أخبار النفطسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

نُعَام ريدان تكتب لـ"الطاقة": القطيعة مع سياسات الماضي مفتاح تطوير قطاع التكرير العراقي

صناعة التكرير تحتاج إستراتيجيات فاعلة ومحفّزات لجذب القطاع الخاصّ

خاص-الطاقة

اقرأ في هذا المقال

  • - تطوير المصافي القائمة وطاقتها الإنتاجية وكفاءتها أكثر جدوى في ظل التحديات المالية
  • - الحروب المدمرة وفشل التخطيط أبقى العراق مستوردا لمنتجات النفط المكلفة وأخرت تطوير المصافي
  • - ينبغي على بغداد تجنب المشروعات غير الواقعية على المدى القصير في ظل وضع مالي محفوف بالمخاطر
  • - واردات البنزين المنقول بحرا بلغت معدل 46 ألف برميل يوميا والديزل 24 ألف برميل حتى أغسطس

نُعَام ريدان*

في وقت سابق من هذا الشهر، تحدّث وزير النفط العراقي، إحسان عبد الجبار إسماعيل، عن أهمّية تطوير قطاع التكرير(التصفية) لدعم الاقتصاد العراقي القائم على النفط، في مواجهة أزمة النفط العالمية. وتطرّق إلى قضيّة جذب القطاع الخاصّ العراقي إلى ما يُعرف في صناعة الطاقة بقطاع المصبّ، والذي يتمثّل في تكرير النفط الخام، ومعالجة وتنقية الغاز الطبيعي الخام، وتسويق وتوزيع مشتقّات النفط والغاز.

والحقيقة أن توجيه قطاع التكرير في هذا الطريق يتطلب إستراتيجيات فاعلة، بالإضافة إلى تعديل قانون الاستثمار (في المصافي) لتحفيز القطاع الخاصّ، وغيرها من الإجراءات الكفيلة بالسير بخطى ثابتة وواثقة وناجحة في ذلك القطاع، وفقًا لبعض الخبراء في صناعة النفط العراقية.

على مرّ السنين، تراكمت تحدّيات قطاع المصبّ (التكرير والتوزيع) في البلاد، مع استمرار استيراد منتجات النفط باهظة الثمن، مثل الديزل والبنزين، لتلبية الطلب المحلّي. ومن غير المعقول أن نتوقّع أن يشرع العراق في مهمّة لإصلاح قطاع التكرير، بينما يكافح دوّامة متسارعة من المصاعب الماليّة.

لاشكّ أن التغييرات الأساسية في قطاع التكرير ستفيد البلاد، لكن ذلك سيتطلّب -في المقام الأوّل- قطيعة مع السياسات السابقة، التي عاقت إحراز تقدّم كبير في هذا المجال.

خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، بلغ متوسّط ​​واردات العراق من البنزين المنقول بحرًا، 46 ألف برميل يوميًا، بينما بلغ متوسّط ​​وارداته المنقولة بحرًا من الديزل 24 ألف برميل يوميًا، وفقًا لشركة كبلر للبيانات.

حروب مدمّرة وأزمة تخطيط

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الحروب المدمّرة والتخطيط غير الفاعل، أبقت العراق مستوردًا لمنتجات النفط باهظة الثمن، وأخّرت تطوير قطاع التكرير الحيوي.

يقول أحمد مهدي، الباحث في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "على مدى العقد الماضي، تقلّص الاهتمام تجاه عملية التخطيط لقطاع التكرير -إلى حدّ كبير- كونه مسألة ذات أولوية إستراتيجية".

وحاليًا، في ظلّ جائحة فيروس كورونا المستجدّ، التي وجّهت ضربات عنيفة لصناعة الطاقة، فإن قطاع التكرير بشكله الحالي لا يمكن أن يستمرّ لفترة طويلة.

وكان وزير النفط الأسبق، ثامر الغضبان، قد أشار، خلال مؤتمر نظّمه مركز الرافدين للحوار في بغداد، في سبتمبر/أيلول 2019، إلى أن العراق يواجه، منذ عام 2003، تحدّيات كبيرة في قطاع التكرير، وأرجع ذلك لأسباب مختلفة.

بصرف النظر عن الأضرار التي لحقت بمصافي التكرير، مثل بيجي، خلال الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا بداعش، كانت هناك مشكلات رئيسة تتعلّق بتمويل واستمرارية المشروعات، التي يعود تاريخها إلى عام 2010.

تغيير الأولويّات

في ذلك العام، توقّفت خطّة العراق لبناء أربع مصاف -على الأقلّ- لأنّها فشلت في جذب الاستثمار الأجنبي. وكتبت ربى حصري، الخبيرة في صناعة النفط العراقية ومؤسّسة موقع Iraq Oil Forum، في عام 2012، أن التغيير الأساس الذي يتعيّن على الحكومة تبنّيه، هو "إسقاط الأولويّات السياسية التي تُملي موقع إنشاء تلك المصافي، واختيار أولويات أخرى تركّز على اقتصادات السوق، وتعزّز مكانة البلاد على خريطة الطاقة العالمية المستقبلية".

وعودةً إلى عام 2010، نقلت وكالة رويترز عن وزير النفط الأسبق، حسين الشهرستاني، قوله، إن خطّة العراق كانت زيادة طاقة التكرير إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، من خلال بناء أربع مصاف جديدة، وتجديد المصافي الموجودة. بيد أن هذه الطموحات لم تتحقّق على أرض الواقع.

وحتّى يومنا هذا، هناك بعض المشروعات قيد التنفيذ، على سبيل المثال، من المقرّر أن تبدأ مصفاة كربلاء -التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 140 ألف برميل يوميًا- عملياتها في السنوات المقبلة، بعد مواجهة تأخيرات.

إقامة المصافي ليست الحلّ

ومع ذلك، فإن بناء هذه المصفاة، وتطوير أخرى في البصرة، لن ينهي واردات العراق من المنتجات النفطية، "بالرغم من اكتمال مشروع تطوير مصفاة البصرة -المقرّر العام المقبل-، واستكمال مصفاة كربلاء، بحلول 2022-23، -ما سيساعد في تحسين عائدات البنزين-، سيظلّ العراق مستوردًا صافيًا للبنزين والديزل، حتّى عام 2030"، حسبما يرى الخبير النفطي مهدي.

في إحدى أوراقه البحثية المنشورة عام 2018، أوضح مهدي كيف أن معالجة الخام العراقي تنتج مستويات عالية من زيت الوقود وتحقّق فائضًا، كما تؤدّي -في الوقت ذاته- إلى عجز في المنتجات الخفيفة.

وفيما يعكس التحدّيات الكبيرة أمام البلاد، يقول مسؤولون عراقيون، إن العراق ينفق أكثر من ملياري دولار سنويًا على استيراد البنزين والديزل. وتبدو هذه التكاليف مؤلمة الآن، بالنظر إلى الصعوبات الماليّة الناجمة عن سوء الإدارة، لعقود من الزمن، والتي تفاقمت جراء جائحة كوفيد-19.

ومن ثم، قال وزير الماليّة، علي علاوي، في 22 سبتمبر/أيلول، خلال فعالية على الإنترنت، نظّمتها مؤسّسة فرونتير إكستشينج، إن الحكومة "تعمل في ظلّ عجز شهري، يتراوح بين 3 و4 مليارات دولار.. ولا يمكن التعامل مع هذه الأزمة ما لم تُتَّخَذ إجراءات أساسية متعلّقة بالإصلاح والرقابة."

تصريحات ورديّة

أعلنت وزارة النفط -مؤخّرًا- عن خطط لتوسيع قطاع التكرير وتطويره، لكن بعض الخطط مشكوك فيها، لاسيّما أن تصريحات مماثلة صدرت عن مسؤولين سابقين، دون إحراز تقدّم يُذكر.

وفي هذا السياق، قال حامد الزوبعي، وكيل وزارة النفط لشؤون المصافي، في تصريحات نشرتها صحيفة الصباح المحلّية، في 26 سبتمبر/ أيلول، إن الحكومة الاتّحادية العراقية تسعى لزيادة طاقة التكرير، من نحو 680 ألف برميل يوميًا، إلى 1.140 مليون برميل يوميًا، في غضون عامين.

وتحدّث الزوبعي عن خطط لتركيب وحدات الأزمرة -وهي عملية تحويل جزيئات خطّية، مثل البنتان الطبيعي، إلى جزيئات متفرّعة ذات أوكتان أعلى، من أجل مزجها في بنزين المنتج النهائي- في بعض المصافي، مثل مصفاة الدورة، وهي من بين أقدم مصافي التكرير في العراق، ومصفاة الصمود -بيجي سابقًا-، حيث تهدف الوزارة إلى مضاعفة الطاقة الإنتاجية أربع مرّات -تقريبًا- من قرابة 75 ألف برميل يوميًا، إلى 280 ألف برميل.

وأضاف الزوبعي أن هناك خططًا لاستثمارات المصافي في محافظات، مثل ميسان وذي قار وكركوك، إلى جانب المشروعين الجاري تنفيذهما في كربلاء والبصرة.

تطوير المصافي

ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن العراق بحاجة إلى التركيز على تطوير مصافي التكرير الحاليّة، بدلًا من بناء مصافٍ جديدة.

في هذا السياق، يقول مهدي: "دفعت المخاوف المتزايدة بشأن الطلب على النفط والمنتجات -خاصّةً مستقبل وقود النقل ووقود الطائرات- مصافي التكرير الأخرى في الشرق الأوسط، إلى إعادة تشكيل إستراتيجيات التكرير الخاصّة بها".

ويوضّح قائلًا: إن "مصافي الغد ترتبط بالحجم والطاقة الإنتاجية والفعالية، ولا يمتلك العراق هذه المكوّنات، لذا يجب التركيز على التطوير لتحسين إنتاجية المنتجات وتلبية الطلب المحلّي (وتجنّب الواردات المكلفة)".

وتتّفق معه ربى حصري، حيث أعلنت رأيًا مماثلًا، عند سؤالها عن أسباب بناء المصافي، بدلًا من التركيز على تطوير المصافي الحاليّة، لتلبية الطلب المحلّي، مشيرةً إلى نقص التخطيط "من حيث وفورات الحجم للمشاريع ذات التمويل الضخم، مثل المصافي".

قانون الاستثمار

بالإضافة إلى ذلك، ترى ربى حصري أن الاقتصاد العراقي -المدعوم بشكل كبير- يجعل الاستثمار الأجنبي في قطاع التكرير أمرًا صعبًا.

خلال اجتماع عبر الإنترنت، نظّمه مجلس الأعمال العراقي، في 5 سبتمبر/أيلول، قال وزير النفط، إحسان عبد الجبار إسماعيل، إن وزارته تريد جذب القطاع الخاصّ العراقي إلى مشروعات المصبّ، متحدّثًا عن مبادرات، مثل إنشاء مصفاة في الزبير جنوب العراق.

ولكن، مرّةً أخرى، لا يبدو أن الحديث عن مشروعات بناء المصافي هو الحلّ الأمثل لإدارة تحدّيات التكرير في العراق، واحتياجاته من المنتجات النفطية. وعلاوةً على ذلك، ينبغي تعديل قانون الاستثمار أوّلًا، حتّى تتمكّن الحكومة من جذب القطاع الخاصّ إلى هذا النوع من الاستثمارات. فخلال حديث وزير النفط العراقي عن القطاع الخاصّ العراقي، وبالتحديد "مجتمع التجّار ورجال الأعمال"، في 5 سبتمبر/أيلول، قال: إنّه "لا يوجد إطار قانوني لإشراكهم، لكي يكونوا جزءًا من البناء الاقتصادي الحقيقي للبلد."

وبناءً على كلّ ما سبق من تجسيد لأزمة قطاع الطاقة العراقي، يتعيّن على وزارة النفط توضيح الأولويات، وتجنّب المشروعات غير الواقعية على المدى القصير، خاصّةً عندما تكون الدولة في وضع مالي محفوف بالمخاطر، مع معاناة الاقتصاد العالمي جراء كورونا.

 

*إعلامية وباحثة في شؤون النفط في منطقة الشرق الأوسط

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق