منتظمة، وتفادي أيّ اضطرابات في التزويد.
وبحسب الحكومة التونسية؛ فإن كل زيادة قيمتها دولار واحد في سعر برميل النفط، تترجم إلى تمويل إضافي لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بنحو 140 مليون دينار سنويًا (43.716 مليون دولار).