السحب من احتياطي النفط الإستراتيجي.. ضجيج قصير المدى (مقال)
ترجمة: نوار صبح
- مخزونات النفط العالمية تبلغ حاليًا 3.5 مليار برميل بحسب صور الأقمار الصناعية
- انخفضت مستويات مخزون النفط هذا العام بمقدار 261 مليون برميل حتى الآن
- ما تزال سوق وقود الطائرات ضعيفة بسبب استمرار قيود السفر الدولية
- تواصل الشركات الكبرى العالمية إعطاء الأولوية لإزالة الكربون على حساب الهيدروكربونات التقليدية
بالتزامن مع تحركات عدد من الدول للسحب من احتياطي النفط الإستراتيجي، كشفت شركة كبلر الفرنسية المعنية ببيانات وتحليلات أسواق السلع عن أن مخزونات النفط العالمية تبلغ حاليًا 3.5 مليار برميل، وفقًا لصور الأقمار الاصطناعية، ويمثّل هذا أدنى مستوى في 4 سنوات على الأقلّ، وعجزًا قدره 27 مليون برميل مقارنة بمتوسط 2017 إلى 2019.
ويمثّل هذا التراجع خطرًا محتملًا في المستقبل لسوق النفط، بالرغم من تعافي الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل الوباء، ووصول أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها في 7 سنوات، وتلاشي تخمة النفط العالمية، وتراجع مستويات التخزين إلى أدنى مستوياتها في عدّة سنوات.
من جهتها، انخفضت مستويات مخزون النفط هذا العام بمقدار 261 مليون برميل حتى الآن، ويُعدّ هذا الانخفاض أسرع انخفاض من نوعه، إذ يشير إلى نقص شديد بالمعروض في سوق النفط.
علاوة على ذلك، تتنامى التوقعات بالعودة إلى الفائض في عام 2022، نتيجة الضغط الهبوطي المحتمل على سعر النفط، برغم العجز الذي تعاني منه السوق حاليًا، في وقت سيتحول فيه النفط إلى خبر بارز في الأيام القليلة المقبلة نتيجة استخدام الولايات المتحدة، بالتنسيق مع الصين والهند وبعض الدول الأخرى، احتياطي النفط الإستراتيجي، رغم أن الأمر لا يتعدى أن يكون ضجيجًا قصير المدى.
تعافي الطلب
أفادت شركة النفط البريطانية العملاقة بي بي وشركة فيتول الهولندية أن الطلب العالمي على النفط عاد إلى مستويات ما قبل الوباء بنحو 100 مليون برميل يوميًا، ويُعدّ ذلك إنجازًا لافتًا للنظر في وقت لا تزال فيه سوق وقود الطائرات ضعيفة بسبب استمرار قيود السفر الدولية.
ورغم الانتعاش القوي في الطلب واستمرار قيود العرض، رفضت منظمة أوبك+ الاستجابة التعجيل بإعادة الأحجام المقلّصة، إذ تضيف منهجيًا 400 ألف برميل يوميًا شهريًا، من الآن وحتى نهاية عام 2022.
وبينما زادت شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة عدد حفارات النفط النشطة بنسبة 70% منذ بداية العام، فإنها تفعل ذلك بمستويات منخفضة للغاية، إذ يبلغ عدد الحفارات 461 حفارة، وهو ما يمثّل المستويات الضرورية للحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية.
يأتي المستوى المتدني من نشاط الحفر على الرغم من وصول سعر النفط الخام الأميركي إلى 76 دولارًا أميركيًا للبرميل، مدفوعًا بإعطاء شركات النفط الصخري الأولوية لعائدات رأس المال للمساهمين، بدلًا من زيادة الإنتاج.
ونتيجة المخاوف من أن تؤدي ذروة الطلب إلى ذروة العرض، تواصل الشركات الكبرى العالمية إعطاء الأولوية لإزالة الكربون على حساب الهيدروكربونات التقليدية.
توقعات أسعار النفط
توقع تقرير سوق النفط لشهر نوفمبر/تشرين الثاني، الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، أن يزداد نمو الإمدادات من خارج أوبك في 2022 بمقدار 3.1 مليون برميل يوميًا، منها 1.1 مليون برميل يوميًا من المنتجين الأميركيين، نظرًا لأن الأسعار الحالية تمثّل حافزًا قويًا لتعزيز النشاط.
ونتيجة استمرار تخفيضات أوبك، تتوقع الوكالة زيادة بالمعروض في سوق النفط في عام 2022، تؤدي إلى ارتفاع مستويات المخزون، وهو نذير لانخفاض أسعار النفط، على الرغم من أنها حافظت بطريقة ما على توقعات خام برنت لعام 2022 عند 79 دولارًا أميركيًا للبرميل.
ومع تراجع النفط، منذ عام 2014، من مستوى تداول مستقر نسبيًا لمدة 4 سنوات، يبلغ 100 دولار أميركي للبرميل إلى 50 دولارًا أميركيًا للبرميل بعد عام واحد، انخفض الإنفاق العالمي على النفط والغاز معًا بنحو 2 تريليون دولار أميركي، ولم يتعافَ أبدًا.
تمويل المشروعات
نظرًا لكثافة رأس المال الهائلة لدى صناعة الطاقة والحاجة إلى الاستثمار المستمر، بهدف الحفاظ على القدرة الإنتاجية، فإن تحييد المشروعات الخاضعة للعقوبات في السنوات الأخيرة يعني أن النمو الهائل لدى الشركات الكبرى يعتمد على مشروعات جديدة لم يُوَافَق عليها بعد.
وفي عصر إزالة الكربون والضغوط البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وحيث تتراوح المهلة الزمنية للمشروعات الجديدة من 4 إلى 6 سنوات، تتعذّر عودة الاستثمار إلى المستويات الكافية والمطلوبة، لذلك تنطوي توقعات نمو الإنتاج من الشركات العملاقة على تحديات كبيرة.
ويبدو أن عصر النمو المفرط الذي تستهدفه صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة قد انتهى، على الرغم من أنها كانت مصدرًا هامشيًا لإمدادات الدورة القصيرة على مدى السنوات العديدة الماضية.
وفي حين إن نحو نصف عدد منصات النفط يشغله شركات خاصة، فإن تلك الشركات تدير جزءًا صغيرًا من المخزون الكبير مقارنة بالشركات العامة، وسوف ينمو نشاطها بنحو 0.5 مليون برميل يوميًا فقط العام المقبل، نتيجة انخفاض هذا المعدل في العام التالي.
وتواجه شركات النفط الصخري العامة، التي يتعين عليها الآن تلبية توزيعات الأرباح الفصلية المتغيرة، ضغوطًا تضخمية هائلة العام المقبل، نتيجة تكاليف العمالة والإنتاج، كما إنها استنفدت إلى حدّ كبير مخزونها من الآبار المحفورة وغير المكتملة.
فقد انخفض عدد الآبار المحفورة غير المكتملة في حقل برميان من 3700 بئر في يونيو/حزيران 2020 إلى 1705 آبار الآن، وهو أدنى مستوى في 4 سنوات.
وبالنظر إلى أن تكاليف الحفر تمثّل نحو 30% من التكلفة الإجمالية للآبار، فقد دُعِم نشاط الحفر هذا العام دعمًا مصطنعًا؛وسيتعين على منتجي النفط زيادة الإنفاق بنحو 20% العام المقبل، للحفاظ على ثبات التكاليف.
يضاف إلى ذلك الضغوط المتزايدة بشأن البيئة والمجتمع والحوكمة والحاجة إلى زيادة الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة، ولهذا يواجه نمو النفط الصخري في الولايات المتحدة تحديًا ملحوظًا، حتى لو أرادت الشركات نفسها أن توسع أنشطتها، وهو ما لا تفعله اليوم.
* إريك نوتال - كاتب متخصص في إستراتيجيات الاستثمار
ملحوظة:
* نُشر هذا المقال في صحيفة الفاينانشال بوست، وأعادت الطاقة نشره بموافقة الكاتب.
اقرأ أيضًا..
- أفريقيا.. قطاع التعدين يتجه إلى استخدام الطاقة النظيفة
- هل اتفقت السعودية وروسيا على وقف زيادة إنتاج النفط؟
- النفط الثقيل.. أكبر مشروع في الكويت لإنتاج وقود بيئي يغذي محطات الكهرباء
- السحب من احتياطي النفط الإستراتيجي.. هل يقنع بايدن الدول الصناعية الكبرى؟
- احتياطي النفط الإستراتيجي.. تطورات عاجلة في موقف إدارة بايدن