هل تحظر أوروبا واردات النفط الروسية مع تراجع الإنتاج العالمي؟ (مقال)
فاندانا هاري - ترجمة: أحمد بدر
يكافح الاتحاد الأوروبي لوضع خطة للتخلص التدريجي من واردات النفط الروسية، من شأنها أن تحصل على دعم جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.
لكن روسيا مستمرة في هجومها على أوكرانيا، دون أن تثنيها جولات متعددة من العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتواصل الضغط على الاتحاد الأوروبي لإيجاد طريقة لحرمان موسكو من المزيد من عائداتها النفطية.
وأدى هذا بدوره إلى استمرار القلق بشأن المعروض في سوق النفط مرتفعًا، ودعمت العقود الآجلة لخام برنت القياسي أعلى بكثير من 100 دولار، وعلى الرغم من أن الأسعار سجلت خسارة أسبوعية، فإن عقد شهر يونيو/حزيران المقبل سجّل 106.65 دولارًا للبرميل، وهو أعلى بكثير من مستوى 98.48 دولارًا في 11 أبريل/نيسان، الذي أعقب إعلان الولايات المتحدة وأصدقائها في وكالة الطاقة الدولية إطلاق 180 مليون برميل من احتياطيات النفط الطارئة، خلال مايو/أيار وحتى أكتوبر/تشرين الأول.
وأبدت ألمانيا، الأسبوع الماضي، استعدادها للتخلص التدريجي من واردات النفط الروسية بحلول نهاية هذا العام، في حين لا تؤيد النمسا والمجر الحظر.
وبرز دور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يسعى لإعادة انتخابه، كونه أكثر المؤيدين صراحة لحظر وادرات النفط الروسية في الأسابيع الأخيرة. وقال وزير ماليّته برونو لومير، الأسبوع الماضي، إن هذه الخطوة "ضرورية"، لكنه أقرّ بأن إشراك جميع الشركاء الأوروبيين كان أمرًا صعبًا، وقد يستغرق "أسابيع".
نتائج الضغط على موسكو
مع استبعاد الحظر التامّ فعليًا لواردات النفط الروسية، يبقى السؤال هو: هل سيؤدي الإلغاء التدريجي والمقيّد للواردات إلى الضغط الكافي على موسكو لتغيير مسارها في أوكرانيا؟
إنه موقف مأزق كلاسيكي بالنسبة للاتحاد الأوروبي: فما يمكنه أن يُلحق أكبر قدر من الألم بموسكو يمكن أن يرتدّ أكثر من غيره.
وتتجنّب بروكسل أيّ إجراءات ضد الغاز الروسي، وهو أمر أكثر أهمية نسبيًا لأمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، إّ يلبي نحو 40% من استهلاك الكتلة (على عكس واردات النفط الروسية التي تلبي 29% من طلب دول أوروبا على النفط).
لكن أيّ تحرك للاتحاد الأوروبي ضد واردات النفط يزيد أيضًا من خطر انتقام موسكو من خلال تقييد إمدادات الغاز.
ومن المرجح أن تتفاقم الخلافات المستمرة حول مرسوم الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يطالب شركات الاتحاد الأوروبي بالدفع بالروبل بدلاً من اليورو مقابل الغاز الروسي، الذي يُسلَّم بدءًا من 1 أبريل/نيسان الجاري، وذلك خلال الأسابيع المقبلة عندما تصبح المدفوعات مستحقة.
التجّار والنفط الروسي
قد يؤدي تراجع التجّار إلى مزيد من تراجع واردات النفط الروسية، وحتى إذا ظل الاتحاد الأوروبي مترددًا بشأن الحظر، فقد تتعطل المزيد من الإمدادات خلال الأسابيع المقبلة.
ومرّر الاتحاد الأوروبي مجموعة من اللوائح في 15 مارس/آذار، تحظر على الشركات الدخول في معاملات مع شركات النفط الحكومية الروسية، وهي روسنفط وغازبروم نفط، بعد 15 مايو/أيار، ما لم تكن هناك ضرورة قصوى وقوية لتوفير الوقود الأحفوري للاتحاد.
ويعدّ بند "الضرورة القصوى" غامضًا إلى حدّ ما، لكن من المتوقع أن تعمل مراكز تجارية عالمية مثل فيتول وجلينكور وجونفور وترافيغورا، بأمان، من خلال تقليص مشترياتها من واردات النفط الروسية.
ويقع المقرّ الرئيس للمراكز الـ3 الأولى في سويسرا، التي تبنّت عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، في حين يقع المقرّ الرئيس لشركة ترافيغورا في سنغافورة، لكن الشركة تمارس نشاطًا تجاريًا كبيرًا في أوروبا والولايات المتحدة.
ويعدّ التجّار قناة مهمة لبيع ونقل واردات النفط الروسية إلى الصين والهند، ومن المتوقع أن يؤدي انسحابهم إلى إبعاد المزيد من البراميل الروسية عن السوق.
وقد تفسر القيود الوشيكة اندفاع روسنفط لتفريغ كميات كبيرة غير معتادة من النفط الخام من خلال المناقصات الأسبوع الماضي.
وعرضت الشركة 37.4 مليون برميل من شحنات الأورال من الموانئ الغربية في مايو/أيار ويونيو/حزيران، و11 شحنة فورية من سيبيريا لايت، إسبو وسوكول للتحميل من الشرق، وفقًا لتقرير بلومبرغ.
بينما امتنعت شركات التكرير الهندية، التي عززت وارداتها من واردات النفط الروسية خلال الأسابيع الأخيرة، عن تنفيذ شرط روسنفط المتمثل في دفع 100% من سعر شحنات الأورال مقدمًا، بناءً على القيم المؤقتة وتفضيلها للدفع بالروبل، إذ منحت المناقصات مساحة واسعة.
تراجع الإنتاج الروسي
لا يزال من الصعب التأكد من الكمية الدقيقة للنفط الروسي الذي أُزيل من السوق، إذ تُخلَط بعض التدفقات وتعاد تسميتها، كما يعاد توجيه بعضها إلى آسيا، ولكن يصبح من الصعب حسابها، إذ أصبح المشترون الصينيون أكثر سرّية بشأن عمليات الشراء الفورية من روسيا.
في حين تحولت شركات التكرير الهندية من المناقصات المفتوحة إلى المفاوضات الخاصة بشأن إمدادات النفط الروسية، في الأيام الأخيرة.
فقد كانت السوق تدرس تحركات الناقلات التي تحمل النفط الروسي، بجانب التقارير غير الرسمية من الأرض في روسيا وصور الأقمار الصناعية، ويُقدَّر أن إنتاج النفط انخفض بما يزيد قليلًا عن مليون برميل في اليوم، في الأسبوعين الأولين من أبريل/نيسان الجاري، إلى نحو 10 ملايين برميل يوميًا.
وسيؤدي الانخفاض في الإنتاج الروسي إلى تفاقم النقص المتضخم في إنتاج أوبك وأوبك+، إذ ضخّ أعضاء أوبك+ الـ19، الملتزمون بالحصص مجتمعة نحو 39.54 مليون برميل يوميًا من النفط الخام في مارس/آذار الماضي، وفقًا للأرقام المتفق عليها من استطلاعات وكالات الأنباء المستقلة، أي أقلّ بنحو 1.39 مليون برميل يوميًا من الرقم المستهدف.
ولا يساعد تجدد انقطاع الإنتاج في ليبيا، إّ فقدت البلاد ما يُقدَّر بنحو 500 إلى 600 ألف برميل يوميًا من الإنتاج، أو ما يقرب من 50% من طاقتها منذ نهاية الأسبوع الماضي، بسبب المتظاهرين الذين عطّلوا عمليات الإنتاج في حقول النفط ومحطات التصدير.
بشائر زيادة الطلب
من المفترض أن يؤدي استئناف شحنات خام قازاخستان، من النقرة "سي بي سي"، بعد انقطاع دام شهرًا، إلى التخفيف من شحّ المعروض في السوق، إذ تمّ إصلاح 2 من المراسي الـ3 في ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود، والتي كانت تضررت من العواصف، ومن المتوقع أن تعود إلى الإنتاج.
وسيؤدي هذا الأمر إلى إعادة شحنات النفط الخام لطبيعتها، حسبما قال وزير الطاقة القازاخستاني بولات أكشولاكوف، الأسبوع الماضي.
ويأتي النفط من حقلي كاشاجان وتنغيز في قازاخستان، عبر خط أنابيب بحر قزوين، الذي ضخّ بمعدل 1.5 مليون برميل يوميًا في فبراير/شباط الماضي.
فإذا كان إطلاق براميل "إس بي آر" وإعادة التصدير عبر ميناء نوفوروسيسك الروسي يمنح السوق استراحة من مخاوف العرض، فسوف تعود صورة الطلب الضعيفة للعيان، ما يزيد من الضغط الهبوطي على الأسعار.
وخفض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، توقعاتهما بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2022.
ويبدو الطلب الصيني على النفط مهتزًا، إذ تنتهج بكين إستراتيجيتها الخالية من آثار جائحة كورونا، بجانب استهلاك الولايات المتحدة الأقلّ من مستويات 2019.
بينما يؤدي ارتفاع الدولار الأميركي إلى تآكل القوة الشرائية للمشترين حول العالم، الذين يحملون عملات أخرى، فقد يكون النصف الثاني من العام متناقضًا مع السوق الصاعدة في النصف الأول.
*فاندانا هاري هي مؤسّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة
اقرأ أيضًا..
- فاتورة واردات النفط الخام في الهند تتضاعف إلى 119 مليار دولار في 2022
- الطلب على الفحم.. أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا تعيد الوقود الملوث إلى الواجهة
- المعادن الأرضية النادرة.. تقنية جديدة تساعد على استخراجها من نفايات الفحم