المقالاترئيسيةمقالات النفطنفط

مقال - دور صناعة النفط في الحرب على كورونا

إنتاج الخام ينقذ حياة البشر ويزيد نسلهم ويطيل أعمارهم

أنس الحجي*

هناك فئات عديدة تحارب النفط حربًا شعواء، وتريد أن يختفي النفط من الوجود. هذه الفئات ليست متطرفة فقط، بل إنها تتمتع بجهل شديد -أيضًا- ومن ثم لا يُجدي أي حوار معها.

فالنفط بمفهومه العام -الذي يتضمن الغاز- يدخل في تصنيع أغلب ما نستخدمه في حياتنا اليومية. ولو كان هؤلاء المتطرفون صادقين مع أنفسهم لتخلّصوا من كل شيء يمت إلى النفط بصلة، وهذا يجعل كلاً منهم "طرزانًا" يعيش في الغابات. ولكن نفاقهم البيئي كبير؛ لهذا يستمرون في استخدام النفط وانتقاده في الوقت نفسه.

كشفت كارثة كورونا في الهند الحقيقة للجميع: يهاجم كورونا الجهاز التنفسي، فإذا اشتد المرض، يحتاج الانسان إلى ضخ الأكسجين في رئتيه حتى يبدأ بالتعافي. فإذا لم يتوافر الأكسجين والمضخات، فإنه غالبًا ما يؤدي إلى الوفاة.

ونظراً إلى أن عدد المرضى الذين يحتاجون الأكسجين كبير -الذي لم يكن هناك كفاية منه- فقد طلبته الحكومة الهندية من الصناعات التي تنتجه وتستخدمه بكثافة، وطالبتها بتخفيض أنشطتها وتحويل الأكسجين إلى المستشفيات.

النفط والأكسجين

ما هي هذه الصناعات؟ النفط والصناعات كثيفة الطاقة مثل: البتروكيماويات والتعدين، بما في ذلك الحديد والصلب.

يُستخدم الأكسجين بكثافة في المصافي ومصانع البتروكيماويات والصناعات كثيفة الطاقة. كما تستخدمه شركات النفط والغاز في عمليات اللحام أثناء مد الأنابيب، ويُستخدم في عمليات اللحام في تصنيع الخزانات والحفارات والمنصات البحرية.

لهذا، تُصنّعه شركات النفط داخل منشآتها عن طريق وحدات خاصة لاستخلاصه من الهواء. وأنشأت شركة النفط في جنوب أفريقيا "ساسول" أكبر مصنع لإنتاج الأكسجين في العالم، ودُشّن في عام 2018. وشركة ريلاينس الهندية هي أكبر منتج للأكسجين السائل في الهند.

وتنتج شركات النفط والبتروكيماويات الخليجية الأكسجين السائل، وهو أحد الأجزاء المهمة في مصفاة جازان الجديدة، التي ستوفر الأكسجين إلى أرامكو لاستخدامه في عملياتها المختلفة.

إنتاج الأكسجين

رغم زيادة إنتاج الأكسجين في الهند، وتحويل كميات من استخدامات صناعية إلى استخدامات طبية، فإن هذه الكميات لم تكفِ، فطلبت الهند مساعدات من الدول الأخرى.

الدول التي تستطيع أن تقدم هذا النوع من المساعدات يجب أن تتوافر فيها ثلاثة شروط:

  • أن تكون منتجة للأكسجين.
  • لديها كميات كبيرة منه.
  • لديها إمكانية الشحن وأن تكون قريبة من الهند.

هذه الشروط الثلاثة تنطبق على دول الخليج، وعلى رأسها السعودية.

إن وجود مصافٍ ضخمة ومجمعات بتروكيماويات كبيرة يعني -بالضرورة- وجود كميات كبيرة من الأكسجين السائل؛ لأن كل هذه العمليات تتطلب الأكسجين؛ لهذا كان من المنطقي أن تطلب الهند الأكسجين السائل من دول الخليج.

تاريخيًا، تخصصت الدول الصناعية بإنتاج الأكسجين الطبي وتصديره، إذ تربعت بلجيكا على رأس الدول المصدرة، تليها فرنسا ثم ألمانيا، إلا أن هذه العمليات أصبحت محدودة في ظل كورونا.

وقلب فيروس كورونا الأمور رأسًا على عقب، وقد تتحول الهند -قريبًا- إلى واحدة من أكبر المنتجين في العالم. إلا أن الحديث هنا عن الأكسجين الطبي لا الصناعي. وعادة ما يُصنّف الأكسجين الذي يُستخدم في الصناعة تحت "الغازات الصناعية"، والتي تشمل: الأكسجين، والنيتروجين، والهيدروجين، وغاز الكربون، والأرغون، والهليوم، وغالبًا ما تُنتَج وتُستهلَك محلياً.

ويتم الحصول على الأكسجين عن طريق تسييل الهواء في وحدات خاصة عن طريق الضغط والتبريد، التي يُفصل فيها عن النيتروجين، ثم تنقيته لمقابلة المواصفات الصناعية أو الطبية. وعادة ما يُحتفظ بالأكسجين على شكل سائل بعد فصله والاحتفاظ به في درجات حرارة منخفضة جدًا في خزانات خاصة تتحمل الضغط الشديد؛ لأن حمله ونقله بهذه الحالة أسهل وأجدى اقتصاديًا.

الدور السعودي

شحنت السعودية منذ نحو أسبوعين 80 طنًا متريًا من الأكسجين السائل، بعد أن نسّقت مع الحكومة الهندية عبر سفارتها في الرياض، ونسّقت الحكومة الهندية مع شركتي أداني وليند لشحن هذه الكميات إلى الهند، إذ شُحنت بخزانات خاصة في طائرات شحن. وشكرت الحكومة الهندية والسفارة الهندية وزارة الصحة السعودية لتوفيرها هذه الكميات.

كما نشر وزير النفط والغاز الهندي، دارمندرا برادان، 6 تغريدات شكر فيها وزارة الطاقة في دول الخليج بالاسم؛ لمساعدتها في توفير الأكسجين السائل الآن ومستقبلًا.

المثير في الأمر، والذي جعل الجميع يتساءل: كورونا أزمة صحية من تخصص وزارة الصحة، وربما وزارة الداخلية، فلماذا دخل وزير النفط والغاز الهندي على الخط؟ ولماذا نسّق مع وزراء الطاقة بالخليج؟ ولماذا شكرهم علنًا مع صورهم في 6 تغريدات؟

كما يقول المثل، إذا عُرف السبب، بَطَل العجب! السبب هو أن الأكسجين متوافر في منشآت الطاقة، التي تتضمن المصافي والبتروكيماويات، وهي الشركات نفسها التي لديها القدرة الفنية واللوجستية على تصدير الأكسجين السائل إلى الهند. هنا يبرز دور شركات النفط الخليجية، وعلى رأسها أرامكو من الطرف الخليجي، ويبرز دور شركات النفط الهندية من الطرف الهندي.

ولكن الأمر لا يقتصر على إنتاج الأكسجين وتصديره. شركات النفط هي من الشركات القليلة التي تستطيع نقله. حتى شركات النفط الهندية استخدمت شاحنات النيتروجين وغيرها لنقل الأكسجين السائل، كما شُحن هذا النوع من الشاحنات وأسطوانات خاصة لنقل الأكسجين من شركات النفط حول العالم، بما في ذلك شركات النفط الخليجية.

وفي الوقت الذي ظهر واضحًا للعالم دور شركات النفط في توفير الأكسجين ونقله لمساعدة مرضى كورونا، إلا أن صناعة النفط العالمية في قلب المعركة ضد كورونا منذ اليوم الأول، إذ إن أغلب المنتجات المستخدمة للوقاية مثل: الكمامات، والقفازات، والعوازل البلاستيكية، مصنوعة من النفط والغاز. حتى الحقن التي تُستخدم في التطعيم يدخل النفط والغاز في إنتاجها.

الخلاصة

خلاصة الأمر أن أعداء صناعة النفط لا يدركون أن هذه الصناعة هي التي تنقذ العالم الآن! لا يدركون أن الصناعة التي تمنع الإنسان من أن يموت اختناقًا وهو في عذاب شديد، هي صناعة النفط.

ولكن -للأسف- هناك متطرفون بيئيون أعداء للحياة، وأعداء للإنسان، ويعتقدون أن تخفيض عدد السكان على الأرض مطلب أساسي في فكرهم المتطرف. ومن ثم فإن النفط ما زال عدوهم الأول، ليس لأنه يقتل البشر، ولكن لأنه يُنقذ حياة البشر، ويزيد نسلهم، ويُطيل أعمارهم.

*مستشار التحرير في منصة الطاقة

  • للتواصل مع الدكتور أنس الحجي (هنا).
  • للتواصل مع منصة الطاقة (هنا)

اقرأ أيضا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق