خطة "ريباور إي يو" الأوروبية.. هل تدعم الطاقة المتجددة أم الوقود الأحفوري؟
مي مجدي
- المفوضية الأوروبية تواجه معادلة صعبة بين التخلص من واردات الطاقة الروسية والأهداف المناخية
- أولوية الاستثمار تميل إلى توفير الإمدادات من مصادر بديلة عن الطاقة المتجددة
- الشكوك تساور نشطاء المناخ حول تطوير بنية تحتية جديدة للوقود الأحفوري
- يمكن إنهاء واردات الغاز الروسي بحلول عام 2025 دون الحاجة إلى تطوير بنية تحتية جديدة
- يمكن الاستفادة من البنية التحتية الحالية لتوفير 51 مليار متر مكعب من الغاز البديل
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأ الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات جادة لتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي، ودعا في مارس/آذار إلى خطة "ريباور إي يو" التي من شأنها أن تعزز كفاءة الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة.
وخلال الأسبوع الماضي، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الخطة ستستثمر 300 مليار يورو (320 مليار دولار) للتخلص من اعتماد الاتحاد الأوروبي على الوقود الأحفوري الروسي، وأصدرت مقترحات تشريعية لتحقيق أهداف البرنامج الجديد.
(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا)
وأكدت فون دير لاين أن 95% من التمويل سيركّز على الطاقة النظيفة، لكن عند النظر بتمعّن، يبدو أنها تميل لتعويض الوقود الأحفوري الروسي بأنواع أخرى من الطاقة الأحفورية، وفق مقال نقلته صحيفة إنرجي مونيتور عن الباحث الأميركي، ديف كيتنغ.
معادلة صعبة
نتيجة لذلك، تواجه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين معادلة صعبة بين توفير حلول قصيرة الأمد للمساعدة في التخلص التدريجي من واردات النفط والفحم والغاز من روسيا، دون المساس بالأهداف المناخية طويلة الأجل للاتحاد الأوروبي.
ولسوء الحظ، يبدو أن المفوضية لا تستطيع تحقيق التوازن لهذه المعادلة.
فاستثمارات ريباور إي يو البالغة 300 مليار يورو عبارة عن تعبئة تمويلية، أي إنه يمكن تحقيقها بعد حشد العديد من مصادر التمويل، وستتوفر على شكل منح تصل قيمتها 75 مليار يورو، والباقي على شكل قروض من خلال صندوق التعافي من آثار جائحة فيروس كورونا، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ووفقًا للباحث الأميركي ديف كيتنغ، ترجّح كفة الاستثمارات الأولية الفعلية صوب تأمين إمدادات أحفورية جديدة قصيرة الأمد، مع تسريع توفير ملياري يورو لتطوير البنية التحتية النفطية، لا سيما لتوسيع الموانئ وربطها بالمناطق التي تحتاج إلى النفط.
ويُفسر الكثير ذلك بأنه اقتراح للمجر -التي تعرقل مقترح المفوضية بحظر النفط الروسي- بتطوير بنية تحتية جديدة للإمدادات البديلة.
كما ستوفر 10 مليارات يورو أخرى على الفور لتطوير محطات الغاز الطبيعي المسال، وبنية تحتية جديدة للغاز.
في المقابل، يبدو أن توزيع الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة سيستغرق وقتًا أطول، مع عدم وجود حاجة ماسّة للتحرك بصورة عاجلة.
وأمام ذلك، أثار الوضع مخاوف العديد من الدول، من بينها النمسا والدنمارك وفنلندا وألمانيا وأيرلندا ولوكسمبرغ وهولندا، من أن ذلك سيقوّض الأهداف المناخية للاتحاد الأوروبي، وأبدوا عدم رغبتهم ببيع مخصصات نظام تداول الانبعاثات بالاتحاد الأوروبي (إي تي إس) لتمويل البنية التحتية للوقود الأحفوري.
انقسام داخل الاتحاد الأوروبي
في الوقت نفسه، يشهد الاتحاد الأوروبي انقسامًا عميقًا بين الدول، إذ ترى الكتلة الغربية ضرورة التخلص من جميع أشكال الوقود الأحفوري، أمّا الكتلة الشرقية فتعتقد أن التركيز يجب أن يتعلق باستهداف الوقود الأحفوري الروسي فقط.
وخلال يوم الخميس الماضي الموافق 19 مايو/أيار، قال المستشار الألماني، أولاف شولتز، إن الخيار الوحيد المنطقي للمشكلات الحالية في سوق الطاقة على المديين المتوسط والطويل هو التخلص من الطاقة الأحفورية.
ويرى نائب رئيس المفوضية الأوروبية، المسؤول عن الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي والحياد الكربوني بحلول عام 2050، فرانس تيمرمانز، أنه لا يوجد خيار سوى البحث عن بدائل "الوقود الأحفوري" على المدى القصير.
وأكد ضرورة التأكد من عدم خلق أصول جانحة -أصول تعاني من خفض غير متوقع أو التوقف عن استخدامها-، إذ سيكون ذلك هدرًا لأموال دافعي الضرائب.
وقال: "ميزة الغاز أنه يمكن الاستفادة من البنية التحتية وإعدادها لنقل الهيدروجين أو الأمونيا، لذا فإن الاستثمار الحالي في الوقود الأحفوري لن يكون هدرًا للأموال، وسيسهم في نقل الطاقة الخالية من الكربون مستقبلًا".
ومع ذلك، يساور نشطاء المناخ الشك إزاء هذا الطرح، ويشككون في الحاجة إلى تطوير بنية تحتية طارئة، أو قدرتها على حل الأزمة في المدى القصير، خاصة أن بناءها سيستغرق عدّة سنوات.
وحسب ما ذكره كيتنغ في المقال، أجرت 4 مؤسسات بحثية – إمبر وإي ثري جي وآر إيه بي وبيلونا- تحليلًا جديدًا كشف أن الاتحاد الأوروبي يمكنه إنهاء كل واردات الغاز الروسي بحلول 2025، أي قبل عامين من هدف المفوضية لعام 2027، دون الحاجة إلى بناء بنية تحتية جديدة لاستيراد الغاز، أو الغاز الطبيعي المسال.
ويمكن الاستعاضة عن 51 مليار متر مكعب من الغاز الروسي بوقود من مصادر أخرى عن طريق البنية التحتية القائمة، بالإضافة إلى استبدال مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة بـ101 مليار متر مكعب من الغاز الروسي.
أهداف الطاقة النظيفة
تحتوي حزمة الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع على مقترحات لرفع أهداف الطاقة النظيفة الأوروبية من 40% إلى 45% من مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة من 9% إلى 13% بحلول عام 2030، بحسب المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
بالإضافة إلى إستراتيجيات لتطوير الطاقة الشمسية، إذ ترى الرابطة الصناعية "سولار هيت يورب" أن الحزمة ستسهم في مضاعفة قطاع الطاقة الشمسية بحلول عام 2030.
وقال رئيس الرابطة، كوستاس ترافساروس، إنه يمكن استبدال المنتجات والوظائف الأوروبية بواردات الوقود الأحفوري.
ومع ذلك، تقول رئيسة علاقات الاتحاد الأوروبي في مجموعة كوربوريت ليدرز غروب، أورسولا وودبيرن، إن تركيز خطة "ريباور إي يو" على توفير الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة والكهربة يشير بوضوح إلى هدفها الرئيس للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، لكن هناك بعض العناصر في خطة ريباور إي يو أدى إلى إثارة القلق.
وتصرّ على أن تخصيص التمويل لتطوير بنية تحتية جديدة للوقود الأحفوري يخاطر بإنشاء أصول جانحة، واستمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وأضافت: "إذا أردنا تحقيق أهداف الصفقة الخضراء الأوروبية، فمن المهم تركيز تمويل خطة "ريباور إي يو" على إجراءات تتماشى مع تحقيق التحول الأخضر".
كما تشعر بالقلق من أن التمويل عن طريق نظام تداول الانبعاثات بالاتحاد الأوروبي (إي تي إس) قد يسفر في النهاية إلى تقويض أهداف الاتحاد الأوروبي المتعلق بخفض الانبعاثات.
وأخيرًا، أوضح كيتنغ في مقاله أنه من الصعب تحديد ما إذا كانت حزمة هذا الأسبوع تمثّل خطوة إلى الأمام أو للخلف في حرب الاتحاد الأوروبي ضد تغير المناخ، لا سيما أن الوضع جديد وخطير، ومن المنطقي أن ينصبّ تركيز قادة الاتحاد الأوروبي -حاليًا- على تدفئة المواطنين في الشتاء المقبل، بعد خفض واردات الوقود الأحفوري الروسي دون وجود بديل.
ورغم ذلك، لا يمكن لمشروعات البنية التحتية العملاقة في خطة "ريباور إي يو" أن تقدّم بديلًا بالسرعة الكافية لإحداث فارق.
وعلى الرغم من ادّعاءات، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانز، يمكن أن ينتهي الأمر مع أصول جانحة والتأخر عن الركب في الحرب ضد تغير المناخ؛ بسبب المقترحات السياسية المطروحة هذا الأسبوع.
ويتوقف الأمر الآن على البرلمان الأوروبي والحكومات لجعل هذه المقترحات ملائمة للمناخ في الأسابيع المقبلة.
اقرأ أيضًا..
- توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ليلًا وفي المطر.. 3 تقنيات جديدة
- أميركا تدرس قرارًا نادرًا بالسحب من احتياطي الديزل.. ماذا يعني ذلك؟
- السيارات ذاتية القيادة.. تقرير يكشف استعدادات السعودية لأحدث تقنيات المركبات