كيف دعّمت أزمة أوكرانيا كفاءة الطاقة عالميًا؟

كانت أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة نقطة تحول للنظر بعين الاعتبار إلى الدور المهم الذي تؤديه كفاءة الطاقة في دعم أمن الإمدادات ودفع العالم نحو الحياد الكربوني.

وتحولت الحكومات والمستهلكون بصورة متزايدة إلى تدابير الكفاءة بصفتها جزءًا من استجاباتهم لاضطرابات إمدادات الوقود وأسعار الطاقة المرتفعة عالميًا، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.

وتوضح وكالة الطاقة الدولية، في تقرير صادر اليوم الجمعة (2 ديسمبر/كانون الأول)، كيف أسهمت تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية في تحقيق تقدم ملحوظ فيما يتعلق بكفاءة الطاقة؟

معدل استخدام الطاقة

تشير البيانات الأولية إلى أن كثافة الطاقة في الاقتصاد العالمي -مقياس رئيس لكفاءة الطافة- شهدت تحسنًا بنسبة 2% تقريبًا في العام الجاري (2022)، مقارنة مع العام الماضي (2021)؛ إذ اتخذت الحكومات سياسات سريعة لإدارة استهلاك الطاقة بصورة أفضل، ومواجهة ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات.

ويمثّل معدل تحسن كفاءة الطاقة في 2022، 4 أمثال ما كان عليه في العامين الماضيين، وضعف معدل السنوات الـ5 الماضية، وفق التقرير الذي تابعت تفاصيله وحدة أبحاث الطاقة.

ويأتي التحسن هذا العام بعد أن أدى وباء كورونا إلى عامين من أسوأ الأعوام على الإطلاق فيما يتعلق بالتقدم العالمي في كفاءة استخدام الطاقة، إذ تباطأ التقدم إلى 0.5% في عامي 2020 و2021.

وحتى قبل الوباء، انخفض معدل تحسُّن كفاءة الطاقة عالميًا من 2% في النصف الأول من العقد الماضي إلى 1.3% في النصف الثاني، وفق وكالة الطاقة الدولية.

فواتير الطاقة

يتسبب ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري في تزايد تكاليف الطاقة للمعيشة -خاصة في المجتمعات الفقيرة- إذ تنفق الأسر في المتوسط 7% من الدخل على الطاقة.

ومن المتوقع أن تُسهم كفاءة الطاقة في تجنّب تكاليف بقيمة 689 مليار دولار لدى أعضاء وكالة الطاقة الدولية الـ31، ما يوازي 15% من إجمالي نفقات الطاقة المقدرة لدى هذه الدول بنحو 4.5 تريليون دولار.

ويأتي ذلك بفضل تعزيز إجراءات كفاءة استخدام الطاقة منذ عام 2000، عبر قطاعات السيارات والمباني والمنشآت الصناعية، ما حقق وفورات في الطاقة تزيد على 1 إكساجول سنويًا لدى الدول الأعضاء في الوكالة الدولية.

ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- كيف تدعم كفاءة الطاقة خفض الطلب على الوقود الأحفوري:

وفضلًا عن ذلك، فإن مزايا كفاءة الطاقة المتعلقة بتقليل الاستهلاك تُسهم في خفض انبعاثات الكربون ومن ثم تفادي أضرار الهواء الملوث وغيرها، على صحة الإنسان، التي قد تتسبب في تكاليف أخرى.

زيادة الاستثمارات العالمية

بفضل أزمة غزو أوكرانيا، التي دفعت صناع القرار إلى تحسين كفاءة استخدام الطاقة، بلغت الاستثمارات العالمية في كفاءة الطاقة -مثل تجديد المباني والنقل العام والبنية التحتية للسيارات الكهربائية- قرابة 560 مليار دولار في عام 2022، بزيادة قدرها 16% عن العام السابق له.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، ارتفاع الاستثمارات العالمية المرتبطة بكفاءة الطاقة في قطاع النقل بنسبة 47%، لتصل إلى 220 مليار دولار، في حين قد يشهد الإنفاق على تحسين الكفاءة في المباني زيادة 2% لأكثر من 240 مليار دولار.

واستحوذت كهربة قطاع النقل على 90 مليار دولار تقريبًا من إجمالي الاستثمارات في هذا القطاع، بزيادة 67% على أساس سنوي، مع توقعات بزيادة مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا إلى 11 مليون وحدة خلال 2022، مقابل مليون وحدة فقط عام 2017.

ويُظهر الرسم البياني التالي مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا بين عامي 2012 و2021، وفق وكالة الطاقة الدولية:

وكانت الاستثمارات العالمية المتعلقة بكفاءة الطاقة قد عاودت الارتفاع بقوة في عام 2021، مدعومة بالحوافز الحكومية في قطاعي المباني والنقل، بعدما انخفضت بنحو 50% خلال عام الوباء (2020).

أمن الطاقة

ترى وكالة الطاقة الدولية أن النشر السريع لإجراءات الكفاءة في الصناعة والمباني يمكن أن يقلل من الحاجة إلى الغاز الروسي في أوروبا، ويعزز أمن الطاقة.

وأجبرت أزمة أوكرانيا الاتحاد الأوروبي على اتخاد المزيد من الإجراءات لتأمين الإمدادات بعيدًا عن الغاز الروسي، وجاءت كفاءة الطاقة ضمن أهم أولوياتها.

ورفع الاتحاد الأوروبي هدفه المتعلق بدور كفاءة الطاقة في خفض الاستهلاك من 9% إلى 13%، ضمن خطة "ريباور إي يو" التي تهدف إلى الابتعاد عن الإمدادات الروسية بنسبة 100% بحلول 203.

وفي هذا الصدد، ضاعف الاتحاد الأوروبي هدف تركيب المضخات الحرارية إلى إجمالي 10 ملايين بين عامي 2023 و2027.

وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن هناك هدفًا لتركيب ما يقرب من 3 ملايين مضخة حرارية في أوروبا وحدها، ارتفاعًا من 1.5 مليون مضخة عام 2019.

نقطة تحول

يجب البناء على ما تحقق في 2022، بعد أزمة غزو أوكرانيا، ليكون نقطة تحول في أن تؤدي كفاءة الطاقة إلى تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول 2050.

ويرصد الإنفوغرافيك الآتي كيف يسهم تحسين كفاءة استخدام الطاقة في تحقيق أهداف الحياد الكربوني:

ورغم ارتفاع معدل كفاءة استخدام الطاقة إلى 2% في العام الجاري، فإن أهداف الحياد الكربوني تتطلب زيادتها إلى 4% بحلول 2030، وفق التقرير، الذي اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.

ويحتاج ذلك إلى تعزيز الاستثمارات، ففي ظل السياسات الحالية، من المتوقع أن يرتفع الاستثمار المرتبط بكفاءة الطاقة بنسبة 50%، ليصل إلى ما يقرب من 840 مليار دولار بين عامي 2026 و2030.

ورغم ذلك، فإن تحقيق الحياد الكربوني يتطلب مضاعفة هذا الرقم تقريبًا في النصف الثاني من العقد الحالي، كما ترى وكالة الطاقة.

وفي النهاية، تؤكد وكالة الطاقة الدولية أن الاستخدام الأكثر كفاءة للطاقة هو الاستجابة الأولى والأفضل للتعامل مع الأزمة الحالية وتعزيز أمن الطاقة ومواجهة تغيّر المناخ.

موضوعات متعلقة..

• وكالة الطاقة الدولية: ارتفاع أسعار الوقود يدعم تسريع وتيرة كفاءة الطاقة
• 3 إجراءات ضرورية لدعم كفاءة الطاقة حول العالم (تقرير)
• وكالة الطاقة الدولية تتوقع مبيعات قياسية للمضخات الحرارية خلال السنوات المقبلة

اقرأ أيضًا..

• استثمارات النفط والغاز في روسيا قد تهبط 15 مليار دولار في 2022
• الاقتصاد الدائري يدعم مكافحة الاحتباس الحراري وتحفيز التنمية المستدامة في أفريقيا (تقرير)