الحرب في أوكرانيا تنقل أزمة الغاز الطبيعي إلى مستوى جديد (تقرير)
نوار صبح
- الغاز الطبيعي هو أهم سلعة في العالم، بالوقت الحالي
- ما تزال موجات الصدمات المالية والسياسية تتردد في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وخارجها
- خطط مكافحة تغير المناخ تتقهقر في العواصم بجميع أنحاء الغرب
- الدول تتسابق لتأمين الشحنات النادرة من الغاز الطبيعي المسال قبل فصل الشتاء
- يبحث قادة مجموعة الـ7 عن طرق لكبح عائدات روسيا من الغاز
- تايلاند تقلّص واردات الغاز الطبيعي المسال بسبب ارتفاع الأسعار
تسبّبت الحرب في أوكرانيا بتوقّف جزء مهم من إمدادات الغاز الطبيعي، وحفّزت، بذلك، انتقال أزمة الغاز العالمية إلى مستوى جديد، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويتحول التدافع لسدّ تلك الفجوة في الإمدادات إلى اندفاع عالمي، إذ تتسابق الدول لتأمين الشحنات النادرة من الغاز الطبيعي المسال قبل فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي.
وقلّصت روسيا عمليات تسليم الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، التي تقول، إنها تريد التوقف عن الشراء من موسكو، وفقًا لما نشرته مؤخرًا صحيفة إيكونوميك تايمز الهندية (economictimes).
وفي أوائل شهر يونيو/حزيران، اندلع حريق في محطة فريبورت لإسالة الغاز الطبيعي في ولاية تكساس والتي تأخذ الغاز الطبيعي من أحواض النفط الصخري في الولايات المتحدة.
وبعد أكثر من 3 أسابيع من الحادث، لا تزال موجات الصدمات المالية والسياسية تتردد في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وخارجها، ويعود ذلك لأن الغاز الطبيعي هو أهم سلعة في العالم، الوقت الحالي.
علاوة على ذلك، يُعدّ الغاز الطبيعي محركًا رئيسً للتضخم العالمي، إذ توالت قفزات قوية في الأسعار حتى بمعايير الأسواق المضطربة اليوم، ووصلت إلى نحو 700% في أوروبا منذ بداية العام الماضي، ما دفع القارّة إلى حافة الركود.
ويدخل الغاز الطبيعي في صميم مرحلة المواجهة بين القوى العظمى، وأدى ذلك إلى تراجع خطط مكافحة تغير المناخ في الدول الغربية.
النفط الجديد
تقول ألمانيا، إن نقص الغاز يمكن أن يؤدي إلى انهيار مثل انهيار بنك ليمان براذرز، إذ تواجه القوة الاقتصادية الأوروبية احتمالًا غير مسبوق لنفاد الكهرباء من الشركات والمستهلكين، حسب بيانات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ومن المقرر إغلاق خط أنابيب نورد ستريم الرئيس الذي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا في 11 يوليو / تموز، لمدة 10 أيام، لإجراء الصيانة، وهناك مخاوف متزايدة من أن موسكو قد لا تعيد فتحه. ويبحث قادة مجموعة الـ7 عن طرق لكبح عائدات روسيا من الغاز -التي تساعد بتمويل الحرب في أوكرانيا- ودعم استثمارات الغاز الطبيعي المسال الجديدة.
وتكافح الدول الفقيرة، التي بنت أنظمة الكهرباء لديها اعتمادًا على الغاز الرخيص، لِتَحَمُّل أسعاره الآن.
وقال العضو المنتدب لدى شركة الأبحاث "كلير فيو إنرجي بارتنرز"، في العاصمة الأميركية واشنطن، كيفن بوك، إن العالم يفكر الآن كما كان يفكر في السابق بشأن النفط.
وأضاف أن الدور الأساس الذي يؤديه الغاز في الاقتصادات الحديثة والحاجة إلى إمدادات آمنة ومتنوعة أصبح أمرًا واضحًا للغاية.
وعلى الرغم من أن العولمة تبدو كأنها تشهد الآن تراجعًا في جزء كبير من الاقتصاد العالمي، فإن تجارة الغاز تتجه بالاتجاه المعاكس. وهي تتجه نحو العولمة بسرعة، ولكن ربما ليس بالسرعة الكافية.
وتحولت العديد من البلدان إلى الغاز الطبيعي بجزء من التحول إلى الطاقة النظيفة، إذ تسعى إلى التخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم، وفي بعض الحالات الطاقة النووية أيضًا.
ويشهد المنتجون الرئيسيون -مثل الولايات المتحدة، التي ارتقت بسرعة إلى صفوف مصدّري الغاز الطبيعي المسال لتنافس قطر بصفتها أكبر دولة مصدّرة له في العالم- ارتفاعًا في الطلب على إنتاجهم.
واستوردت 44 دولة الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، أي ضعف ما استوردته منذ عقد مضى، لكن نقل الوقود حول الكوكب أصعب بكثير من نقل النفط، لأنه ينبغي إسالته في أماكن مثل محطة فريبورت في تكساس.
وهذا هو السبب في أن انفجارًا طفيفًا في محطة فريبورت الأميركية -التي يرى المطلعون على الصناعة أنها ليست أكبر أو أحدث المحطات الـ7 التي ترسل الغاز الطبيعي المسال من الشواطئ الأميركية- كان له مثل هذا التأثير الهائل.
أزمة الغاز الطبيعي الحالية
ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا وآسيا بأكثر من 60% في الأسابيع التي تلت إجبار محطة فريبورت على الإغلاق مؤقتًا، وهي المدة التي شهدت أيضًا المزيد من التخفيضات في الإمدادات من قبل روسيا، وانخفضت أسعار الوقود في الولايات المتحدة بنسبة 40% تقريبًا، لأن الانقطاع يعني أن المزيد من الغاز سيظل متاحًا للاستخدام المحلي.
ويرى المحللون أن تفشّي وباء كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا تسبَّبا في اضطراب واردات جميع السلع من القمح إلى الألمنيوم والزنك، ولكن ذلك الاضطراب يُعدّ ضئيلًا مقارنة بتقلُّب أسعار الغاز العالمية المضطربة.
في قارّة آسيا، ارتفعت أسعار الوقود الآن 3 أضعاف مما كانت عليه قبل عام، وفي أوروبا، يعدّ هذا أحد الأسباب الرئيسة وراء وصول التضخم إلى مستوى قياسي جديد.
وما يزال الغاز الطبيعي أرخص نسبيًا في الولايات المتحدة، على الرغم من أن العقود الآجلة تضاعفت هذا العام قبل إغلاق محطة فريبورت، وفق ما اطّلعت عليه منصة "الطاقة" المتخصصة.
ونظرًا لسعي الحلفاء السياسيين الرئيسيين من ألمانيا إلى أوكرانيا لشراء الغاز الأميركي، يحذّر المصنّعون الأميركيون من أن زيادة المبيعات في الخارج ستعني ارتفاع التكاليف في الداخل.
في المقابل، يوضح ردّ فعل السوق على حريق محطة فريبورت "ارتباطًا واضحًا بين صادرات الغاز الطبيعي المسال والتأثيرات التضخمية على الأسعار المحلية للغاز الطبيعي والكهرباء"، كما يقول رئيس مستهلكي الطاقة الصناعية في أميركا، بول سيسيو.
وستتطلب تلبية كل الطلب الجديد على الغاز الطبيعي موجة ضخمة من الاستثمار في العرض.
وقد تعهَّد قادة مجموعة الـ7 بدعم الاستثمارات العامة في مشروعات الغاز - قائلين: إنها "ضرورية لمعالجة الأزمة الحالية"، وفقًا لما نشرت صحيفة إيكونوميك تايمز الهندية (economictimes) في 6 يوليو/تموز الجاري.
التحذيرات من حدوث ركود
قبل أسبوعين تقريبًا، قالت الحكومة الألمانية، إنها تُجري محادثات لإنقاذ شركة يونيبير، التي تخسر نحو 30 مليون يورو (31 مليون دولار) يوميًا؛ لأنه يتعين عليها تغطية الغاز الروسي المفقود بأسعار السوق الفورية المرتفعة.
وأعلنت شركات مثل شركة الكيماويات العملاقة "باسف" أنها قد تضطر إلى خفض الإنتاج، وأشار دويتشه بنك إلى تنامي مخاطر "الركود الألماني الوشيك على خلفية تقنين الطاقة"، وأشار إلى ارتفاع أسعار الطاقة في إيطاليا وفرنسا أيضًا.
وتوقّع مصرف مورغان ستانلي أن تكون منطقة اليورو بأكملها في حالة ركود بحلول نهاية العام.
وكانت العواقب وخيمة بالنسبة لبعض الاقتصادات الناشئة التي يتعين عليها التنافس مع الدول الغنية -مثل ألمانيا- في العطاءات؛ للحصول على شحنات الغاز الطبيعي المسال، في ظل تحوّل الغاز إلى العالمية.
وفي باكستان، التي بَنت نظام كهربائها باستخدام الغاز الطبيعي المسال الرخيص، أدى انقطاع التيار الكهربائي المخطط له إلى إغراق المناطق في الظلام خلال أشهر الصيف الحارقة.
وصدرت أوامر بإغلاق مراكز التسوق والمصانع في المدن الكبرى مبكرًا، ويعمل المسؤولون الحكوميون لساعات قليلة.
بدورها، تحدّ تايلاند من واردات الغاز الطبيعي المسال بسبب ارتفاع الأسعار، مما قد يعرّض البلاد لخطر نقص الوقود.
وفي ميانمار، التي تعاني عدم الاستقرار السياسي، أُوقِفت جميع مشتريات الغاز الطبيعي المسال أواخر العام الماضي عندما بدأت الأسعار في الارتفاع. كما خفضت الهند والصين الواردات.
وقال العضو المنتدب لدى مؤسسة "فانير غلوبال ماركتس"، في سنغافورة، جيمس ويسلر: "إنه في الوقت الذي كانت فيه أسواق الغاز الطبيعي منعزلة إلى حدّ كبير، على المستوى الإقليمي، أصبح لدينا الآن سوق فورية معولمة".
وأشار إلى أن سوق الغاز الطبيعي الفورية المعولمة تربط بين تعرُّض العالم لمخاطر نقص الوقود، الذي أصبح عاملًا حاسمًا للعديد من الاقتصادات.
اقرأ أيضًا..
- نفاق المناخ في عالم السيارات (مقال)
- الغاز الجزائري يعزز إمدادات فرنسا بعقد جديد بين سوناطراك وإنجي
- توليد الهيدروجين من الميثانول.. مشروع أوروبي يكافح انبعاثات الشحن البحري