مقالات النفطأهم المقالاتالمقالاترئيسيةنفط

مقال - البنزين.. ما خيارات بايدن لخفض أسعاره؟

الرئيس الأميركي هدفه الضغط على إيران دون رفع الأسعار

اقرأ في هذا المقال

  • مطالبة أمريكا لأوبك أو دول الخليج بزيادة إنتاج النفط مسألة شائعة وقديمة
  • تاريخيًا، وفي كثير من الأحيان كانت المطالبة لأسباب سياسية تتعلق بالحروب والعقوبات الاقتصادية
  • رفض دول الخليج مطالب بايدن بزيادة الإنتاج فوق المخطط له "رد فعل منطقي"
  • اتهامات وزيرة الطاقة الأميركية غرانهولم لأوبك+ تعبر عن جهل شديد بأسواق النفط
  • المخزون الإستراتيجي لأميركا يكفيها لأكثر من سنة إذا قررت وقف وارداتها من الشرق الأوسط
  • بايدن وغرانهولم لا يستطيعان التفريق بين النفط الخام والبنزين.. أوبك منظمة تركز على النفط الخام

تُشكل أسعار البنزين وكل أنواع الوقود الأخرى مشكلة لأي سياسي في أي مكان حول العالم، إلا أن الولايات المتحدة أكثر حساسية لارتفاع أسعار الوقود، من أي دولة أخرى.

ويعود ذلك لعدة أسباب؛ أهمها الاعتماد الكبير للشعب الأميركي على السيارات الخاصة التي تسير بالبنزين، وكون متوسط المسافة بين المنزل والعمل هو الأعلى في العالم؛ ما يرفع من استهلاك البنزين.

يأتي ذلك إلى جانب كون عدد مرات تنقل الفرد الأميركي من وظيفة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر خلال حياته العملية هي الأعلى في العالم (4 أضعاف الفرد الأوروبي)؛ الأمر الذي يزيد من حركة المواصلات، ويرفع استهلاك البنزين، وكون البنزين السلعة الوحيدة التي تُعرض أسعارها في كل مكان على قارعة الطريق، للسائقين وغير السائقين، إضافة إلى أسباب أخرى.

متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة

إن مطالبة رئيس أميركي لدول أوبك عامة ودول الخليج خاصة بزيادة إنتاج النفط، لتخفيض أسعاره، أو لمنع أسعار النفط من الارتفاع، أمر شائع وقديم، وهناك أدلة تاريخية كثيرة على التعاون بين الإدارات الأميركية المتعاقبة والحكومات الخليجية، خاصة وقت الأزمات وشح الإمدادات، إلا أن ذلك لم يتم في العلن حتى جاء الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي اتخذ من تويتر منصة لإرسال رسائل نفطية كانت سابقًا تتم عن طريق وزارة الخارجية والسفارة أو مبعوثين خاصين.

هذه المطالبة برفع الإنتاج بهدف تخفيض الأسعار أو منعها من الارتفاع، قد تكون لأسباب اقتصادية حتى لا يتضرر الاقتصاد الأميركي، لكنها في النهاية سياسية؛ لأن البيت الأبيض يرى أن تحسن الاقتصاد سيضمن النجاح في الانتخابات القادمة.

وفي كثير من الأحيان كانت المطالبة لأسباب سياسية تتعلق بالحروب والعقوبات الاقتصادية، ويبدو أن مطالبة الرئيس بايدن لدول أوبك+ بزيادة الإنتاج، غلافها اقتصادي لكنها في الحقيقية سياسية من ناحيتين؛ الأولى كون ارتفاع أسعار البنزين والوقود سيزعج الناخب الأميركي ويخفف من الآثار الإيجابية للحزم المالية التحفيزية التي قدمها بايدن ووافق عليها الكونغرس.

أما الناحية الثانية -وقد تكون الأهم- فهي رغبة بايدن في الضغط على إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومن ثم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، لكنه يخاف من ارتفاع أسعار البنزين، ومن ثم نقمة الناخب الأميركي.

الضغط على إيران

هذا "الضغط" على طهران يتطلب تشديد العقوبات على الصادرات الإيرانية، والذي يعني -حسب وجهة نظر إدارة بايدن- انخفاض صادرات النفط، إلا أن الإدارة الأميركية تخاف من أن يتسبب اتخاذ هذه الخطوة في رفع أسعار النفط إلى مستويات أعلى مما هي عليه؛ الأمر الذي يؤدي إلى نقمة الناخب الأميركي وحلفاء الولايات المتحدة.

وتلافي هذه المشكلة يتطلب زيادة الإنتاج من دول أوبك+، ومن دول الخليج تحديدًا، ليس لأن لديها طاقة إنتاجية فائضة فقط، ولكن أيضًا لأنها في المنطقة نفسها، وتنتج أنواعًا من النفط مماثلة لأنواع النفط الإيراني.

بعبارة أخرى، بفرض وجود قدرة لدى الولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية على التعويض عن النفط الإيراني، إلا أن ذلك سيسبب مشكلات في سلسلة الإمدادات والتجارة الدولية، بسبب اختلاف المواقع الجغرافية؛ لهذا فإن الحل الأمثل هو تعويض دول الخليج عن انخفاض صادرات النفط الإيرانية.

في ظل هذا التفسير، لا معنى للانتقادات الموجهة لإدارة بايدن المتعلقة بقراراته بشأن أنبوب نفط كي ستون إكس إل، أو قراره بوقف التنقيب عن النفط في الأراضي والمياه الفيدرالية.

 

 

 

وتعاونت حكومات دول الخليج نفطيًا مع رؤساء ديمقراطيين مثل كارتر، وكلينتون، وأوباما، وكذلك فعلت مع الرؤساء الجمهوريين، إلا أن زيادة الإنتاج في أغلب هذه الحالات جاءت بمثابة ردة فعل على أمر طارئ أو نقص في الإمدادات لأسباب سياسية أو طبيعية.

ما يجعل طلب الرئيس بايدن مختلفًا أنه ليس هناك أي طارئ، وليس هناك أي نقص في الإمدادات، والأسعار ما زالت نسبيًا معقولة مقارنة بالارتفاعات السابقة، وأوبك+ لا تخفض الإنتاج بل تزيده بكميات كبيرة نسبيًا وبسرعة، لكن ماذا لو كان الأمر يتعلق بخطة تطبّق مستقبلًا وتتعلق بإيران أو بأي بلد نفطي آخر؟

إن رفض دول الخليج مطالبَ بايدن بزيادة الإنتاج فوق الزيادات المخططة لها ليس لأنه لا يخدم مصالحها فقط، إنما هو ردة الفعل المنطقية سواء كانت مطالبة بايدن لأسباب اقتصادية أو سياسية، خاصة إذا كانت تتعلق بإيران؛ فهدف بايدن في النهاية هو "التطبيع" مع إيران، وهذا يتطلب إجبارها على التفاوض، لكنه ليس من مصلحة دول الخليج.. فلماذا تتجاوب دول الخليج مع طلبات بايدن وتزيد الإنتاج كي يشدد الرئيس الأميركي العقوبات لإجبار طهران على التفاوض.. تفاوض ينتهي بتطبيع، ومن ثم انتعاش دور النظام الإيراني إقليميًا وعالميًا!

ما يجعل طلب بايدن مختلفًا عن غيره من الرؤساء، هو عداؤه لصناعة النفط؛ حيث كان أول ما قام به عندما تسلم الرئاسة هو إصدار أوامر ألغت بناء خط كي ستون إكس إل، الذي كان من المفترض أن ينقل 800 ألف برميل يوميًا من ألبرتا في كندا إلى الولايات المتحدة، وأوامر أخرى أوقفت عمليات الحفر في الأراضي والمياه الفيدرالية، وكان بايدن قد وعد عدة مرات أثناء حملته الانتخابية بمساءلة السعودية، وهو الآن يطلب منها زيادة إنتاج النفط بعد أن تناسى ما وعد به الناخبين، لماذا؟

الأمن القومي والنفط

نظرت كل الحكومات الأميركية إلى ارتفاع أسعار النفط على أنه مهدد للأمن القومي إذا كان هذا الارتفاع يمنع الولايات المتحدة من اتخاذ خطوة معينة تجاه بلد آخر، أو يحدد الخيارات المتاحة أمام صناع القرار للتعامل مع أي تهديدات تتعرض لها الولايات المتحدة أو مصالحها الخارجية. فإذا كان لدى إدارة بايدن ثلاثة خيارات للتعامل مع إيران، ونتج عن ارتفاع أسعار النفط حذف أحد هذه الخيارات، فإنهم يرون في هذه الحالة أن ارتفاع أسعار النفط هدد الأمن القومي.

هذا أحد التفسيرات لاهتمام مستشار بايدن للأمن القومي جاك سوليفان بأسعار النفط ومطالبته دول أوبك بزيادة الإنتاج فوق الزايدات المقررة.

أخطاء بالجملة

"ما زاد الطين بلة" المقابلات التلفزيونية لوزيرة الطاقة الأميركية، جنيفر غرانهولم، الحاكمة السابقة لولاية ميشيغان؛ ففي لقاءاتها التلفزيونية اتهمت أوبك صراحة بأنها وراء ارتفاع أسعار النفط والبنزين، كما وصفتها بأنها "كارتل"، وهي صفة ذم.

تصريحات الوزيرة وتصرفاتها أمام الكاميرا أثارت اشمئزاز الكثيرين في صناعة النفط وغيرها؛ لأنها عبرت عن جهل شديد بأسواق النفط، كما أنها أدلت بعدة تصريحات بما سيقوم به بايدن، ليتبين فيما بعد أن تصريحاتها شيء، والواقع شيء آخر.

وإذا كانت مطالبة بايدن لدول أوبك+ بزيادة الإنتاج تتعلق بإيران؛ فإنه من الواضح أن وزيرة الطاقة تغرد خارج السرب، ولا علم لها بالقرارات المهمة المتعلقة بسياسات الأمن القومي الأميركي.

أوبك+ وجو بايدن

ولعل الخطأ الأول الذي وقع فيه الرئيس بايدن والوزيرة غرانهولم هو لوم أوبك على ارتفاع الأسعار مع أن الدور لأوبك+ (التي تتكون من أوبك و10 دول إضافية في مقدمتها روسيا والمكسيك)، إما أنهما لا يعرفان أن أوبك تطورت إلى أوبك+ في السنتين الأخيرتين، أو أنهما يعرفان ولكن تجاهلا أوبك+ تفاديًا لأي مشكلات مع الرئيس الروسي بوتين وموسكو.

الغريب في الأمر أن السنوات الأخيرة شهدت انخفاض واردات الولايات المتحدة من النفط من السعودية وزيادتها من روسيا، خاصة في عهد بايدن! لكن إذا كان الأمر مرتبطًا بإيران؛ فإن مطالبة دول الخليج تحديدًا بزيادة الإنتاج يُعَد أمرًا منطقيًا من وجهة نظر إدارة بايدن، إلا أن تصريحات وزيرة الطاقة تدل على أنها ليست ضمن دائرة صنع القرار.

أما الخطأ الثاني فهو عدم القدرة على التفريق بين النفط الخام والبنزين، وهذا يعبر عن جهل شديد، خاصة تصريح الوزيرة غرانهولم منذ أيام عندما ربطت بين أوبك وإنتاج البنزين.. أوبك منظمة تركز على النفط الخام، وليس على المنتجات النفطية، وذلك منذ إنشائها في سبتمبر 1960.

إذا كان قلق إدارة بايدن من ارتفاع أسعار البنزين ووقود التدفئة -الذي يعرف بزيت الوقود- فإن عدم التفريق بين النفط الخام والمشتقات النفطية مشكلة كبيرة؛ لأنه حتى لو زادت دول الخليج الإنتاج؛ فإن هذا النفط لن يتحول إلى بنزين في المحطات إلا بعد أشهر من الآن، ولن يتحول إلى وقود تدفئة إلا بعد انتهاء الشتاء.

البعض يعتبر أن مشكلة بايدن وإدارته هي الجهل الكبير بأسواق النفط، بينما يرى آخرون أن ما قاله بايدن ووزيرته "سياسة مدروسة" لدفع اللوم عنهما من جهة، والضغط على دول أوبك من جهة أخرى.

ويرى بعض المحللين السياسيين أن الأمر خلاف سياسي بحت بين بعض دول الخليج وإدارة بايدن، ظهرت آثاره في أسواق النفط.

مهما يكن السبب، ذكر بايدن، ثم وزيرته، أن لديهم طرقًا للتعامل مع أزمة ارتفاع أسعار الوقود، لكن لم يُتخَذ أي قرار بتبني أي سياسة حتى الآن.. فما خيارات بايدن للتعامل مع أزمة ارتفاع أسعار الوقود؟

1- السحب من مخزون النفط الإستراتيجي

يحتوي المخزون النفطي الإستراتيجي على نحو 609 ملايين برميل حاليًا، وهي كمية تكفي لتغطية الواردات النفطية الأميركية لـ100 يوم تقريبًا.

بعبارة أخرى، إذا توقفت الولايات المتحدة عن استيراد النفط تمامًا، وبقي الاستهلاك والإنتاج على ما هو عليه، فإن هذا المخزون الإستراتيجي يكفيها لـ100 يوم، وإذا قررت وقف وارداتها من الشرق الأوسط فقط؛ فإن هذا المخزون يكفيها لأكثر من سنة.

أعلنت وزيرة الطاقة غرانهولم عدة مرات أن بايدن سيستخدم صلاحياته الرئاسية ويأمر بالسحب من المخزون الإستراتيجي، لكن لم يحدث ذلك، لسبب بسيط: صلاحية الرئيس محدودة بالطوارئ ونقص الإمدادات، وليست هناك طوارئ ولا نقص في الإمدادات! لهذا لا يمكن استخدام الاحتياطي الإستراتيجي لتخفيض أسعار النفط والبنزين.

إصرار الوزيرة غرانهولم على تكرار فكرة استخدام الاحتياطي الإستراتيجي لتخفيض أسعار البنزين يعبر عن جهلها في القوانين التي تحكم وزارتها وعملها!

وإذا شدد بايدن العقوبات على إيران، وظهر نقص في الإمدادات؛ فيمكنه اعتبار ذلك نوعًا من الطوارئ ويأمر بالسحب من المخزون، إلا أنها حركة خطرة سياسيًا؛ لأن الولايات المتحدة لا تستورد أي نفط من إيران، ولأن الجمهوريين سيقولون إنه هو الذي خلق المشكلة بتشديد العقوبات على طهران، إذا انخفضت صادرات إيران فعلًا؛ لأن هذا سيضمن أن جزءًا من النفط المسحوب من المخزون الإستراتيجي سيُصَدر إلى أوروبا.

ولكن لنفرض أن إدارة بايدن وجدت مخرجًا قانونيًا، واستطاعت الأمر بالسحب من المخزون الإستراتيجي، هل يحل ذلك أزمة أسعار البنزين وزيت الوقود؟

تشير دراسات إلى أن الأثر بسيط جدًا إن وُجد، وقد ترتفع الأسعار رغم السحب من المخزون، وقد ينتج عن ذلك تصدير الكميات المستخرجة من المخزون الإستراتيجي إلى خارج الولايات المتحدة، خاصة أوروبا، ومن ثم فلا يستفيد المستهلك الأميركي.

ونظرا لأن أي سحب حاليًا سيكون على طريقة ديون عينية للشركات، وليس هناك أي عجز في الإمدادات؛ فإن الشركات قد ترفض أخذ أي كميات؛ لأن عليها أن تعيدها لاحقًا مع زيادة معينة، وهذا سيكون مكلفًا، خاصة إذا استمرت أسعار النفط بالارتفاع.

والواقع أنه يُسحب حاليًا من المخزون الإستراتيجي بشكل أسبوعي تقريبًا وفقًا لقانون أقره الكونغرس في عام 2015، وذلك لتخفيف العبء عن الموازنة والإنفاق من عوائد البيع على مشاريع معينة وعلى تكاليف إدارة مشاريع المخزون الاستراتيجي نفسه. عمليات البيع هذه ستستمر حتى بداية عام 2028. هذا يعني أن السحب من المخزون الاستراتيجي لم يخفض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، مؤكدًا ما خلصت إليه الدراسات أن أثر السحب من المخزون ضعيف.

وفي هذا السياق، تضمنت حزمة التحفيز التي بلغت 1.5 تريليون دولار -وأقرها الكونغرس الأميركي منذ أيام- قرارًا ببيع 60 ألف برميل يوميًا في المدة بين 2028 و2031، لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة ومشروعات البنية التحتية للسيارات الكهربائية، واحتار الإعلاميون بسبب المدة بين 2028 و2031.. السبب هو أن مدة البيع الحالية تنتهي في بداية 2028، ومن ثم فإن القرار الجديد هو تمديدها لمدة 4 سنوات.

خلاصة القول هنا إنه لا يمكن للرئيس بايدن الأمر بالسحب من المخزون الإستراتيجي إلا في حالة الطوارئ ونقص الإمدادات، وهذا غير موجود حاليًا، وفي حالة وجودها، بسبب إيران أو غيرها، فإن الأثر في الأسعار سيكون بسيطًا.

2- وقف صادرات النفط الخام أو تحجيمها

على إثر أزمة النفط في النصف الأول من السبعينات، قرر الرئيس الأسبق نيكسون، منع تصدير النفط الخام الأميركي.. نتج عن ذلك وقف صادرات النفط الخام تمامًا، لكن القرار لم يشمل المشتقات النفطية.

لم تكن للقرار آثار تُذكر بسبب الانخفاض المستمر في إنتاج النفط الأميركي، إلا أن ثورة النفط الصخري قلبت الموازين رأسًا على عقب بعد عام 2010، فقد رفعت الإنتاج بكميات ضخمة؛ الأمر الذي خفض الأسعار داخل الولايات المتحدة بشكل كبير، ووصلت الفروقات السعرية بين خام غرب تكساس وخام برنت إلى نحو 20 دولارًا للبرميل (الفرق حاليًا نحو دولار واحد إلى دولارين).

نتج عن هذه الفروقات السعرية ارتفاع كبير في صادرات الولايات المتحدة من المشتقات النفطية، حيث حققت المصافي الأميركية أرباحًا ضخمة من شراء النفط الأميركي الرخيص، ثم بيع المنتجات في الأسواق العالمية بأسعار مرتفعة.

شكّل منتجو النفط الصخري لوبيا قويًا، واستطاعوا إقناع البيت الأبيض عندما كان فيه أوباما رئيسًا وبايدن نائبًا، بضرورة إلغاء القرار الرئاسي والسماح لهم بالتصدير، وتحقق لهم ذلك في أواخر عام 2015 بقرار من أوباما.

يستطيع الرئيس بايدن أن يعكس قرار أوباما كليًا أو جزئيًا، لكن ذلك لن يحل مشكلة ارتفاع أسعار البنزين وزيت الوقود، وسيسبب له مشكلات كثيرة، وقد ينتهي الأمر بالمحاكم.

وكانت الوزيرة غرانهولم قد ذكرت أن العودة إلى حظر تصدير النفط الخام هو أحد الخيارات المطروحة، لكنها عبرت عن جهلها بالموضوع؛ لأن وقف صادرات النفط الخام كليًا أو جزئيًا لن يؤثر في أسواق البنزين وزيت الوقود المحلية؛ لأن هذه المواد ستصدّر قانونيًا على كل حال، طالما أن السعر العالمي أعلى من السعر المحلي.

منع صادرات النفط الخام يعني انخفاض الإنتاج المحلي، ومن ثم زيادة الاعتماد على واردات النفط، الأمر الذي يسهم في رفع الأسعار، وهذا عكس ما تهدف إليه إدارة بايدن!

المشكلة الآن أعمق من ذلك: لماذا تصدّر الولايات المتحدة النفط أصلًا، رغم أنها تستورد أكثر من 6 ملايين برميل يوميًا؟ السبب هو نوعية النفط.. المصافي الأميركية ليست بحاجة لنوعية النفط المصدّر، وأغلبه من حقول النفط الصخري، وهو من النوع الخفيف جدًا الحلو، والمكثفات، بينما الواردات من الأنواع الأثقل والأحمض.

هذا يعني أن وقف الصادرات لن يحل مشكلة ارتفاع أسعار البنزين والوقود، ومن ثم فإنه لن يكون ضمن خيارات بايدن، مهما رددت ذلك وزيرة الطاقة.

3- تعطيل بعض القوانين البيئية الخاصة بالمصافي مؤقتًا

إذا كان الهدف هو تخفيض أسعار البنزين، أو منعها من الارتفاع فوق المستويات الحالية؛ فإن أسرع حل هو تعطيل بعض القوانين البيئية حتى تتمكن المصافي من إنتاج كميات إضافية من البنزين وزيت الوقود، إلا أن هذا الحل محفوف بالمخاطر اقتصاديًا وسياسيًا.

اقتصاديًا، تعطيل هذه القوانين سيخفض تكاليف إنتاج البنزين وزيت الوقود؛ الأمر الذي قد يغري المصافي بتصدير هذه المواد بدلًا من بيعها في الأسواق المحلية، ومن ثم فإن مشكلة ارتفاع الأسعار لن تُحل إلا إذا اشترطت الإدارة عدم تصدير هذه الكميات الإضافية.

سياسيًا، سيكون بايدن في مأزق كبير أمام حماة البيئة ومتطرفي التغير المناخي، وأقصى اليسار في الحزب الديمقراطي؛ لذلك فإن من الصعب أن يتبنى هذه السياسة.

4- وقف صادرات البنزين وزيت الوقود كليًا أو جزئيًا

إذا كانت المشكلة في أسعار البنزين وزيت الوقود؛ فإن وقف صادرات النفط الخام لن يحل المشكلة كما ذُكر سابقًا، لكن ماذا لو حُظِر تصدير البنزين وزيت الوقود، وحُوِّل ذلك للسوق المحلية؟

قد تبدو فكرة جيدة للوهلة الأولى، لكنها محفوفة بالمخاطر، وقد تعطي نتائج عكسية؛ فهذه الخطوة قد تؤدي إلى انخفاض أسعار البنزين والمشتقات النفطية؛ الأمر الذي يجبر المصافي على تخفيض عملياتها أو حتى الإغلاق الكامل؛ الأمر الذي يؤدي إلى عجز حقيقي في الإمدادات، وارتفاع الأسعار بشكل شديد، وزيادة الاعتماد على الواردات.

وحظر صادرات البنزين لن يحل مشكلة البنزين في الولايات المتحد،ة بسبب تعدد مواصفات البنزين واختلافها من ولاية لأخرى نتيجة القوانين البيئية المختلفة؛ فالبنزين المصدّر تختلف مواصفاته عن مواصفات العديد من الولايات.

الأمر الذي لم يدركه الرئيس بايدن ووزيرته غرانهولم، أن ارتفاع أسعار البنزين مع توافره شيء، وارتفاع أسعار البنزين لعدم توافره شيء آخر؛ فعصب الاقتصاد الأميركي ليس قطاع الطاقة، إنما قطاع المواصلات، وتوقف المواصلات سيقصم ظهر الاقتصاد الأميركي.

ونظرًا لارتباط المصافي بعقود مع عملاء أجانب؛ فإن وقف الصادرات سيجبر المصافي على إعلان القوة القاهرة، ولكن بعض أطراف التحكيم قد لا يقبل ذلك ويجعل المصافي ملزمة قانونًا؛ الأمر الذي يعرضها لتعويضات وخسائر كبيرة.

باختصار، وقف صادرات المنتجات النفطية قد يكون مغريًا؛ لأنه يخفض الأسعار مباشرة، لكنه قرار مكلف اقتصاديًا وسياسيًا. وستتعرض صناعة النفط الأميركية إلى كارثة شبيهة بما حصل في مارس/آذار وأبريل/نيسان من العام الماضي، إذا حُظِرت صادرات النفط والمنتجات النفطية معًا؛ لهذا فإن إدارة بايدن لن تلجأ لهذه السياسات.

5- تبني سياسات نقدية ومالية تخفف من آثار ارتفاع أسعار الوقود

تشير البيانات إلى أن الارتفاع الكبير والمستمر في أسعار النفط بين عامي 2004 و2008 لم يؤثر في النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والصين والهند.

وكانت الأسعار وقتها قد ارتفعت من أقل من 50 دولارًا للبرميل إلى أكثر من 140 دولارًا، فكيف استطاعت الاقتصادات الرئيسة في العالم تفادي آثار الارتفاع الشديد في أسعار النفط؟

تشير البيانات إلى أن تلك المدة شهدت حزمة من السياسات النقدية والمالية من الحكومات والبنوك المركزية مكّنت تلك الاقتصادات من النمو الكبير رغم الارتفاع الشديد في أسعار النفط وتضمّنت زيادة في الإنفاق الحكومي والعسكري وارتفاع الدخول وأرباح الشركات، وانخفاض أسعار الفائدة والدولار والضرائب.

وبهذا يمكن لإدارة بايدن، بالتعاون مع البنك المركزي في تبني سياسات نقدية ومالية تخفف من حدة ارتفاع أسعار الوقود في الاقتصاد، كما يمكنها تخفيض الضرائب الفدرالية على البنزين أوتقديم إعانات مباشرة لذوي الدخل المحدود.

الحزمة التحفيزية التي أقرها الكونغرس مؤخرًا لا تكفي؛ لأنها تحتاج إلى سياسات أخرى معها، خاصة أن الحزمة التحفيزية ستتم على مدة طويلة من الزمن، وليست كلها فورية، كما أنها تشترط شروطًا تتنافى مع فكرة التخفيف من آثار ارتفاع أسعار الوقود في الاقتصاد، أهمها أن جزءًا كبيرًا من الإنفاق يشترط تقديم الإعانة للصناعات التي تسيطر عليها الاتحادات والنقابات العمالية، ومن ثم فإن الشركات والصناعات التي ليست فيها اتحادات لن تحصل على عقود حكومية.

هذا يفسر انتقاد رئيس شركة تيسلا، إيلون ماسك، حزمةَ التحفيز؛ لأن الأموال ستذهب إلى منافسيه مثل، جي إم وفورد، وهي شركات تسيطر عليها نقابات العمال، وهذا ليس هو الحال مع تيسلا.

6- زيادة الضغوط السياسية على بعض الدول المنتجة

يستطيع بايدن بسهولة أن يضغط سياسيًا على الدول المنتجة للنفط لزيادة الإنتاج، إلا أنها سياسة خطرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية.

الأمور التي سيضغط بها بايدن كبيرة، لكن إذا كان هدفه فقط تخفيض أسعار البنزين؛ فإن الأطراف الأخرى ستنظر إلى سلوكه على أنه سلوك رؤساء العصابات القائم على ليّ الأذرع والابتزاز، وهذا يقلل من هيبة بايدن والولايات المتحدة معًا، وقد يجعل الدول المنتجة تقف في وجه هذا السلوك.

وإذا كان هدف بايدن من زيادة الإنتاج هو الضغط على إيران؛ فإنه بحاجة ماسة إلى دول الخليج، ولا يستطيع أن يضغط سياسيًا بشكل يجعله يخسر هذه الدول.. هذا يعني أن الضغط السياسي لن يأتي بنتيجة.

خلاصة القول، سواء كان سبب مطالبة بايدن وإدارته لدول أوبك+ بزيادة الإنتاج اقتصاديًا أو سياسيًا، وسواء كانت له علاقة بإيران أم لا؛ فإن خيارات الرئيس الأميركي لتخفيض أسعار البنزين وزيت الوقود محدودة جدًا، حتى لو زادت دول أوبك+ الإنتاج.

ويبدو أن الحل الأمثل هو تبني سياسات نقدية ومالية، بالتعاون مع البنك المركزي؛ للتخفيف من عملية أسعار السلع المرتفعة في الاقتصاد، بما في ذلك أسعار النفط.

*الدكتور أنس الحجي - خبير أسواق الطاقة، مستشار تحرير "الطاقة"

  • للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا).
  • للتواصل مع منصة الطاقة (هنا).

موضوعات متعلقة..

مقالات سابقة..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق