تناقض سياسات الطاقة في الغرب وراء الأزمة الاقتصادية (مقال)
مايكل شلنبرغر*– ترجمة نوار صبح
- كاليفورنيا تحظر بيع السيارات والشاحنات التي تعمل بالبنزين في الولاية بحلول عام 2035
- لا يوجد اتجاه متزايد بوتيرة أو حجم موجات الحرّ في الولايات المتحدة
- أوروبا لا تستطيع استبدال الغاز الطبيعي الذي تخسره من روسيا بشكل كامل
- نقص الغاز الطبيعي يجبر الدول على حرق المزيد من الفحم وزيادة التلوث
هل يكرِّس القائلون، إن الحضارة الغربية غير مستدامة، مقولتهم من قبيل المصادفة، في ظل سياسات الطاقة المتناقضة التي يروّج لها بعضهم، والتي تهدد بكوارث اجتماعية واقتصادية في الدول الفقيرة والغنية على حدّ سواء؟
يرى أعضاء الحركة الإصلاحية التقدمية أن تقييد إنتاج الطاقة الأحفورية يُعدّ دفاعًا عن الحضارة ضد تغير المناخ، الذي يقولون، إنه يتسبب في موجات الحر والجفاف والفيضانات.
وقد رفض الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو توسعة إنتاج الغاز الطبيعي بشكل كبير لمساعدة الحلفاء المتعطشين للطاقة في أوروبا، ورفضت المفوضية الأوروبية خطة لمساعدة الدول الفقيرة على بناء مصانع الأسمدة للتغلب على نقص الغذاء.
وقررت ولاية كاليفورنيا الأميركية، منذ أسبوعين، حظر بيع السيارات والشاحنات التي تعمل بالبنزين في الولاية بحلول عام 2035.
تقويض الحضارة
تخاطر جميع سياسات الطاقة بتقويض الحضارة أكثر بكثير من مخاطر تغير المناخ، إذ توقَّف مصنّعو الصلب والزجاج والأسمدة الأوروبيون عن الإنتاج؛ بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الناتج عن النقص.
بدوره، يدفع نقص الغذاء والطاقة الدول الغنية والفقيرة معًا إلى حافة نوع الاضطرابات الاجتماعية التي أسقطت حكومة سريلانكا في يوليو/تموز.
بعد أيام فقط من حظر ولاية كاليفورنيا للسيارات التي تعمل بالبنزين، حثّ مشغّل الشبكة الكهربائية في الولاية السكان على عدم شحن سياراتهم الكهربائية؛ بسبب ارتفاع مخاطر انقطاع التيار الكهربائي.
تغير المناخ
على الرغم من أن تغير المناخ يُعدّ أمرًا واقعيًا، ويجب الحدّ منه قدر الإمكان، فإنه لا يوجد اتجاه متزايد في وتيرة أو حجم موجات الحرّ في الولايات المتحدة، وانخفضت الفيضانات في باكستان من عام 1981 إلى عام 2016، ولم تتزايد شدة أو وتيرة حالات الجفاف في أوروبا.
في المقابل، تثير الرسوم البيانية للارتفاع القياسي في أسعار الأسمدة والكهرباء مخاوف كبيرة بسبب القيود التي تفرضها روسيا، ووقف تدفّق الغاز الطبيعي إلى أوروبا الآن.
ولا أرى أن جميع الأخبار سيئة، فقد نجحت الدول الأوروبية في تخزين كمية كبيرة من الغاز الطبيعي، ويجب عليها توفير دفء لمعظم مواطنيها خلال فصل الشتاء.
وقد صوَّت المجلس التشريعي لولاية كاليفورنيا، الأسبوع الماضي، لإبقاء آخر محطة للطاقة النووية فيها، ديابلو كانيون، قيد التشغيل، بعد محاولته إغلاقها سابقًا.
أزمة الغاز في أوروبا
من ناحيتها، لا تستطيع أوروبا استبدال الغاز الطبيعي الذي تخسره من روسيا بشكل كامل، ولا تزال الدول تفشل في إنتاج ما يكفي من الأسمدة لتجنّب مئات الملايين من الوفيات الإضافية المرتبطة بالجوع.
وتنتج ولاية كاليفورنيا القليل جدًا من الكهرباء الموثوقة لشحن أقلّ من 2% من سياراتها الكهربائية اليوم، وليس لديها خطة لتوسعة الكهرباء الموثوقة بشكل كبير لشحن أسطول كهربائي بالكامل بنسبة 100% في المستقبل.
الأسوأ من ذلك، أن السياسيين والنشطاء والصحفيين في الغرب يكررون السياسات الفاشلة نفسها، على الرغم من أنهم يقوّضون أهدافهم المعلنة.
شجبت الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ، الشهر الماضي، الطاقة النووية، رغم أن إغلاق المحطات النووية في موطنها السويد أدى إلى حرق النفط من أجل توليد الكهرباء.
وخرجت منظمة السلام الأخضر الألمانية، الأسبوع الماضي، لدعم حرق المزيد من الفحم، بدلًا من إبقاء محطات الطاقة النووية في البلاد رهن الخدمة، ولا تزال ألمانيا وبلجيكا عازمتَين على إغلاق محطاتهما النووية.
وعلى الرغم من أن ولاية كاليفورنيا اتخذت خطوة جيدة إلى الأمام في إبقاء محطة ديابلو كانيون قيد التشغيل، فإنها لم تفعل ذلك إلّا بعد 3 سنوات، على التوالي، من انقطاع التيار الكهربائي ومستويات قياسية عالية من استهلاك الكهرباء.
ولم يواجه المشرّعون حتى الآن حقيقة أن الولاية ستحتاج إلى ما يعادل 10 محطات نووية كاملة الحجم، بحجم ديابلو كانيون، إذا أرادت توفير الكهرباء لـ 30 مليون سيارة وشاحنة.
لماذا يقوض المتحضرون الحضارة؟
لماذا يعتقد الناس أن الأمور تزداد سوءًا، بينما تتجه الاتجاهات البيئية إلى التحسن؟ يكمن السبب الرئيس وراء اتّباع صانعي السياسات لسياسات مؤيدة للندرة هو أنهم، إلى جانب معظم الجمهور، يعتقدون أن أوضاع البيئة تزداد سوءًا، ولا تشهد تحسنًا.
فقد ارتفعت نسبة الأميركيين الذين يقولون، إن حالة البيئة حسنة أو سيئة من 49% إلى 61% بين عامي 2015 و 2022، إذ تعزز الأفلام والبرامج التلفازية هذا التصور.
في الفيلم الجديد "جرائم المستقبل" للمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ، أصبحت النفايات الصناعية، مثل المواد البلاستيكية الدقيقة، منتشرة، لدرجة أن أجسام الناس تبدأ في التطور حتى يتمكنوا من أكلها.
على الرغم من ذلك فإن جميع الاتجاهات البيئية الرئيسة تقريبًا آخذة في التحسن، إذ انخفضت ملوثات الرصاص وثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروز بنسبة 99% و 91% و 61% بين عامي 1980 و 2018، وفقًا لوكالة حماية البيئة الأميركية.
ويرجع السبب في أن انبعاثات الكربون آخذة في الارتفاع مرة أخرى إلى نقص الغاز الطبيعي، الذي يُجبر الدول على حرق المزيد من الفحم، وهو ما يمثّل مضاعفة التلوث.
وكانت انبعاثات الكربون على مستوى العالم ثابتة خلال العقد الماضي، وانخفضت بنسبة 22% في الولايات المتحدة بين عامي 2005 و 2020.
ويوجد القليل من الأدلة على أن المواد البلاستيكية الدقيقة تضرّ بصحة الإنسان، وهو أمر اعترف به المخرج السينمائي كروننبرغ نفسه.
فلماذا يعتقد الناس أن الأمور تزداد سوءًا؟
* مايكل شلنبرغر - كاتب صحفي ومؤلف أميركي مهتم بقضايا البيئة وتغير المناخ.
ملحوظة: نُشر هذا المقال لأول مرة في المدونة الشخصية للكاتب، وأعادت "الطاقة" نشره بالاتفاق معه.
اقرأ أيضًا..
- وزيرة الطاقة ليلى بنعلي: المغرب يتفاوض على صفقة غاز مسال تغطي 10 سنوات (حوار - فيديو)
- بالأرقام والخرائط.. خطوط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا بعد إغلاق نورد ستريم 1 (تقرير)
- أنظار أوروبا تتجه إلى الغاز النرويجي.. هل ينقذ القارة في الشتاء؟