سوق الغاز في باكستان تستقطب روسيا وإيران.. مَن سيفوز؟ (تقرير)
وسط أزمة طاقة متفاقمة
دينا قدري
تشهد سوق الغاز في باكستان تنافسًا روسيًا إيرانيًا لتلبية احتياجات البلاد، في ظل أزمة الطاقة التي تفاقمت بسبب الفيضانات الأخيرة التي ألحقت الضرر بمحطات الكهرباء، فضلًا عن نقص إمدادات الغاز المسال.
إذ صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن بلاده يمكنها تأمين إمدادات الغاز إلى باكستان عبر خطوط الأنابيب، مشيرًا إلى أن جزءًا من البنية التحتية موجود، إلا أن هناك مشكلة تتعلق بالاستقرار في أفغانستان، وفق ما نقلته وكالة "تاس".
جاء ذلك خلال لقاء بوتين مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، يوم الخميس (15 سبتمبر/أيلول)، على هامش قمة دول منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند بأوزبكستان.
صادرات الغاز الروسي "ممكنة"
أوضح بوتين أن "المسألة تتعلق بإمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا إلى باكستان، وهو أمر ممكن أيضًا، ما يعني أن جزءًا من البنية التحتية قد أُنشئ، أي روسيا وقازاخستان وأوزبكستان.. علينا حل القضية الأفغانية"، بحسب التصريحات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وأضاف: "بالطبع، هناك مشكلات مرتبطة بالاستقرار السياسي، ولكن مع الأخذ في الحسبان علاقاتنا الطيبة مع الشعب الأفغاني، آمل أن تُحل هذه المشكلة أيضًا، أعني تأثير باكستان في الوضع بالبلاد".
كما أوضح الرئيس الروسي أن موسكو وإسلام آباد لديهما مشروعات أخرى مثيرة للاهتمام وطموحة للغاية، لا سيما في قطاع الطاقة، مشيرًا إلى مشروع باكستان ستريم الذي يقترح إنشاء بنية تحتية لإمدادات الغاز المسال.
من جانبه، جدّد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف التزام باكستان بالعمل عن كثب مع روسيا لتوسيع التعاون وتقويته بين البلدين في جميع المجالات ذات المنفعة المتبادلة، بما في ذلك الأمن الغذائي والتجارة والاستثمار والطاقة والدفاع والأمن، بحسب بيان صادر عن مكتب شريف.
مشروع خط أنابيب الغاز في باكستان
كان من المقرر بناء مشروع باكستان ستريم للغاز، المعروف أيضًا باسم خط أنابيب الغاز "شمال-جنوب"، بالتعاون مع الشركات الروسية، في إطار دعم سوق الغاز في باكستان.
واتفق البلدان في عام 2015 على بناء خط أنابيب بطول 1100 كيلومتر (683 ميلًا) لتوصيل الغاز المسال المستورد من كراتشي على ساحل بحر العرب، إلى محطات الكهرباء في مقاطعة البنجاب الشمالية الشرقية.
وتبلغ السعة السنوية المصممة لخط الأنابيب 12.4 مليار متر مكعب، مع إمكان زيادتها إلى 16 مليار متر مكعب، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.
المشروع -الذي كان من المقرر إطلاقه في عام 2020- تأجّل بعد أن اضطرت روسيا إلى استبدال المشارك الرئيس، الذي تضرر من العقوبات الغربية.
ويوضح الرسم البياني الآتي -الذي أعدته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات روسيا من الغاز الطبيعي:
إيران تدعم إمدادات الغاز في باكستان
من جانبه، عرض السفير الإيراني لدى باكستان محمد علي حسيني، يوم الثلاثاء، دعم حكومته لاستكمال مشروع خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان.
وقال -في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس أوف باكستان- إنه لا توجد عقوبات على تصدير الغاز من إيران، وإن باكستان يُمكن أن تستفيد منه بالكامل لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
وأوضح أن اللجنة الفنية تبحث مشروع خط أنابيب الغاز في باكستان، مضيفًا أن استكماله سيفتح أيضًا آفاقًا جديدة للتعاون المتبادل بين البلدين.
كما صرّح حسيني بأن إيران كانت تصدر 100 ميغاواط من الكهرباء إلى باكستان، لتلبية احتياجات المناطق المجاورة لها، وستزداد في المستقبل، بحسب ما نقلته صحيفة "ديلي تايمز" (Daily Times).
وقال إن العمل جارِ -أيضًا- في مشروع آخر لتوفير الكهرباء لباكستان؛ وقد اتخذ كلا البلدين خطوات أولية في هذا الصدد.
وشدد على أن الممرات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب لن تربط باكستان بإيران فحسب، وإنما ستساعد أيضًا على التكامل التجاري والاقتصادي السابق مع آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط وروسيا.
أزمة نقص الكهرباء في باكستان
في هذه الأثناء، تسبّبت الفيضانات الشديدة في باكستان -الناجمة عن الرياح الموسمية القياسية وذوبان الأنهار الجليدية في الشمال الجبلي- في تفاقم نقص الكهرباء، في وقت تعاني فيه البلاد أزمة طاقة حادة وإمدادات محدودة من الغاز المسال.
وقد صرّح المسؤول المحلي سيد مرتضى علي شاه بأنه جرى إنقاذ محطة "دادو" في إقليم السند، التي تزوّد نحو 6 مقاطعات إقليمية بالكهرباء؛ مضيفًا أنها الآن "خارج الخطر"، إذ بدأت مستويات المياه في الانحسار.
وقال شاه إن خيربور -وهي منطقة تقع بين وسط وشمال السند- غُمرت بالمياه وتأثرت محطة الكهرباء هناك أيضًا، ما أجبر المواطنين على الهجرة إلى مناطق أخرى، بحسب ما نقلته منصة "إس آند بي غلوبال" (S&P Global).
من جانبه، قال مسؤول في شركة سوي ساوثرن غاز -التي تدير خطوط أنابيب الغاز في الإقليم- إن عددًا قليلًا من خطوط أنابيب الغاز، خاصةً في بلوشستان، جُرفت بسبب التدفقات الهائلة للمياه.
وأشار إلى أن أعمال إصلاح خطي أنابيب رئيسين للغاز قد اكتملت مؤخرًا بعد تأخيرات أولية بسبب الفيضانات.
وذكر مسؤول في حكومة بلوشستان أن هناك انقطاعًا تامًا في التيار الكهربائي في عاصمة الإقليم كويتا خلال الأيام القليلة الماضية، في حين يواجه المستهلكون انقطاعًا يستمر حتى 16 ساعة في مدن أخرى.
واردات الغاز المسال في باكستان
في سياقٍ متصل، سجلت باكستان عجزًا قياسيًا في الميزانية الفيدرالية بلغ نحو 5.5 تريليون روبية باكستانية (23.5 مليار دولار) في السنة المالية 2021-2022 المنتهية في 30 يونيو/حزيران، مع فواتير الاستيراد المرتفعة، وانخفاض قيمة العملة، والتقلبات الأخيرة المتعلقة بالطقس التي أجبرتها على اللجوء إلى التدابير التقشفية.
وقال رئيس الأبحاث في شركة شيرمان للأوراق المالية فرحان محمود: "نعتقد أن الحكومة ستواصل تقنين الكهرباء حتى يجري تجنّب الطاقة المكلفة في النظام".
فقد ارتفعت تكاليف استيراد الطاقة في باكستان بصورة كبيرة، بسبب ارتفاع أسعار السلع العالمية.
وأظهرت بيانات من مكتب الإحصاءات الباكستاني أنه في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو/حزيران، قفزت فاتورة استيراد الغاز المسال في البلاد بنسبة 91% على أساس سنوي، إلى 4.989 مليار دولار.
كما ارتفعت قيمة واردات الغاز المسال بنسبة 73% على أساس شهري، إلى 399 مليون دولار.
نقص شحنات الغاز في باكستان
ترغب باكستان في تأمين إمدادات إضافية من الغاز المسال، لكن ارتفاع الأسعار لا يزال يمثّل عقبة رئيسة، بحسب مسؤول في الصناعة، ما أدى بدوره إلى تفاقم نقص شحنات الغاز في باكستان.
ونظرًا إلى ظروف السوق الصعبة الحالية، لم تنجح باكستان في شراء شحنات الغاز المسال الفورية، إذ أخفقت الدولة مؤخرًا في تلقي أي عطاءات من الموردين لمناقصة تسعى للحصول على 10 شحنات فورية من الغاز المسال للتسليم من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول، حسبما أفادت "إس آند بي غلوبال" في يوليو/تموز.
لدى شركة باكستان للغاز المسال (بي إل إل) مناقصة شراء تسعى حاليًا للحصول على 72 شحنة من الغاز المسال على مدى 6 سنوات، لتسليم شحنة واحدة شهريًا، بدءًا من يناير/كانون الثاني 2023.
وكان تاريخ إغلاق المناقصة في الأصل 14 سبتمبر/أيلول، ولكن أُجّل إلى 3 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال كبير المحللين في إس آند بي غلوبال، أندريه لامبين: "في أواخر يونيو/حزيران، قالت الحكومة الباكستانية إنها ستتحول من بعض الغاز المسال إلى أنواع الوقود البديلة، ونعتقد أن هذا سيستمر في المضي قدمًا".
اقرأ أيضًا..
- 3 مؤسسات تطرح توقعاتها لملامح الطلب على النفط والمعروض في 2023 (تقرير)
- دراسة: موريتانيا يمكنها إنتاج بعض أرخص أنواع الهيدروجين الأخضر في العالم
- الطاقة الشمسية توفر على أوروبا واردات غاز بـ29 مليار دولار في صيف 2022
- هل ما زال شحن السيارات الكهربائية أرخص رغم أزمة الطاقة؟.. تقرير يجيب