ملف الطاقة في العراق.. لؤي الخطيب يرصد الأزمة وأبرز التحديات (تقرير)
أحمد بدر
- الخطيب: ملف الطاقة في العراق معقّد ومتداخل في كثير من الملفات
- إسهامات العراق في مجال النفط العالمي لا تقلّ عن 5%، وهناك مساعٍ لزيادتها إلى 8%
- قدرة الشبكة الوطنية 33 ألف ميغاواط، لكن الإنتاج الفعلي وقت الذروة لا يتعدى 23 ألف ميغاواط
- سيتجاوز تعداد سكان العراق 55 مليون نسمة بحلول 2030، وستحتاج المنظومة إلى 55 غيغاواط
- الحل الأمثل لأزمة الطاقة في العراق هو فصل الشركات عن الوزارات
قال الخبير الدولي في مجال الطاقة، وزير الكهرباء العراقي السابق لؤي الخطيب، إن الحديث عن ملف الطاقة في العراق معقد جدًا ومتداخل في كثير من الملفات.
جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور لؤي الخطيب بحلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة" في موقع تويتر، في ضيافة خبير اقتصاديات الطاقة، مستشار تحرير منصة الطاقة الدكتور أنس الحجي، والتي جاءت تحت عنوان "أزمة إمدادات الطاقة في العراق.. الحلول والفرص والتحديات".
وأضاف الخطيب أن "منتدى الطاقة في العراق، الذي انعقد مؤخرًا، تأسس عام 2012 من خلال معهد العراق للطاقة الذي شاركت في تأسيسه منذ عام 2008، والآن يعمل بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بغداد".
وأوضح أن المنتدى استمر لمدة يومين لبحث ملفات أمن الطاقة في ضوء اتفاقيات المناخ والتحديات البيئية التي يواجهها العالم عمومًا والعراق خصوصًا، وكذلك الإصلاحات المرجو العمل عليها للنهوض بأمن الطاقة في العراق، وهو الدولة التي لها إسهاماتها في مجال الطاقة العالمي.
تحديات الطاقة في العراق
قال وزير الكهرباء العراقي السابق، الدكتور لؤي الخطيب، ردًا على سؤال لمضيفه الدكتور أنس الحجي، حول أبرز التحديات التي تواجه قطاع الطاقة العراقي، إن إسهامات العراق في مجال الطاقة العالمي، في مجال النفط على سبيل المثال، لا تقلّ عن 5% من الإنتاج العالمي، ولدى الدولة العراقية حاليًا طموحات للوصول بحجم الإنتاج إلى نحو 8% من الإنتاج العالمي.
وأكد أن هذه الخطوة يمكن أن تسهم في نقلة للدولة العراقية من دولة رئيسة في الإنتاج بمصاف المملكة العربية السعودية؛ إلى دولة مرجحة في الإنتاج؛ بسبب الكلفة المنخفضة لإنتاج النفط في العراق.
وفيما يخصّ ملف الغاز، أوضح الخطيب أن المنتدى تطرّق إلى استثمار فرص تطوير قطاع الغاز العراقي، وكيف يمكن نقل العراق في مجال الكهرباء ليصبح مركزًا للطاقة من خلال الربط مع دول الجوار، بخلق سوق واعدة للكهرباء تربط بين دول الجوار، وصولًا إلى تركيا وما بعدها وشمال أفريقيا.
وأضاف وزير الكهرباء السابق: "تحدثنا كثيرًا عن التحديات التي يواجهها العراق في سبيل تحقيق الإصلاحات المؤسسية، وإصلاح مسألة الدعم التي تكلّف خزينة الدولة كثيرًا، والتي قد تتجاوز -فقط في ملف الكهرباء- حدود 14-15 مليار دولار سنويًا.
كما تناول المنتدى، وفق الخطيب، سبل استخدام الحلول التكنولوجية لتطوير مجالات الطاقة في العراق، لخفض الانبعاثات الكربونية وطموح الدولة في تطوير آفاق ملف الطاقة للوصول إلى مستويات إنتاج تأتي بالنفع لتأمين أمن الطاقة بأقلّ كلفة ودون الوقوع في زيادة الانبعاثات الكربونية.
وأشار إلى أن عمليات حرق الغاز من التحديات الكبرى التي تواجه الدولة، الأمر الذي يحتاج إلى حلول سريعة وجذرية واتفاقات كبرى مع الشركات العالمية، وهي كلها أمور ناقشها منتدى الطاقة في العراق، وقدّم بها توصيات، ليس فقط للحكومة الحالية، بل على أمل أن تتبنّاها الحكومة الجديدة المنتخبة.
وقال، إن هناك مفاوضات حاليًا لتشكيل الحكومة، منذ انتهاء الانتخابات العراقية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهناك آمال أن تتبنّى الحكومة الجديدة توصيات خبراء منتدى الطاقة في العراق، الذين منهم ممثلون لشركات عالمية وبيوت الخبرة العالمية، بالإضافة إلى شخصيات دولية، مثل أمين عامّ منظمة أوبك.
واقع قطاع الكهرباء في العراق
تحدّث الدكتور لؤي الخطيب عن واقع قطاع الكهرباء العراقي، قائلًا، إنه يجب إلقاء نظرة سريعة -أولًا- عن تأريخ الكهرباء، على الأقلّ قبل وبعد عام 2003، وإلقاء نظرة على وضع منظومة الطاقة في العراق بالكامل.
وأضاف: "منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، كان إنتاج الطاقة في العراق بحدود 1500 ميغاواط، وكان عدد السكان حينها يبلغ 13 مليون مواطن، وتطورت الشبكة لاحقًا لتصل إلى حدود 6 أو 7 آلاف ميغاواط في عام 1990، قبل حرب النظام السابق على الكويت".
وأوضح أنه بعد حرب الكويت، أثّر القصف الأميركي وقوات التحالف في منظومة الطاقة التي تدمرت بشكل كبير، وعادت المنظومة إلى العمل خلال عام واحد، ولكن بمحددات كثيرة، إذ تراوحَ إنتاج الكهرباء في العراق خلال فترة التسعينيات بين 3000 و4500 ميغاواط.
وتابع: "وصولًا إلى عام 2003، وحتى عشية سقوط النظام السابق، كان إنتاج منظومة الطاقة في العراق يبلغ في حدود 3000 ميغاواط، وحينها كان تعداد السكان يبلغ 26 مليون مواطن في العراق".
وأكد الخطيب أنه منذ عام 2003 وحتى اليوم، زادت القدرة التصميمية للشبكة الوطنية؛ لتصل إلى 33 ألف ميغاواط على الأقلّ، ولكن الإنتاج الفعلي في وقت الذروة يتراوح بين 21 و23 ألف ميغاواط، مقارنة مع ما قبل 2003، عندما كانت القدرة الإنتاجية 7 آلاف ميغاواط، بينما الإنتاج الفعلي نحو 3 آلاف ميغاواط.
وعن أسباب غياب ما يصل إلى 10 آلاف ميغاواط عن المنظومة، قال الخطيب، إن العراق مرَّ بتحديات كبرى، خلال 18 عامًا الماضية، بسبب ما بعد الاحتلال، إلى تأسيس النظام السياسي الجديد وتحديات الاضطرابات والحروب الأهلية من 2005 إلى نهاية 2007، ثم التحديات التي واجهتها الدولة بسبب عصابات تنظيم القاعدة، ثم تنظيم داعش من 2014 إلى نهاية 2017.
وأشار إلى أن هذه العمليات الإرهابية أخذت مأخذها من المنظومة الكهربائية، وتحديدًا عمليات تنظيم داعش التي دمرت ما يتراوح بين 4500 و5 آلاف ميغاواط عن بكرة أبيها، بالإضافة إلى أزمات النقل والتوزيع للمحافظات المحتلة من عصابات داعش.
وقال، إن كل هذه العوامل أثرت بمنظومة الطاقة في العراق، وأداء الأحمال وعمليات الكهرباء، ومن ثم تأثّر الأداء، وانخفض معدل الإنتاج، وتأثر الإمداد والطلب، إذ كان الفارق بينهما دائمًا لا يقلّ عن 7-8 آلاف ميغاواط.
الدعم والنمو السكاني في العراق
قال وزير الكهرباء السابق، الدكتور لؤي الخطيب، إن النمو السكاني الكبير في العراق، الذي يبلغ حاليًا نحو 42 مليون مواطن، وفقًا لبيانات وزارة التخطيط، بالإضافة إلى تعرفة دعم الكهرباء، كلها عوامل أثّرت في كلفة وإمكان توفير الأموال اللازمة لعمليات الصيانة، ومن ثم انتهى قطاع الطاقة في العراق إلى أن يكون خاسرًا، لأن هذا الدعم يموَّل من خزينة الدولة.
وأضاف: "يعلم الجميع أنه عندما يكون السعر منخفضًا فإن الطلب يكون لانهائيًا، فعندما تكون تعرفة الكهرباء 3 أو 4 سنتات لنحو 1500 كيلوواط في الساعة الأولى، ثم ترتفع تدريجيًا إذا كان المستهلك منزليًا أو حكوميًا أو صناعيًا أو زراعيًا، فإن هذا الأمر يؤثّر في مسألة الجباية وتغطية التكلفة".
وأوضح أن هناك تحدّيًا كبيرًا في العراق يتمثل في مسألة الجباية، أو جمع قيمة فواتير الاستهلاك، وأيضًا مسألة التعرفة، التي يتمثل التحدي الخاص بها في هامش الدعم، الذي يجعل القطاع خاسرًا إجمالًا.
وتابع: "من الصعوبة بمكان الاستمرار في هامش الدعم هذا، إذا ما أخذنا في الحسبان حجم الاستهلاك المتزايد وتزايد عدد السكان بنسبة تبلغ 3% سنويًا، أي ما لا يقلّ عن 1.3 مليون مواطن زيادة سنويًا، أي سيتجاوز تعداد سكان العراق 55 مليون نسمة بحلول عام 2030، ومن ثم ستحتاج المنظومة ما بين 52 و55 غيغاواط".
وشدد على أنه في حالة عدم علاج مسألة التعرفة، وكذلك الإصلاح المؤسسي للدولة، سيكون من الصعوبة بمكان النظر إلى الحلول الفنية، فدائمًا ما يكون التركيز على الشأن الفني والشأن الاقتصادي، سواء بناء محطات أو تطويرها وتوسعة الشبكة، وتُنسى كلفة الوقود وكلفة الإدارة والصيانة.
تقسيم ملف الطاقة في العراق
أكد الخطيب أن المراقبين ينسون أيضًا التحدي الكبير بإدارة ملف الطاقة في العراق على المستوى المؤسسي، الذي يعدّ مشرذمًا بين 3 وزارات، والحديث هنا ليس عن الكهرباء فقط، بل على الطاقة عمومًا "نفط - غاز - كهرباء - والصناعات المتعلقة بها".
ولفت إلى أن الملف مقسّم بين وزارات الصناعة والكهرباء والنفط، وهذه الوزارات تتعامل مع بعضها بنسق صعب، كأنها ليست داخل حكومة واحدة متماسكة، بسبب الوضع السياسي والمحاصصة السياسية، التي جعلت كل ملف منفصلًا عن الآخر، ولا توجد عملية انسيابية بإدارة ملف الطاقة في العراق.
لذلك، وفق الخطيب، ينشر الإعلام أخبارًا من نوعية: وزارة الكهرباء تشكو من وزارة النفط، أو وزارة النفط تشكو من وزارة الكهرباء، أو وزارة الكهرباء تشكو من وزارة الصناعة، لذلك، منذ عام 2004 وحتى اليوم، نجد 30 وزيرًا تعاقبوا على ملف الطاقة، الذي هو مقسّم بين 3 وزارات.
وأوضح أن هذا الأمر يحتاج إلى إصلاح كبير ودمج، ولكن هذا الدمج يجب أن يكون مشروطًا، فكل هذه الوزارات ملحقة بها شركات عامة للإنتاج والنقل والتوزيع، وهذه الشركات متداخلة، حتى إن الوزراء -بحكم القوانين- هم رؤساء لمجالس إداراتها.
مثلًا، والكلام للخطيب، "لدى وزارة الكهرباء 12 شركة عامة، إنتاج ونقل وتوزيع، وكل منطقة لها 3 شركات، ومن ثم فإن إدارة هذه الشركات ستُحدِث تضاربًا في المصالح مع وزارة الكهرباء، فالمشهد الإداري هنا يمكن تلخيصه بجملة "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"، الأمر الذي يسبّب تضاربًا في إدارة الملفات، ومن ثم يُلقي باللائمة على الوزارة عمومًا.
لذلك، بحسب الخطيب، فإن الحل الأمثل هو فصل هذه الشركات عن الوزارات، مؤكدًا أن أزمة الطاقة في العراق ليست أزمة ميغاواط، وإنما هي أزمة إدارية مؤسسية اقتصادية قبل أن تكون فنية، لأن الأزمة الفنية هامشية، وتعدّ تحصيل حاصل، فمتى انحلّت الأزمة الإدارية تنحلّ الأزمة الفنية.
وأشار إلى أنه كلما حدثت أزمة تتعلق بقطاع الطاقة في العراق، يتناول الإعلام الأزمة، ويُلجَأ إلى الحلّ، وهو الإطاحة بالوزير، كأنه هو سبب الأزمة، وأن الإطاحة به ستؤدي إلى زيادة الميغاواط وتوفير الخدمات.
اقرأ أيضًا..
- 5 معلومات عن بلو هيرو.. تقنية سعودية لنشر السيارات الكهربائية
- لأول مرة في تاريخه.. المغرب على أبواب دخول سوق الغاز المسال العالمية
- أكبر مشروع طاقة رياح بالشرق الأوسط تنفذه مصر بتمويل سعودي