خبير مصري: الجزائر وقطر لا يمكنهما توفير إمدادات غاز إضافية إلى أوروبا (مقابلة)
أجرى المقابلة - داليا الهمشري
أكد أستاذ الهندسة، خبير الطاقة المصري الدكتور سامح نعمان، أن الجزائر وقطر لا يمكنهما تعويض أوروبا عن الغاز الروسي، موضحًا أن الحرب الروسية الأوكرانية ستُفاقم أزمة الطاقة في أوروبا، متوقعًا أن تنتهي الأزمة الحالية بعودة الجانبين إلى طاولة المفاوضات.
وأضاف أن روسيا لن تتضرر من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها أو من الحذف من نظام المدفوعات المالية "سويفت"، نظرًا إلى ما تملكه من موارد ضخمة في قطاعي النفط والغاز، ستمكنها من تحقيق عوائد ضخمة تعوّضها عن الخسائر المتوقعة.
جاء ذلك في حوار أجرته "الطاقة" مع الدكتور سامح نعمان، سلّط خلاله الضوء على الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها على أزمة الطاقة الحالية في أوروبا، وإلى نصّ الحوار:
ما تداعيات العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على أسواق الطاقة؟
تُعد الأزمة الروسية-الأوكرانية اقتصادية في المقام الأول، فروسيا تُعد الداعم الرئيس لأوروبا في الغاز، كما أنها أكبر دولة مُصدرة للغاز على مستوى العالم.
وأوروبا تعتمد أساسًا على روسيا في إمدادات الغاز، ما جعل الولايات المتحدة تفتعل بعض المشكلات لعرقلة وصول الإمدادات الروسية إلى أوروبا.
والمشكلة الحالية ليس أساسها روسيا، ولكنها نتيجة التعنت الأميركي، ووضع أوروبا في الواجهة مع روسيا، وبالتأكيد أوروبا هي الخاسر الأكبر وليس أميركا أو روسيا.
وأوكرانيا لن تنضم إلى حلف الناتو، وستخضع في النهاية إلى النفوذ الروسي، وأتوقع أن تنتهي الأزمة الحالية بتفاوض الجانبين لصالح أوروبا حتى لا تتضرر من الأزمة الحالية، لا سيما في ظل حاجتها الملحة -حاليًا- إلى واردات الغاز والنفط الروسية.
إلى أي مدى ستتأثر روسيا بالعقوبات المفروضة عليها؟
روسيا لن تتأثر على المدى القريب أو البعيد بالأزمة الحالية، وإنما ستتحمل أوروبا التبعات كاملة، وستضطر في النهاية إلى الرضوخ إلى روسيا.
وماذا عن فصل روسيا عن نظام سويفت؟
روسيا أسست نظامًا خاصًا بها بديلًا عن سويفت في عام 2014، وبدأت في استخدامه وربطه مع الصين، ولذا سينعكس القرار بصورة أكبر على دول مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، نظرًا إلى أن لديها مصانع داخل روسيا، وتتعدى معاملاتها المالية مع روسيا 25 مليار دولار سنويًا.
ويُعرف النظام الروسي الداخلي البديل عن سويفت باسم "إس بي إف إس"، واعتمده البنك المركزي الروسي في عام 2017، كما أسست روسيا شبكة إنترنت خاصة بها.
كما يمكن أن تتضرر أميركا -كذلك- من فصل روسيا عن سويفت، نظرًا إلى ما سيتسبب عنه هذا القرار من خفض المعاملات بالدولار في هذه المنطقة، في حين لن تتأثر روسيا بالقدر نفسه لعدة أسباب، من بينها أن البنك المركزي الروسي كان قد فتح التعامل مع دول كثيرة بالعملات الخاصة بها مثل الهند ودول شمال شرق آسيا ودول شرق أوروبا.
وارتفع الاحتياطي الروسي من 300 مليار دولار إلى ما يعادل 640 مليار دولار، ولا يمثل الدولار من هذا المبلغ الإجمالي سوى 20% فقط، في حين تشتمل القيمة المتبقية على الذهب والمعادن النفيسة وعملات أخرى، كما أن نسبة العجز الروسي لا تتعدى 20%.
كيف ستؤثر الحرب الحالية في أزمة الطاقة التي تعصف بأوروبا؟
أوروبا ستتضرر ضررًا بالغًا بالحرب الحالية، لأنه لا يوجد من يعوّض الغاز الذي توفره لها روسيا حاليًا.
وأميركا لن تستطيع أن تعوض أوروبا عن الغاز الروسي، لأن إمدادات الغاز في العالم تتم من خلال عقود آجلة، فقطر -على سبيل المثال- لا تستطيع زيادة الإمدادات إلى أوروبا، فهي تزودها بنسبة لا تتعدى 5% فقط من إنتاجها، في حين تذهب باقي الإمدادات إلى الصين واليابان وجنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية.
فقطر تنتج 80 مليون طن غاز مسال سنويًا جميعها عقود آجلة، ولكنها تستهدف زيادة إنتاجها إلى 111 مليون طن بحلول عام 2025، و127 مليون طن بحلول عام 2027، وبالتالي لا تستطيع قطر توفير إمدادات لأوروبا في الوقت الحالي.
بينما تغذي الجزائر إسبانيا وبلغاريا بنحو 60% من الغاز اللازم لهما، ولا تستطيع -كذلك- توفير إمدادات إضافية إلى أوروبا، لأنها -أيضًا- ملتزمة بعقود آجلة، ولكنها قد تستطيع رفع إنتاجها خلال العام المقبل، وتوفير إمدادات إلى أوروبا، ولكنها بالتأكيد لن تغطي نسبة الـ45% التي توفرها روسيا.
بينما تعاني بعض الدول الأخرى المنتجة للغاز الرئيسة مثل إيران بعض المشكلات، ولا تستطيع إمداد أوروبا بالغاز المسال.
وزوّدت أميركا أوروبا حتى الآن بـ30 باخرة غاز مسال في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول ومطلع شهر يناير/كانون الثاني، إلا أنها كمية غير كافية لتغطية احتياجات أوروبا.
كما تعاني الولايات المتحدة أزمة في النفط، لأن بايدن عندما تولى الحكم كان قد أوقف عمليات تأجير الأراضي والمياه الفيدرالية لشركات النفط في مناطق جديدة، بغرض التنقيب عن النفط والغاز في إطار خطته للتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول، طالب بايدن الدول المنتجة للنفط بضخ المزيد لسد حاجة بلاده، وبالتالي فليس لديه فائض لتغطية احتياجات أوروبا.
لذا فالمشكلة التي تعانيها أوروبا الآن لن يتأثر بها إلا الأوروبيون، أما أميركا وروسيا فلن تتأثرا بها.
ما البدائل المتاحة لدى الدول الأوروبية للتعويض عن نقص الغاز؟
لن يكون أمام أوروبا سوى العودة إلى استخدام الفحم لتجاوز الأزمة، كما تراجعت ألمانيا عن تنفيذ خطتها لإيقاف محطات الطاقة النووية، وبدأت في إعادة الجدوى الاقتصادية لهذه المحطات في ظل الأزمة الحالية.
ومعظم دول أوروبا اضطرت إلى اللجوء إلى الفحم على الرغم من ارتفاع سعره إلى 300 أو 400%، ضاربة عرض الحائط بتعهدات الحد من الانبعاثات تحت ضغط الضرورة.
كما تعاني بريطانيا أزمة طاحنة نتيجة نقص الغاز، وأعلنت 20 شركة كهرباء إفلاسها نتيجة ارتفاع أسعار الغاز، في حين لا تستطيع هذه الشركات رفع سعر الكهرباء عن معدل معين وفقًا للنظام المعمول به في البلاد.
وكانت هذه الشركات تشتري المليون وحدة حرارية من الغاز بنحو 7 دولارات، ولكنها ارتفعت الآن حتى 30 و40 دولارًا مسجلة ارتفاعًا قياسيًا، ما دفعها إلى الإفلاس واضطرت البلاد إلى العودة إلى الفحم.
تتهم أوروبا روسيا بالتسبب في الأزمة الحالية.. ما رأيك في هذه الاتهامات؟
روسيا ليس لها أي ذنب في أزمة الطاقة في العالم، فمحورا الأزمة هما أوروبا والولايات المتحدة، ولا بد من النظر إلى الخلفيات لمعرفة المتسبب في هذه الأزمة.
الأزمة بدأت منذ أواخر 2019 منذ ظهور فيروس كورونا، نظرًا إلى نقص الإنتاج لدى النرويج وهولندا، وبالتالي تناقصت الإمدادات من المصادر الرئيسة التي تغذي أوروبا من الداخل.
وتزامن نقص الإمدادات مع تفشي الوباء ونقص إمدادات الطاقة المتجهة إلى دول العالم كافّة، وأصبح مخزون الغاز لدى أوروبا يُستهلك داخليًا مع دخول شتاء قارس للغاية، أعقبه صيف حار، ما أسهم في استنفاد المخزون دون تعويض نتيجة الأزمات المتلاحقة.
ثم شهد العالم بعد ذلك انفراجة محدودة في أزمة كورونا، نتج عنها ازدياد الطلب على الغاز والنفط نتيجة إعادة فتح المصانع، وهنا نشأ صراع بين التخزين لتعويض المخزون أو إعطاء الأولوية لانتعاش الصناعة بعد فترات الركود.
أما روسيا فالتزمت مع الدول التي وقعت معها عقودًا آجلة، ولم تقطع عنها الإمداد، ولكنها لم تولِ اهتمامًا للدول التي تتعاقد معها بصورة مؤقتة.
وروسيا تزوّد أوروبا بالغاز من خلال خط أنابيب أوكرانيا، وبدأت مشكلة في أواخر عام 2008 عندما بدأت أوروبا التلويح أنها لا تريد الاعتماد على روسيا بشأن إمدادات الغاز، في حين تمدها روسيا بـ45% من الغاز من خلال الأنابيب، و55% تقريبًا من الغاز المسال، وبالتالي فإن أوروبا تعتمد بشكل رئيس على روسيا.
أعقب ذلك مطالبة أوكرانيا برفع سعر المرور على نقل الغاز عبر الأنابيب الموجودة على أراضيها، ووقع بوتين في أواخر عام 2009 اتفاقًا لمدة 10 سنوات يضع القواعد لتمرير الغاز بين روسيا وأوكرانيا والدول العابرة لأنابيب الغاز.
وخلال السنوات الـ10 كانت روسيا قد انتهت من بناء خط الغاز "نورد ستريم 2"، وعلى الرغم من محاولة بعض الدول الواقعة على بحر البلطيق افتعال بعض المشكلات مع روسيا، فإن بوتين نجح في توفيق أوضاعه مع هذه الدول حتى نجح في توصيل خط الغاز إلى ألمانيا.
ومنذ إعلان روسيا نورد ستريم 2، عارضت الولايات المتحدة الفكرة بضراوة، معتقدة أن تشغيل الخط سيمنح روسيا اليد العليا في أوروبا عن طريق الغاز، وعارض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تشغيل نورد ستريم 2، وعندما تولى بايدن الحكم استمر في الهجوم على خط الأنابيب الروسي.
وكانت الولايات المتحدة قد بدأت في توجيه أوروبا في عام 2010 بالابتعاد عن الغاز الروسي، وعندما بدأت الأزمة بين روسيا وأوروبا، عبّرت عدد من الدول عن نيتها إمداد أوروبا بالغاز، ومن بينها قطر والسعودية اللتان عبرتا عن عزمهما مد خط غاز من خلال سوريا، كما أعلنت إيران رغبتها في مد خط غاز من خلال الأراضي العراقية إلى سوريا ومن ثم إلى أوروبا.
وعرضت إسرائيل على هذه الدول المرور من أراضيها بديلًا عن سوريا على أن تتقاضى رسومًا أقل للمرور، ثم تدخلت تركيا في أجزاء من سوريا للسيطرة على خطوط الغاز المتجهة إلى أوروبا، إلا أن روسيا تدخلت في سوريا لوقف كل هذه المحاولات، ومن ثم أصبحت روسيا مسيطرة على الغاز الذي يمر عبر سوريا.
بينما لا يزال خط نورد ستريم 2 يتعرض لهجوم وتضييق من إدارة بايدن التي تضغط لعدم تشغيله، وبدأت في دعاية إعلامية للترويج بأن روسيا تحاول السيطرة على أوروبا من خلال الغاز، وأنها تتحكم في العقود لإحكام قبضتها على أوروبا، ولكن هذه الادعاءات في غير محلها.
كما أن بايدن كان قد وعد أوروبا بتعويضها عن الغاز الروسي، ولكنه لن ينجح في ذلك، حتى لو تمكن من تعويضها بصورة مؤقتة فلن يستطيع الاستمرار في ذلك.
ولكن لماذا لم تخضع أوروبا لتشغيل نورد ستريم 2 لحل الأزمة؟
ألمانيا مزعزعة وترغب في تشغيل خط الأنابيب، ولكنها تواجه ضغوطًا شديدة للتكتل ضد روسيا.
إلا أنه في النهاية، أوروبا هي المتضررة الوحيدة من الموقف الحالي، وروسيا لن تتضرر مهما فُرضت عليها عقوبات اقتصادية؛ لأنها تملك نصيب الأسد في الغاز والنفط، وسعر برميل النفط تجاوز الآن 97 دولارًا، وبالتالي فستحصل على عائدات كبيرة منه.
وكلما تفاقمت الأزمة زاد دخل روسيا من النفط والغاز، وبالتالي فإن الضرر الاقتصادي الواقع عليها ليس كبيرًا، إلى جانب أنها ترتبط مع الصين بخط غاز مباشر لا يمر على أي دولة أخرى، والصين -بالطبع- لديها طلب كبير على الغاز، وبالتالي فالضرر المحتمل على الاقتصاد الروسي محدود للغاية.
موضوعات متعلقة..
- الحرب الروسية الأوكرانية تهدد إجراءات مكافحة تغير المناخ (تقرير)
- الحرب تضع السيارات الكهربائية في أزمة.. ولوسيد تدرس رفع الأسعار (تقرير)
- جون كيري يخشى تراجع الاهتمام بالتغير المناخي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية
اقرأ أيضًا..
- أسعار النفط ترتفع أكثر من 1.5%.. وخام برنت فوق 125 دولارًا
- أكبر 5 مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. مصر والمغرب في المقدمة
- نوفاك: أسعار النفط ستتجاوز 300 دولار للبرميل في هذه الحالة