سد النهضة.. هل تُنفذ إثيوبيا تهديدها وتبدأ إنتاج الكهرباء؟
رغم جمود المفاوضات مع مصر والنزاعات في السودان وإثيوبيا
هبة مصطفى
رغم جمود المفاوضات حاليًا حول سد النهضة بين الأطراف الثلاثة المعنية (إثيوبيا ومصر والسودان)، إلا أن موعد بدء إنتاج الكهرباء منه ما زال يشكل جدلًا واسعًا حتى الآن، بعدما تراجع مسؤولون إثيوبيون عن الإقدام على تلك الخطوة التي أُعلن عنها رسميًا أكثر من مرة خلال العامين الماضيين.
وفي الوقت الذي يُشكل فيه سد النهضة -الأكبر في أفريقيا بتكلفة بلغت 5 مليار دولار- ضرورة لتوليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، فإن مصر تعتمد على إمدادات مياه النيل بصورة كاملة لتلبية الطلب على المياه العذبة.
وكانت إثيوبيا قد استكملت عملية الملء الثاني لخزان السد -الواقع على بُعد 900 كيلومتر شمال غرب العاصمة أديس أبابا- في 19 يوليو/تموز العام الماضي، وهي عملية الملء الكافية لبدء توليد الطاقة الكهرومائية.
ووفق بيانات إثيوبية رسمية، تم ملء المرحلة الثانية من السد بما يعادل 13.5 مليار متر مكعب من المياه وفق خطط المشروع.
على الجانب الآخر، قدّر خبراء مصريون وسودانيون معدلات تخزين عملية الملء الثانية بـ3 مليارات متر مكعب، تُضاف إلى مياه تُقدر بـ4.9 مليار متر مكعب تم تعبئتها خلال المرحلة الأولى في يوليو/تموز 2020.
يُشار إلى أن إنتاج الكهرباء الحالي في إثيوبيا -قبل بدء توليد الكهرباء من سد النهضة- يُقدر بـ4 آلاف 967 ميغاواط.
إثيوبيا تبدأ الإنتاج
أعلنت صحف إثيوبية مؤخرًا استعداد الدولة الواقعة شرق أفريقيا لبدء إنتاج الكهرباء من سد النهضة العملاق للطاقة الكهرومائية؛ لاختبار توليد الطاقة بعد اكتمال بناء ما يزيد عن 80% منه، وفق ما نشرته صحيفة المونيتور أمس الجمعة.
وتهدف إثيوبيا إلى توليد سعة قدرها 700 ميغاواط عبر تشغيل أول توربينين بالسد؛ ما يمكنها من تلبية 20% من الطلب على الكهرباء، وفق مسؤولين حكوميين.
ورغم أنه تشغيل تجريبي لتوليد الكهرباء من السد للمرة الأولى، إلا أن هناك تخوف من زيادة التوترات بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى؛ نظرا لإقدام أديس أبابا على بناء السد مستخدمة أحد رافدي نهر النيل الأساسيين (النيل الأزرق).
ورغم رغبة مسؤولين إثيوبيين بدء توليد الكهرباء من سد النهضة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن تلك الخطوة لم تتحقق أيضًا.
وجاء الإعلان الإثيوبي -أحادي الجانب- ببدء توليد الكهرباء، رغم التصعيد الدبلوماسي المصري، الذي وصلت حدته إلى التلويح بتدخل عسكري لمواجهة بدء الإنتاج.
محاولات حل النزاع
حاول الاتحاد الأفريقي -منذ يونيو/حزيران عام 2020- الوساطة لحل الخلاف بين الجانبين، كان آخرها في الكونغو (إبريل/نيسان العام الماضي)، لكن تلك المحاولة لم تنجح أيضًا؛ ما دفع كل طرف لإلقاء مسؤولية فشلها على الطرف الآخر، في نزاع ممتد منذ ما يزيد عن 10 سنوات.
كما دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة -منتصف سبتمبر/أيلول الماضي- كل من (إثيوبيا ومصر والسودان) لاستئناف المفاوضات والتوصل لاتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل سد النهضة.
وتواصل الكونغو -كونها رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي- جهودها لدعم مسار المفاوضات للدول الثلاث التي تأثرت في ظل الاضطرابات الداخلية بالسودان، والحرب الأهلية الدائرة في إثيوبيا مع متمردي تيغراي.
كما تمارس الولايات المتحدة الأميركية ضغوطًا لدعم المفاوضات الثلاثية قبيل الملء الثالث الذي تسعى إثيوبيا لبدئه يونيو/حزيران المقبل، مشيرة إلى أن انتهاء الأهلية في إثيوبيا ربما يطرح مساحة لاستئناف المفاوضات.
وتأتي الضغوط الأميركية في تناقض كبير مع موقف سفيرها السابق لدى إثيوبيا ديفيد شين، الذي يرى أن انتهاء الحرب الأهلية بين الحكومة الإثيوبية ومتمردي تيغراي لا يصب في الصالح المصري.
وفسر ذلك بأن استعادة الحكومة الإثيوبية سيطرتها على مقاليد الأمور يعزز مواجهتها للجانب المصري، وفقما صرح للمونيتور.
ورأى شين -أيضًا- أن الاضطرابات السودانية تصب في المصلحة الإثيوبية، بعدما اتخذت السودان موقفا شبيهًا للموقف المصري الرافض لملء لسد وبدء الإنتاج.
أمر واقع
لإضفاء طابع رسمي على السد محل الخلاف -الذي بدأ البناء به قبل 11 عامًا- التقى رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مجلس الوزراء في منطقة بني شنقول حيث موقع السد لمتابعة تنفيذ المشروع؛ وذلك يوم 5 يناير/كانون الثاني الجاري.
"فرض للأمر الواقع".. هكذا وصف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شاراكي، خطوة إعلان إثيوبيا بدء الإنتاج من السد المثير للجدل.
وأشار إلى أن تشغيل التوربينات وإنتاج الكهرباء دون توصل أديس أبابا لاتفاق مع الأطراف المعنية (مصر والسودان) يعقّد الأمر.
وأضاف شاراكي أن إنتاج الكهرباء يحتاج تمرير 3 مليارات متر مكعب من مياه النيل التي تم تخزينها بالسد العام الماضي؛ ما يؤثر بالضرورة على مصر والسودان.
وفسر لقاء مجلس الوزراء الإثيوبي الأسبوع الماضي بموقع السد، أنه يشمل رسالتين الأولى محلية للشعب الإثيوبي للتأكيد على قدرة حكومتهم بتنفيذ المشروع وبدء الإنتاج بصورة سريعة.
أما الرسالة الأخرى موجهة لمصر وإثيوبيا، وتحمل إصرارًا إثيوبي على مواصلة الملء والتشغيل دون التوصل لاتفاق مع دول المصب.
واستبعد شاراكي استئناف المفاوضات الثلاثية في الوقت الحالي، غير أنه توقع لعب المبعوث الأميركي الجديد للقرن الأفريقي، ديفيد ساترفيلد، دور في كسر الجمود الحالي للمفاوضات عبر جولة يقوم بها للدول الثلاثة.
- سد النهضة.. إثيوبيا تعلن ثالث موعد لتوليد الكهرباء
- إثيوبيا تعلن موعد بدء توليد الكهرباء من سد النهضة
موقف مصر والسودان
رغم أن مصر والسوادن تُشكلان جبهة رافضة لبدء إنتاج الكهرباء وعمليات تخزين المياه في السد، إلا أن أسباب كل منهما تختلف.
على الجانب المصري، سبق وأن أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، سعي بلاده للتوصل إلى اتفاق "قانوني ومُلزم وعادل" حول سد النهضة الإثيوبي، يستند إلى قواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، دون اتباع نهج منفرد أو فرض للأمر الواقع.
وأقر تقرير حكومي بتأثر الطاقة الكهرومائية المولدة عبر السد العالي المصري بملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، إذ تشغل حصة الطاقة الكهرومائية 6% من مزيج الكهرباء المصري غالبيتها من السد العالي.
كما حذر وزير الري والموارد المائية المصري، محمد عبد العاطي، من تناقص حصص المياه المخصصة لمصر -حال تشغيل سد النهضة- خلال تصريحات له في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وعدد عبد العاطي مظاهر التأثير السلبي لتلك الخطوة على مصر، بما يشمل التأثير على القطاع الزراعي والعاملين به؛ ما يدفع نحو عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي وزيادة الهجرة غير الشرعية.
أما السودان فتسعى فقط للحصول على ضمانات تشغيل بما يضمن الحفاظ على حصصه من المياه تضمن عمل السدود السودانية وأبرزها سد الروصيرص، لكنه في الوقت ذاته يرى أن سد النهضة يعمل على تنظيم حصص مياه النيل الأزرق.
اقرأ أيضا..
- الطاقة النووية.. هولندا ترفض السير في ركاب أوروبا (مقال)
- الطاقة المتجددة في أفريقيا.. 5 دول تملك إمكانات هائلة
- فولكس فاغن تعيد إنتاج حافلتها الصغيرة كومبي بمحرك كهربائي (صور)