يتجاهل مصرف الاستثمار الأوروبي الضغوط المتزايدة لتمويل مشروعات الغاز في أفريقيا وغيرها من الدول النامية، لتلبية طموحات القارة السمراء في استغلال مكامن الغاز البكر لديها، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
وعلى الرغم من أن إمدادات الغاز في أفريقيا قد تكون طوق النجاة للقارة الأوروبية في مواجهة أزمة الطاقة التي تعصف بها جرّاء نقص الإمدادات الروسية، فإن مصرف الاستثمار الأوروبي ما زال متمسكًا بموقفه الرافض لتمويل مشروعات الغاز، وفقًا لتصريحات رئيس المصرف التي اطّلعت عليها منصّة الطاقة المتخصصة.
تمويل مشروعات الغاز في أفريقيا
تعهَّد ذراع الإقراض في الاتحاد الأوروبي، وأكبر مصرف متعدد الأطراف من حيث الأصول، في عام 2019، بالتخلص التدريجي من إقراض جميع مشروعات الوقود الأحفوري، بما في ذلك محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز، بحلول نهاية عام 2021.
وقال رئيس مصرف الاستثمار الأوروبي فيرنر هوير: "بدلًا من دعم فكرة الغاز بصفته وقودًا انتقاليًا مزعومًا عن الفحم، وهو الموقف الذي تتبنّاه معظم الدول الأفريقية، ينبغي على البنك أن يأخذ تحول الطاقة على محمل الجد، ويدعم مصادر الطاقة المتجددة".
وكان هوير قد صرّح في أثناء عرض نتائج أعمال البنك خلال العام الماضي (2021)، بأن "عصر الغاز قد انتهى".
ومن المحتمل أن يؤدي موقف مصرف الاستثمار الأوروبي الحاسم المناهض للغاز إلى تأجيج التوترات مع الدول الأفريقية حول ما يشكّل انتقالًا "عادلًا" للطاقة.
وبينما يطالب نشطاء المناخ بضرورة توقّف الاستثمارات في صناعة الوقود الأحفوري، ترى القارة السمراء أن مشروعات الغاز وسيلتها الأساسية في المرحلة الانتقالية لتحوّل الطاقة.
وقال وزير المؤسسات العامة في جنوب أفريقيا برافين غوردهان، إن النقاب قد انكشف عن موقف أوروبا المنافق، بعد تدافعها على موارد الطاقة، في أعقاب قطع روسيا إمدادات الغاز عن القارة.
وأعلنت موسكو، مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري (2022)، وقف إمدادات الغاز عبر خط أنابيب (نورد ستريم 1)، الذي يستحوذ على أكثر من ثلث صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، إلى أجل غير مسمى.
الغاز والطاقة النووية
تواجه أوروبا -التي اتخذت موقفًا حاسمًا من الانبعاثات الكربونية- في الوقت الحالي مأزقًا أجبرها على استمرار تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، واستيراد الفحم من الخارج.
وتساءل وزير المؤسسات العامة في جنوب أفريقيا برافين غورهان: "كيف يوفّق مصرف الاستثمار الأوروبي بين وجهات نظره وما تفعله الحكومات الأوروبية؟".
في 6 يوليو/تموز (2022)، وافق المشّرعون الأوروبيون على قانون يحدد كلًا من الغاز و الطاقة النووية مصادر طاقة مستدامة، وهو التصنيف الذي يلاقي اعتراضات بيئية حادة، فضلًا عن مواجهة تهديدات الإجراءات القانونية من عدّة دول، تقودها النمسا.
بالنسبة للغاز الطبيعي، حدّد تصنيف الاتحاد الأوروبي منح تصريح البناء لأيّ محطة كهرباء تعمل بالغاز حتى نهاية 2030، موضحًا أن المشروعات يجب أن تستبدل محطات تعمل بالوقود الأحفوري الصلب أو السائل، دون تجاوز السعة الموجودة مسبقًا بأكثر من 15%.
ويفرض تصنيف الاتحاد الأوروبي حدًا لانبعاثات محطات الغاز يبلغ 270 غرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون كل كيلوواط/ساعة، بالإضافة إلى حدّ للانبعاثات بعد عام 2030 قدرها 100 غرام لكل كيلوواط/ساعة.
وقال رئيس مصرف الاستثمار الأوروبي فيرنر هوير، إن مشروعات الهيدروجين الأزرق التي تستخدم الكهرباء المولَّدة من الغاز لإنتاج الهيدروجين، وتقترن بتقنية التقاط الكربون لاحتجاز الانبعاثات، بحاجة إلى التدقيق.
وأضاف، في حين إن بعض المشروعات قد تكون جزءًا من "جهد انتقالي موثوق به"، قد يكون بعضها الآخر وسيلة لإطالة أمد استخدام الوقود الأحفوري.
واتهم هوير بعض الدول "بالاختباء وراء حُجة الحرب في أوكرانيا"، لأنهم لا يريدون بجدّية الدخول في تحول الطاقة والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة -حسب قوله-.
وأعرب رئيس مصرف الاستثمار الأوروبي عن خيبة أمله لرؤية قلة قليلة من الممثلين الأوروبيين يحضرون قمة القادة الأفارقة في روتردام خلال شهر سبتمبر/أيلول الجاري، لمناقشة التكيف مع تغير المناخ.
الانبعاثات الكربونية في أفريقيا
قال رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي الذي حضر القمة: "أشعر بالأسف لغياب قادة الدول الصناعية والقطاع الخاص الذين هم -كما نعلم- أكبر مصدر للتلوث".
وتعَدّ دول أفريقيا -البالغ عددها 54 دولة-، مسؤولة عن نحو 2 إلى 3% فقط من انبعاثات الكربون الناجمة عن قطاعي الطاقة والصناعة، لكنها من بين أكثر البلدان تضررًا من تغير المناخ.
وبلغ نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أفريقيا 0.76 طنًا متريًا في عام 2018، مقارنة بـ15.52 طنًا في الولايات المتحدة، و17 طنًا في أستراليا.
جاءت تصريحات رئيس مصرف الاستثمار الأوروبي في الوقت الذي اجتمع فيه زعماء العالم في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل أسابيع من انعقاد قمة المناخ "كوب 27" في نوفمبر/تشرين الثاني في مصر.
ومن المتوقع أن يضغط قادة الدول النامية على الدول الغنية في كلا الاجتماعين؛ للحصول على مساعدات مالية لتمويل مشروعات الطاقة في أفريقيا.
وفشلت الدول الغنية في الوفاء بوعدها الذي قطعته عام 2020، بتمويل العمل المناخي في الدول النامية بقيمة 100 مليار دولار سنويًا، على الرغم من أن هذا التمويل يمثّل 3% من حجم التمويل المطلوب للعمل المناخي.
وتقف عقبة التمويل في طريق تنمية مشروعات الغاز بأفريقيا، وتحرم القارة السمراء من فرصة تنمية اقتصادها وتحسين مستويات المعيشة لمواطنيها.
وبلغت قيمة الإنفاق على مشروعات الغاز في أفريقيا نحو 400 مليار دولار، أي نحو 15% من إجمالي الناتج المحلي للقارة السمراء في عام (2021).
وتتوقع شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، في تقرير حديث، أن يبلغ إنتاج الغاز في أفريقيا ذروته عند 470 مليار متر مكعب بحلول أواخر عام 2030.
موضوعات متعلقة..
- النفط والغاز في أفريقيا.. بين أمل زيادة الاستثمارات و"كابوس" إزالة الكربون (تقرير)
- قطاع النفط والغاز في أفريقيا يشهد انتعاشة بصفقات الاندماج والاستحواذ (تقرير)
- حرب أوكرانيا توجه أنظار أوروبا إلى النفط والغاز في أفريقيا (تحليل)
اقرأ أيضًا..
- من هو وائل صوان؟.. أول عربي يرأس شركة نفط غربية عملاقة
- أكبر حقول النفط العربية.. السعودية والكويت والجزائر بين الأبرز (تقرير)
- النفط الكندي يجذب مصافي التكرير الأميركية.. وتوقعات بارتفاع أسعاره