مخاطر زيادة اعتماد أوروبا على الغاز الأميركي (مقال)
- ثورة الغاز الصخري جعلت أميركا أكبر مصدّر للغاز المسال في العالم
- لولا الغاز الأميركي، لوافقت الدول الأوروبية على كل المتطلبات الروسية
- تكلفة الغاز المسال الأميركي في أوروبا أعلى من تكلفة الغاز الروسي
- أحد الفروقات الأساسية بين الغاز المسال وغاز الأنابيب أن تكاليف نقل المسال أعلى
- أيّ عمليات سيبرانية ستعرّض أمن الطاقة في أوروبا للخطر
- إذا ارتفعت أسعار الغاز داخل أميركا، ستتعالى مطالبات بوقف الصادرات إلى أوروبا
من أكبر المستفيدين من وقف أنبوب غاز نورد ستريم ومن الغزو الروسي لأوكرانيا؟
- صناعة الغاز المسال الأميركية
من أكبر مسوّق للغاز المسال الأميركي في أوروبا؟
- الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، رغم أن الصناعة كلها ملكية خاصة، ولا علاقة لها بالحكومة.
من أكبر انتهازي لتأمين سوق دائمة للغاز المسال الأميركي في أوروبا؟
- الرئيس الأميركي جو بايدن
من أكبر مُصدّر للغاز إلى أوروبا حالياً؟
- الولايات المتحدة، ونسبة الاعتماد على الغاز الأميركي المسال في ازدياد مستمر، إذ يُتوقع أن ترتفع صادرات الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا بنحو 20% خلال الشهور المقبلة، بعد الانتهاء من بناء محطات تسييل جديدة.
مكّنت ثورة الغاز الصخري الولايات المتحدة من التحول من مستورد للغاز المسال إلى أكبر مصدّر له في العالم، والسوق الطبيعية لصناعة الغاز المسال الأميركية هي أوروبا، والتي اعتمدت تاريخيًا على الغاز الروسي.
وبعيدًا عن نظرية المؤامرة، فإن وقف خط غاز نورد ستريم 2 والغزو الروسي لأوكرانيا فتحَ السوق الأوروبية على مصراعيها للغاز الأميركي. والواقع أن الغاز الأميركي أنقذ أوروبا من ورطة سياسية واقتصادية كبيرة، فلولا الغاز الأميركي لوافقت الدول الأوروبية على كل المتطلبات الروسية.
إلّا أن زيادة اعتماد أوروبا على الغاز الأميركي بدلًا من الروسي لا تعني -بالضرورة- تحسُّن أمن الطاقة في أوروبا، بل على العكس، أوروبا معرّضة لمخاطر أكبر نتيجة اعتمادها المتزايد على الغاز الأميركي.
زيادة الاعتماد على الغاز الأميركي تهدد أمن الطاقة الأوروبي
يمكن اختصار مخاطر زيادة اعتماد أوروبا على الغاز الأميركي في 9 نقاط، هي:
1- ارتفاع الذبذبة والمخاطرة في أسعار الغاز: يباع الغاز المسال عالميًا عن طريق العقود طويلة المدة، والتي ترتبط فيها أسعار الغاز بأسعار النفط بطريقة أو بأخرى، كما يباع في السوق الفورية. أغلب الارتفاع الكبير في أسعار الغاز المسال الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام في الشهور الأخيرة كان في الأسواق الفورية، وليس العقود، وأغلب الغاز المسال الأميركي المبيع في أوروبا يباع في السوق الفورية.
مشكلة الأسعار في الأسواق الفورية أنها تتذبذب بشكل كبير، إذ قد يبلغ أعلى سعر أكثر من عشرة أضعاف أدنى سعر خلال مدة قصيرة، ولهذه الذبذبة مخاطر عديدة، أهمها أن شركات الكهرباء والغاز ستعاني من مشكلة كبيرة في إدارة مخرجاتها من جهة، وموازناتها من جهة أخرى، ولا تستطيع المصانع التخطيط على مدى طويل وأسعار الطاقة تتذبذب بشكل كبير، وعلى الرغم من أن هناك طرقًا مالية للتحوط لإلغاء أثر هذه الذبذبات، فإنها ترفع التكاليف، وتخفض الأرباح.
2- ارتفاع التكاليف: عمومًا، فإن تكلفة الغاز المسال الأميركي في أوروبا أعلى من تكلفة الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا عبر أنابيب، لهذا فإن ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا سيصبح دائمًا بسبب زيادة الاعتماد على واردات الغاز المسال الأميركي.
3- الأعاصير في خليج المكسيك: تعاني صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات الأميركية -سنويًا- من الأعاصير في خليج المكسيك، هذه الأعاصير، حتى لو لم تسبّب أيّ دمار، فإنها توقف الملاحة في الخليج، وأحيانًا تُجبر معامل الغاز المسال والمصافي على التوقف عن العمل، وغالبًا ما ينتج عن هذه الأعاصير انقطاع الكهرباء وفيضانات، وهذا بدوره يؤثّر سلبًا في عمليات ضخّ الغاز وعمليات التسييل، وعمليات المرافئ.
وشهدت السنوات العشرون الأخيرة العديد من الأعاصير المدمرة، مثل كاترينا، وريتا، وآيفن، وغيرها، فماذا ستفعل أوروبا إذا توقفت إمدادات الغاز المسال الأميركية؟ ما البديل؟
4- ارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة: تاريخيًا، سُعِّرَ الغاز المسال بربطه بسعر النفط، فإذا ارتفعت أسعار النفط ارتفعت أسعار الغاز المسال، والعكس بالعكس.
إلّا أن ثورة الغاز الصخري غيّرت المقاييس؛ لأنها مكّنت من بناء محطات تسييل للغاز وبيعه وفقًا لأسعار الغاز الحرة في الأسواق الأميركية، بعبارة أخرى: سعر الغاز الأميركي المسال ليس مرتبطًا بأسعار النفط، وهذا يعني أن الغاز المسال الأميركي يحظى بميزة تنافسية مع ارتفاع أسعار النفط؛ لأنه أرخص من غيره، ويستطيع توسيع أسواقه، ولكن في حال انخفاض أسعار النفط تقلّ تنافسية الغاز المسال الأميركي، وارتفاع أسعار الغاز داخل الولايات المتحدة يقلّل -أيضًا- من تنافسية الغاز المسال في الأسواق الفورية، باختصار: اعتماد أوروبا على الغاز الأميركي يعني ارتفاع مخاطر انقطاع الإمدادات.
5- العوامل السياسية وتغير السياسات: مثلما خرجت الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ، وتخلّت عن اتفاقية النووي مع إيران، وفرضت عقوبات على فنزويلا، وتوترت علاقاتها مع حلفاء تجاريين من أوروبا إلى آسيا، وساءت علاقاتها مع دول الخليج، فإنه لا يمكن القول بأن السياسة الأميركية في الطاقة تجاه أوروبا ستستمر.
وإذا ارتفعت أسعار الغاز داخل الولايات المتحدة بشكل كبير، فإن عددًا من السياسيين الأميركيين سيطالبون بوقف -أو تخفيض- صادرات الغاز المسال إلى أوروبا، وإذا تحقق ذلك، من أين تأتي أوروبا بالغاز؟ أضف إلى ذلك أن أيّ توتر في العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وأيّ دولة أوروبية قد يؤثّر في إمدادات الغاز المسال الأميركية، وما موضوع بيع الغواصات الفرنسية إلى أستراليا ببعيد.
ما ذُكر أعلاه ليس مجرد فكرة؛ ففي ظل ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، نوقش منع صادرات النفط الأميركية على أعلى المستويات، وتحدثت وزيرة الطاقة الأميركية عن ذلك علنًا في وسائل الإعلام.
6- الغاز الأميركي سيباع لمن يدفع أكثر: نظرًا لأن بيع أغلب الغاز الأميركي في أوروبا يجري في الأسواق الفورية، فإنه من المنطقي تحويله إلى المشترين الراغبين بدفع سعر أعلى في حال نقص إمدادات الغاز عالميًا، ورأينا ذلك في صيف العام الماضي، عندما عانت أوروبا من أزمة طاقة خانقة، أحد أسبابها تحوّل شحنات الغاز المسال إلى آسيا، إذ تحقق أرباحًا أكبر، فإذا حصلت أزمة غاز عالمية، فإن مصدّري الغاز المسال الأميركي سيرسلونه لمن يدفع أعلى ثمن، علمًا بأن السياسة أدّت دورًا كبيرًا في توجيه الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا في الشهور الثلاثة الأخيرة.
7- عمليات الصيانة: سيكون هناك أوقات تقطّع في إمدادات الغاز المسال الأميركي غير موجودة في إمدادات الغاز الروسي عبر الأنابيب؛ لأن معامل تسييل الغاز تحتاج إلى صيانة دورية تستغرق أسابيع أحيانًا، فمن أين ستأتي أوروبا بالغاز إذا انخفضت صادرات الغاز المسال الأميركية؟
حاليًا، لن نجد هذا الأثر بسبب الزيادة المستمرة في إنتاج وصادرات الغاز المسال، مع الانتهاء من محطات جديدة، ولكن حين يصل الإنتاج إلى ذروته فإن أثر عمليات الصيانة سيكون واضحًا.
8- تكاليف الشحن: أحد الفروقات الأساسية بين الغاز المسال وغاز الأنابيب أن تكاليف نقل الغاز المسال أعلى، وعرضة لأمور متعددة لا يتعرض لها نقل الغاز بالأنابيب. فعملية نقل الغاز بالسفن عرضة لكل العوامل الجوية في البحار التي ستجوبها، كما إنها عرضة لعوامل قانونية وسياسية في الموانئ التي تقصدها، ومشكلات الممرات المائية العالمية.
وفي حال زيادة الطلب على الغاز المسال بسبب البرد القارس أو لأسباب أخرى، فإن تكاليف الشحن ترتفع بشكل كبير، فترفع تكاليف الغاز المسال بشكل لا يمكن أن يحصل لغاز الأنابيب.
9- الهجمات السيبرانية: من أهم الأسلحة التي لم يستخدمها الروس وأنصارهم حتى الآن على نطاق واسع: الهجمات السيبرانية على البنية التحتية عمومًا، والبنية التحتية للطاقة خصوصًا.
وكانت عصابة روسية قد نفّذت هجومًا سيبرانيًا على خط كولونيال في مايو الماضي، وأغلقته، الأمر الذي سبّب أزمة كبيرة في المحروقات شمال شرق الولايات المتحدة وقتها، ولم تُحلّ الأزمة إلّا بعد دفع فدية للعصابة، وبموافقة الحكومة الأميركية، بالعملات المشفرة، ورغم أن الحكومة الأميركية استطاعت استرداد أغلب المبلغ لاحقًا، فإن وقف الأنبوب لعدّة أيام سبّب أزمة وقود خانقة.
أيّ عمليات سيبرانية تؤثّر في إمدادات الكهرباء لمحطات الغاز المسال، أو للمحطات نفسها، أو المرافئ، أو حتى السفن، ستعرّض أمن الطاقة في أوروبا للخطر.
خلاصة القول: إن أوروبا في ورطة؛ لأن البديل الأميركي للغاز الروسي ليس مكلفًا فقط، بل إنه غير آمن أيضًا.
للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا).
موضوعات متعلقة..
- خطة مارشال.. هل يُعيد التاريخ نفسه في علاقات الطاقة الأميركية الأوروبية؟
- صفقة الغاز المسال.. أميركا تؤمّن احتياجات أوروبا للاستغناء عن الوقود الروسي
- الغاز المسال.. أميركا توفر 26% من احتياجات أوروبا خلال 2021 (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- تسعير النفط والغاز بين الدولار واليوان والروبل (مقال)
- علماء المناخ يشعرون باليأس.. الغزو الروسي وزيادة إنتاج النفط يهددان الأرض
- النفط الجزائري يتجه شمالًا لتأمين احتياجات أوروبا من الوقود
من اوربا لأمريكا يستحقون كل شر