خفض واردات الغاز الروسي فرصة لإزالة الكربون من المباني (تقرير)
مي مجدي
"في خضم كل أزمة تكمن فرصة عظيمة"، ربما تنطبق مقولة العالم ألبرت أينشتاين على الأزمة الحالية التي يشهدها العالم، فرغم تفاقم الوضع بعد قرار الحكومات بخفض اعتمادها على الغاز الروسي، لفت تقرير جديد إلى أن ذلك سينعكس إيجابًا على خطط تسريع إزالة الكربون من قطاع المباني.
وكشف التقرير الصادر عن منظمة "كلايمت أكشن تراكر" للأبحاث أنّ تحرُّك الحكومات لخفض واردات الغاز الروسي في مواجهة غزو بوتين لأوكرانيا، سيكون أحد العوامل الرئيسة المسهمة في خفض انبعاثات المباني بنسبة 65% على الأقلّ بحلول عام 2040.
فقطاع المباني مسؤول عن خُمس الانبعاثات العالمية، لكن هناك تقاعسًا من الحكومات لمعالجتها مقارنة بالقطاعات الأخرى، رغم توافر التقنيات الضرورية والسياسات الناجحة.
أسعار الغاز القياسية
سجلت أسعار الغاز أرقامًا قياسية في العديد من البلدان؛ ما أدى إلى ارتفاع هائل في تكاليف أنظمة تدفئة وتبريد المنازل، ويؤثّر ذلك سلبًا في الأسر ذات الدخل المنخفض، ويسهم في تفاقم فقر الطاقة، وبات الوضع حرجًا مع اشتعال الحرب الروسية على أوكرانيا، حسب مجلة "إي إس آي أفريكا" المتخصصة في الطاقة.
وسلّطت الباحثة في معهد نيو كلايمت التابع للمنظمة، لويز جيفري، الضوء على خطة المفوضية الأوروبية لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي بمقدار الثلثين على الأقلّ هذا العام، والتي تشمل بعض الإجراءات المقترحة في التقرير، مثل التحول من استخدام الغاز إلى المضخات الحرارية.
وقالت: "يتعين أن تُنفَّذ جميع الإجراءات المقترحة بخطى سريعة وصارمة لتقليل الاعتماد على الغاز وخفض الانبعاثات".
وتابعت: "هناك حاجة إلى تنسيق العمل الآن لتسريع الانتقال طويل الأمد لعزل المباني ودعمها بمصادر الطاقة المتجددة والمضخات الحرارية، كما إن خفض منظمات الحرارة يمكن أن يسهم في تقليل الاعتماد على الغاز مباشرة".
وأوضحت أن تقنيات إزالة الكربون من المباني متاحة، لكن الحكومات تفتقر إلى التنظيم والتنسيق لتأهيل المباني الحالية، والتأكد من أن المباني الجديدة خالية من الانبعاثات.
وقالت: "ينبغي أن تؤدي الحكومات دورًا رئيسًا في إزالة الكربون من هذا القطاع.. وتحتاج إلى تنظيم وتحفيز وتسهيل هذا التحول".
كثافة الانبعاثات
يجب أن تنخفض كثافة الانبعاثات من قطاع المباني بنسبة 90 إلى 95% بحلول عام 2040، حتى تتماشى مع اتفاقية باريس، ومن ثم إزالة الكربون بالكامل من مخزون المباني بحلول عام 2050.
وللوصول إلى هذه الأهداف، هناك حاجة إلى تحديث وتعديل 2.5 إلى 3.5% من المباني سنويًا، أمّا المباني الجديدة فينبغي أن تكون خالية من الكربون بدءًا من الآن.
ويحدد التقرير سلسلة من الإجراءات التي يمكن للحكومات الاستفادة منها في إستراتيجيات إزالة الكربون من قطاع المباني، وترتكز على 4 عناصر ضرورية، وهي: معايير الأداء وقوانين البناء، والتقنيات المطلوبة لاستبدال التقنيات كثيفة الكربون، والتكلفة والتمويل، وسبل العمل مع مختلف الجهات الفاعلة في هذا القطاع.
لكن إحدى صعوبات معالجة الانبعاثات في قطاع المباني تتمثل في تنوّعه وتعقيده، ويتطلب ذلك إجراءات تناسب السياق المحلي للمباني الحالية والجديدة، ويحتاج ذلك إلى الجمع بين عدّة إستراتيجيات، من بينها قوانين البناء والحوافز الضريبية والإعانات وإتاحة تدريب الكوادر.
إستراتيجيات واعدة
مع أن التقرير لم يعثر على دولة واحدة تمضي على الطريق الصحيح في هذا الشأن، لكن يشمل العديد من دراسات الحالة للإستراتيجيات الواعدة والمطورة على الصعيد الوطني والإقليمي والمدن، بدءًا من استخدام مضخات الحرارة في السويد، إلى برامج التأهيل الشامل في مدينة إيثاكا الأميركية.
إذ تعمل السويد على إستراتيجيتها لعقود من الزمن، ورفعت ببطء سعر الكربون على مدار 40 عامًا، مع الأخذ في الحسبان تأثير ذلك في الملّاك والمستأجرين؛ ما ساعد في توفير أنظمة تدفئة عالية الكفاءة في المنازل باستخدام الكهرباء بدلًا من الوقود الأحفوري.
لكن التقرير أوضح أن المملكة المتحدة لم تكن مثالًا يحتذى به لمعالجة هذه المسألة، ويرجع ذلك إلى الاعتماد على التمويل قصير الأمد وغير الكافي، والحوافز غير المجدية، وتسارع تصميم مخططها وتنفيذه، وأسفر ذلك عن نتائج سيئة على مدى أكثر من عقد.
بالإضافة إلى ذلك، أوصى التقرير بضرورة تجنّب الحكومات الاستثمارات في البنية التحتية الجديدة للغاز، والتي من شأنها أن تقيّد تطوير القطاع والاعتماد على الوقود غير المستدام لعقود.
اقرأ أيضًا..
- الطاقة المتجددة في المغرب تعوض غياب إمدادات الغاز الجزائري
- هل يشعل بايدن سعر البنزين والمشتقات النفطية في أميركا؟ (تقرير)
- نائب حاكم البنك المركزي الأسترالي يستقيل ليُسهِم في تحول الطاقة