أزمة الطاقة.. حتى أنت يا شكسبير؟
أزمة في القرن الـ16 بسبب الاحتطاب والاستخدامات المتعددة للخشب
مي مجدي
أزمة الطاقة قديمة قدم البشرية، ومع انخراط البشرية في التطور والتقدم من أجل تلبية الطلب والاحتياجات، ظهرت العديد من الأزمات.
وبدأت المجتمعات كافة تصب تركيزها على هذه القضايا؛ نظرًا لعواقبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الوخيمة.
فأزمات الطاقة على مر التاريخ لا تختلف كثيرًا عن الأزمة الحالية؛ إذ تشترك كل هذه الأزمات في خصائص معينة أهمها أن بعض أنواع الوقود متعدد الاستخدامات، ومع حدوث شح في الإمدادات، أو تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، تدخلت الحكومة؛ الأمر الذي يزيد من حدة أزمة الطاقة.
وتقرير اليوم لا يخلو من الطرافة، إلا أنه مرتبط بأزمتي الطاقة والمناخ التي نشهدها في هذه الآونة.
عصر الخشب
لجأ الإنسان قديمًا إلى الاحتطاب للحصول على الطاقة، والتي تمثلت في حرق الخشب.
ومع مرور الزمن، استُخدِمت النار في صهر الحديد والمعادن المختلفة، واستمر ذلك حتى اكتشاف الفحم؛ إذ خفف استخدامه من نمو استخدام الحطب في الصناعات، إلا أن الرائحة النفاذة للفحم جعلت الناس تفضل حرق الحطب لتدفئة المنازل وفي الطبخ.
وفي القرن الـ16، شهد العالم أزمة طاقة نتيجة الاستخدامات المتعددة للخشب، واستمرت قرنين من الزمان، وتفاقمت معها مشكلة أخرى هي قطع أشجار الغابات.
فمنذ بداية العصر البرونزي والعصر الحديدي، كان أحد الأسباب الرئيسة لإزالة الغابات هو الحصول على كميات كبيرة من الخشب لصهر المعادن.
وكان الخشب لا غنى عنه لبناء القصور ودور العبادة والإسطبلات والأسوار والأثاث والآلات الموسيقية والقوارب، إلى جانب تدفئة المنازل.
وحتى أربعينات القرن الـ15، كانت تكلفة الخشب مستقرة، لكنها تضاعفت 4 مرات بحلول ثمانينات القرن الـ15، ووصلت إلى 10 أضعاف بحلول عشرينات القرن الـ16.
وبحلول نهاية القرن الـ16، أُزيلت الغابات المحيطة بالعاصمة البريطانية لندن، وأدى ذلك إلى نقص حاد في الأخشاب.
ومن العوامل التي قد تكون سببًا في تخفيف حدة الأزمة أو انتهائها هي الهجرة الأوروبية الضخمة إلى العالم الجديد، الأميركيتين.
الأزمة تحول شكسبير إلى لص
من الطريف أن نذكر أن النقص الحاد في الخشب بالعاصمة البريطانية دفع الكاتب الكبير ويليام شكسبير إلى سرقة الأخشاب من مسرح فرقته القديم "شورديتش" من أجل بناء مسرح "غلوب" على الجانب الآخر من نهر التايمز.
ففي عام 1596، حاول شكسبير وأصدقاؤه التفاوض مع مالك الأرض لتمديد عقد إيجار مسرح شورديتش، لكنه رفض، وهدد بالاستيلاء على المسرح.
وبينما كان المالك يحتفل بعيد ميلاده في منزله، اقتحم 10 رجال مسلحين -تابعين للفرقة المسرحية التي ينتمي إليها شكسبير- المسرح، وعملوا بلا كلل طوال الليل في تفكيك الأخشاب وحملها على عربات إلى مسرحهم الجديد.
وبمساعدة نجار ماهر، أُزيل خشب المسرح بالكامل خلال ليلة واحدة، ورغم أنه لا يوجد دليل على أن شكسبير كان حاضرًا لكنه كان يتابع الإجراءات عن كثب وحريصًا على إنجاز المهمة.
تدخل حكومي قلق من هدر الطاقة!
زادت حدة التوتر عندما فرضت بريطانيا عقوبات السجن والتعذيب والإعدام على كل من تسول إليه نفسه الاقتراب من الغابات المملوكة لطبقة الأسياد.
وبحلول عام 1615، شهد العالم واحدة من أولى المحادثات المتعلقة بالطاقة، وأصدر ملك إنجلترا جيمس الأول حظرًا على حرق الخشب لإنتاج الزجاج، مُعلنًا أن الهدر الكبير للأخشاب في صناعة الزجاج أمر يثير القلق.
وبحلول نهاية القرن الـ18، بلغ القلق المتزايد بشأن إزالة الغابات في جميع أنحاء أوروبا ذروته، ونادى الكثيرون إلى استبدال الفحم بالخشب.
ورغم أن الوقود الأحفوري -وعلى رأسه الفحم- سيحل أزمة الطاقة الناجمة عن إزالة الغابات العالمية؛ فإنه سيطلق العنان لتحديات بيئية ومناخية وصحية ما زالت قائمة حتى الآن.
فقد غيرت الثورة الصناعية التي تعمل بالوقود الأحفوري العالم بأسره، ومنحتنا 300 عام من التطور غير المسبوق والتقدم العلمي.
لكن كان لهذا أثر سلبي؛ فقد زاد استخدامنا للطاقة 20 ضعفًا منذ القرن الـ16؛ ما أدى إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
اقرأ أيضًا..
هل من الممكن معالجة الانبعاثات بدون العمل على حد الانشطة