التقاريرتقارير الغازرئيسيةعاجلغاز

الغاز الطبيعي بين التأييد والرفض.. هل يُصبح استثمارًا أخضر؟

أحمد شوقي

اقرأ في هذا المقال

  • جدل في أوروبا بشأن تصنيف الغاز استثمارًا أخضر
  • الغاز الطبيعي قد يمثل 22% من مزيج الطاقة العالمي بحلول 2050
  • العالم ينتج قرب 4 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعي
  • الغاز أقل أنواع الوقود الأحفوري إطلاقًا للانبعاثات
  • انبعاثات الميثان تُشكل عقبة رئيسة في اعتماد كبير للغاز

في سياسات المناخ، الموقف بالنسبة إلى الغاز الطبيعي غير محسوم مطلقًا، عكس أنواع الوقود الأحفوري الأخرى (النفط والفحم).

وبينما يفضّل البعض الحلول الشاملة والمستقبلية والسريعة لمكافحة تغيّر المناخ، يرى آخرون أن التحسينات التدريجية أمر ضروري في ظل الطلب العالمي المتزايد على الطاقة.

وجاءت أزمة الطاقة الحالية لتزيد الصراع حدةً في هذه المعادلة الصعبة بين ضرورة تحقيق مستقبل منخفض الكربون، والقدرة على تلبية الطلب العالمي على الطاقة.

وارتفعت أسعار الغاز الأوروبية إلى مستويات قياسية في الأسابيع الأخيرة، ما دفع بعض الدول إلى الدعوة إلى تحول أسرع بعيدًا عن الوقود الأحفوري، لتقليل التعرض للأسعار المتقلبة.

في المقابل، ترى دول أخرى ضرورة استمرار الاستثمار في الغاز الطبيعي حتى لا يؤدي نقص الإمدادات فيما بعد إلى أزمة طاقة جديدة.

وتزامن ذلك مع اقتراب الاتحاد الأوروبي من إنهاء الجزء المتعلق بالمناخ من تصنيف التمويل المستدام، وهو التنظيم الأول من نوعه، الذي يهدف إلى تحويل رأس المال الخاص من الأنشطة الاقتصادية الملوثة إلى تلك التي يصنّفها الاتحاد الأوروبي على أنها صديقة للبيئة.

ومع ترقب قرار الاتحاد الأوروبي المتعلق بالتصنيف في الأشهر المقبلة، خاصة بالنسبة إلى الغاز والطاقة النووية، هل يُمكننا اعتبار الغاز الطبيعي وقودًا صديقًا للبيئة فعلًا؟

وضع الغاز عالميًا

مبدئيًا، من المتوقع استمرار الطلب على الغاز الطبيعي ليمثل 22% من مزيج الطاقة العالمي بحلول منتصف القرن الحالي، مقارنة مع 24% العام الماضي، حتى مع تسارع الطاقة المتجددة، بحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، هذا بغض النظر عن تصنيفه استثمارًا أخضر من عدمه.

ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، فإن الغاز الطبيعي هو الوقود الأحفوري الأسرع نموًا، إذ يمثّل ما يقرب من ربع توليد الكهرباء.

وتُعدّ الولايات المتحددة أكبر مستهلك للغاز في العالم، إذ سجّل استهلاكها 832 مليار متر مكعب العام الماضي، في حين يبلغ الاستهلاك العالمي 3.82 تريليون متر مكعب، بحسب المراجعة الإحصائية السنوية لشركة النفط البريطانية بي بي.

وتزايدت الاحتياطيات العالمية المؤكدة من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، لتصل إلى 188.1 تريليون متر مكعب بنهاية عام 2020، مقارنة مع 179.9 تريليون متر مكعب عام 2010، مع امتلاك روسيا -الداعمة بقوة لتعزيز دور الغاز عالميًا- نحو 37.4 تريليون متر مكعب من هذه الاحتياطيات.

احتياطيات الغاز الطبيعي

ولذلك، فإن إنتاج الغاز الطبيعي أيضًا في زيادة مستمرة -بغض النظر عن عام الوباء- إذ سجّل 3.85 تريليون متر مكعب العام الماضي، مقارنة مع 3.15 تريليون متر مكعب، قبل عقد من الزمن، مع واقع أن الولايات المتحدة في صدارة الدول الأكثر إنتاجًا عالميًا بنحو 914.6 مليار متر مكعب، وفقًا لبيانات بي بي.

أليس الغاز أفضل للمناخ من الفحم؟

ترى وكالة الطاقة الدولية ضرورة التوقف الفوري عن استثمارات الوقود الأحفوري، حتى يتمكن العالم من تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، لكن هاجم الكثيرون دعوة الوكالة، مشيرين إلى أن هذا أمر غير واقعي.

وحول الغاز فقط، فإنه يحتوي على العديد من المزايا التي تجعله مصدر طاقة فعّالًا ونظيفًا نسبيًا واقتصاديًا، ومع ذلك، فإن إنتاجه واستهلاكه له بعض المشكلات البيئية والمتعلقة بالسلامة التي يجب مراعاتها.

وينتج عن حرق الغاز الطبيعي انبعاثات أقل لجميع أنواع ملوثات الهواء وثاني أكسيد الكربون تقريبًا، مقارنة مع حرق الفحم أو المنتجات النفطية لإنتاج كمية متساوية من الطاقة.

وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، يطلق الغاز الطبيعي نحو 117 رطلًا من ثاني أكسيد الكربون لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بأكثر من 200 رطل للفحم، و160 رطلًا من زيت الوقود المقطر.

وأدّى تحول الولايات المتحدة للغاز الطبيعي إلى خفض انبعاثات الكربون، إذ شكّل أكثر من 60% من كبح الانبعاثات في توليد الكهرباء خلال المدّة من عام 2006 وحتى عام 2019، طبقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وتؤكد دراسة لشركة الأبحاث، آي إتش إس ماركت، بعنوان "لهيب مستدام.. دور الغاز في الحياد الكربوني"، أن الاستثمار في البنية التحتية للغاز سيكون عاملاً مساعدًا في دعم إزالة الكربون من نظام الطاقة على المدى الطويل.

وما يدعم ذلك، أن الغاز وقود قابل للتطور مع استخدام تقنية احتجاز الكربون وتخزينه في خفض انبعاثاته، كما أن الاستثمار في البنية التحتية للغاز سيظل مفيدًا للعالم حتى إذا جرى التخلص نهائيًا من الوقود الأحفوري، مع إمكان استغلالها في نقل الوقود منخفض الكربون، وكذلك تحويل محطات الكهرباء العاملة بالغاز إلى الهيدروجين أو الأمونيا.

لماذا التركيز على الغاز الطبيعي في سياسات الحياد الكربوني؟ (إنفوغرافيك)

كما أن الغاز الطبيعي يضمن أن التقلبات في توافر طاقة الرياح والطاقة الشمسية لا تُعرّض إمدادات الكهرباء إلى الخطر.

الغاز الطبيعي - تحول الطاقة

وقود أحفوري في النهاية!

يدعو سيناريو تحقيق الحياد الكربوني لوكالة الطاقة الدولية إلى إغلاق محطات الغاز بحلول عام 2035 في الدول الصناعية، كونه وقودًا أحفوريًا ويُطلق انبعاثات كربونية في نهاية المطاف.

ويتكوّن الغاز الطبيعي أساسًا من الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة القوية، الذي ينطلق مع تسرب الغاز إلى الغلاف الجوي من الإنتاج إلى الاستهلاك.

وتقدر وكالة حماية البيئة الأميركية أنه في عام 2018، كانت انبعاثات الميثان من الغاز الطبيعي وآبار النفط والغاز المهجورة مصدرًا لنحو 29% من الإجمالي المتعلق بالميثان في الولايات المتحدة و3% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وتُجدر الإشارة إلى أن تأثير الميثان في الاحترار العالمي أقوى بنحو 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون على مدى 20 عامًا.

ويقول عالم بمركز علوم المناخ، في أستراليا، بيب كاناديل، إن الانبعاثات من صناعة الغاز الطبيعي -لا سيما في الولايات المتحدة- تنمو بسرعة كبيرة، لدرجة أن هذا القطاع أصبح سريعًا وأحد أكبر التحديات، إن لم يكن أكبرها، لمواجهة تغير المناخ، وفق ما نقلته وكالة رويترز.

وهذا يتناقض مع رؤية إدارة معلومات الطاقة بأن الغاز كان سببًا في خفض الانبعاثات في السنوات الأخيرة.

وفي تقرير نُشر خلال يونيو/حزيران 2019، قدرت مؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور، أن صناعة النفط والغاز تخطط لإنفاق 1.3 تريليون دولار لبناء بنية تحتية عالمية لتعزيز التجارة في الغاز الطبيعي المسال، وحال إتمام هذه المشروعات، فإن التأثير المناخي لها، بما في ذلك آثار تسرب الميثان، سيتجاوز تأثير جميع محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم قيد الإنشاء أو في التخطيط المسبق للبناء.

وقبل معرفة موقف أوروبا من تصنيف الغاز باعتباره استثمارًا أخضر، لم تضف الإدارة الأميركية الغاز الطبيعي ضمن الطاقة النظيفة في خطة البنية التحتية التي وافق عليها الكونغرس مؤخرًا، مع أهداف البيت الأبيض لإزالة الكربون من الشبكة الكهربائية بحلول عام 2035.

الموقف في أوروبا

تتجادل دول الاتحاد الأوروبي منذ 3 سنوات حول ما إذا كان يجب إدراج الغاز الطبيعي والطاقة النووية في تصنيف الاستثمار الأخضر، لكن جاءت أزمة الطاقة لتزيد من أهمية البت في هذا الموضوع.

وفي عام 2019، هددت فرنسا والمملكة المتحدة -قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي- ودول أوروبا الشرقية باستخدام حق النقض ضد تصنيف الاتحاد الأوروبي، لأن الطاقة النووية لم تُدرج باعتبارها استثمارًا أخضر.

بينما هددت مجموعة من 10 دول مؤيدة للغاز -أغلبها من الشرق والجنوب- العام الماضي، باستخدام حق النقض، لأن التصنيف لم يشمل الغاز الطبيعي بصفته وقودًا انتقاليًا.

ومع أزمة الطاقة، تزايدت الدعوات في قمة المجلس الأوروبي الشهر الماضي إلى تصنيف كل من الغاز والطاقة النووية بمثابة استثمارات خضراء في الاتحاد الأوروبي، على الرغم من معارضة دول أخرى لهذا الاتجاه، بحسب مقال نشره موقع إنرجي مونيتور الأميركي، للكاتب ديغ كيتنغ.

رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين

ومن جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: "نحن بحاجة إلى المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، كونها أرخص وخالية من الكربون، وتُصنع محليًا، بالإضافة إلى مصدر مستقر يتمثّل في الطاقة النووية، وخلال عملية تحول الطاقة سنعتمد على الغاز، وسنتقدم بمقترح لتصنيف الاستثمارات الخضراء على هذا الأساس".

ويأتي ذلك بعد قيام الخبراء في المفوضية الأوروبية بدراسة الوضع، مع التوصية في يوليو/تموز الماضي، بإدراج الطاقة النووية، لكنهم لم يؤيدوا إدراج الغاز.

ومنذ عام 2014، زاد استخدام الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء الأوروبية بنحو 40%، وفي المقابل، انخفضت الانبعاثات بنسبة 25% خلال المدّة نفسها.

معارضة قوية

تتمثل وجهة النظر المعارضة -التي يقودها النمسا ولوكسمبورغ والدنمارك- لاقتراح تصنيف الغاز استثمارًا أخضر، في أن الغاز ليس ملوثًا مثل الفحم، لكنه لا يزال ينتج انبعاثات الكربون عند حرقه ويرتبط بانبعاثات غاز الميثان القوية، وكلاهما يجب تقليله بسرعة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ.

وحذّرت الشركة المتخصصة في القانون البيئي، كلاينت إيرث، (ClientEarth) الاتحاد الأوروبي من أنه سينتهك قوانينه الخاصة إذا وصف استثمارات الغاز الطبيعي بأنها خضراء في اللوائح المالية المقبلة، مضيفة أن تمويل الغاز سيحول الأموال التي كان من الممكن إنفاقها على الطاقة المتجددة، حسبما نقلت وكالة رويترز.

وترى الشركة أن تصنيف الغاز على أنه صديق للبيئة ينتهك قوانين أخرى، بما في ذلك هدف الاتحاد الأوروبي الملزم قانونًا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 من مستويات عام 1990، وصولًا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

ووفقًا للمادة 3 من لائحة تصنيف الاتحاد الأوروبي، يجب استيفاء 3 معايير في النشاط الاقتصادي ليكون مستدامًا بيئيًا، منها المساهمة الفعالة في واحد أو أكثر من الأهداف البيئية المنصوص عليها في لائحة التصنيف، وكذلك يجب ألا يتسبب في ضرر كبير بأي من تلك الأهداف البيئية، وأخيرًا أن يمتثل للحد الأدنى من الضمانات المنصوص عليها في لائحة التصنيف.

أزمة الطاقة في أوروبا

وانتقد المتحدث باسم التمويل المستدام في مكتب السياسة الأوروبية التابع للصندوق العالمي للطبيعة، هنري إيفستون، هذا الاقتراح، واصفًا إياه بأنه وصمة عار، ومن شأنه أن يوجه ضربة قاتلة للتصنيف، ويلحق ضررًا شديدًا بأجندة التمويل المستدام والاتفاق الأخضر للاتحاد الأوروبي.

وقال: "يجب أن ترفضه المفوضية الأوروبية بشدة، وأن تعارضه جميع الدول الأعضاء"، بحسب الصندوق العالمي للطبيعة".

وبعيدًا عن المسؤولين، حذّر تحالف دولي لتحقيق صافي انبعاثات مكون من 60 مستثمرًا، من إدراج الغاز والطاقة النووية في التصنيف الأوروبي بشأن التمويل المستدام، مشيرًا إلى أن هذا لن يكون متسقًا مع الطموح الكبير للكتلة في تحقيق الحياد الكربوني، بحسب وكالة بلومبرغ.

هل يصبح الغاز استثمارًا أخضر؟

أثار الخلاف بين الدول الأعضاء ضغطًا واسعًا من الحكومات، وأجبر المفوضية الأوروبية على تأجيل قرارها بشأن الغاز لمدة عام تقريبًا، فماذا سيكون القرار في النهاية؟

وتقول أحد أعضاء منتدى فوراتوم لصناعة الطاقة النووية، جيسيكا جونسون، إن اعتبار الغاز استثمارًا صديقًا للبيئة سيكون إحدى الأدوات من أجل الاعتراف بالطاقة النووية بصفتها استثمارًا أخضر، بحسب موقع إنرجي مونيتور.

وفي هذا السياق، تؤكد دراسة جديدة أجرتها شركة المحاماة العالمية بيكر ماكنزي، أحقية إدراج الطاقة النووية التصنيف الأخضر للاتحاد الأوروبي، مشيرةً إلى أن استبعادها يعني انتهاك مبادئ قانون الاتحاد الأوروبي وأحكام لائحة التصنيف ذاتها، بحسب موقع إنرجي إندستري ريفيو.

واعتمدت ألمانيا كثيرًا على الغاز بصفته وقودًا انتقاليًا، وما يؤكد ذلك اتفاقها مع روسيا بشأن خط أنابيب نورد ستريم2، وذلك منذ أن قررت التخلي التدريجي عن الطاقة النووية منذ عقد من الزمان.

وتوقعت جونسون أن يصدر الاتحاد الأوروبي قرارًا يؤكد فيه أن الغاز صديق للبيئة قبل ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ووفقًا لمقال موقع إنرجي مونيتور، من المتوقع أن يتضمن تصنيف الاتحاد الأوروبي دليل القواعد 3 فئات للاستثمارات المستدامة: الخضراء والتمكين والانتقال، على أن يكون الغاز في الفئة الثالثة، والطاقة النووية ضمن الفئة الثانية، في حين ستكون مصادر الطاقة المتجددة في الفئة الخضراء، بالطبع.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق