السيارات الكهربائية ليست الخيار الأمثل لخفض انبعاثات قطاع النقل (تحليل)
في ظل تسارع العديد من الدول لتحقيق الحياد الكربوني، تبرز السيارات الكهربائية خيارًا لخفض الانبعاثات في قطاع النقل، متجاهلة العديد من التحديات التي ربما تكون غير مستدامة.
أكد العديد من الخبراء أن جدارة السيارة الكهربائية التكنولوجية لا تتناسب مع ما ينسبه الإعلام لها، إذ لم يعد تمكين اختراق السيارات الكهربائية في أسواق السيارات الخفيفة خافيًا، إلّا أن ما يثير الدهشة هو تقديمها من قبل البيئيين جزءًا من "المفارقة الخضراء" في جانب الطلب.
وأشار محللون إلى أن سياسات المناخ في العديد من الدول التي تتبنّى دعم انتشار السيارات الكهربائية، والتي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون، سيكون لها تأثير معاكس، وتقليل جزئي غير جوهري للانبعاثات، مع استنزاف للموارد المعدنية الناضبة، خاصةً المعادن الحرجة، والتي يصعب تدويرها في الاقتصاد.
البطاريات الكهربائية
تكنولوجيا البطاريات الكهربائية السائدة هي بطارية الليثيوم، إذ يُستخدم كل من الليثيوم، والنيكل، والكوبلت، والمغنيسيوم، والغرافيت، مكونات رئيسة لاستخدامات البطاريات الكهربائية ذات القابلية لإعادة الشحن، والتي تُستخدم في العديد من الإلكترونيات الاستهلاكية، بالإضافة إلى السيارات الكهربائية.
على الرغم من أن البطارية الكهربائية لا تنتج أيّ ملوثات في الغلاف الجوي خلال التشغيل، فإن هناك انبعاثات مدرجة في مراحل أخرى من دورة حياتها، خلال التعدين والتصنيع والنقل وبناء معدّات التوليد.
وقال الخبراء، إن دورة حياة غاز ثاني اكسيد الكربون للسيارات الكهربائية تتأثّر بشكل كبير بمصدر توليد الكهرباء التي يعاد فيه شحن البطارية، فمثلًا، في الصين، والتي تعتمد على الفحم بشكل كبير بتوليد الكهرباء، يتجاوز دورة حياة غاز ثاني أكسيد الكربون للسيارات الكهربائية دورة الانبعاثات ذاتها من سيارة الاحتراق الداخلي.
تحول قطاع الكهرباء
الشرط الضروري لكي تنخفض الانبعاثات عند استخدام السيارة الكهربائية أن يتحول قطاع الكهرباء بالكامل إلى توليد خالٍ تمامًا من الانبعاثات، فلو افترضنا أن طاقة التوليد مناصفة بين الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي، فإن خفض الانبعاثات لن يزيد عن 50% من انبعاثات سيارة الاحتراق الداخلي.
مازال تحول توليد الكهرباء نحو الطاقة المتجددة مرهونًا باستحداث تكنولوجيات تخزين الكهرباء، وهي تقنيات ليست ماثلة في الأفق، وتحديث ضروري ومُكلف للشبكة الكهربائية، فمن غيرهما لا يُتوقع أن تخترق الطاقة المتجددة بأكثر من 40-45% قطاع توليد الكهرباء.
سيؤدي أيّ خلل محتمل في سلاسل توريد المعادن الحرجة إلى تعرّض نمو التحول نحو بطارية الليثيوم للانحسار، لأنها تعتمد، بشكل أكبر بكثير على المعادن عمومًا، والمعادن الحرجة خصوصًا، في تكنولوجية عملها، مقارنة بسيارة الاحتراق الداخلي.
هناك العديد من العوامل التي قد تزيد من احتمال حدوث خلل في الإمداد لبعض هذه المعادن، كالندرة الجيولوجية، واختلالات أسواق المعادن، والتركز الجغرافي لوجود بعض الخامات في عدد قليل من البلدان غير المستقرة.
الطلب على المعادن
تعدّ الزيادات المطّردة في الطلب على المعادن من التحديات المستدامة، بسبب استحداث أو تطوّر تكنولوجيات منافسة على المعدن، وفضلًا عن الإمداد غير المرن بسبب إنتاج المعدن فقط منتجًا ثانويًا، وقدرة محدودة في إعادة التدوير بعد الاستهلاك الأول، والانخفاض المستمر لتركز المعادن في الخامات المعدنية، ونقص البدائل المناسبة.
تشير دراسات كثيرة، ومنها دراسة موثوقة من البنك الدولي، إلى تعذُّر أن تواكب صناعة التعدين بمعدل استخراجها الأقصى للمعادن الحرجة معدل نمو اختراق السيارات الكهربائية المستهدف بالتكنولوجيات الحالية، كما إن النضوب الاقتصادي لن يجعل بالإمكان التحول التامّ اليها.
ستُستَنْفَد المواد الأساسية لتصنيع بطاريات أيونات الليثيوم (الليثيوم والنيكل والكوبالت) بحلول عام 2050، إذ يمكن أن يتجاوز الطلب التراكمي من الطاقة المتجددة وتقنيات التخزين الحالية احتياطيات الكوبالت والليثيوم والنيكل.
تحول الطاقة
كل هذه التحديات تشير إلى أن التحول التامّ بالتكنولوجيات الحالية غير مستدام، لأن التحول التامّ إليها غير ممكن؛ بسبب النضوب الاقتصادي وصعوبة بناء اقتصاد دائري محكم لمعظم المعادن الحرجة.
كما إنه لا بد من الاعتقاد بأن المعادن غير الحرجة سوف تشهد قفزات سعرية؛ إذا كان التوسع المتسارع أعلى من مجموع كل من معدل القدرة الاستخراجية ومعدل التدوير أو وجود قيود أخرى في سلاسل إمداده.
مما لا يدركه الكثيرون أنه إذا ما جرى التحول للسيارات الكهربائية، فإننا ندخل عصرًا جديدًا، لن تكون فيه أهمية الجغرافيا السياسية بأقلّ من مستواها في عصر النفط، إذ تتركز سلسلة امداد المعادن بمراحلها المختلفة من استخراج ومعالجة وتجديد وتصنيع واستخدام نهائي في مناطق جغرافية محدودة، ولكن يكمن التهديد الأكبر في التركز الجغرافي لوجود بعض خامات المعادن، وتزداد المخاطرة إذا ما تركَّز الخام في البلدان ذات الموثوقية المنخفضة.
لعل أهم ما تتميز به السيارات الكهربائية هو عزم محركها المثير للإعجاب، حقًا، وقلّة الحاجة للصيانة، وفي المقابل، فإن شحن السيارات الكهربائية يستغرق الكثير من الوقت، فلكي تُشحن البطارية بنسبة 80%، فإن الوقت اللازم لن يقلّ عن 19 دقيقة.
كما إن المسافة المقطوعة لكل عملية شحن محدودة، وتزيد بسعر المركبة وتتأثر بالظروف المناخية، كما تزايدت في الآونة الأخيرة حوادث احتراق البطاريات الكهربائية لأسباب كثيرة.
دور الهيدروجين الأزرق
لا بد من تسويق الهيدروجين الأزرق على أنه بديل أكثر استدامة من السيارات التي تعمل بالبطاريات الكهربائية، والمساعدة في استحواذه على حصة كهربة قطاع النقل المتوقعة.
ولا بدّ لفجوة كمية الطلب على وقود السيارات من تجسيرها باستخراج الهيدروجين من النفط بنموذج أعمال مستمد من الاقتصاد الدائري الكربون، والتي يمكن أن تصل الى 15 مليون برميل يوميًا في عام2039.
ما نحتاجه هو تسريع الابتكار التكنولوجي، والذي يهدف لنقل السيارة الهيدروجينية للمرحلة التجارية بتخفيض التكلفة الكلية على المستهلك، بتكامل سلاسل التوريد، وتقنية الخلية الهيدروجينية، واستخراج الهيدروجين.
تستطيع تقنية الهيدروجين أن تكون بديلًا لكلّ من استخدام البنزين والديزل في محركات الاحتراق الداخلي، كما يُتوقع أن يكون بديلًا اقتصاديًا وأكثر استدامة من استخدام بطاريات الليثيوم في السيارات الكهربائية، وتستطيع أيضًا اختراق أسواق خزن الطاقة ذات الأهمية المتزايدة.
وفي الوقت الذي يُعدّ فيه التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون من نهايات أنابيب مولدات الفحم والغاز الكهربائية غير مجدٍ اقتصاديًا لعدم نضج الابتكار التكنولوجي، فإن حلقة الاقتصاد الدائري للكربون لن تكتمل إلّا باقتصاديات الهيدروجين، لا سيما أن النفط يُستخدم غالبًا بقطاع المواصلات في المحركات "السيارة" ذات الاحتراق الداخلي المثيرة لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (نحو 20% من الانبعاثات).
القيمة المضافة
أشار باحثون إلى أنه لكي يحدث ذلك، لا بد من تعزيز اقتصاديات سلسلة القيمة العالمية لاستخراج الهيدروجين من النفط للوصول للتكلفة التعادلية لجعل النفط المصدر الرئيس لإنتاجه، بالمقارنة مع الغاز الطبيعي والبدائل الأخرى.
يعدّ تعزيز الشراكات الإستراتيجية مع أصحاب التوجه المشترك بين كلّ من المنتجين والمستهلكين لجعل الهيدروجين مصدرًا رئيسًا للطاقة في مجالات المواصلات وتعزيز موثوقية إنتاج الكهرباء وجعله المصدر الرئيس لتخزين الكهرباء، لا بد أن يكون على قائمة الأولويات.
يشار إلى أن الاختراق المبرمج والمدروس والموجّه للاقتصاديات القابلة لاستهلاك الهيدروجين عند تكاليف مرتفعة نسبيًا، في البداية، ذو بعد إستراتيجي عميق، لا سيما أن هذه الاقتصاديات هي في الغالب من محاربي استغلال النفط.
موضوعات متعلقة..
- السيارات الكهربائية تخفض 76% من الانبعاثات مقارنة بـ"التقليدية" بحلول 2030 (تقرير)
- تكلفة التأمين على السيارات الكهربائية تزيد 23% عن العاملة بالوقود الأحفوري (مسح)
اقرأ أيضًا..
- النفط الروسي.. الهند تغير إستراتيجيتها بحثًا عن خصومات أكبر
- ليلى بنعلي تكشف خطة المغرب لمواجهة أزمة أسعار الطاقة (فيديو)