مع تحوّل كابوس الطاقة في أوروبا إلى حقيقة واقعة، أدركت القارة العجوز أن الولايات المتحدة لا تستطيع فعل الكثير لإنقاذها من كارثة وشيكة؛ حيث تسبّبت سياسات بايدن المعيبة في خلق الكثير من الفوضى في أميركا، وأصبحت البلاد في خضم أزمة نفط وغاز كبيرة.
وتسبّبت سياسات إدارة بايدن المناهضة للحفر وخطوط الأنابيب في ارتفاع أسعار الطاقة بصورة كبيرة، والتي زادت حدتها مع اندلاع شرارة الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الجاري (2022).
وتأمل أوروبا في أن تجد بدائل لمصادر الطاقة الروسية في أحضان أفريقيا، في الوقت الذي تسعى فيه موسكو لإيجاد منافذ جديدة لإنتاجها من الوقود بين أروقة الدول الأفريقية، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
موارد الطاقة الأفريقية
في الآونة الأخيرة، زار رئيس الوزراء البرتغالي، أنطونيو كوستا، موزمبيق، بأجندة خفية تتضمن طلب المساعدة من مستعمرتها السابقة لإنقاذ نفسها من أزمة الغاز التي تضرب جميع أنحاء القارة الأوروبية، بحسب موقع تي إف آي غلوبال.
وتسبّب قرار إغلاق خط أنابيب نورد ستريم 1 -الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا- لأجل غير مسمى، في إثارة مخاوف كبيرة بشأن قدرة القارة العجوز على تعزيز مخزوناتها قبل الشتاء.
وخلال شهر أبريل/نيسان من العام الجاري (2022)، وقّعت الحكومة الإيطالية اتفاقية شراكة لاستيراد الغاز الطبيعي من أنغولا، التي تعد -أيضًا- لاعبًا رئيسًا في مجال الطاقة.
دول وسط أفريقيا بما في ذلك غينيا الاستوائية والكاميرون والغابون وتشاد وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو كلها إما منتجة للخام وإما لديها احتياطيات ضخمة غير مستغلة من النفط والغاز، لكنها تعتمد على واردات المنتجات المكررة في ظل انخفاض أو انعدام طاقة التكرير لديها.
وتعاني هذه الدول نقصًا حادًا في موارد الوقود والطاقة؛ زادت حدته جرّاء الأزمة الأوكرانية.
وفي محاولة لتأكيد هويتها والسير على طريق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، وقّعت دول وسط أفريقيا صفقة لإنشاء شبكة خطوط أنابيب النفط والغاز الإقليمية لتعزيز إمدادات الطاقة وتقليل الاعتماد على واردات المنتجات النفطية المكررة من الغرب.
مشروع ضخم للقضاء على فقر الطاقة
يهدف المشروع إلى بناء 3 خطوط أنابيب نفط وغاز بطول 6 آلاف و500 كيلومتر تقريبًا ومستودعات تخزين ومحطات غاز طبيعي مسال و3 مصافٍ على الأقل، ومحطات كهرباء تعمل بالغاز لربط 11 دولة بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع في تعزيز إمدادات الطاقة في القارة السمراء وفتح صفحة جديدة في محاولة أفريقيا للنهوض الاقتصادي؛ حيث يمنح دول القارة الحق في أن يكون لها رأي في استخدام مواردها الخاصة، التي نُهِبَت من الغرب على مدار عقود طويلة.
وقال وزير المناجم والمحروقات في غينيا الاستوائية -العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)- غابرييل مباغا أوبيانغ ليما، إن هذا المشروع مهم لمعالجة فقر الطاقة في المنطقة.
وأضاف الوزير أن المشروع مستوحى من خط أنابيب الغاز في غرب أفريقيا الذي يربط نيجيريا وبنين وتوغو وغانا، والنموذج الأوروبي حيث تعمل روتردام باعتبارها مركزًا للتكرير والتوزيع للعديد من البلدان، بحسب رويترز.
وأكد أن شبكة خطوط الأنابيب ستساعد في التخلص من الشاحنات التي تجوب دول القارة الأفريقية وتعزز سوق النفط والغاز الإقليمية.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الدول الأفريقية، مثل نيجيريا وموزمبيق والجزائر وأنغولا، احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي.
وتبلغ احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في إفريقيا 625 تريليون قدم مكعبة؛ موزمبيق على سبيل المثال، لديها ثالث أكبر احتياطيات غاز مؤكدة في أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر.
ويعتقد أن هذا المشروع سيؤدي إلى خلق فرص عمل كثيرة؛ ما يقلل من مخاطر الاضطرابات المدنية في المستقبل وعمليات تهريب النفط الخام عبر الحدود، الذي يؤثر بالفعل في بلدان غرب أفريقيا.
وقال الأمين العام لمنظمة منتجي النفط الأفارقة، عمر إبراهيم: "إن المشروع يعد أحد أكثر مشروعات البنية التحتية للطاقة طموحًا، وقد يسهم في إحداث تغيير جذري في اقتصادات الدول المشاركة".
ويسهم استكمال مشروعات البنية التحتية الجديدة في أفريقيا، في نقل الطاقة من مناطق الوفرة إلى مناطق الاحتياج في وسط أفريقيا.
وستكون هذه المشروعات حلًا حاسمًا لإنهاء فقر الطاقة في أفريقيا بحلول عام 2030؛ ولن تسهم فقط في خلق فرص عمل ونمو اجتماعي واقتصادي أوسع، بل ستؤدي -أيضًا- إلى تحسين أمن الطاقة في المنطقة.
نفوذ روسيا المتزايد في أفريقيا
على الجانب الآخر، تعمل روسيا في أعقاب الحرب على أوكرانيا، في توسيع نفوذها في أفريقيا بشكل مطرد.
وفي الآونة الأخيرة، أجرى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رحلة رفيعة المستوى إلى العديد من الدول الأفريقية، كانت هذه الرحلة مهمة لمواقف موسكو الجيوإستراتيجية.
ومن المقرر أن تستضيف إثيوبيا قمة روسية أفريقية العام المقبل (2023)، ستعزّز هذه القمة من حقيقة أن الغرب فشل ذريعًا في عزل روسيا جرّاء حربها مع أوكرانيا.
وتنبع أهمية هذه القمة من سعي روسيا إلى إيجاد أسواق جديدة لشراء مواردها من الطاقة هربًا من العقوبات الأوروبية.
وتتعرّض موسكو لسلسلة من العقوبات الأوروبية والأميركية، منذ هجومها على كييف في فبراير/شباط الماضي، بهدف تضييق الخناق عليها لإنهاء العمليات العسكرية في أوكرانيا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من بين 35 دولة امتنعت عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس/آذار (2022)، كانت 17 دولة أفريقية.
ومع الوجود الروسي في أفريقيا، سيكون من السذاجة أن تتخيل أوروبا أنها ستكون في وضع يمكّنها من إملاء شروطها على أفريقيا، حيث تبحث عن مصادر بديلة للطاقة؛ بينما تأمل القارة السمراء في القضاء على فقر الطاقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
موضوعات متعلقة..
- تراجع الطلب على النفط الخام في غرب أفريقيا
- وزراء: خفض استثمارات الوقود الأحفوري في أفريقيا يهدد التنمية
- أكبر شركة لصناعة الأغذية في جنوب أفريقيا تبني 4 محطات طاقة شمسية
اقرأ أيضًا..
- باكستان تقرر دفع 220 مليون دولار لـ4 محطات كهرباء صينية (تقرير)
- بتروبراس البرازيلية تقبل عرضًا نرويجيًا لشراء وحدة الأسمدة التابعة لها
- وزراء: خفض استثمارات الوقود الأحفوري في أفريقيا يهدد التنمية