النفط والغاز في أفريقيا.. بين أمل زيادة الاستثمارات و"كابوس" إزالة الكربون (تقرير)
نوار صبح
- البلدان الأفريقية تواجه ضغوطًا كبيرة لإزالة الكربون واعتماد مصادر الطاقة المتجددة
- اكتُشفت عدة مواقع جديدة للمواد الهيدروكربونية في أفريقيا
- أفريقيا بأكملها تمثّل 2-3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم
- تمتلك قارة أفريقيا مجتمعة نحو 9% من إجمالي احتياطيات الغاز في العالم
- التمويل يُعدّ أحد أكبر التحديات التي تواجه التنمية المتجددة والنفطية في أفريقيا
تواجه صناعة النفط والغاز في أفريقيا مشكلة انعدام الكفاءة، وتواجه البلدان الأفريقية ضغوطًا كبيرة لإزالة الكربون واعتماد مصادر الطاقة المتجددة، لذلك تقف هذه الصناعة على مفترق طرق.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه أسعار النفط والغاز ارتفاعًا كبيرًا بالتزامن مع العديد من الاكتشافات الجديدة للمواد الهيدروكربونية في أفريقيا، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وفي المقابل، تمتلك القارة إمكانات هائلة لموارد الطاقة المتجددة، فضلًا عن احتياطيات ضخمة من النفط والغاز؛ ما يعزّز الجدل بشأن ما إذا كان ينبغي عليها الاستثمار بصورة أكبر في إمكانات النفط والغاز غير المحققة أو إزالة الكربون على نطاق واسع.
ويرى المحللون أن قارة أفريقيا تحتاج إلى الطاقة بكميات كبيرة إذا كانت تريد التصنيع والحدّ من الفقر.
الحاجة إلى التنمية الاقتصادية
يقدّر الخبراء الاقتصاديون أن هناك حاجة إلى التنمية الاقتصادية، تتراوح بين 6% و7%، للحد من الفقر بصورة كبيرة في البلدان منخفضة الدخل، ويُعدّ هذا الرقم كبيرًا بالنظر إلى توقعات البنك الدولي لنمو اقتصادات البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 3.6% فقط هذا العام.
وفي ظل معدل تغذية كهربائية يبلغ 46% فقط في جميع أنحاء البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، كان 570 مليون شخص في المنطقة محرومين من الكهرباء في عام 2019، حسبما نشرت مجلة "أوفشور تكنولوجيا" (offshore-technology).
علاوة على ذلك، تمثّل أفريقيا بأكملها 2-3% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم من مصادر الطاقة والمصادر الصناعية، وفقًا للأمم المتحدة.
وتعادل هذه النسبة تقريبًا نسبة ألمانيا نفسها وأقل بكثير من الصين (27%)، والولايات المتحدة (15%)، والهند (7%).
وبلغ نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أفريقيا 0.76 طنًا متريًا في عام 2018، مقارنة بـ15.52 طنًا في الولايات المتحدة، و17 طنًا في أستراليا.
تُجدر الإشارة إلى أن إجمالي عدد سكان أفريقيا يبلغ نحو 1.3 مليار شخص، مقارنة بـ1.4 مليار في الصين، لكن إجمالي انبعاثات الكربون في الصين أعلى بما يتراوح بين 10 و14 مرة من مثيلتها في أفريقيا.
البيئة المتنوعة
تتمتع أفريقيا ببيئة متنوعة بصورة استثنائية، ولا يوجد نهج واحد من شأنه أن يعزز مستقبل طاقتها. ويمتلك ما يقرب من نصف دولها، البالغ عددها 55 دولة، احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي، إذ تمتلك القارة مجتمعة نحو 9% من إجمالي احتياطيات الغاز في العالم، وتنتج 17 دولة الغاز حاليًا.
وتمتلك القارة 125.3 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام، و17.55 تريليون متر مكعب قياسي من الغاز الطبيعي.
وشهدت أفريقيا ما يقرب من 40% من اكتشافات الغاز العالمية الجديدة في العقد الماضي، خصوصًا في السنغال وموريتانيا وموزمبيق وتنزانيا، وفقًا لمنصة إس آند بي غلوبال بلاتس.
وتُعدّ نيجيريا والجزائر وأنغولا وليبيا من بين أكبر 20 دولة منتجة للنفط في العالم، في حين تُعد الجزائر ومصر ونيجيريا من بين أكبر 20 دولة منتجة للغاز الطبيعي في العالم.
ويمثل الغاز الطبيعي مصدر الطاقة الأسرع نموًا في قطاع الطاقة في أفريقيا، إذ يزداد بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 4.2% سنويًا من عام 2011 إلى 2019.
وتمتلك نيجيريا أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في القارة، نحو 5.6 تريليون متر مكعب، وفقًا لمنصة الاستثمار "إنرجي آند كابيتال باور" في جنوب أفريقيا، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتقول وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، السكرتيرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا فيرا سونغوي: إن الأوضاع تغيرت منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط.
وأشارت إلى ظهور الكثير من المحادثات بشأن الطاقة بوصفها قضية أمنية، وليس مجرد قضية تنمية اقتصادية، مشيرة إلى أن الأمن والتنمية يسيران جنبًا إلى جنب بالنسبة إلى أفريقيا.
وأوضحت أنه "كلما تمكنا من التطور بصورة أسرع أصبحت بلداننا أكثر أمنًا، وقلّ الصراع بيننا".
وأوضحت أن هذا هو أحد أسباب اعتماد عبارة الانتقال "العادل" للطاقة.
مصادر الطاقة المتجددة والمواد الهيدروكربونية
يُعدّ تطوير الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة متلازمين.
وقالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، السكرتيرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا فيرا سونغوي إنه إذا ضاعفت أفريقيا استخدامها للغاز الطبيعي 3 مرات، فمن المقدر أنها ستكون قادرة على زيادة استخدامها للطاقة المتجددة 8 أضعاف.
وألمحت إلى إمكان استخدام أشكال موثوقة من الطاقة مثل الغاز لتحقيق الاستقرار في شبكة تعمل بمصادر متقطعة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وأضافت أن العديد من الدول الأفريقية تستخدم حاليًا قدرًا كبيرًا من الطاقة المتجددة في صورة الطاقة الكهرومائية.
وبيّنت أنه لإضافة أي نوع آخر من الطاقة المتجددة إلى شبكتنا، نحتاج إلى كهرباء الحمل الأساسي، والقيام بإجراءات ملموسة لتحقيق الاستقرار في الطاقة التي تُوضع على الشبكة.
وأوضحت أن مصادر الطاقة الوحيدة التي يمكنها القيام بذلك هي وقود الزيت الثقيل أو الغاز أو الطاقة الكهرومائية، وأن الغاز والطاقة المائية هما الأرخص، ويُعدان من بين هذه الأنواع الـ3.
بدوره، يتفق الزميل الدولي في غرفة الطاقة الأفريقية، غاوي كانجيمبا، مع هذا الرأي.
وقال كانجيمبا: إنه ليس على أفريقيا أن تختار بين الطاقة المتجددة والهيدروكربونات، إذ يمكنها اعتماد كلتا الإستراتيجيتين لتطوير التنمية.
وأشار إلى أن القارة تتمتع بأعلى إمكانات مصادر الطاقة المتجددة، ومع ذلك فهي تنفّذ أقل استثمار في مصادر الطاقة المتجددة، حسبما نشرت مجلة "أوفشور تكنولوجيا" (offshore-technology).
ودعا إلى استخدام النفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة وحتى الهيدروجين الأخضر.
وبيّن أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية جرّاء استخدام موارد الغاز هذه على مدى السنوات الـ30 المقبلة ستكون نحو 10 غيغا طن.
وقال إنه إذا تمت إضافة هذه الانبعاثات إلى الإجمالي التراكمي لأفريقيا اليوم، فإنها سترفع حصتها من الانبعاثات العالمية إلى 3.5% فقط، مشيرًا إلى أن هناك مجالًا للوقود الأحفوري في أفريقيا، واعتبر أن القارة لا تزال غير مستكشفة نسبيًا من حيث النفط والغاز.
وستمثّل مصادر الطاقة المتجددة -بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية- أكثر من 80% من السعة الجديدة المضافة لتوليد الكهرباء بحلول عام 2030، بموجب أحدث سيناريو لوكالة الطاقة الدولية لأفريقيا المستدامة.
وترى الوكالة أنه في حين أن مصادر الطاقة المتجددة هي القوة الدافعة بالنسبة إلى قطاع الكهرباء في القارة هذا العقد، تعتمد عملية التصنيع في جزء منها على توسعة استخدام الغاز الطبيعي.
وتمتلك أفريقيا بعضًا من أعظم إمكانات لتوليد الطاقة الشمسية.
وتستقبل القارة متوسط إشعاع شمسي سنويًا يبلغ 2,119 كيلوواط/ساعة لكل متر مربع، وتتلقى معظم البلدان في شمال وغرب وجنوب أفريقيا في المتوسط ما يزيد على 2,100 كيلوواط/ساعة لكل متر مربع سنويًا.
وتقدّر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة الإمكانات التقنية للطاقة الشمسية في القارة بنحو 7 آلاف و900 غيغاواط، ما يشير إلى إمكانات هائلة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية.
التحديات والفرص
تمثل أفريقيا أقل من 3% من قدرة توليد الكهرباء القائمة على الطاقة المتجددة في العالم، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، و2% فقط من الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة في العقدين الماضيين أُجريت في أفريقيا.
ويُعد التمويل أحد أكبر التحديات التي تواجه التنمية المتجددة والنفطية على حد سواء.
وعلى الرغم من وجود كمية هائلة من السعة الإنتاجية للنفط والغاز، فإن كبار المنتجين يفتقرون إلى البنية التحتية اللازمة لطرحها في السوق.
ويمكن لإحجام أفريقيا عن الالتزام بضخ المزيد من النفط والغاز أن يكون نابعًا من الافتقار إلى البنية التحتية لخطوط الأنابيب لنقل الطاقة إلى أوروبا بسرعة.
وفي ظل التركيز العالمي على تطوير الطاقة المتجددة، لم يكن هناك أي حافز لاستثمارات رأس المال الأجنبي في البنية التحتية للموارد الهيدروكربونية بأفريقيا.
ويقول الخبراء إن هذا يتغيّر الآن بسبب غزو أوكرانيا ورغبة الاتحاد الأوروبي في مصادر بديلة للغاز الطبيعي على وجه الخصوص.
وفي يوليو/تموز الماضي، وافق البرلمان الأوروبي على إدراج بعض الأنشطة النووية والغاز الطبيعي ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي للاستثمارات "الخضراء" المعتمدة رسميًا.
ولا يرجح المحللون -حاليًا- أن تصبح أصول الغاز في أفريقيا، على وجه الخصوص، "متعثرة" في المستقبل في أعقاب الغزو الأوكراني، إذ تسعى الدول الأوروبية الآن إلى الحصول على إمدادات جديدة طويلة الأجل من الغاز الطبيعي.
وقد تكون الجزائر -التي توفر حاليًا نحو 11% من الغاز في أوروبا- في وضع ملائم للاستفادة من الصادرات.
وعلى الرغم من إغلاق خط أنابيب إلى إسبانيا بسبب التوترات مع المغرب، قفزت صادرات الجزائر من الغاز إلى إيطاليا بنسبة 76% إلى 21 مليار متر مكعب العام الماضي، ولديها القدرة على إضافة 10 مليارات متر مكعب أخرى إلى الصادرات.
وفي يوليو/تموز، أبدت إيطاليا عزمها على زيادة وارداتها من الجزائر.
ويرى الخبراء أن صناعة النفط والغاز في أفريقيا قد أفادت النخب السياسية في المنطقة، وأن الفوائد المالية لم تصل إلى السكان بالقدر المتوقع.
اقرأ أيضًا..
- 3 أسباب تدفع أسعار النفط للارتفاع بعد قرار أوبك+
- دعم أسعار الوقود في فرنسا يخلق فوضى.. وتوتال تضطر لإغلاق بعض المحطات
- غازبروم: تشغيل نورد ستريم 1 مرهون بإصلاحات سيمنس.. واتفاق للدفع بالروبل