دعم الوقود في نيجيريا يؤجج أزمات الإسكان والتعليم والصحة
24.12 مليار دولار إجمالي دعم البنزين بين عامي 2012 و2021
مي مجدي
- دعم الوقود عبء على الاقتصاد النيجيري ويهمل القضايا الحساسة
- حال ضخ هذه الأموال سيُصبح بالإمكان القضاء على أمية 8.7 مليون طفل
- يمكن أن توفر هذه الأموال 431 ألفًا و557 مسكنًا للأسر المشردة
- دعم الوقود يزيد من تفاقم الديون والتضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية
أدخلت الحكومة النيجيرية نظام دعم الوقود للتخفيف من وطأة الآثار الاقتصادية الناجمة عن أسعار النفط القياسية، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، لكن مع تزايد الدعم في السنوات الأخيرة بات ضرره أكثر من نفعه.
وظهر أثر ذلك واضحًا في الاقتصاد النيجيري رغم ارتفاع أسعار النفط، وبدأت تتزايد المخاوف إزاء القدرة على تحمّل الديون.
وفي ظل ذلك، تكبدت الدولة الأفريقية خسائر فادحة، بعدما أقدمت على التضحية بقضايا التعليم والإسكان والصحة مقابل دعم الوقود، حسب تحليل أجراه قسم الاقتصاد في صحيفة بانش النيجيرية.
استنزاف الموارد
استنادًا إلى بيانات من مؤسسة النفط الوطنية، ووزارة المالية، ومصادر أخرى، أنفقت أبوجا 10 تريليونات و529 مليار نايرا نيجيرية (24.12 مليار دولار أميركي) على دعم البنزين بين عامي 2012 و2021.
(نايرا نيجيرية= 0.0024 دولارًا أميركيًا)
ومن المقرر أن تخصص الحكومة 4 تريليونات نايرا لدعم الوقود خلال العام الجاري، ويمثل ذلك نحو 23.35% من موازنة نيجيريا لعام 2022، و2-3% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
وبينما تستعد الحكومة لإنفاق المبلغ الضخم على دعم البنزين، الذي يصب في صالح الأغنياء عمومًا، يبدو أنها تخلفت عن القضايا الاقتصادية الحساسة الأخرى؛ من بينها الإسكان والتعليم والصحة.
ويرى رئيس اتحاد المصنعين في نيجيريا، منصور أحمد، أن دعم البنزين أثقل كاهل الاقتصاد النيجيري، مؤكدًا أن إيلاء أهمية كبيرة للبنزين على قضايا الصحة والبنية التحتية كان في غير محله.
وقال: "نعتقد أن الدعم يمثل عبئًا على اقتصادنا، فالقطاع الاجتماعي مهم ويأتي في الصدارة، ورغم أن المواطنين يشعرون بأهمية الوقود، لكن عند مقارنته بقضايا الصحة والتعليم والأمن، ستلاحظ أنه لا يوجد وجه للمقارنة".
قضايا الإسكان
يمكن للأموال التي خصصتها الحكومة الفيدرالية البالغة 4 تريليونات نايرا نيجيرية لدعم الوقود في عام 2022، أن توفر مساكن ملائمة لمئات الآلاف من الأسر النيجيرية.
فوفقًا للبرنامج الوطني للإسكان، الذي أطلقته الحكومة تحت إشراف وزارة الأشغال والإسكان، يبلغ الحد الأدنى لأسعار الشقة المكونة من غرفة نوم واحدة 7.22 مليون نايرا، و9.26 مليون نايرا بحد أقصى.
والمبلغ المخصص في الميزانية لدعم الوقود، يمكن أن يسهم في تأمين 431 ألفًا و557 شقة بغرفة واحدة للأسر المشردة إذا كانت التكلفة تبلغ 9.269 مليون نايرا.
لكن حال كانت التكلفة 7.22 مليون نايرا، كما هو الحال في بعض الولايات النيجيرية، يمكن زيادة عدد الشقق إلى 553 ألفًا و832.
وكانت الحكومة النيجيرية قد أطلقت البرنامج لتوفير مسكن ملائم وبأسعار معقولة للمواطنين، وشرعت في التنفيذ في عام 2016، ليشمل 34 ولاية وإقليمًا، مع التركيز على عواصم الولايات.
ورغم ذلك هناك تقارير متضاربة إزاء نجاح البرنامج، إذ يزعم العديد من المواطنين أنهم تقدموا بطلب للبرنامج، لكن لم يتمكنوا من الاستفادة منه.
إهمال قطاع العقارات
على صعيد متصل، كشف تقرير صادر عام 2020 عن منظمة بورغن بروجكت (منظمة غير ربحية تتصدى لقضايا الفقر والجوع ومقرها سياتل)، أن نيجيريا تواجه عجزًا سكنيًا يبلغ قرابة 17 مليون وحدة سكنية.
وأشار التقرير إلى أن إهمال قطاع العقارات كان بسبب نقص الاستثمارات من جانب الحكومة، وعدم قدرة المواطنين على شراء المنازل.
وفي عام 2017، قدر مكتب إصلاح الخدمة المدنية عدد النيجيريين المشردين في ذلك الوقت بـ108 ملايين، مطالبًا ببناء المزيد من الوحدات السكنية، كما أوصى البنك الدولي ببناء ما لا يقل عن 700 ألف وحدة سنويًا في نيجيريا.
ومع ذلك، تواصل الحكومة دعم الوقود، وتذهب أغلب إيراداتها إلى صالح الدعم، في حين يعيش الملايين من المواطنين بلا مأوى.
التعليم والصحة
في الوقت نفسه، تطالب هيئة التدرئيس بالجامعات بتخصيص 200 مليار نايرا لتجديد نظام التعليم في نيجيريا، ويشكل ذلك 5% فقط من الميزانية المقرر إنفاقها على دعم الوقود.
فإذا قررت الحكومة الفيدرالية وقف دعم البنزين وضخ هذه الأموال في نظام التعليم، يمكن أن يسهم ذلك في حصول كل طفل من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس -البالغ عددهم 8.7 مليونًا- على ميزانية قدرها 459 ألفًا و770 نايرا، وسيسمح ذلك ببقائهم في المدرسة لمدة عامين على الأقل.
وحول قطاع الصحة، يمكن أن ترتفع موازنة الصحة للفرد لهذا العام من 4 آلاف و100 نايرا إلى 24 ألف نايرا، وهذا يعني الحد من عدد الوفيات سنويًا بسبب الأمراض.
فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تتسبب أمراض القلب في وفاة 108 آلاف و578 نيجيريًا سنويًا، في حين بلغ عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بالملاريا نحو 90 ألف نيجيري.
بالإضافة إلى ذلك، يفتك مرض السل بقرابة 157 ألف نيجيري سنويًا، في حين يودي الإسهال بحياة 100 ألف طفل.
ووفقًا لوزارة الصحة، تتجاوز الوفيات الناجمة عن مرض السرطان حاجز الـ70 ألفًا سنويًا، في ظل الافتقار إلى العلاجات والأجهزة الطبية، فنيجيريا لا تمتلك سوى 3 أجهزة للعلاج الإشعاعي في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، تواصل حكومة الرئيس محمد بخاري دعمها للبنزين، الذي لا يستفيد منه سوى الأغنياء والطبقة المتوسطة، ممن لديهم سيارات ومولدات للكهرباء.
انتقاد السياسات
في تعليق على تلك الأوضاع، استنكر أستاذ اقتصاديات الطاقة بجامعة نامدي أزيكيوي، أوتشي نوغوغو، تخصيص 4 تريليونات نايرا لدعم البنزين، قائلاً إنه ضريبة استهلاكية.
ويرى أن هذا المبلغ كان كافيًا لدعم عمليات التكرير المحلية، مشيرًا إلى أن توجيه موارد نيجيريا المحدودة إلى الدعم يُعد إهدارًا للمال عندما تكون قضايا تمويل التعليم والبنية التحتية والأمن في بؤرة الاهتمامات الملحة.
وقال: "لا أحد يعلم أساس الدعم بمبلغ قدره 4 تريليونات نايرا، فدعم البنزين يُعد فسادًا بالنسبة إلى اقتصادات الطاقة، ويمكن الاستفادة من هذه الأموال في تطوير مصادر طاقة بديلة والطاقة المتجددة، لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري".
وشدد على ضرورة الاستثمار في المشروعات الرأسمالية بدلًا من الاستهلاك؛ لانتشال النيجيريين من شبح الفقر.
من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي الرئيس التنفيذي لمركز "بروموشن أوف برايفت إنتربرايس"، مودا يوسف، من أن الدعم سيزيد من تفاقم الديون والعجز المالي والتضخم، إلى جانب انخفاض قيمة النايرا النيجيرية.
وقال: "مع هذا التطور، يمكن أن يكون المستقبل المرتقب للاقتصاد الكلي مصدرًا للقلق، فنتائج هذه القرارات تشمل زيادة الاقتراض، وارتفاع خدمة الدين، وزيادة العجز المالي وزيادة الضغوط التضخمية، وخطر التعرض لانخفاض في سعر صرف النايرا".
وتابع: "أضف إلى ذلك زيادة الإنفاق المتكرر، لا سيما أن خدمة الدين ودعم الوقود يبتلعان جزءًا كبيرًا من إيرادات الحكومة".
وحث النيجيريين على الاستعداد لمواجهة تحديات صعبة، مع احتمال تأجيل إجراء الإصلاحات الضرورية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي والنمو.
كما أعرب عن أسفه إزاء وجود سياسات وأنظمة غير فعالة في البلاد، مشيرًا إلى تقاعس المسؤولين والجمعية الوطنية عن خفض الإنفاق على نحو يعكس الوضع المالي الضعيف الراهن للحكومة.
اقرأ أيضًا..
- خط أنابيب دروجبا.. أبرز المعلومات عن أطول خطوط أنابيب للنفط عالميًا
- أنبوب الغاز النيجيري.. الجزائر ترد على تأجيل المشروع ولا منافسة مع المغرب
- أول رد من المغرب على تأجيل مشروع أنبوب الغاز النيجيري (خاص)