نُعَام ريدان تكتب لـ”الطاقة”: الطلب الآسيوي ينعش صادرات النفط العراقي
قفزت 10% في أكتوبر مقارنةً بسبتمبر
لا تستطيع بغداد تحمّل خفض إيراداتها عندما تكون هناك فرصة لزيادة إمدادات النفط
- وزير النفط العراقي يتوقع عودة صادرات النفط العراقية إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميا في نوفمبر
- ضغوط الأزمة المالية وإنتاج الغاز المصاحب تهددان امتثال العراق لتخفيضات أوبك+
- 70% من شحنات النفط العراقي تتجه إلى آسيا لاسيما الهند والصين
- بغداد مضطرة لزيادة الصادرات لكي تتمكن من سد عجز الموازنة وتغطية الرواتب
نُعَام ريدان*
زادت صادرات النفط العراقية، في أكتوبر/تشرين الأوّل، بنحو 10% مقارنةً بشهر سبتمبر/ أيلول، لتصل إلى 2.876 مليون برميل يوميًا. يأتي ذلك بالتزامن مع انتعاش حذر في الطلب الآسيوي على النفط، لا سيّما في الهند، أحد أهم مستوردي النفط العراقي، وثاني أكبر مستهلك للنفط في آسيا بعد الصين.
ويعكس ارتفاع الصادرات العراقية من النفط الخام حاجة بغداد إلى زيادة عائداتها النفطية لتغطية تكاليف رواتب موظّفي القطاع العامّ والمعاشات التقاعدية.
تعليقًا على ذلك، يقول همايون فلكشاهي، كبير المحلّلين في مؤسّسة كبلر للبيانات والتحليلات: "بشكل عامّ، يمكن أن نشعر حقًا بأن الهند خرجت من الإغلاق.. لقد رأينا الواردات الهندية تنتعش مقابل الكثير من السلع، ليس فقط النفط، بل أيضا غاز النفط المسال والغاز الطبيعي المسال والفحم".
ارتفع إجمالي واردات الهند من النفط الخام بنحو 448 ألف برميل يوميًا، مقارنةً بشهر سبتمبر/أيلول، وفقًا لكبلر، بالتوازي مع انتعاش استهلاك الديزل والبنزين مع تخفيف قيود الإغلاق. نمت واردات الهند من الخام العراقي إلى نحو 900 ألف برميل يوميًا، في أكتوبر/ تشرين الأوّل، من نحو 780 ألف برميل يوميًا، في أغسطس/ آب، ما أبقى العراق المورّد الأوّل للنفط، تليه السعودية.
- نُعَام ريدان تكتب لـ”الطاقة”: القطيعة مع سياسات الماضي مفتاح تطوير قطاع التكرير العراقي
-
انخفاض أسعار النفط يهبط بالاحتياطيات الأجنبية للعراق
بدأ الانتعاش في واردات الهند من النفط الخام، في أغسطس/آب، بعد شهور من ضعف الطلب بسبب تدابير الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد-19. ففي مذكّرة وُزِّعَت في 23 سبتمبر/أيلول، قالت مؤسّسة كبلر، إن واردات النفط الخام، في أغسطس/آب، شكّلت "نقطة تحوّل بالنسبة للهند"، حيث زادت بمقدار 366 ألف برميل يوميًا على أساس شهري.
وفي حدث عبر الإنترنت، يوم 13 أكتوبر/تشرين الأوّل، نقلت وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس عن وزير النفط والغاز الطبيعي الهندي، دارمندرا برادان، قوله: "سيكون الطلب على الطاقة طبيعيًا خلال الأرباع القليلة المقبلة.. الأمور تسير في المسار الصحيح".
70 % من شحنات النفط العراقي تتّجه إلى آسيا لاسيّما الهند والصين
مثل باقي منتجي النفط الإقليميّين، تأثّر العراق بتدابير الإغلاق في البلدان التي تعدّ من العملاء الرئيسيّين للنفط العراقي. ففي أبريل/نيسان، أقرّت بغداد بأنه كان شهرًا صعبًا من ناحية تحميل كمّيات النفط الخام، حيث عزفت العديد من شركات النفط- وخاصة الهندية- "عن رفع الكمّيات التي كانت متعاقَدًا على شرائها من العراق."
ومع ذلك، تغيّرت هذه الأوضاع التي تبعث على التشاؤم، منذ أبريل/نيسان، ذلك الشهر الذي شهد انهيار الطلب العالمي على النفط. وقال وزير النفط العراقي، إحسان إسماعيل، خلال اجتماع عبر الإنترنت نظّمه مجلس الأعمال العراقي يوم 5 سبتمبر/أيلول، إنّه يتوقّع أن تعود صادرات النفط العراقي "إلى أكثر من 3 ملايين برميل في اليوم، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني".
الأسواق الآسيوية
يتّجه نحو 70% من شحنات النفط الخام العراقي إلى آسيا، لاسيّما إلى الهند والصين أكبر العملاء. وبحسب مؤسّسة كبلر، كانت صادرات العراق إلى الصين قويّة أيضًا، في أكتوبر/تشرين الأوّل، واستقرّت فوق مليون برميل يوميًا.
وبالرغم من أن واردات الهند والصين من النفط العراقي يمكن أن تفسّر معظم الزيادة في صادرات البصرة العراقية، الشهر الماضي، فإن فلكشاهي يرى أن "القصّة لم تكن هي نفسها بالنسبة للصين". وأوضح أن بكين زادت وارداتها من النفط الخام عندما كانت الأسعار منخفضة، خاصّةً في أبريل/نيسان، ومايو/أيّار، ومع انهيار الطلب في أماكن أخرى، لكن "تدفّق الواردات ظلّ يتباطأ باستمرار، منذ ذلك الحين".
صادرات العراق إلى كوريا الجنوبية ترتفع إلى 150 ألف برميل يوميًا
أظهرت بيانات كبلر ارتفاع صادرات العراق أيضًا، خارج السوقين الآسيويّتين الرئيستين، فقد اقتربت الصادرات إلى كوريا الجنوبية على سبيل المثال من 150 ألف برميل يوميًا، في أكتوبر/تشرين الأوّل، بعد انخفاض في الشهر السابق.
حتّى صادرات البصرة إلى هولندا سجّلت أعلى مستوى لها، منذ أبريل/نيسان، بالرغم من أن ارتفاع حالات كوفيد-19 في أوروبّا أجبر بعض الدول على العودة إلى تدابير الإغلاق، ما قد يقلّل من الطلب على النفط.
في الوقت ذاته، تراجعت الصادرات العراقية عبر ميناء جيهان التركي، التي تتضمّن خام إقليم كردستان ، إلى أقل من 400 ألف برميل يوميًا، في أكتوبر/تشرين الأوّل، بعد أن وصلت إلى ما يقرب من 440 ألف برميل يوميًا، في سبتمبر/أيلول، بحسب بيانات كبلر، حيث ذهبت الكمّية الأكبر إلى إيطاليا.
- زيادة الطاقات الإنتاجية من المشتقّات النفطية في محافظة الأنبار العراقية
-
هل تصمد ميزانية العراق بعد انهيار أسعار النفط؟
في سياق متّصل، قالت حكومة إقليم كردستان مؤخّرًا، إن هجومًا استهدف خطّ أنابيب ينقل الخام من شمال العراق إلى جيهان، لكن التفاصيل حول الهجوم كانت شحيحة.
وألقت بغداد باللوم على حكومة إقليم كردستان في عدم امتثالها لتخفيضات الإنتاج التي ينصّ عليها اتّفاق أوبك+.
فقال وزير النفط إحسان إسماعيل، في 20 أكتوبر/تشرين الأوّل، خلال حدث عبر الإنترنت حول النفط العراقي: إن "جميع التخفيضات تأتي من الجنوب (جنوب العراق)". لكن حكومة إقليم كردستان قالت، في سبتمبر / أيلول، إنّها خفضت الإنتاج.
بعد تعيينه وزيرًا جديدًا للنفط، في يونيو/حزيران، أكّد إسماعيل "التزام العراق الكامل" باتّفاق أوبك+، لتحقيق التوازن في السوق النفطية.
ضعف الامتثال
مع ذلك، تشير القفزة في صادرات النفط العراقي إلى أن امتثاله سيضعف على الأرجح، ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا. فبالرغم من تحسّن التزام العراق بخفض الإنتاج، خلال الصيف، إلّا إن الامتثال الكامل طالما كان مهمّة شاقّة بالنسبة لبلد يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، ومقاوم للإصلاحات، بسبب طبيعة نظامه السياسي المبني على نظام المحاصصة.
خلال مؤتمر صحفي، عُقد هذا الأسبوع ، فيما يتعلّق بما تسمّى "الورقة البيضاء" للإصلاح الاقتصادي ، لم يكن بوسع وزير المالية العراقي، علي علاوي، سوى أن يكون أكثر وضوحًا بشأن الأزمة الماليّة التي تمرّ بها بغداد.
وزير النفط العراقي يتوقّع عودة صادرات النفط العراقية إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا في نوفمبر
قال علاوي: إن "العائدات النفطية الحاليّة غير كافية لتغطية متطلّبات الرواتب والتقاعد"، مشيرًا إلى تخصيص الجزء الأكبر من عائدات النفط لتغطية زيادة تكلفة الرواتب والاستحقاقات والمعاشات التقاعدية، خلال السنوات الأخيرة.
تراجعت عائدات النفط الفيدرالية من 6.163 مليار دولار، خلال كانون الثاني/يناير، إلى 1.423 مليار دولار، في أبريل/نيسان، مع تفاقم أزمة النفط، بناءً على أرقام من وزارة النفط.
وبحلول يوليو/تمّوز، زادت الإيرادات إلى 3.487 مليار دولار، لكنّها ظلّت أقلّ من 4 مليارات دولار، منذ ذلك الشهر، مع استمرار تقلّب الأسعار العالمية. وبحسب وزارة النفط ، بلغ متوسّط سعر البرميل 38.480 دولارًا، في أكتوبر/تشرين الأوّل، انخفاضًا من 40.477 دولارًا، في سبتمبر/أيلول.
بالإضافة إلى الأزمة الماليّة، تواصل عوامل أخرى التأثير على امتثال العراق لتخفيضات أوبك +. من بين هذه العوامل، المدفوعات، على أساس عقود الخدمات الفنّية، لشركات النفط العالمية العاملة في حقول النفط العراقية.
خلال الاجتماع عبر الإنترنت الذي نظّمه مجلس الأعمال العراقي يوم 5 سبتمبر/أيلول ، أشار وزير النفط إحسان إسماعيل إلى أن "نوع هذه الشراكات (مع شركات النفط العالمية) لم يسمح بأن نعتمد على على هذه الشركات لمساعدتنا في مثل هذه الأزمات (النفطية)". وأضاف بأنّها عقود "بسيطة، نعم لديها فائدة للبلد في تطوير الصناعة النفطية، ولكن لا تشكّل تكاملًا اقتصاديًّا مع هذه الشركات."
الغاز المصاحب
ليس هذا فحسب، بل تعدّ مسألة إنتاج الغاز المصاحب أيضًا عنصرًا آخر يجب مراعاته، عند النظر في امتثال العراق لتخفيضات أوبك+. فخلال محادثة خاصّة، في سبتمبر/أيلول، مع هاري إستيبانيان، الخبير البارز في معهد الطاقة العراقي، أشار إلى أن اتّفاقية خفض الإمدادات، جنبًا إلى جنب مع قيود التعويض عن عدم الالتزام بالحصص، كان لها "تأثير سلبي على مزيج الوقود لتوليد الطاقة، وهو أمر صعب للتكيّف في الأشهر المقبلة، إذا استمرّ العراق في عملية التعويض عن زيادة الإنتاج".
وأوضح إستيبانيان أن ما يعنيه هذا هو أن أيّ خفض إضافي في إنتاج الغاز المصاحب، سيعني زيادة في إمدادات الوقود السائل – زيت الغاز بشكل أساس - إلى محطّات الطاقة، حيث يعمل الغاز الطبيعي وقودًا رئيسًا.
ضغوط الأزمة الماليّة وإنتاج الغاز المصاحب تهدّدان امتثال العراق لتخفيضات أوبك+
وأضاف إستيبانيان: "يستورد العراق معظم زيت الغاز الخاصّ به. في أبريل/نيسان الماضي، خفض حجم زيت الغاز المستورد بسبب الأزمة الماليّة".
يشار إلى أن واردات المنتجات النفطية تكلّف العراق ما بين 2.5 و 3 مليارات دولار سنويًا، بحسب ورقة بحثية نشرها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، في يوليو/تمّوز.
وفي هذا الصدد، أكّد فلكشاهي، كبير المحلّلين في مؤسّسة كبلر، الصلة بين خفض الإنتاج وإنتاج الغاز المصاحب ، قائلًا: إن العراق يتطلّع إلى زيادة إنتاج الغاز المصاحب، في السنوات المقبلة، لتلبية احتياجاته من الطاقة، وربّما البدء في تقليل اعتماده على الواردات من إيران المجاورة. ومع ذلك، فقد تأثّرت هذه الخطط بأزمة النفط والتحدّيات الماليّة التي يواجهها العراق.
ولفت إلى أن الامتثال، في نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأوّل، سيرتبط أيضًا بواردات الغاز العراقية من إيران، موضّحاً أنّه "كلّما زادت واردات الغاز، قلّت حاجة العراق إلى حرق النفط الخام محلّيًا".
بدلاً من الاستهانة الكاملة بحصته في تخفيض الإنتاج، وفق اتفاق أوبك+، أظهر العراق على الأقل بعض الامتثال خلال الأشهر الماضية بالرغم من التحديات المالية والسياسية المتزايدة. لكن وسط دعوات لمعالجة المشكلة المتنامية للرواتب والمعاشات التقاعدية، لا تستطيع بغداد تحمل خفض إيراداتها عندما تكون هناك فرصة لزيادة إمدادات النفط.
*إعلامية وباحثة في شؤون النفط في منطقة الشرق الأوسط