بعد 5 سنوات.. مشروعات الغاز الإسرائيلية "لا تغني ولا تسمن من جوع"
حتّى الآن النفوذ الجيوسياسي أكبر المكاسب
حازم العمدة
- المواطن الإسرائيلي لم يشعر بعد بالمكاسب الضخمة التي روجت لها حكومة نتنياهو
- أسعار الغاز المحلية تبلغ 3 أضعاف الأسعار العالمية
- تل أبيب: احتياطيات الغاز حولتنا إلى لاعب إقليمي ووطدت العلاقات مع جارتين عربيتين
- صندوق الثروة السيادي المأمول لم ير النور لأن الإيرادات أقل من المتوقع
- عائدات الغاز الإسرائيلية لم تتجاوز 250 مليون دولار منذ عام 2015
قبل 5 سنوات، وقّعت إسرائيل اتّفاقية تاريخية لتطوير حقول غاز كبيرة في البحر المتوسّط، بالرغم من اعتراضات سلطات مكافحة الاحتكار والمدافعين عن البيئة وحقوق المستهلك.. فهل بات المواطن الإسرائيلي الآن يشعر بالمكاسب الضخمة والمزايا التي وعدت بها تصريحات وردية للمسؤولين الإسرائيليّين؟ أم أن هذه المشروعات لا تتجاوز، حتّى الآن، الأهمّية الجيوسياسية؟
"لا".. كانت الإجابة القاطعة التي خلص إليها تقرير موسّع للأسوشيتد برس، اهتمّ برصد الواقع، وليس الوقوف عند حدّ التصريحات المنمّقة الرنّانة والوردية التي روّجت لها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، التي كانت جميعها تصبّ في أن المواطن الإسرائيلي سيشعر -أوّلًا- بمدى الفوائد والمزايا التي تتمخّض عن ثروات الغاز في منطقة البحر المتوسّط.
صحيح أن الاتّفاقية تخلّصت من احتكار شركة نوبل إنرجي -ومقرّها هيوستن-، ومجموعة ديليك الإسرائيلية، التي اكتشفت الحقول وطوّرتها، ما أدّى إلى انخفاض الأسعار، بينما تسير البلاد على المسار الصحيح، للتخلّص التدريجي من الفحم، وتوليد كلّ طاقتها الكهربائية تقريبًا من الغاز النظيف والطاقة الشمسية، بحلول عام 2025، وتصدير الغاز إلى مصر والأردن.
لكن الفوائد الماليّة لم تصل بعد إلى المستهلكين الإسرائيليّين، الذين يواصلون دفع تكاليف الكهرباء الباهظة، حتّى مع انخفاض أسعار النفط والغاز، في السنوات الأخيرة.
نفوذ جيوسياسي
نظرًا لأن التدافع على الغاز الطبيعي يخلق تحالفات ومنافسات جديدة في منطقة شرق البحر المتوسّط، تُظهر تجربة إسرائيل أنّه رغم كون اكتشافات الغاز الكبيرة يمكن أن تسفر عن نفوذ جيوسياسي، فإنّها لا تقدّم دائمًا الثروات التي وعد بها السياسيّون.
تقول حكومة تل أبيب، إن احتياطيات الغاز حوّلت إسرائيل إلى لاعب إقليمي، ووطّدت العلاقات مع جارتين عربيّتين.
- حقل ليفياثيان الإسرائيلي يخفض إنتاج الغاز مع تراجع الطلب
-
ديليك الإسرائيلية تبحث الاندماج مع “إيثاكا” لتعويض الخسائر
وتعاونت إسرائيل أيضًا مع قبرص واليونان في خطّ أنابيب مزمع وصوله إلى أوروبّا بقيمة 6 مليارات دولار، ما عزّز وضعها في الوقت الذي تستعدّ فيه لعقد محادثات نادرة مع لبنان، هذا الأسبوع، بشأن حدودهما البحريّة المتنازع عليها.
لكن ما يسمى بخطّ أنابيب إيستميد (خطّ أنابيب شرق المتوسّط) زاد من حدّة التوتّرات مع تركيا، وهو محفوف بالتحدّيات السياسية واللوجستية، وقد يثبت أنّه غير مُجدٍ إذا ظلّت أسعار الغاز منخفضة، وسرّعت أوروبّا من تحوّلها إلى الطاقة المتجدّدة.
عند إبرام اتّفاقية الغاز، عام 2015،، وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "بمئات الملايين من الشواقل (العملة الإسرائيلية) للتعليم والرفاهية والصحّة لكلّ مواطن"، لكن صندوق الثروة السيادي المأمول لم ير النور بعد، لأن الإيرادات كانت أقلّ من المتوقّع.
250 مليون دولار
لم تتجاوز عائدات إسرائيل من الغاز 250 مليون دولار سنويًا، منذ عام 2015، أي أقلّ من 1% من أحدث ميزانية عامّة للبلاد، والتي تبلغ نحو 135 مليار دولار.
قبل اتّفاقية الغاز الإطارية لعام 2015، كانت الشراكة بين "نوبل إنرجي" و"ديليك" هي المطوّر الرئيس لحقل تمار، الذي بدأ العمل فيه عام 2013، وحقل ليفياثان -أحد أكبر حقول الغاز المكتشفة في البحر المتوسّط- الذي بدأ العمل فيه السنة الماضية.
تقضي الاتّفاقية ببيع حقلين صغيرين، حيث استحوذت عليهما شركة إنرجيان اليونانية، عام 2016، ويتعيّن على ديليك بيع حصّتها في حقل تمار، العام المقبل، كما أن نوبل إنرجي -التي استحوذت عليها، مؤخّرًا، شركة شيفرون الأميركية العملاقة- مطالبةً بتقليل حصّتها.
- خسائر كبيرة بشركة ديليك الإسرائيلية في الربع الأوّل
-
“كرة لهب” جديدة تتصاعد من حقل ليفياثان الإسرائيلي
-
ديليك الإسرائيلية تتلقّى تحذيرًا حول قدرتها على الاستمرار بعد خسائر الربع الأخير
في هذا السياق، يقول وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس -وهو القوّة الدافعة وراء اتّفاقية 2015-: إن "إعادة هيكلة الصناعة أدّت إلى خفض أسعار العقود الجديدة من أكثر من 6 دولارات لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، إلى أقلّ من 4 دولارات".
وتوقّع شتاينتس، انخفاضًا إضافيا يصل إلى 25%، قائلًا "الواقع واضح جدًّا.. الأسعار، اليوم، أقلّ بكثير ممّا كانت عليه قبل الاتّفاق الإطاري".
هذا صحيح بالنسبة للعقود الجديدة، لكن السعر الذي يدفعه المستهلكون الإسرائيليّون لا يزال يتحدّد من خلال عقد عام 2012، بين تمار وشركة الكهرباء الإسرائيلية التي تديرها الدولة، حيث يرتبط بمؤشّر أسعار المستهلك الأميركي، وارتفعت بشكل مطّرد، منذ عام 2015، إلى أكثر من 6 دولارات لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، حتّى مع انخفاض الأسعار العالمية.
وكانت أوريت فركش-هكوهين، قد عملت رئيسة لسلطة المرافق العامّة في إسرائيل، في الوقت الذي كان يجري فيه التفاوض على إطار العمل، لكنّها تعرّضت للتهميش، بعد أن شدّدت على أن آليّة التسعير غير عادلة للمستهلكين.
حينها، اقترحت فركش هكوهين ربط الأسعار بسلّة دولية بدلًا من ذلك، وأن تدفع إسرائيل للتغيير، بجزء من اتّفاقية 2015.
ذلك المناخ أجبر مفوّض مكافحة الاحتكار الإسرائيلي على الاستقالة، بعد أن حذّر من أن اتّفاق 2015 لن يحقّق المنافسة في السوق، وخرج الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات، بيد أن نتنياهو تمكّن، في النهاية، من دفعها، بعدما روّج لما وصفها باعتبارات الأمن القومي.
وتدعم أوريت فركش، الكثير من الاتّفاق الإطاري، لكنّها تنتقد الحكومة في عدم إعادة التفاوض على العقد الرئيس بين شركات الغاز وشركة الكهرباء الإسرائيلية.
وقالت فركش -التي جرى تعيينها، مؤخّرًا، وزيرة للسياحة-: إنّه "عندما تتعامل مع احتكار للكهرباء، فإنك تنظّم الأسعار حتّى لا يساء استخدام السلطة".
وأضافت: "لقد كانت فرصة ضائعة أثّرت -للأسف- في تكلفة معيشة شعب إسرائيل".
أعلى من السوق الدولية
من جانبه، قال باحث الطاقة في معهد ميتفيم الإسرائيلي، غابرييل ميتشل، إن المواطنين يدفعون أسعارًا "أعلى بكثير" من تلك المتاحة في السوق الدولية.
وتابع: "واحدة من المشكلات الكبيرة التي نراها الآن، في عام 2020، مع كلّ ما حدث بعد فيروس كورونا، وانهيار أسعار الطاقة العالمية، هو أن المواطن الإسرائيلي العادي يدفع ما بين ضعفين و3 أضعاف المبلغ، مقابل وحدة من الطاقة المتوفّرة في السوق العالمية".
وفي هذا السياق، أشار ميتشل ومنتقدون آخرون، إلى عملية شراء شركة الكهرباء الإسرائيلية الأخيرة للغاز الطبيعي المسال من السوق الدولية، بسعر أقلّ ممّا تحصل عليه من الحقول الإسرائيلية.
وبلغ متوسّط سعر مركز هنري الأميركي -الذي يُنظر إليه على أنّه معيار دولي لمشتريات الغاز الطبيعي- نحو 2.75 دولارًا لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، على مدى السنوات الخمس الماضية، وانخفض إلى أقلّ من 2 دولارًا، بعد أن تسبّب الوباء في انخفاض الطلب العالمي.
ارتفع سعر غاز تمار بشكل مطّرد، خلال نفس الفترة، ولم يشهد الإسرائيليّون تغيّرًا طفيفًا في فواتير الكهرباء، منذ عام 2015، مع الرسوم الجمركية التي تحوم حول 14 سنتًا لكلّ كيلوواط/ساعة.
ولدى سؤالها عن ارتفاع الأسعار المنصوص عليها في عقد تمار، قالت شركة شيفرون الأمريكية -التي استحوذت على نوبل إنرجي، الإثنين الماضي-: إنّها "تؤمن إيمانًا راسخًا بقدسيّة العقود".
وقالت في بيان: "هذه الأيّام الأولى لنا، وبينما نواصل بناء علاقات مع جميع أصحاب المصلحة لدينا في إسرائيل، نحن على ثقة من أنّهم سيرون أن شيفرون ملتزمة ببناء علاقات موثوقة ومفيدة للطرفين".
تقول الحكومة الإسرائيلية: إن "التحوّل من الفحم إلى الغاز الطبيعي كان مفيدًا للبيئة.. حرق الغاز الطبيعي أنظف من الفحم أو النفط، ما يقلّل من تلوّث الهواء".
تسرّب الميثان
بيد أن التنقيب عن الغاز الطبيعي، ونقله، يؤدّيان إلى تسرّب غاز الميثان، الذي يحتوي على 86 ضعف احتمالية الاحترار العالمي جراء ثاني أكسيد الكربون، على مدار 20 عامًا، وفقًا لاتّحاد العلماء المهتمّين، وهي منظّمة غير ربحية للدعوة العلمية، مقرّها الولايات المتّحدة.
في يناير/كانون الثاني، بدأت إسرائيل تصدير الغاز إلى مصر، بموجب اتّفاق مدّته 10 سنوات، بقيمة 15 مليار دولار.
وفي عام 2016، توصّلت نوبل وديليك إلى اتّفاق بقيمة 10 مليارات دولار، لتصدير الغاز إلى الأردن، على مدى 15 عامًا.
- تعاون إماراتي أميركي إسرائيلي مرتقب في مجال الطاقة
-
صراع إقليمي للسيطرة على غاز شرق المتوسّط.. وتحالف رباعي في مواجهة تركيا
كان من المفترض أن تتدفّق عائدات إسرائيل الفائضة من الغاز إلى صندوق ثروة سيادي للاستثمار في الخارج، وهو طريق للثروات يستخدمه كبار المصدّرين الآخرين.
وكان من المفترض تدشين الصندوق، في عام 2018، لكنّه لم يصل بعد إلى مليار شيكل (290 مليون دولار) المطلوب لبدء الاستثمار.
تأمل السلطات في تدشين الصندوق، العام المقبل، عندما تبيع ديليك حصّتها في تمار، وعندما تكون شركة الكهرباء الإسرائيلية مؤهّلة لإعادة التفاوض بشأن عقد تمار المكلف.
ينبغي أن يؤدّي ذلك إلى انخفاض الأسعار، لكن فركش هكوهين تقول، إنّه كان يجب أن تجري هذه الخطوة قبل ذلك بكثير.
وتساءلت: "لماذا مُنِحوا حصانة كاملة بالنسبة للأسعار، ومثل هذه الفترة الطويلة من الوقت للتخلّي عن ملكيّتهم؟".