ناقوس خطر.. أين يقف العالم في مواجهة تغيّر المناخ؟
أحمد شوقي
- 197 دولة تبنت اتفاق باريس للمناخ 2015 في أقل من عام
- يتطلب الاتفاق خفض الانبعاثات مع مراجعة مساهمة الدول كل 5 أعوام
- الدول المتقدمة تعهدت بتمويل مشروعات المناخ في البلدان النامية
- تعهدات الدول لم تصل بعد للمستوى المطلوب وفق سيناريو 1.5 درجة مئوية
- كوب 26 فرصة للعالم لمراجعة سياساته من أجل مواجهة تغير المناخ
يروّج صناع القرار حول العالم دائمًا لأهمية مواجهة تغيّر المناخ، والانتقال إلى مجتمع منخفض الكربون، لكن الوضع الحالي يهدد بتفاقم خطر حدوث كارثة مناخية.
وبدلًا من التقدم بخطوات سريعة نحو تحقيق الحياد الكربوني خلال السنوات المقبلة، تتدهور آمال القضاء على ظاهرة الاحتباس الحراري بسرعة، في ظل تزايد اعتماد العالم على الوقود الأحفوري، والتباطؤ في تطوير مصادر الطاقة المتجددة.
وتتجه الأنظار نحو مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ هذا العام (كوب26)، على أمل اتخاذ إجراءات صارمة؛ للحد من الخطر الذي يهدد البشرية، وتحقيق أهداف اتفاقية باريس.
اتفاق باريس
يُعد تغيّر المناخ قضية عالمية، تتطلب حلولًا منسقة على مستوى العالم، وهذا ما دفع 197 دولة لتبني معاهدة دولية ملزمة تضع خطة لمواجهة أزمة المناخ، وذلك خلال مؤتمر الأطراف 21 بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في باريس ديسمبر/كانون الأول 2015.
ودخل اتفاق باريس حيز التنفيذ رسميًا في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لكن المصادقة عليه رسميًا، لم تتم حتى الآن في برلمانات إريتريا والعراق وإيران وليبيا واليمن.
ويهدف اتفاق باريس للمناخ إلى الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين، مع الالتزام بمتابعة الجهود وخفض الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وتضمن الاتفاق التزامات من جميع الدول المشاركة لخفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري، مع مراجعة مساهمة الدول في خفض الانبعاثات كل 5 سنوات.
ويوفر اتفاق المناخ طريقًا للدول المتقدمة كي تساعد البلدان النامية من خلال توفير التمويل المناخي للتكيف مع تغيّر المناخ والتحوّل إلى الطاقة المتجددة.
ولتحقيق أهداف المناخ، تهدف البلدان للوصول إلى ذروة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم في أقرب وقت ممكن، من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.
ويتطلب ذلك، خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010، قبل الوصول إلى الحياد الكربوني في 2050.
أين يقف العالم؟
في فبراير/شباط الماضي، دق تقرير صادر عن الأمم المتحدة ناقوس الخطر بعد أن أظهر أن المستويات الحالية للعمل المناخي بعيدة كل البعد عن المسار الذي يلبي أهداف اتفاق باريس.
ويظهر تقرير الأمم المتحدة أنه رغم رفع غالبية الدول الممثلة -75 دولة قدمت مساهمات محددة وطنيًا- سقف طموحها الفردي لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ فإن التأثير المشترك يضعها على طريق خفض الانبعاثات بنسبة 1% فقط بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2010، في حين المطلوب خفضها بنحو 45%.
من جهة أخرى؛ فإن الدول المتقدمة لم تفِ حتى الآن بتعهدها لتقديم 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020 إلى البلدان الفقيرة، لمساعدتها على التعامل مع تغيّر المناخ.
وبحسب ما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ فإن مساعدات الدول المتقدمة بلغت 79.6 مليار دولار فقط عام 2019.
ليس هذا فحسب، بل إن الدول المتقدمة قد لا تتمكن من الوفاء بتعهدها لدعم الدول النامية لمدّة 4 سنوات مقبلة، ووفقًا لتحليل أجرته منظمة أوكسفام الدولية حديثًا.
وعلى الرغم من أن الإجراءات المتعلقة بتغيّر المناخ لا تزال تحتاج إلى زيادة كبيرة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس؛ فإن السنوات التي انقضت منذ دخولها حيز التنفيذ، شهدت إطلاق حلول عديدة منخفضة الكربون وإعلان تعهدات لخفض الانبعاثات.
والآن، تضع الدول والمدن والشركات أهدافًا للوصول إلى الحياد الكربوني، وأصبحت الحلول محايدة الكربون قادرة على المنافسة عبر القطاعات الاقتصادية التي تمثل 25% من الانبعاثات، وهذا ما يتجلى في قطاعي الطاقة والنقل خصوصًا.
وبحلول عام 2030، يمكن أن تكون الحلول محايدة الكربون قادرة على المنافسة في القطاعات التي تمثل أكثر من 70% من الانبعاثات العالمية.
وحتى نهاية يوليو/تموز الماضي، قدمت 110 دول إلى الأمم المتحدة، تعهدات بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتحقيق الحياد الكربوني.
وهذا يعني أن 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، مغطاة الآن بتعهدات الحياد الكربوني، بحسب الأمم المتحدة.
الوضع الحالي للاحتباس الحراري
وفقًا للتقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في 2014؛ فإن المتوسط العالمي لدرجات الحرارة قد زاد بالفعل بمقدار 0.85 درجة مئوية خلال المدة بين عامي 1880 و2012، مع الإشارة إلى أن العقود الـ3 الأخيرة كانت أكثر ارتفاعًا في درجات الحرارة على التوالي من أي عقد آخر منذ عام 1850.
ليس هذا فحسب، بل جاء التقرير السادس للهيئة، ليؤكد أن الوضع أصبح أكثر سوءًا مع ارتفاع متوسط درجة الحرارة بنحو 0.99 درجة مئوية في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين (أيّ المدة بين عامي 2001 و2020)، مقارنة بدرجات الحرارة في المدة من عام 1850 حتى 1900.
وأكد التقرير أن الأنشطة البشرية جعلت المناخ أكثر سخونة بمعدل غير مسبوق على مدى الألفي عام الماضية.
وما يؤكد خطورة الوضع، أنه حتى مع الانخفاض في الانبعاثات الكربونية عام 2020، جراء قيود الإغلاق المرتبطة بكورونا، كان ذلك ذا تأثيرات مؤقتة، مع استمرار ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستوى قياسي عند 149%، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).
وهذا يعني أن هدف اتفاقية باريس يمثل تحديًا كبيرًا لتحقيقه، خاصة مع الزيادة السكانية المستمرة، وتزايد الطلب على مصادر الطاقة التقليدية.
مسار خطير
وسط الجهود الساعية لخفض الانبعاثات؛ فإن استمرار حرق الوقود الأحفوري يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الهواء، الذي يحبس الحرارة في الغلاف الجوي ويسبب الاحترار العالمي.
ووجدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الانبعاثات من الوقود الأحفوري والصناعة هي السبب المهيمن للاحترار العالمي؛ إذ شكلت 89% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عام 2018.
بل يتزايد الاتجاه؛ حيث تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تستمر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية من المصادر المتعلقة بالطاقة في النمو خلال العقود المقبلة.
وفي تقرير آفاق النفط -الصادر حديثًا- تتوقع منظمة أوبك ارتفاع إجمالي الانبعاثات المرتبطة بقطاع الطاقة بنحو 6.2%، لتصل إلى 34.4 مليار طن بحلول عام 2045.
وتُعَد مستويات ثاني أكسيد الكربون على الأرض أعلى من أي وقت مضى خلال الـ3.6 مليون سنة الماضية، وفقًا لبحث من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
ووجد البحث أن مستويات ثاني أكسيد الكربون والميثان -وهما أهم غازات الاحتباس الحراري- واصلت ارتفاعها خلال العام الماضي، على الرغم من التباطؤ الاقتصادي الحاد الناجم عن جائحة كورونا.
ومع استمرار ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة، من المرجح زيادة الاحتباس الحراري لنحو 3.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، استنادًا إلى السياسات السارية للدول، وهو ما يتجاوز بكثير هدف الاحترار العالمي الأقصى البالغ درجتين مئويتين، بحسب مؤسسة إم إس سي أي.
والأكثر من ذلك، أنه حتى إذا أخذنا التعهدات الحكومية في الاعتبار، فإن العالم ما زال بعيدًا عن تحقيق هدف اتفاقية باريس.
وعلى الرغم من أن الوباء أسهم في انخفاض الانبعاثات؛ بسبب عمليات الإغلاق؛ فمن المتوقع أن يُترجم هذا التراجع إلى انخفاض غير ملحوظ بمقدار 0.01 درجة مئوية في ظاهرة الاحتباس الحراري بحلول عام 2050.
ويتوقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن العالم سيستمر في مسار خطير، حال عدم اتخاذ إجراءات سياسية مهمة تسعى إلى تحقيق تعافٍ اقتصادي أكثر استدامة.
عواقب محتملة
إذا أخفق العالم في تنفيذ خطة العمل بشأن المناخ؛ فقد يشهد الكوكب العديد من الآثار السلبية على جميع الأصعدة.
ومن المتوقع أن يؤدي تغيّر المناخ إلى انخفاض مساحة الأرض الصالحة للعيش، خاصة المناطق المنخفضة والاستوائية؛ نظرًا لارتفاع مستوى سطح البحر، بالإضافة إلى ذلك، قد يتسبب الاحترار العالمي في ندرة المياه والغذاء، فضلًا عن انقراض نحو 30% من الأنواع النباتية والحيوانية بحلول عام 2070.
كما تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتسبب تغيّر المناخ في حدوث 250 ألف حالة وفاة إضافية سنويًا بين عامي 2030 و2050.
وفضلًا عن ذلك، من المحتمل أن تتسبب أزمة المناخ في خسائر اقتصادية كبيرة؛ فعلى سبيل المثال عند ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2080 إلى 2099، يمكن أن تتكبد الولايات المتحدة خسائر سنوية تصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي (نحو 400 مليار دولار).
فرصة لإعادة النظر
يحتاج العالم إلى صحوة، وتعاون مكثف بين جميع الدول لمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن التغيّر المناخي، وقد يمثل عام 2021 فرصة لذلك حينما يجتمع قادة العالم في قمة غلاسكو الشهر المقبل.
ومع المزيد من الإلحاح للتحوّل لاقتصاد محايد الكربون، يُعقد مؤتمر الأطراف 26 في غلاسكو بالمملكة المتحدة، في المدّة بين 31 أكتوبر/تشرين الأول حتى 12 نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام، في الوقت الذي يتعرض فيه صناع السياسة لضغوط مكثفة للوفاء بالوعود المبرمة ضمن اتفاقية باريس.
وتستضيف المملكة المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ، بالتعاون مع إيطاليا، بعد تأجيله العام الماضي نتيجة تفشي وباء كورونا.
ويهدف مؤتمر المناخ المقبل إلى الاتفاق على حزمة تفاوضية متوازنة تحقق اتفاق باريس وتدفع خطط الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ إلى الأمام.
كما سيعمل على مناقشة تسريع التحوّل الأخضر للنظام المالي حتى تتمكن جميع الدول من توجيه استثمارات نظيفة ومرنة، واغتنام فرصة الانخفاض السريع في تكاليف مصادر الطاقة المتجددة وتخزين الكهرباء.
موضوعات متعلقة..
- أميركا.. الاحتباس الحراري يهدد بزيادة الوفيات 1600 حالة سنويًا
- 24 دولة تتعهد بخفض غاز الميثان لمكافحة تغير المناخ
- رأي مفاجئ.. تغير المناخ ليس نهاية العالم والخسائر لن تكون كبيرة
- كوب 26.. شركات النفط الكبرى محرومة من المشاركة في مؤتمر المناخ
اقرأ أيضًا..
- التلوث من صناعة البلاستيك يفوق انبعاثات الفحم في أميركا بحلول 2030 (تقرير)
- أذربيجان.. ارتفاع إنتاج المشتقات النفطية بأول 9 أشهر من 2021