العودة إلى الوقود الأحفوري في أوروبا.. تراجع مناخي أم "تعليق مؤقت" لخفض الانبعاثات؟
لتعويض غياب الإمدادات الروسية وضمان أمن الطاقة
هبة مصطفى
شكّلت عودة غالبية دول القارّة الأوروبية للاعتماد بصورة كبيرة على مصادر الوقود الأحفوري، لتعويض غياب الإمدادات الروسية المضطربة عقب غزو أوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو، مصدرَ تهديد للخطط المناخية الرامية لخفض معدل الانبعاثات.
وعكف باحثون على دراسة تأثير التركيز بقوة على الفحم والنفط لتوليد الكهرباء، والتحول بعيدًا عن مصادر الطاقة المتجددة، وحجم الإرجاء الذي يمكن أن تتعرض له الخطط المناخية.
وجاءت نتائج دراسة حديثة لتقلص من تلك المخاوف بتأكيدها أن الحجم الإجمالي المتوقع لانبعاثات القارّة الأوروبية لن يتأثر بالعودة إلى الوقود الأحفوري، لا سيما أن تلك العودة "مؤقتة" لضمان أمن الطاقة عقب الهزة التي تعرّضت لها الأسواق الأوروبية بغياب الغاز الروسي، بحسب ما أوردته وكالة بلومبرغ.
الانبعاثات الأوروبية
توصلت الدراسة البحثية التي أعدّتها "آي سي آي إس" إلى أن العودة إلى الوقود الأحفوري واستئناف حرق الفحم محاولةً لتعويض غياب الغاز الروسي لن يؤثّر في معدل الانبعاثات التراكمية المتوقعة لإنتاج الاتحاد الأوروبي العقد المقبل، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأشارت إلى أن أقصى ما يمكن أن تؤدي إليه تلك العودة رفع معدل انبعاثات العام الجاري (2022) والعام المقبل (2023)، بنسبة 5%، مُرجعة ذلك إلى التشريعات الصارمة التي يضعها الاتحاد الأوروبي لخفض معدل الانبعاثات.
وقالت الدراسة، إن العودة الأوروبية لإمدادات الوقود الأحفوري -وأبرزها الفحم والغاز الطبيعي والغاز المسال- ستكون "مؤقتة"، مضيفةً أن الأعوام المتبقية بالعقد الجاري سوف تعمل على "معادلة" انبعاثات العام الجاري والمقبل، ليصبح إجمالي الانبعاثات الأوروبية كما سبق أن قُدِّر بمعدلات منخفضة.
- العودة إلى الفحم.. العالم يخاطر بالأهداف المناخية لتعزيز أمن الطاقة (تقرير)
- الوقود الأحفوري يتصدر مصادر توليد الكهرباء في أوروبا خلال 2021
ووصف مُعدّو الدراسة مخاوف تراجع الخطط المناخية للاتحاد الأوروبي بأنها "مُبالَغ بها"، مشددين على أن الاتحاد الأوروبي سينجح في تطبيق إستراتيجية متوازنة ما بين الحفاظ على خطط مناخية هي الأكثر طموحًا بالعالم، وبين توفير إمدادات الكهرباء، عبر حرق الفحم.
تشريعات وإجراءات
جاء ترجيح الباحثين لنجاح الاتحاد الأوروبي في تحقيق التوازن بين آثار العودة إلى الوقود الأحفوري وبين الالتزام بالخطط المناخية وخفض الانبعاثات، مدعومًا بحزمة تشريعات أقرّها الاتحاد الشهر الماضي.
وشملت التشريعات الجديدة مسارات عدّة، من ضمنها فرض حظر على السيارات الجديدة العاملة بالبنزين، بدءًا من عام 2035، مرورًا بزيادة وتيرة مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى التزام الاتحاد بخفض الانبعاثات بنحو 55% بحلول نهاية العقد (2030).
وتأتي حزمة التشريعات واللوائح المنظمة جنبًا إلى جنب مع إجراءات تضمن كفاءة الطاقة وخفض استهلاك الكهرباء يُرجح أن يعلنها الاتحاد في وقت لاحق من الشهر الجاري.
ومن جانب موازٍ، قد يكون المنفذ الوحيد لضمان خفض انبعاثات الوقود الأحفوري وضمان أمن الطاقة بالوقت ذاته هو التوجه حيال مصادر الطاقة الخضراء بديلًا لإمدادات كهرباء موثوقة وآمنة، فضلًا عن التوسع بمصادر نقل أكثر جاذبية من تلك التي تعتمد على الوقود التقليدي.
إرجاء "مؤقت"
رأى الباحث بسياسات المناخ والطاقة بمعهد بوتسدام الألماني لأبحاث المناخ، مايكل باهلي، أن العودة الأوروبية إلى الوقود الأحفوري -حاليًا- والاعتماد على حرق الفحم واللجوء للغاز لتوفير إمدادات الكهرباء، لا يعكس بالضرورة تراجعًا بالخطط المناخية الأوروبية، لكنه وصفه بـ"تعطيل مؤقت".
وأضاف أن إستراتيجية انتقال الطاقة بدأت أوروبيًا، وحققت مستويات لدرجة تضمن عدم تراجعها، لا سيما أن الخطر الحقيقي على الخطط المناخية يتمثل في التوسع ببناء محطات للغاز المسال ومحطات لتوليد الكهرباء بالغاز أو طرح تراخيص جديدة لاستكشاف الوقود الأحفوري.
وأوضح أن التخلص من تلك الاستثمارات، أو حتى تحويلها إلى أصول عالقة، يمكنه الإسهام في تجنّب معدل انبعاثات ضخم.
وقال، إنه يمكن الاحتفاظ بمعدل الاحتباس الحراري كما هو دون زيادته، عن طريق إجراء تخفيضات أكثر حدة لانبعاثات الوقود الأحفوري؛ لتعويض الزيادة المتوقعة حاليًا، إثر محاولات ضمان أمن الطاقة.
الغاز.. إدراج صديق للبيئة
ينظر الاتحاد الأوروبي إلى محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي على أنها أصول "صديقة للبيئة" بموجب التصنيف الذي أُقرّ أوروبيًا قبل أيام، وصُنِّف الغاز ضمن التشريعات الخضراء وفق معايير خاصة، أبرزها أن يحلّ محلّ أحد مشروعات الفحم، أو ضمّه خططًا تضمن تحوُّله إلى غازات منخفضة الكربون أو متجددة بحلول عام 2035.
وجاء إقرار التصنيف الأوروبي الجديد في توقيت مثير للجدل، فمن جهة يُبطل دعاوى التراجع المناخي بالعودة إلى الغاز بصفته أحد أنواع الوقود الأحفوري بجانب الفحم، إذ إنه الآن يعدّ أحد الاستثمارات الخضراء صديقة البيئة، ومن جهة أخرى زادت شكوك بعضهم حول مدى جدّية انتقال الطاقة بالاتحاد الأوروبي.
ورغم أن التصنيف الأخير يتيح التوسع الأوروبي فيما يتعلق بمشروعات الغاز دون ضوابط مناخية، فإن الباحث بمركز أغورا إنرجي ويندي المعني بشؤون المناخ، أوليفر سارتور، استبعد إمكان تقدير حجم انبعاثات الاتحاد الأوروبي خلال العامين المقبلين.
تجارة الانبعاثات والطاقة المتجددة
تعود صعوبة تقدير انبعاثات الوقود الأحفوري لدول الاتحاد الأوروبي العامين المقبلين لعوامل عدّة، من بينها تأثير أسعار الطاقة المرتفعة في المستهلك والشركات، بخلاف سهولة تقدير حجم انبعاثات العقد بأكمله، والمعتمد على لوائح موضوعة مسبقًا.
وكان الاتحاد الأوروبي قد طرح نظام تداول أرصدة الكربون فيما يعرفه بعضهم تحت اسم "تجارة الانبعاثات"، بإلزام الشركات بالدفع مقابل كل طن مُنتج من الكربون بما يغطي 40% من انبعاثات تلك الشركات.
وبجانب ذلك، يلتزم الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاقيات التجارة الدولة بالعمل على خفض انبعاثات القارّة العجوز بما يقارب 12 مليار طن، خلال المدة ما بين العام الماضي (2021) ونهاية العقد (2030)، بما يعمل على خفض معدل انبعاثات الوقود الأحفوري الإجمالية.
وأكد باحثون أن العودة للتوسع باستخدام الفحم، لا سيما في أسواق الكهرباء، لن تؤثّر بصورة مباشرة في معدل الانبعاثات، مقترحين تعزيز عمليات الخفض عبر ضمان كفاءة الطاقة، بالتوازي مع توسعات الطاقة المتجددة.
وأوضحوا أن تلك المعادلة هي أداة التوازن الأمثل لخفض الانبعاثات، خاصة أن الخطط المناخية للاتحاد الأوروبي تحظى بتشريعات قوية تضمن تنفيذها.
اقرأ أيضًا..
- إيرادات روسيا من النفط والغاز قد تتراجع 85 مليار دولار في 2022 (تقرير)
- إدارة معلومات الطاقة ترفع توقعات الطلب على النفط لعام 2023
- مستقبل الطلب على النفط في ظل توقعات الركود الاقتصادي (مقال)
- تقنية ألياف الكربون.. إحدى المعجزات الهندسية لأرامكو السعودية (تقرير)