ربط أسعار النفط الخام بالدولار يضغط بقوة على الاقتصادات المتقدمة والناشئة
أمل نبيل
على الرغم من تراجع أسعار الخام الأسود بأكثر من 30% من أعلى مستوى له هذا العام (2022)، تسبّبت أسعاره المقومة بالدولار في عدم تأثّر الكثير من الدول الناشئة والمتقدمة بهذا الانخفاض.
وتزامن التراجع في أسعار خام برنت من نحو 128 دولارًا للبرميل، لأقل من 100 دولار، مع قفزة في سعر الدولار بنحو 15% خلال المدة نفسها.
وتظل أسعار الوقود عاملًا مهمًا في ارتفاع تكلفة المعيشة في معظم أنحاء العالم.
وشهدت قوى الطلب على النفط -مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي- انخفاضًا أقل في أسعار النفط الخام المحلية، من قيمة التراجع في خام برنت، بحسب صحيفة إيكونوميك تايمز الهندية نقلًا عن بلومبرغ (economictimes).
قوة الدولار تقلّص من تراجع أسعار النفط
يُستخدم خام برنت معيارًا -أو مرجعًا- لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، خاصّةً في الأسواق الأوروبية والأفريقية، أو الأسواق التي تقع في حوض المحيط الأطلسي، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصّة الطاقة المتخصصة.
وبالنسبة إلى بعض الأسواق الناشئة مثل سريلانكا، تسبّب ارتفاع أسعار النفط الخام وانخفاض العملة في حدوث انهيار اقتصادي شبه كامل.
وقال محلل السلع في بنك "يو بي إس غروب)، جيوفاني ستانوفو: "تمثّل قوة الدولار رياحًا معاكسة للدول المستهلكة للنفط التي لا ترتبط عملاتها بالعملة الخضراء".
وأضاف: "على مدار الـ12 شهرًا الماضية، ارتفعت أسعار النفط كثيرًا بالعملة المحلية".
لا توجد حلول ميسرة لعلاج هذه المعضلة، إذ يهدد رفع أسعار الفائدة لدعم العملات بتباطؤ الاقتصادات الهشة، في حين تحتاج البلدان النامية إلى مراقبة احتياطيات الدولار".
وتعتمد دول منطقة اليورو بصفة كبيرة على الواردات النفطية، ومع عدم وجود إمدادات خام محلية، تعتمد أكبر 5 اقتصادات في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا، بنسبة 90% على الواردات الأجنبية لتشغيل مصافي التكرير.
ومثّل تسعير النفط بالدولار صداعًا خاصًا لمسؤولي البنك المركزي الأوروبي خلال العام الجاري (2022)، الذي كان بمثابة عام اختبار لاقتصادات القارة.
وتسبّبت تحركات روسيا لخفض شحنات الغاز في الضغط على إمدادات الطاقة في القارة العجوز، ما دفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية بلغت 9.9% في سبتمبر/أيلول (2022).
وكانت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد على موسكو في تزويدها بنحو 40% من احتياجاتها من الطاقة قبل اندلاع شرارة الحرب على أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الجاري (2022).
معاناة الدول الآسيوية
تعاني الدول الآسيوية -أيضًا- الآثار السلبية لتسعير النفط بالدولار، خلال شهر أغسطس/آب (2022)، ارتفعت قيمة واردات الصين من النفط بنسبة 50% عن العام السابق، على الرغم من انخفاض الكميات الإجمالية، جرّاء القيود التي فرضتها الدولة للحد من انتشار فيروس كوفيد-19.
واشتكى محافظ بنك كوريا ري تشانغ يونغ، الشهر الماضي، من أن ضعف عملة بلاده يقوّض فوائد انخفاض أسعار النفط الخام.
وسعت كل من كوريا واليابان في بعض الأحيان إلى حماية المستهلكين من آلام ارتفاع أسعار الوقود من خلال تقديم حزم الدعم، وتحميل الحكومة جزءًا من هذا العبء.
ودفعت ضغوط قوة الدولار، الهند إلى التواصل مع شركاء تجاريين من بينهم المملكة العربية السعودية وروسيا والإمارات العربية المتحدة، للتعامل في الصفقات بالعملات بالمحلية.
وانخفضت الروبية الهندية بنحو 11% أمام الدولار الأميركي خلال العام الجاري (2022).
وكانت الإمارات العربية المتحدة ثالث أكبر شريك تجاري للهند خلال الأشهر الـ5 الأولى من السنة المالية الحالية، بحجم تبادل تجاري يصل إلى 3.6 مليار دولار، في حين جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة بنحو 2.3 مليار دولار.
وقالت محللة العملات في ستاندرد تشارترد، ديفيا ديفيش: "إذا استمرت أسعار النفط الخام عند المستويات الحالية أو ارتفعت أكثر، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة العجز التجاري في الهند، والمزيد من خفض العملة".
وتلبي الهند نحو 83% من طلبها على النفط من خلال الواردات، وفق معلومات رصدتها منصّة الطاقة المتخصصة.
تضرُّر الاقتصادات الناشئة
تُعَد الاقتصادات الناشئة الأكثر تضررًا من تسعير النفط بالدولار، فعندما يُسعّر خام برنت بعملة غانا الرسمية (السيدي الغاني)، فإنه يسجل مستويات قياسية أعلى من أسعار تداوله في مارس/آذار الماضي (2022).
وتسبّبت الحرب الروسية على أوكرانيا في ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية قاربت 140 دولارًا للبرميل خلال مارس/آذار الماضي، قبل أن تتراجع إلى أقل من 95 دولارًا في الوقت الحالي، مع خفص الإنتاج من قبل منظمة (أوبك+).
وكان تحالف أوبك+ قد أعلن -خلال اجتماعه الأخير في 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري (2022)- اتفاقه على خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، بداية من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وحتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2023.
ويؤدي ارتفاع أسعار الوقود والنقص في العملات الأجنبية إلى مزيج سام بالنسبة إلى البعض.
وأغلقت سريلانكا -مؤخرًا- مصفاة النفط الوحيدة لديها، لأنها لا تستطيع دفع ثمن النفط الخام، وتكافح الدولة التي أفلست خلال الصيف من أجل تمويل واردات الغذاء والوقود.
وقالت كبير اقتصادي السلع الأساسية في كابيتال إيكونوميكس، كارولين باين: "إنه في حين أن البلدان المتقدمة لديها مجال أكبر لاستيعاب تحولات العملات، هناك بالتأكيد أسواق ناشئة ستشهد مشكلات في ميزان المدفوعات نتيجة لارتفاع أسعار النفط".
موضوعات متعلقة..
- مقال - مستقبل تسعير النفط الخليجي.. الدولار أم البيتكوين؟
- كيف دعّمت سياسة بايدن أسعار النفط أكثر من قرارات أوبك+؟ (تقرير)
- تقرير جديد يرصد توقعات أسعار النفط في 2023
اقرأ أيضًا..
- بهدف مكافحة تغير المناخ.. مصر وإيطاليا تبحثان برنامج مبادلة الديون
- أول محطة رياح بحرية عائمة في العالم تنفذها اليابان
- محور الهيدروجين الأخضر.. ميناء ضخم يضع بلجيكا في صدارة الدول الأوروبية