الروبوتات والرياح البحرية.. تقنية حديثة تقلل التكلفة وزمن المشروع (صور)
مي مجدي
- قطاع الطاقة البحرية سيؤدي دورًا كبيرًا في إزالة الكربون والتخلص من الوقود الأحفوري.
- وود ماكنزي تتوقع ارتفاع مزارع الرياح البحرية في 24 دولة إلى 9 أضعاف.
- الروبوتات أصبحت شريكًا لا غنى عنه لتسريع بناء مزارع الرياح البحرية.
- ستُسهِم الروبوتات في تسريع عمليات البناء بنسبة 50%.
- إكس لابوراتوري بدأت بيع الروبوتات للشركات وتعد بانخفاض الوقت والتكلفة.
- ترى إكس لابوراتوري أن الروبوتات قادرة على أداء مهام يعجز البشر عن تنفيذها.
باتت الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي شريكًا لا غنى عنه لتعزيز الطفرة التنموية في الطاقة المتجددة، خاصة بقطاع الرياح البحرية.
فخلال السنوات الأخيرة، اكتسب هذا القطاع زخمًا واسعًا في العالم أجمع، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا؛ نظرًا لدوره الفعال في إنتاج الكهرباء المتجددة، ومساعدة الدول في التخلص التدريجي من النفط والغاز والفحم.
كما أن حجم الإنفاق العالمي التراكمي في قطاع طاقة الرياح البحرية سيصل إلى تريليون دولار أميركي بحلول عام 2031، وفقًا لتقرير جديد صادر عن مؤسسة وود ماكنزي.
وأمام ذلك، ما زال الكثير من التحديات يواجه القطاع، وأهمها بطء عمليات البناء، ومن هنا جاء دور الروبوتات، التي يُتوقع لها أن تحدث ثورة في بناء توربينات الرياح البحرية.
الاعتماد على الرياح البحرية
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت الولايات المتحدة وأوروبا مهمة البحث عن مصادر بديلة خالية من الكربون بعيدًا عن الوقود الأحفوري الروسي.
وتستعد الرياح البحرية لأن تصبح واحدة من التقنيات الرئيسة التي تعمل على إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي، وقد أثبتت جدارتها في السنوات السابقة ونالت ثقة المستثمرين.
وبحلول عام 2030، تتوقع وود ماكنزي أن ترتفع مزارع الرياح البحرية في 24 دولة إلى 9 أضعاف، وسيصل إجمالي السعة المركبة إلى 330 غيغاواط، ارتفاعًا من 34 غيغاواط في عام 2020، بحسب التقرير الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
إلا أن صناعة مزارع الرياح البحرية معقدة، وتتطلب إمكانات بشرية فائقة، ويزيد ذلك من التكلفة؛ إذ تحتاج عمليات البناء والصيانة إلى نقل العمال عبر طائرات هليكوبتر أو قوارب وبناء منصات لإيوائهم، وكل هذه العوامل تزيد من انبعاثات الكربون، كما أن العمل على ارتفاع عالٍ محفوف بالمخاطر؛ لذا باتت مشاركة التقنيات الجديدة -خاصة الروبوتات- حتمية لتطوير الصناعة.
فمحاولة إرفاق شفرة توربينات رياح تبلغ قيمتها مليون دولار، وبوزن يصل إلى 60 طنًا، بالقاعدة تمثل تحديًا صعبًا في ظروف الطقس العادية، ناهيك عن الطقس السيئ.
كما أن ارتكاب أي خطأ في زاوية التركيب يمكن أن يؤثر في قدرة المعدات على توليد الكهرباء.
وتتضاعف التحديات عند تنفيذ ذلك في منطقة بحر الشمال، التي تواجه رياحًا عاتية، وأمواجًا عالية.
إعانات سخية
في غضون ذلك، دعمت المملكة المتحدة القطاع من خلال تخصيص مساحات شاسعة في عرض البحر للمطورين وتقديم إعانات سخية، وتأمل في أن يسهم ذلك في تحسين التقنيات وخفض التكاليف.
وبحلول نهاية العقد، يهدف رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى زيادة قدرة الرياح البحرية في المملكة المتحدة إلى 50 غيغاواط، أي أكثر من 3 أضعاف القدرات الحالية، حسب بلومبرغ.
وسيتطلب تحقيق هذه الغاية تسريع تطوير الصناعة البالغة 33 مليار دولار، لكن إنهاء مشروع واحد لطاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة يستغرق قرابة 15 عامًا، وفقًا لمؤسسة أورورا لأبحاث الطاقة.
ويمكن اختصار بعض الوقت عن طريق تسهيل الحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة، لكن هذه الخطوة ليست كافية، وسيسهم تسريع عمليات تركيب التوربينات في توفير المزيد من الوقت والجهد.
وبحسب بلومبرغ، يتطلب بناء توربينات الرياح العملاقة سفنًا متخصصة ومكلفة تُعرف بسفن الرفع البحرية.
فعند وصول هذه السفن إلى الموقع المحدد، تُنْزِل قاعدة متحركة إلى قاع البحر لرفع السفينة حتى تتمكن من أداء عملها وتتجنب تدافع الأمواج.
ومع توافر الظروف المناسبة، قد تستغرق هذه العملية أقل من 3 ساعات، لكن يمكن أن يستمر ذلك لقرابة 20 ساعة بسبب التيارات القوية.
وترى مجموعة "بلومبرغ إن إي إف" المتخصصة في أبحاث الطاقة النظيفة، أن السفن العائمة التي لا يلزم رفعها يمكن أن تسرع العمل بنسبة 50%، ويمكنها أن تزيد من كفاءة التركيبات، مقارنة بالسفن المستخدمة -حاليًا-.
وقالت المحللة في بلومبرغ إن إي إف، أماندا آل، إن هذه السفن يمكنها حمل المزيد من التوربينات في وقت واحد؛ نظرًا لكونها لا تحتاج لنقل الهياكل الثقيلة المستخدمة لربطها بقاع البحر، ويعني ذلك تقليل عدد الرحلات ذهابًا وإيابًا إلى الشاطئ، والتي قد تستغرق أحيانًا نحو 10 ساعات.
وأضافت أن استخدام السفن العائمة يزيد من صعوبة الأعمال التي تتطلب دقة عالية لتجميع التوربينات، قائلة: "هنا يأتي دور الروبوتات".
كيف تسهم الروبوتات في دعم الرياح البحرية؟
من الشركات الرائدة في هذا المجال، "إكس لابوراتوري" المطورة للروبوتات والتقنيات المتقدمة للفضاء وصناعة الرياح البحرية.
وأسس الشركة الباحث السابق في وكالة الفضاء الأوروبية، أندريه شيلي، وبدأت في بيع أنظمة الروبوتات لشركات إنشاء توربينات الرياح التي تسمح بالتحكم عن بعد في الرافعات العملاقة الموجودة على سفنها.
وكانت هذه التقنية تهدف في البداية إلى المساعدة في إجراء الأبحاث على كواكب بعيدة عن الأرض، لكنها قد تسهم في توفير سنوات لتطوير مزارع الرياح البحرية في عرض المحيطات.
وتعتقد الشركة أن تقنياتها المتقدمة ستقلل وقت بناء مزرعة الرياح البحرية بنسبة تصل إلى 40%، إلى جانب توفير التكلفة.
وفي تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة، قال الرئيس التنفيذي لشركة إكس لابوراتوري، أندريه شيلي، إن الروبوتات قادرة على أداء مهام يعجز البشر عن تنفيذها، وستتولى مهمة تركيب الأجزاء والمكونات الضخمة، كما أنها يمكن أن تعوض الحركة النسبية بين هذه الأجزاء الناجمة عن حركة السفن أو التوربينات المغمورة بالماء والموجودة في بيئة مكشوفة للتيارات والأمواج.
وأوضح أن هذه الخطوة ستتيح تنفيذ عمليات التركيب من خلال السفن العائمة بدلًا من المنصات الثابتة، وبهذه الطريقة، ستوفر الروبوتات المستخدمة في تجميع توربينات الرياح الكثير من الوقت والتكلفة.
وبحسب المعلومات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، يمكن لنظام تعويض الحركة -الذي أطلقت عليه الشركة اسم "بابيتير تي إم"- تثبيت الشفرات على توربينات الرياح البحرية في ظروف مناخية قاسية، وسيسمح ذلك للشركات باستئناف عملها رغم الطقس السيئ على مدار العام، وسيسهم ذلك في زيادة الإنتاجية بنسبة 40-50% تقريبًا.
وعن أبرز التحديات التي واجهت الشركة حتى الآن، قال شيلي، إن الهيكل التعاقدي يمثل تحديًا كبيرًا في مشروعات الرياح البحرية؛ حيث يتكاتف مالكو المزارع وموردو التوربينات ومتعاقدو التركيب وشركات التقنية معًا، وما يمكن أن يكون موفرًا في التكاليف لطرف، قد لا يكون مناسبًا لطرف آخر.
وقال: "على سبيل المثال، تتلقى سفن الرفع البحرية عادة رسومًا يومية، وفي حال تسريع عملية التثبيت، قد لا يصب ذلك في مصلحتهم".
وتابع: "في الوقت نفسه، تسريع عملية التثبيت يقدم قيمة كبيرة لمالكي مزارع الرياح مع بدء كل توربين توصيل الكهرباء قبل الموعد المحدد".
وأضاف أن "هذا أمر مهم لمزارع الرياح التي تتكون من الحد الطبيعي لتوربينات الرياح؛ حيث توفر تقريبًا كهرباء بقيمة 10 آلاف يورو (10.7 ألف دولار أميركي) يوميًا، أما المزرعة التي تحتوي على 100 توربين فإنها توفر مليون يورو يوميًا؛ لذلك يجب تقسيم هذه المكاسب بعد ذلك بطريقة ما، لتحفيز شركات التركيب لتسريع عمليات التثبيت".
(1 يورو = 1.07 دولارًا أميركيًا)
مستقبل الروبوتات في الطاقة المتجددة
يرى الرئيس التنفيذي لشركة إكس لابوراتوري، أندريه شيلي، أن مستقبل الروبوتات في تطوير تقنيات الطاقة المتجددة بدأ يأخذ منحنى تصاعديًا.
وقال، في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة: "سنُرَكِّب أول مزرعة للرياح في العام المقبل آليًا، كما أن سفينة "ليزاليز" التابعة لشركة جان دي نول ستُرَكِّب 107 أعمدة أحادية، مع قابض ركائر لتعويض الحركة بالكامل".
وفي نهاية حديثه، أشار إلى ضرورة الاعتماد على الروبوتات في المستقبل والمعدات الآلية المتقدمة، مضيفًا أنها ستؤدي دورًا أكبر في تسريع نمو قطاع الرياح البحرية ليتماشى مع متطلبات اتفاقية باريس للمناخ.
وانطلاقًا من هذه القناعة، بدأت مجموعة "جان دي نول"، إحدى أكبر شركات تركيب الرياح البحرية في العالم، تبني هذه التقنية.
وتستعد سفينة "ليزاليز" العائمة التابعة للشركة للعمل في وقت لاحق من هذا العام، وستكون قادرة على حمل 3 أضعاف، مقارنة بالسفن التقليدية.
وستستخدم في البداية نظام "إكس لابوراتوري" للتحكم في قابض عملاق، وسيساعد ذلك في التكيف مع أي حركة غير متوقعة في المياه.
ويمكن لهذه التقنية أن تقلل إجمالي وقت تركيب مزرعة الرياح بنحو 25%، بسبب قدرتها على العمل في الأجواء الصعبة.
وفي الوقت الحالي، سيُستخدم القابض لتثبيت دعائم توربينات الرياح، وليس أكثر العمليات تعقيدًا المتعلقة بربط الشفرات.
وأعرب رئيس قسم تحليل المنشآت والتركيبات البحرية في الشركة، غيرت ويميس، عن تفاؤله باستخدام التقنيات الروبوتية وقدرتها على مواجهة تحديات العمل في البحر على متن السفن العائمة.
وقال: "كان من الصعب التغلب على هذا الأمر خلال السنوات السابقة، لكن القابض يمكن أن يغير قواعد اللعبة".
اقرأ أيضًا..
- بعد اتجاهها لعقود الغاز طويلة الأجل.. حلول أوابك قد تنقذ أوروبا (تقرير)
- الهند تزيد من واردات النفط الروسي الرخيص.. هل تواصل المخاطرة بعلاقاتها الدولية؟ (تقرير)
- دراسة تحبط خطط المغرب والجزائر ومصر لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا