مشروع أميركي عملاق يبشر بطفرة في سوق الهيدروجين الدولية
توقّعات بوصولها إلى11 تريليون دولار بحلول 2050
حازم العمدة
- ولاية يوتا تطلق مشروعا لتخزين الهيدروجين في كهوف الملح
- تخزين الهيدروجين العقبة الرئيسية أمام سوق الهيدروجين
- الشركة المنفذة: سيصبح أكبر مستودعات الطاقة المتجددة في العالم
- المشروع يهدف لتخزين 1000 ميغاواط من الطاقة النظيفة
هل يجد العالم نفسه أمام طفرة في إنتاج الهيدروجين، بحيث تنمو سوق الهيدروجين ليبلغ حجمها 11 تريليون دولار، بحلول عام 2050، وفق بعض التوقّعات؟
العقبة الكؤود أمام الهيدروجين بصفته مصدرًا للطاقة المتجدّدة هي مشكلة التخزين، ومن ثمّ ينبغي استخدام الإنتاج على الفور، ما يعني تقليص الإنتاج في أوقات انخفاض الطلب، وإذا أردنا الوصول إلى هذه الطفرة، فإنّه ينبغي توافر احتياطيات ومخزونات كبيرة لتسريع عملية التحوّل إلى الطاقة النظيفة.
فطِنت الولايات المتّحدة إلى هذه المعضلة، لذا تبذل جهودًا مضنية لتذليلها، وتمضي قُدمًا في مشروع ضخم لتخزين الهيدروجين، قد يُحدِث تحوّلًا في هذه الصناعة.
على بعد نحو 130 ميلاً جنوب سولت لايك سيتي، عاصمة ولاية يوتا الأميركية، يعمل المهندسون على ما سيصبح تجويفًا عملاقًا في الأرض.. إنّه تكوين جيولوجي يُعرف باسم القبّة الملحيّة، وهو عمود من الملح، محاط بطبقات رسوبية، وعندما يمتلئ بالهيدروجين، يمكن أن يصبح أحد أكبر مستودعات الطاقة المتجدّدة في العالم.
- الأحلام تتحوّل لواقع.. الهند تبدأ مكافحة التلوّث بالهيدروجين والغاز
-
شاحنات تعمل بالهيدروجين تبدأ اختبارات السير في ربيع 2022
أثارت حرائق الغابات التاريخية التي دمّرت ولاية كاليفورنيا، هذا العام، مخاوف بشأن تغيّر المناخ وكيفية جعل المجتمعات مستدامة. من خلال هذا المشروع العملاق، تهدف الولاية إلى الحصول على جميع احتياجاتها من الطاقة النظيفة والمتجدّدة، بحلول عام 2045. وقال حاكم الولاية غافن نيوسوم، مؤخّرًا، إن مبيعات سيّارات الركّاب والشاحنات الجديدة التي تعمل بالغاز، ستنتهي بحلول عام 2035.
وبموجب خارطة طريق أقرّتها الجهة المنظِّمة للولاية، فإن ولاية كاليفورنيا ستحتاج ما يقرب من 25 غيغاواط من قدرات الطاقة المتجدّدة الجديدة، بما في ذلك نحو 8900 ميغاواط من التخزين، بحلول عام 2030. ويمكن أن يساعد مشروع يوتا في تحقيق هذه الأهداف.
مشروع يوتا للتخزين
يهدف مشروع التخزين المتقدّم للطاقة النظيفة (ACES) إلى بناء منشأة تخزين تحوي 1000 ميغاواط من الطاقة النظيفة، جزئيًا من خلال وضع الهيدروجين في كهوف الملح تحت الأرض.
خلال العام الماضي، أعلنت شركة ميتسوبيشي هيتاشي باور سيستمز -الأولى عالميًا في إنتاج التوربينات الغازيّة- وشركة "ماغنوم ديفيلوبمنت" -التي تمتلك كهوف الملح لتخزين الوقود السائل- أن المشروع سيجمع بين تقنيات، مثل الهيدروجين المتجدّد وخلايا وقود الأكسيد الصلب، وكذلك تخزين الطاقة من خلال تقنية الهواء المضغوط.
المشروع يشمل تقنيات الهيدروجين المتجدّد وخلايا وقود الأكسيد الصلب وتخزين الطاقة بالهواء المضغوط
سيكون لدى منشأة التخزين في البداية طاقة كافية لتزويد 150 ألف منزل بالطاقة لمدّة عام واحد، ومن المقرّر تشغيل المرحلة الأولى من المشروع، بحلول عام 2025، وستوفّر 150 ألف ميغاواط في الساعة من سعة تخزين الطاقة المتجدّدة، أي ما يقرب من 150 ضعف قاعدة تخزين بطّاريات أيون الليثيوم الحاليّة في الولايات المتّحدة، وفقًا لميتسوبيشي.
سيساعد المشروع أيضًا في معالجة مشكلة إنتاج الطاقة المتجدّدة، المتمثّلة في ضرورة استخدام الطاقة على الفور، لأن الشبكات تفتقر إلى سعة التخزين، ما قد يعني تقليص مصادر الطاقة المتجدّدة في أوقات انخفاض الطلب، ويمكن أن يؤدّي وجود احتياطيات طاقة متجدّدة على نطاق واسع، إلى تسريع التحوّل إلى الطاقة النظيفة.
إذا جرى انتخاب المرشّح الديمقراطي جو بايدن، رئيسًا للولايات المتّحدة، فإنّه قد يحوّل ما يصل إلى 1.7 تريليون دولار، على مدى 10 سنوات، إلى تدابير لتعزيز مصادر الطاقة المتجدّدة، وتسريع اعتماد السيّارات الكهربائية.
- مشروع تشيلي لإنتاج الهيدروجين “الأخضر” من طاقة الرياح
-
إسبانيا توافق على إستراتيجية الهيدروجين لتحفيز الاقتصاد منخفض الكربون
والهيدروجين الأخضر هو ذلك الذي يجري إنتاجه بطريقة صديقة للبيئة، باستخدام مصادر الطاقة المتجدّدة والنظيفة، من خلال عملية فصل جزيئات الهيدروجين عن الأكسجين الموجودة في الماء عبر عملية التحليل الكهربائي، التي تتطلّب طاقة كهربائية عالية، تأتي من مصادر نظيفة ومتجدّدة.
ومع انخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، يجري الترويج للهيدروجين الأخضر بصفته جزءًا من مزيج الطاقة الذي سينتقل بالعالم إلى مستقبل منخفض الكربون، مع تطبيقات تتراوح من إمدادات الطاقة الاستهلاكية والصناعية إلى النقل ورحلات الفضاء.
بحلول عام 2050، يمكن أن يقفز الطلب الأميركي على الهيدروجين إلى 41 مليون طنّ متري سنويًا، مقارنةً بنحو 10 ملايين حاليًا، وفقًا لدراسة أصدرها مؤخرا المختبر الوطني للطاقة المتجدّدة التابع لوزارة الطاقة الأميركية.
بعد عقود من البدايات الخاطئة، تستعدّ تكنولوجيا الهيدروجين للانطلاق، مع انخفاض تكاليف الإنتاج والتحسينات التكنولوجية والتوجّه العالمي نحو الاستدامة، وفقًا لبنك أوف أميركا.
وتتوقّع المؤسّسة أن يولّد ذلك 2.5 تريليون دولار من الإيرادات المباشرة، أو 4 تريليون دولار، إذا شملت الإيرادات المنتجات ذات الصلة، مثل المركبات التي تعمل بخلايا الوقود، مع وصول إجمالي حجم السوق إلى 11 تريليون دولار، بحلول عام 2050.
الطلب الأميركي على الهيدروجين يقفز إلى 41 مليون طنّ متري سنويًا 2025
تهتمّ الشركات الكبرى، مثل "بي بي"، وسيمنس، وشل إير ليكويد، بإنتاج الهيدروجين الأخضر، لكن جزءًا من التحدّي يتمثّل في مكان تخزين الطاقة، حتّى تكون جاهزة عند الحاجة، وهذا هو التحدّي الذي يأخذه على عاتقه مشروع التخزين المتقدّم للطاقة المتجدّدة بولاية يوتا.
ثقوب في الأرض
في هذا السياق، يقول الرئيس التنفيذي لشركة ميتسوبيشي هيتاشي باور سيستمز أميريكاز بول براوننغ: "قلّصت كاليفورنيا ما بين 150 ألفًا و 300 ألف ميغاواط/ساعة من الطاقة المتجدّدة الزائدة شهريًا، خلال ربيع عام 2020، لكنّها شهدت أوّل انقطاع للتيار الكهربائي، في أغسطس/آب، بسبب نقص الطاقة في الشبكة".
وأضاف: "تعدّ مشروعات تخزين الطاقة لفترات طويلة -كمشروعنا المصمّم لتحويل الطاقة الزائدة من الفترات التي تشهد زيادة المعروض، مثل كاليفورنيا في الربيع، إلى فترات أخرى تعاني نقص المعروض، مثل كاليفورنيا في أواخر الصيف- ضرورية لضمان تجنّب أحداث مماثلة، مع استمرارنا في اتّخاذ خطوات كبيرة نحو تحقيق الحياد الكربوني".
تخزين الوقود في كهوف الملح ليس بالأمر الجديد، لكن دور الهيدروجين المتنامي في القضاء على الانبعاثات الكربونية أعاد الاهتمام بهذا المفهوم.
يُشار إلى أن تكلفة هذا النوع من التخزين تقلّ 10 مرّات عن الخزّانات الموجودة فوق الأرض، و 20 مرّة أقلّ من مناجم الصخور الصلبة، يمتلك الاحتياطي الإستراتيجي 60 كهفًا ضخمًا، يبلغ قطرها عادةً 200 قدم، وارتفاعها 2500 قدم.
يمكن إنشاء الكهوف في قباب الملح، عن طريق الحفر في قبّة الملح، وحقن الصخر بالماء، ما يؤدّي إلى إذابة الملح. ويجري استخراج المحلول الملحي الناتج، ما يترك تجويفًا كبيرًا.
خطط أوروبّية لاستغلال كهوف الملح في تخزين الهيدروجين
وبعد ذلك تأتي الخطوة التالية، وهي تخزين الهيدروجين في الكهف، يمكن للمحلّل الكهربائي للهيدروجين تحويل الماء إلى هيدروجين باستخدام الطاقة المتجدّدة من الطاقة الشمسية ومصادر أخرى، ويمكن بعد ذلك تخزين الهيدروجين، وإعادة تحويله إلى كهرباء عند الحاجة.
في هذا الصدد، يقول براوننغ: "يتمتّع التكوين بإمكان إنشاء ما يصل إلى 100 كهف، كلّ منها قادر على استيعاب 150 ألف ميغاواط/ساعة من الطاقة.. أي ما يعادل 40 ألف حاوية من البطّاريات لتخزين مثل هذا القدر من الطاقة في كلّ كهف."
طموحات أوروبّية
بالرغم من إمكانات التخزين وتكلفة التشغيل المنخفضة وحقيقة أن توزيع الملح تحت الأرض معروف جيدًا، فقد تمّ إنشاء عدد قليل فقط من كهوف الملح لتخزين الهيدروجين.
ومع ذلك، يكتسب هذا المفهوم زخمًا سريعًا في أوروبّا، حيث تتوقّع المفوّضية الأوروبّية أن ترتفع حصّة الهيدروجين في مزيج الطاقة في أوروبّا من أقلّ من 2%، عام 2019، إلى 14%، بحلول عام 2050.
- ألمانيا توقّع مع أستراليا وتبحث مع فرنسا مشروعات طاقة الهيدروجين
-
معركة الهيدروجين الأزرق والأخضر تؤخّر الانتقال للطاقة المستدامة
-
6 دول في الاتّحاد الأوروبّي تقود حملة لدعم الهيدروجين النظيف
بتمويل من الحكومة الألمانيّة، يهدف تحالف "هيبوس" -الذي يضمّ أكثر من 100 شركة ومؤسّسة- إلى بناء كهف ملح في المثلّث الكيميائي المركزي الألماني في ولاية سكسونيا أنهالت لتخزين نحو 150 ألف ميغاواط من طاقة الهيدروجين الذي يجري توليده باستخدام طاقة الرياح.
يراجع المنظّمون حاليًا الخطط، وعندما يبدأ الملء، عام 2023 أو 2024، قد تشهد أوروبّا أوّل كهف لتخزين الهيدروجين، وفقًا لمدير المشروع، ستيفان بيرغاندر.
أوروبّا تمتلك تكوينات ملح تكفي لتخزين 85 بيتاواط/ساعة من طاقة الهيدروجين
في الوقت ذاته، اتّفقت شركة الغاز الفرنسية تيريجا وهيدروجين دو فرانس، على إطلاق مشروع "هيجيو" HyGéo التجريبي في كهف ملح مهجور بمنطقة آكيتين الجديدة، جنوب غرب فرنسا، الذي من المقرّر أن يخزّن نحو 1.5 غيغاواط/ ساعة من الطاقة، تكفي 400 أسرة، لمدّة عام.
تمتلك أوروبّا ما يكفي من تكوينات الملح في البحر والبرّ، تكفي لتخزين نحو 85 بيتاواط/ساعة من طاقة الهيدروجين، وفقًا لدراسة نشرتها، العام الجاري، المجلّة الدولية للطاقة الهيدروجينية.
بجزء من هدفها المتمثّل في أن تكون محايدة كربونيًا، بحلول عام 2050، أصدرت المفوّضية الأوروبّية مؤخرًا خارطة طريق للهيدروجين، تقول، إن النشر السريع والواسع النطاق للهيدروجين النظيف أمر أساس للاتّحاد الأوروبّي لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمقدار أقل بحلول عام 2030.
وأضافت أن "الاستثمار في الهيدروجين سيعزّز النموّ المستدام والوظائف، الأمر الذي سيكون بالغ الأهمّية في سياق التعافي من أزمة كورونا (كوفيد-19).