مقال - التعدين قد يهدد التحول في نظام الطاقة العالمي
أحمد الطالب محمد
من المعلوم أن توربينات الرياح والألواح الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية تعتمد كلها على التعدين لإنتاجها، وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم تسارعًا نحو التحول إلى الطاقة الخضراء، فإن التعدين في العالم لا يشهد تفاعلًا مماثلًا، ولا يرقى إلى التطلعات لمواكبة هذا التسارع.
إن الطلب على المعادن كبير جدًا ويتزايد يومًا بعد يوم، فقبل أشهر قليلة توقّعت وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب العالمي على الليثيوم بمقدار 40 مرة بحلول عام 2040.
كما يُتوقع ارتفاع الطلب على الكوبالت والنيكل -وهما معدنان أساسيان فى صناعة بطاريات المركبات الكهربائية- بمقدار 20 ضعفًا على الأقلّ، أمّا النحاس ومعادن التربة النادرة فستشهد طلبًا قويًا أيضًا.
قبل بضعة أسابيع، وقّع الرئيس جو بايدن أمرًا تنفيذيًا لجعل نصف جميع السيارات الجديدة المبيعة في 2030 من السيارات الكهربائية EVs، وذكر الرئيس الأميركي أن "المستقبل للسيارات الكهربائية، وأنه لن تكون هنالك عودة إلى الوراء".
لكن مقابل التعهد باستخدام مصادر طاقة نظيفة تعتمد على هذه المعادن، نجد أن الإنتاج العالمي للمعادن المذكورة بالكاد يزيد سنويًا، والأدهى من ذلك أن التشريعات فى العالم تتجه إلى فرض إتاوات ورسوم على الإنتاج المنجم، مما يقوّض أيّ جهد لإعادة دعم الإنتاج وبناء سلاسل التوريد من أجل التحول في مجال الطاقة.
فعلى سبيل المثال، على غرار البلدان المنتجة الرئيسية للمعادن مثل كندا وأستراليا، تدفع شركات التعدين في الولايات المتحدة ما يُقدَّر ب 40 إلى 50% من الأرباح على شكل إتاوات وضرائب ورسوم.
العوائق الموجودة لزيادة الإنتاج المعدني
أكثر الدول إنتاجًا للطاقة هي الصين والولايات المتحدة، وتواجهان معًا بعض العوائق لتحقيق الأهداف المنشودة.
ففي الولايات المتحدة، دعا رئيس شركة فورد موتورز قبل أسبوع، إلى مزيد من التعدين المحلي، إذ قال: "علينا أن نجلب إنتاج البطاريات هنا، وسلسلة التوريد يجب أن تصل إلى المناجم".
وتابع: "هل سنستورد الليثيوم ونجلب الكوبالت من الدول التي لديها عمالة أطفال وجميع أنواع الفساد، أم أننا سنكون جادّين بشأن التعدين؟"
وكان رئيس شركة فورد موتورز يقدّم خطّته لمشروعات تصنيع السيارات الكهربائية الجديدة (EV) وبطاريات الليثيوم أيون التي تبلغ قيمتها 11 مليار دولار أميركي، إذ عبّر عن الإشكال الرئيس الذي تواجهه هذه الصناعة التي تضع العديد من العقبات أمام الإنتاج المحلي للمعادن، وترتكز على الاستيراد الذي بدوره يطرح العديد من الأسئلة.
أمّا على مستوى الصين، فقد يكون التباعد السياسي، الذي لا يُرى له أفق حلحلة في القريب مع أستراليا، له دور في عدم الاعتماد على هذه الأخيرة فى التوريد، و معلوم أن أستراليا من أهم الدول إنتاجًا للمعادن.
ماذا عن التزام شركات المعادن نفسها؟
مع الضغوط التي تتعرض لها شركات التعدين لتقديم تفاصيل حول كيفية التخطيط لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، المعتمدة في عام 2015، والمصممة للحفاظ على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية إلى مستويات ما قبل التصنيع، وقّع رؤساء الشركات الذين يمثّلون ثلث صناعة التعدين والمعادن في العالم (28 شركة)، بما في ذلك "أنجلو أميركان" Anglo American و"بي إتش بي" BHP و"جلينكور" Glencore و"ريو تنتو" Rio Tinto و"فال" Vale، بالتزام جماعي، بصفتهم أعضاء في المجلس الدولي للتعدين والمعادن (ICMM)، خطابًا يلتزمون فيه بهدف تحقيق صفر من انبعاثات غازات الدفيئة (GHG) بحلول عام 2050 أو قبل ذلك، بما يتماشى مع طموحات اتفاقية باريس.
الخلاصة
إن دول العالم توجد بمفترق طرق، إذ يمكن احتضان الإنتاج المعدني المحلي المسؤول أو ضربه في العمق وتفكيكه بوساطة تشريعات معادية تؤدي إلى نتائج عكسية، وعليه يجب أن يكون الاختيار واضحًا تمامًا لكي ينجح التحول إلى نظام طاقة عالمي صديق للبيئة.
*أحمد الطالب محمد - خبير الموارد المعدنية في موريتانيا
موضوعات متعلقة..
- مقال - رهان الدول العربية والأفريقية المصدرة للنفط على التعدين
- مقال - هل الطريق ممهدة أمام صناعة التحول الأخضر؟
اقرأ أيضًا..
- الجزائر تعلن تطورات مشروع خط الغاز العابر للصحراء.. ولماذا الشراكة مع تركيا؟
- أرامكو تطلب قرضًا بـ 14 مليار دولار لتمويل صفقة خط أنابيب الغاز