سيناريو الحياد الكربوني 2050 يحدد 6 ميزات لتحول الطاقة عالميًا (تحليل)
تحول الطاقة يمنع تراكم مخاطر التغير المناخي
نوار صبح
- الحكومات والشركات الملتزمة بالعمل المناخي تواجه تحديات كبيرة تتمثل في حجم التحول الاقتصادي.
- تُسهم أنظمة الطاقة واستخدام الأراضي الـ7 الرئيسة المترابطة في الانبعاثات بشكل كبير.
- التحول إلى الحياد الكربوني في المراحل المبكرة قد يؤدي إلى خفض تكاليف التشغيل.
- يتطلب الوصول إلى الحياد الكربوني تحولًا شاملًا للاقتصاد العالمي.
- قد ترتفع تكلفة الكهرباء بنحو 25% من مستويات عام 2020 حتى عام 2040.
حدد سيناريو "الحياد الكربوني بحلول عام 2050"، الذي استخدمته شركة الأبحاث والاستشارات الإدارية العالمية "ماكينزي"، في 25 يناير/كانون الثاني الجاري، 6 ميزات للتحول العالمي إلى الحياد الكربوني.
وأشار تقرير شركة "ماكينزي" التحليلي إلى أن التحول إلى الحياد الكربوني سيكون عالميًا ومؤثّرًا ومخصِّصًا رأس المال في المراحل المبكرة ومتفاوِتًا وغنيًا بفرص النمو ويراعي المخاطر والتأثيرات غير المتكافئة على القطاعات والمناطق الجغرافية والمجتمعات.
وأوضح التقرير أن الحكومات والشركات الملتزمة بالعمل المناخي تواجه تحديات كبيرة تتمثل في حجم التحول الاقتصادي المطلوب للتحول إلى الحياد الكربوني، وصعوبة الموازنة بين ضعف الاستعداد أو عدم التنسيق وبين عدم كفاية العمل المناخي أو تأخُّره.
وقدّر التقرير التأثيرات الاقتصادية للتحول إلى الحياد الكربوني في الطلب وتخصيص رأس المال والتكاليف والوظائف حتى عام 2050 ضمن القطاعات التي تنتج نحو 85% من إجمالي الانبعاثات وتقييم التحولات الاقتصادية لـ69 دولة.
وأشار التقرير إلى أن تحليل شركة "ماكينزي" ليس تصوُّرًا أو تنبؤًا ولا يدعي أنه شامل؛ وإنما يُعَد محاكاة لمسار افتراضي واحد منظم نحو هدف الحد من حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية باستخدام سيناريو "الحياد الكربوني 2050" من شبكة تخضير النظام المالي (إن جي إف إس).
واستعرض التقرير 6 ميزات للتحول في أنظمة الطاقة واستخدام الأراضي، والقطاعات الاقتصادية، والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية نحو الحياد الكربوني، وهي:
أولًا: المشاركة العالمية
تُسهم أنظمة الطاقة واستخدام الأراضي الـ7 الرئيسة المترابطة بشكل كبير في الانبعاثات، ومن ثَم سيحتاج كل نظام من هذه الأنظمة إلى الخضوع لعملية تحول تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني، ويجب تنسيق اتخاذ إجراءات الحد من الانبعاثات ضمن تلك الأنظمة.
وكشف تقرير شركة الأبحاث والاستشارات الإدارية العالمية "ماكينزي" عن أن استخدام المركبات الكهربائية يؤدي إلى تخفيضات عامة في الانبعاثات فقط، وضمن الحد الذي تولَّد الكهرباء من مصادر منخفضة الانبعاثات.
- تحول الطاقة يزعزع استقرار قطاع خدمات ومعدات حقول النفط
- وزير الطاقة الإماراتي: نعول على الهيدروجين لتحقيق الحياد الكربوني
واقترح التقرير أن تؤدي جميع القطاعات والمناطق الجغرافية دورًا في الوصول إلى الحياد الكربوني وأن تشارك جميع قطاعات الاقتصاد في أنظمة الطاقة واستخدام الأراضي عبر سلاسل القيمة العالمية.
وأشار إلى أن جميع البلدان تُسهم في الانبعاثات، إما بشكل مباشر وإما من خلال دورها في سلاسل القيمة على الرغم من وجود اختلافات كبيرة فيما بينها، وسيتطلب الوصول إلى الحياد الكربوني تحولًا شاملًا للاقتصاد العالمي.
ثانيًا: التأثير في العرض والطلب
أوضح تحليل شركة "ماكينزي" أن التحول الاقتصادي اللازم لتحقيق الانتقال إلى الحياد الكربوني سيكون مؤثرًا من حيث الطلب وتخصيص رأس المال والتكاليف والوظائف.
وفيما يتعلق بتخصيص رأس المال، وجد التحليل أن الإنفاق السنوي على الأصول المادية في أنظمة الطاقة واستخدام الأراضي حتى عام 2050 يجب أن يزداد بنحو 60% مما هو عليه اليوم؛ حيث يرتفع بمقدار 3.5 تريليون دولار سنويًا في المتوسط.
وقدّر التحليل أن تكون الزيادة المطلوبة في الإنفاق أقل، ولكنها لا تزال في حدود 1 تريليون دولار، مع الأخذ في الاعتبار الزيادات المتوقعة في الإنفاق، ونمو الدخل والسكان، بالإضافة إلى سياسات التحول المقررة حاليًا.
وأشار التحليل إلى أن سيناريو "الحياد الكربوني بحلول عام 2050" سيتطلب إنفاقًا على الأصول المادية بنحو 275 تريليون دولار (نحو 7.5% من إجمالي الناتج المحلي) بين 2021 و2050 في المناطق التي خضعت للتحليل.
وبيّن أن هناك تحولات كبيرة في الطلب على مختلف السلع والخدمات في السيناريو الذي حُلِّلَ، بما في ذلك الانخفاضات الحادة في الطلب على الفحم والنفط وإنتاج الغاز ونهاية افتراضية لتصنيع المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، وتوقف مبيعاتها.
وأوضح أن بدائل الانبعاثات، على سبيل المثال المركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات والمركبات التي تعمل بخلايا الوقود، زادت من 5% من مبيعات المركبات الجديدة في عام 2020 إلى 100% تقريبًا بحلول عام 2050.
ثالثًا: النفقات في المراحل المبكرة
ذكر تقرير شركة الأبحاث والاستشارات الإدارية العالمية "ماكينزي" أن المراحل الأولى من التحول ستشهد العديد من نقلات مهمة.
وسترتفع زيادة الإنفاق الرأسمالي من 6.8% من إجمالي الناتج المحلي اليوم إلى نحو 9% من إجمالي الناتج المحلي بين عامي 2026 و2030 قبل أن تنخفض، مشيرًا إلى إمكانية ازدياد تكلفة الربط الكهربائي في المدى القريب.
وبحسب سيناريو "الحياد الكربوني بحلول عام 2050"، يمكن أن ترتفع تكلفة الكهرباء بنحو 25% من مستويات عام 2020 حتى عام 2040 وستظل أعلى بنحو 20% في عام 2050، من أجل تأسيس أصول الطاقة المتجددة والبنية التحتية للشبكة.
ومن المتوقع على المدى الطويل أن تكون تكلفة الكهرباء مساوية أو ربما أقل من مستويات 2020؛ لأن مصادر الكهرباء المتجددة تتميز بتكلفة تشغيل منخفضة؛ بشرط تمكين نظام الكهرباء من التغلب على تقطع إمدادات الطاقة المتجددة وبناء شبكات مرنة وموثوقة ومنخفضة التكلفة.
وبيَّن التقرير أن الإنفاق الرأسمالي على التحول إلى الحياد الكربوني في المراحل المبكرة قد يؤدي إلى خفض تكاليف التشغيل الأخرى بمرور الوقت بالنسبة للمستهلكين، ويمثل قطاع التنقل أحد الأمثلة الرئيسة على ذلك.
وأكد التقرير ضرورة اتخاذ إجراءات على مدى العقد المقبل للحد من تراكم الانبعاثات ومنع المخاطر المادية المتزايدة التي قد تحدث في العقود المقبلة.
رابعًا: التفاوت بحسب القطاعات والمناطق الجغرافية
أكد تقرير شركة الأبحاث والاستشارات الإدارية العالمية "ماكينزي" أنه على الرغم من كون التحول إلى الحياد الكربوني عالميًا؛ فإن المخاطر الاقتصادية للتحول لن تكون موحدة ضمن القطاعات والمناطق الجغرافية والمجتمعات والأفراد.
وأشار إلى أن القطاعات التي تمثل نحو 20% من إجمالي الناتج المحلي تُعَد الأكثر تعرضًا للمخاطر المباشرة لعملية التحول؛ نظرًا للمستويات العالية من الانبعاثات في عملياتها (الصلب والأسمنت)، وفي استخدام منتجاتها (المركبات والوقود الأحفوري).
وأضاف أن القطاعات التي تمثل نحو 10% أخرى من الناتج المحلي الإجمالي معرّضة أيضًا للانبعاثات في سلاسل التوريد لديها (قطاع البناء)، وقد تشهد الكثير من هذه القطاعات انخفاضًا في الطلب على المنتجات في شكلها الحالي.
وقد تتكبد العديد من هذه القطاعات زيادات في التكلفة أثناء إزالة الكربون؛ حيث سترتفع تكاليف إنتاج الصلب والأسمنت بنحو 30% و45% على التوالي بحلول عام 2050، مقارنةً بتكاليف اليوم، وفق السيناريو الذي حللته شركة "ماكينزي".
وتوقع التقرير أن تصبح البلدان ذات الدخل المنخفض أو تلك التي تعتمد اقتصاداتها اعتمادًا كبيرًا على القطاعات المنتجة لموارد الوقود الأحفوري أكثر عرضة للمخاطر.
وبيّن أن البلدان الأفريقية جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية والهند وبعض البلدان الآسيوية تتطلب إنفاقًا رأسماليًا يبلغ نحو 10% أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح أن هذا الإنفاق يزيد مرة ونصف المرة عن الإنفاق الرأسمالي في مناطق مثل أوروبا والولايات المتحدة، واليابان، مشيرًا إلى أن حشد رأس المال قد يكون أكثر صعوبة في هذه المناطق.
وذكر التقرير أن مجتمعات معينة، داخل البلدان، يمكن أن تتأثر أكثر من غيرها إذا كانت اقتصاداتها تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الصناعات ذات المستويات العالية من الانبعاثات أو التي تكون منتجاتها مصنوعة في المصانع كثيفة الانبعاثات.
تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 10% من العمالة في 44 مقاطعة في الولايات المتحدة يعملون في قطاعات الفحم والنفط والغاز والكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري والمركبات.
وكشف سيناريو "الحياد الكربوني بحلول عام 2050" عن أن الطلب على وظائف الكهرباء القائمة على الوقود الأحفوري سيصبح أقل بنسبة 60% تقريبًا مقارنة بالطلب على الوظائف المباشرة الحالية المتعلقة بالأنشطة التشغيلية بسبب التحول إلى الحياد الكربوني.
خامسًا: التعرض للمخاطر
أشار تحليل شركة "ماكينزي" للأصول المتعثرة في قطاع الكهرباء إلى أن نحو 2.1 تريليون دولار من الأصول يمكن أن تنسحب قبل الأوان أو لا تُستَغَل بشكل كافٍ في سيناريو الحياد الكربوني الذي حُلِّلَ من الآن حتى عام 2050.
وأوضح أن أحد المخاطر المباشرة يتمثل في التحول غير المنضبط للطاقة، في ظل تباطؤ الأنشطة منخفضة الانبعاثات لملء الفجوات التي خلفها تكثيف الأنشطة ذات الانبعاثات العالية.
وقد يؤثر هذا التباطؤ في أسواق الطاقة والاقتصاد على نطاق أوسع إذا أصبحت إمدادات الطاقة وأسعارها متقلبة.
سادسًا: وفرة الفرص
أكد تقرير شركة الأبحاث والاستشارات الإدارية العالمية "ماكينزي" أن الفرص المتاحة للبلدان والقطاعات والشركات يمكن أن تكون كبيرة إذا كانت قادرة على الاستفادة من الأسواق المتنامية نتيجة تحول العالم إلى اقتصاد محايد كربونيًا.
ويمكن للدول التي لديها مصادر طاقة طبيعية وفيرة، مثل زيادة ساعات سطوع الشمس، أو التي تستثمر في رأس المال التكنولوجي والبشري، أن تحقق الازدهار في الاقتصاد المحايد كربونيًا.
ويمكن للشركات أيضًا الاستفادة من 3 فئات من الفرص:
- من خلال عمليات ومنتجات إزالة الكربون، التي يمكن أن تصبح أكثر فاعلية من حيث التكلفة في بعض الحالات أو الدخول إلى أسواق جديدة للمنتجات منخفضة الانبعاثات نسبيًا.
- الاستفادة من المنتجات والعمليات الجديدة منخفضة الكربون التي تحل محل الخيارات القائمة كثيفة الكربون، على سبيل المثال شركات صناعة المركبات التي تلبي الطلب الجديد على المركبات الكهربائية بدلًا من المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي.
- من خلال عروض جديدة لدعم الإنتاج في الفئتين السابقتين؛ على سبيل المثال: استخدام الليثيوم والكوبالت لتصنيع البطاريات، وتمويل تصنيع الألواح الشمسية، ومجموعة من الخدمات الفنية لإدارة الغابات وقياس الانبعاثات.
وتتمثل أهم فائدة من التحول إلى الحياد الكربوني في أنه سيمنع تراكم المخاطر المادية ويقلل من احتمالات انتشار الآثار الكارثية للتغير المناخي.
اقرأ أيضًا..
- ضربة جديدة.. صناعة الطاقة الشمسية تغذي الاحتباس الحراري
- واردات الصين من النفط قد تشهد ارتفاعًا بمقدار 700 ألف برميل يوميًا في 2022
- الغاز الروسي.. سيناريو قاتم ينتظر أوروبا إذا انقطعت الإمدادات (تقرير)