الغاز التركمانستاني يعزز دور تركيا في تجارة الطاقة عالميًا (مقال)
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- • تركيا تعمل على تنويع إمداداتها من النفط والغاز بجزء من سياستها المتعلقة بالطاقة
- • أنقرة كانت على استعداد لاستيراد ونقل الغاز الطبيعي من تركمانستان منذ عقدين
- • تركمانستان مصدر مهم للطاقة، ولديها رابع أكبر احتياطيات غاز طبيعي في العالم
- • جزء كبير من النفط المنتج من تركمانستان يذهب إلى الأسواق الدولية عبر أذربيجان
- • روسيا أعربت عن رغبتها في جعل تركيا مركزًا لعبور الغاز الطبيعي
أسفر الغزو الروسي لأوكرانيا عن عواقب وخيمة، منذ فبراير/شباط. وتوطّدت علاقات تركيا مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، في العقد الماضي، على جميع الأصعدة، وخصوصًا الطاقة والأسلحة العسكرية، وتكررت الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الحكوميين في هذه الدول.
وتتمثل إحدى الفرص المحتملة الرئيسة لتوطيد التعاون في طموحات تركيا لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، والاستفادة من جغرافية البلاد وشبكة خطوط الأنابيب لتصبح ممرًا للطاقة بين الدول الغنية بالنفط والغاز في آسيا الوسطى والشرق الأوسط والدول الكبرى المستهلكة في أوروبا.
وتعمل تركيا على تنويع إمداداتها من النفط والغاز بجزء أساسٍ من سياستها المتعلقة بالطاقة، وتماشيًا مع هدفها الأوسع المتمثل في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.
وتخطط تركيا، حاليًا، لاستيراد المزيد من الغاز الطبيعي من خلال مشروعات مثل ترك ستريم، وهو خط أنابيب بحري لنقل الغاز من روسيا إلى تركيا.
منذ عقدين من الزمان، أبدت أنقرة استعدادها لاستيراد ونقل الغاز الطبيعي من تركمانستان، ونتيجة لذلك، وُقِّع عقد لنقل الغاز الطبيعي التركمانستاني إلى أوروبا من خلال خط أنابيب بحر قزوين مرورًا بتركيا.
تجدر الإشارة إلى أن الوضع القانوني لخطّ أنابيب بحر قزوين لم يكن واضحًا حتى عام 2018، وهو ما عرقل وصول الغاز الطبيعي التركمانستاني إلى تركيا وأوروبا، إلى جانب معارضة إيران وروسيا لبناء خط أنابيب في أعماق بحر قزوين.
التحركات الرسمية التركية
توجَّهَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الثلاثاء 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، إلى عشق آباد، عاصمة تركمانستان، في رحلة تستغرق يومين.
في 14 ديسمبر/كانون الأول، عُقد اجتماع ثلاثي بين رؤساء تركيا وتركمانستان وأذربيجان لتحديد طريقة تعاون الدول الـ3 لإنشاء مركز لتجارة الطاقة في المنطقة.
وتُعدّ تركمانستان إحدى دول الطريق المؤدية إلى مسار خط أنابيب بحر قزوين شرقًا وغربًا، على طول الممر الأوسط، عدا عن كونها مصدرًا مهمًا للطاقة، ولديها رابع أكبر احتياطيات غاز طبيعي في العالم.
وقام الرئيس أردوغان بزيارة مهمة إلى تركمانستان، في الوقت الذي تتخذ فيه تركيا خطوات نحو أن تصبح مركزًا لتجارة الطاقة.
وقال أردوغان في قمة أفازا، حيث التقت "الشقيقات الـ3" تركيا وأذربيجان وتركمانستان: "نحن ننقل غاز بحر قزوين إلى أوروبا، ونحتاج إلى بدء العمل على نقل الغاز الطبيعي التركمانستاني إلى الأسواق الغربية".
وأضاف أن دور خط أنابيب النفط باكو - تبيليسي - جيهان وممر الغاز الجنوبي يبرز جليًا في هذا السياق، مشيرًا إلى نقل غاز بحر قزوين إلى أوروبا عبر هذا الممر، وهو العمود الفقري لخطّ أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول "تاناب" (تي إيه إن إيه بي).
وأردف أردوغان قائلًا: "نحتاج الآن إلى بدء العمل على نقل الغاز الطبيعي التركمانستاني إلى الأسواق الغربية بالطريقة نفسها، ونحن على استعداد للتعاون مع أشقائنا التركمانيين والأذربيجانيين، وفي إطار الصداقة بمنطقة بحر قزوين".
وتابع: "بالإضافة إلى ذلك، نولي أهمية لتطوير تجارة الكهرباء المتبادلة بين بلدينا في منطقتنا، وفي هذا السياق، نحن على استعداد للعمل على نقل الكهرباء من تركمانستان وأذربيجان إلى بلدنا".
نقل الغاز إلى تركيا
يُزعم أنه بسبب توافر شروط نقل الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى تركيا، فإن مثل هذا البيان لا يعني البدء الفوري في تصدير غاز تركمانستان إلى تركيا.
وتُعدّ تركيا السوق المستهدفة لـ3 دول، روسيا وإيران وأذربيجان، ودخول سوق الغاز الطبيعي التركي يمهّد للوصول إلى سوق الغاز الطبيعي الأوروبي.
بالنظر إلى أن تركمانستان لديها رابع أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، فإن دول المنطقة لا تريد منافسًا جديدًا في سوق الغاز الطبيعي التركي إذا أزيلت جميع المخاطر الجيوسياسية لنقل غاز تركمانستان إلى تركيا.
من أجل بناء خط أنابيب من قاع بحر قزوين، سيتجه الغاز الطبيعي التركمانستاني إلى تركيا على المدى المتوسط، وهذا سيهدد حصة الغاز الطبيعي الإيراني في تركيا.
في عام 2020، أظهر إنشاء شركة ذات صلة بموارد الطاقة في بحر قزوين أنه تمّ إعداد خطة جادة لنقل الغاز التركمانستاني إلى أوروبا وتركيا.
وتخطط الشركة الأميركية، التي أسسها السفير الأميركي السابق في تركمانستان، آلان موستارد، لبناء خط أنابيب عبر قزوين لإحياء نقل الغاز من تركمانستان إلى أذربيجان، ثم إلى أوروبا.
علاوة على ذلك، نظرًا للعلاقات الجيدة بين تركمانستان وأذربيجان، فمن الممكن استعمال خط أنابيب الغاز عبر الأناضول "تاناب" لنقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا.
بالطبع، يجب تحديد سعة خط الأنابيب هذا الذي يمكن تخصيصه للغاز الطبيعي في تركمانستان.
حقل دوستلوك النفطي
في يناير/كانون الثاني 2021، بعد 30 عامًا من الخلاف بشأن ملكية حقل دوستلوك النفطي، اتفقت جمهورية أذربيجان وتركمانستان على التعاون لتطوير الحقل المشترك.
وتَمثَّل الخلاف الأهم بين باكو وعشق أباد بشأن تحديد القاعدة القانونية لبحر قزوين في ملكية هذا الحقل.
واكتُشِف هذا الحقل في عام 1986، ويحتوي حقل دوستلوك أيضًا على 100 مليار متر مكعب من الغاز.
في الوقت الحالي، يذهب جزء كبير من النفط المنتج من تركمانستان إلى الأسواق الدولية عبر أذربيجان، وتأمل باكو أنه من خلال التطوير المشترك لحقل دوستلوك، سيُمَهَّد الطريق لتصدير غاز تركمانستان عبر أذربيجان.
ويقع حقل دوستلوك النفطي على بعد 20 كيلومترًا من حقل قَرَه باغ النفطي في أذربيجان، وتقوم الشركة النرويجية إكوينور، حاليًا، بتطويره مع شركة النفط الوطنية الأذربيجانية سوكار، وفي غضون السنوات الـ3 المقبلة، سيبدأ إنتاج النفط والغاز من هذا الحقل.
على صعيد آخر، يقع حقلا دوستلوك و قَرَه باغ على مسافة قريبة جدًا من منطقة النفط الأذرية - شيراغ - غونشلي الأذربيجانية في بحر قزوين، وعمليًا، فإن البنية التحتية اللازمة جاهزة لنقل النفط والغاز المنتَجين من هذا الحقل إلى باكو.
وتنتج المنطقة المذكورة أكثر من 3 أرباع إجمالي إنتاج النفط في أذربيجان، وتمتد خطوط الأنابيب إلى باكو، ومن هناك إلى ميناء جيهان في تركيا.
تطلعات الطاقة في تركيا
تتطلع تركيا إلى أن تصبح مركزًا لتجارة الطاقة في المنطقة. وأعربت روسيا، بعد فرض العقوبات الأوروبية عليها، عن رغبتها في جعل تركيا مركزًا لعبور الغاز الطبيعي.
وإن تمكّنت تركيا من استيراد الغاز الطبيعي من تركمانستان، يمكنها أن تؤدي دورًا مهمًا في أمن الطاقة.
في المقابل، يجب على أوروبا المشاركة والاستفادة من رسوم نقل الغاز الطبيعي في تركمانستان، إذ تعدّ الصين حاليًا سوق الغاز الطبيعي الرئيسة في تركمانستان.
وتخطط عشق أباد لتصدير الغاز الطبيعي إلى أفغانستان وباكستان والهند، من خلال مشروع خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند (تابي). وقد تسببت مشكلات أمن خطوط الأنابيب والموارد المالية في عدم بناء هذا الخط.
ويجب مراعاة كون تركمانستان لا تستطيع تصدير الغاز عبر خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند وخط أنابيب بحر قزوين في الوقت نفسه.
ويبدو أن المخاطر الجيوسياسية لخطّ أنابيب بحر قزوين أقلّ من مخاطر خط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند.
وإذا تمكنت تركمانستان من تصدير الغاز الطبيعي إلى تركيا وأوروبا عبر خط أنابيب بحر قزوين، ينبغي للمرء أن يشهد التغير الجيوسياسي للطاقة في المنطقة.
بدوره، يقلل تعاون تركمانستان مع الدول والمشروعات الأخرى، مثل خط أنابيب بحر قزوين وخط أنابيب تركمانستان-أفغانستان-باكستان-الهند، من حاجة تركمانستان ورغبتها في تصدير غازها الطبيعي إلى أماكن أخرى عبر إيران، والتي لها آثارها الاقتصادية والسياسية.
وبحسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال رحلته إلى تركمانستان، يبدو أن تركيا عازمة على استيراد الغاز من تركمانستان.
ويجب أن يصبح تصدير الغاز الطبيعي التركمانستاني إلى تركيا أولوية بالنسبة لتركمانستان، إضافة إلى توفير الموارد المالية اللازمة، وحلّ الجوانب المتعلقة بالمخاطر الجيوسياسية.
ومن الطبيعي أن تستمر إيران وروسيا في معارضة تصدير الغاز الطبيعي التركمانستاني إلى تركيا وأوروبا.
ويجب على أوروبا أن تُظهر دعمها السياسي والاقتصادي لبناء خط أنابيب عبر قزوين، وفي حال استيفاء العديد من الشروط الضرورية، يمكن لتركيا استيراد الغاز الطبيعي من تركمانستان على المدى المتوسط.
* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصّة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- تركيا وأذربيجان.. تعاون إستراتيجي للهيمنة على سوق الطاقة في المنطقة
- هل تصبح تركيا مركزًا عالميًا لتجارة الغاز الطبيعي بدعم من روسيا؟ (مقال)
- تركيا تستورد الغاز الطبيعي باهظ الثمن لتأمين المنازل والصناعات (مقال)
اقرأ أيضًا..
- تقنية ترفع إنتاج الهيدروجين الأخضر 14 ضعفًا بتكلفة أقل
- هل أسعار النفط الخام تحت 80 دولارًا تُرضي السعودية ودول أوبك؟ أنس الحجي يجيب
- إنتاج سلطنة عمان من النفط والمكثفات يتجاوز 323 مليون برميل بنهاية أكتوبر